انضم المهاجم القطري المعز علي إلى مجموعة صغيرة من صانعي الأرقام القياسية في كأس آسيا الأسبوع الماضي، وأصبح رابع لاعب في تاريخ البطولة يسجل 4 أهداف في مباراة واحدة، كانت هوايته في التهديف بالمباراة التي سحق فيها المنتخب القطري نظيره الكوري الشمالي بنتيجة (6 – صفر) مفعمة بالتهليل من مشجع واحد فقط كان يحمل ألوان الدولة الخليجية.
كان ذلك أكثر مما توقعه مسؤولو الفريق، وذلك لأن كأس آسيا تُقام هذا الشهر في دولة الإمارات العربية المتحدة (أحد اللاعبين الرئيسيين في الحصار الذي تفرضه المملكة العربية السعودية على قطر الذي بدأ عام 2017)، وقد أدى بالفعل إلى إزعاج المسؤولين والصحفيين القطريين الزائرين، وكذلك المشجعين القطريين الزائرين نظرًا لعددهم الصغير.
السياسة تلوح في أفق المقاعد الخالية
لا عجب أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يحظر كل حديث عن السياسة في منافساته، لكن الكثير من الألعاب في القارة تأتي بلقاءات لا تهواها السياسة، فقد شهد كأس آسيا مواجهات بين دول يغمرها النزاع السياسي، على سبيل المثال لا الحصر، المواجهة بين الكوريتين، وفيتنام ضد كمبوديا، لكن المواجهة بين السعودية وقطر قد تكون خارج التوقعات، وهذا أحد الأسباب التي تجعل الكثيرين ينتظرون صراع كأس آسيا اليوم الخميس بفارغ الصبر.
من المرجح أن تفسح الأجواء المحيطة بالمباراة المجال لشيء أكثر اختلافًا وأكثر سياسية عندما تلتقي قطر والمملكة العربية السعودية لتحديد الفائز في المجموعة الخامسة
وقد أدى شبح الخلاف السياسي الذي يلوح في الأفق إلى ظهور أجواء مشحونة حول مباريات قطر منذ أن أسفرت القرعة عن وقوع قطر والسعودية في مجموعة واحدة، ومن المتوقع أن يتكرر هذا في مواجهة ضد السعودية اليوم الخميس 17 من يناير 2019 في تمام الساعة الخامسة بتوقيت مكة المكرمة على ملعب مدينة زايد الرياضية، في مباراة سيتحدد على مصيرها متصدر المجموعة الخامسة.
وبسبب الانعكاسات الجيوسياسية، يمكن أن تكون تلك المباراة واحدة من أكثر مباريات البطولة مشاهدة، رغم أنها لن تشمل على الأرجح الكثير من القطريين، إن وجدوا، في المدرجات، حيث يُمنع القطريون من السفر إلى الإمارات بسبب الحصار المفروض على قطر، ومن غير القانوني أيضًا إظهار الدعم لقطر في البلاد.
مشجعة من كوريا الجنوبية تساند قطر في كأس آسيا
وكانت مباراة قطر السابقة ضد كوريا الشمالية قد أُقيمت في إستاد فارغ إلى حد كبير، حيث أُعلن عن الرقم الرسمي لحضور مباراة قطر وكوريا الشمالية يوم الأحد الماضي في العين بوجود 452 مشجعًا، رغم أن العديد من الأشخاص الذين حضروا قالوا إن العدد الفعلي على الأرجح كان أقرب إلى 100 فقط، وبالمثل، كانت أرقام الحضور المنخفضة سمة من سمات واحدة من أهم بطولات كرة القدم في أول أسبوعين لها.
وقالت مصادر قطرية إن المشجع الذي كان يرفع علمًا بألوان قطر العنابي، يوم الأحد الماضي، كان امرأة كورية جنوبية كانت قد سافرت من وطنها الأصلي إلى قطر، في حين جلس رجلان آخران مجهولان بالقرب من العلم القطري، الذي بدأ وكأنه بقعة ضئيلة من الألوان في بحر من المقاعد البيضاء، وتجنب الحشد المتناثر فقط وضع رقم قياسي آخر لأدنى نسبة حضور جماهيري، بعد أن قامت مجموعتان من المشجعين بنقلها إلى وفد كوريا الشمالية.
ومن المرجح أن تفسح الأجواء المحيطة بالمباراة المجال لشيء أكثر اختلافًا وأكثر سياسية عندما تلتقي قطر والمملكة العربية السعودية لتحديد الفائز في المجموعة الخامسة، فالبلدان لم يلتقيا في ملعب كرة القدم منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 18 شهرًا، لكن مكان اللعب في عاصمة الإمارات يضيف طبقة أخرى من التوتر.
عندما تلبس الرياضة رداء السياسة
كرة القدم لديها عادة رمي المنافسين الجيوسياسيين معًا، لكن في الوقت الراهن قد لا يكون لذلك نفس الصدى الدولي الذي لازم إيران التي تغلبت على الولايات المتحدة في كأس العالم 1998 أو ألمانيا الشرقية التي هزمت ألمانيا الغربية في نفس المنافسة في ذروة الحرب الباردة، ولكن العداء كما هو واضح تمامًا.
وفي كأس آسيا، المؤامرات السياسية الكبيرة والصغيرة ليست جديدة، ففي يوم الثلاثاء، لعبت فلسطين ضد الأردن الذي كان موطنًا للاجئين الفلسطينيين لأكثر من نصف قرن، ويأتي هذا بعد يوم واحد من صدام بين الخصمين المتحاربين السابقين إيران والعراق، أما اليمن الذي يعيش على حافة المجاعة وسط هجوم طويل الأمد بقيادة السعودية على الحوثيين، فكان أيضًا من بين المشاركين لأول مرة في هذا الحدث، وقد ودع البطولة مبكرًا، وهو نفس المصير الذي لاقته سوريا.
منعت السلطات الإماراتية القطري سعود المهندي، وهو نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورئيس اللجنة المنظمة لكأس آسيا، من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عشية المنافسة بزعم عدم الحصول على إذن دخول
ليست هذه مجرد أمثلة على بلدان ذات علاقات دبلوماسية بينية ملتهبة، لكن الكأس الآسيوية التي تتنافس الفرق عليها منذ عام 1956، هي حدث إشكالي نظرًا لأمور أبعد من حدود الملاعب، فثمة منازعات إقليمية ومواجهات دينية، بل وحتى حروب بالوكالة تُعقّد أجواء المباريات بين الفِرَق الـ24 المشاركة في بطولة هذا العام.
لكن الأزمة الرئيسية في بطولة هذا العام هي الحصار المستمر لقطر التي اتهمتها دول الحصار بتمويل الإرهاب والتدخل في شؤونهم الداخلية وتوسيع علاقاتها مع إيران، وكانت الدول غاضبة بشكل خاص من دعم قطر لمجموعة من الناشطين في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك جماعات الإسلام السياسي التي يعتبرها ملوك الخليج الآخرون تهديدًا لحكمهم، وقد نفى مسؤولو قطر هذه الاتهامات بالتدخل وتمويل الإرهاب، بحجة أن استقلال بلدهم هو الذي أغضب جيرانهم.
لكن آثار الحصار على البطولة ليس من الصعب تحديدها، ففي مخالفة جديد للأعراف الرياضية والدبلوماسية منعت السلطات الإماراتية القطري سعود المهندي، وهو نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورئيس اللجنة المنظمة لكأس آسيا، من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عشية المنافسة بزعم عدم الحصول على إذن دخول، وكان قد مُنع في البداية من الصعود على متن رحلة جوية من عمان، ثم سُمح له بذلك بعد يوم واحد، بسبب خوف السلطات الإماراتية من العقوبات.
لاعبو منتخب قطر
كما منعت السلطات الإماراتية 5 صحفيين من أعضاء الوفد الإعلامي القطري من تغطية نهائيات البطولة، هؤلاء لم يحالفهم الحظ، فقد فُرض عليهم العودة من مطار دبي الدولي عقب الوصول عبر رحلة الخطوط الجوية الكويتية، رغم حصولهم على تأشيرة سفر مسبقة صادرة بالشكل الرسمي وحصولهم كذلك على موافقة رسمية من الاتحاد الآسيوي، وعلى الرغم من السماح لأحد المصورين بالدخول، في حين أن المملكة العربية السعودية لديها 47 صحفيًا ومحررًا معتمدًا للبطولة.
وما يزيد الأمور تعقيدًا هو اتفاقية البث المباشر الخاصة بالبطولة، حيث تملك مجموعة قنوات “بي إن سبورت” في قطر حقوق البث الخاصة بالحدث، ولكن العديد من أفضل الفنادق، بما في ذلك غرف الضيوف في فندق “فيرمونت”، حيث يقيم الوفد الرسمي للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، بالإضافة إلى الفنادق الملاصقة للملاعب، ترفض عرض مجموعة قنوات “بي إن سبورت”.
ومنذ بداية الأزمة، تمت قرصنة برامج ومباريات “beIN” التي دفعت قطر من أجلها مئات الملايين من الدولارات للحصول على الحقوق الحصرية، من كيان يعرف باسم “بي أوت كيو” (beoutQ)، التي تقول قطر إن مقرها في المملكة العربية السعودية، وكما هو الحال خلال نهائيات كأس العالم الصيف الماضي، تبث“beoutQ” كأس آسيا بكاملها، متجاوزةً شعار“beIN” بشعارها الخاص.
عشية انطلاق البطولة الآسيوية، أطلقت مجموعة “بي إن” الإعلامية موقعًا إلكترونيًا يكشف عملية السرقة واسعة النطاق للفعاليات الرياضية والمحتوى الترفيهي العالمي من قبل قناة “بي آوت كيو” التي تصفها بأنها عملية مدعومة من السعودية
لم تفلح بيانات منظمي كأس آسيا التي حملت كثيرًا من الإحباط والتهديد باتخاذ الإجراءات القانونية في التأثير عمليات القرصنة، بل ساعد في نشرها بعض المسؤولين، ففي البحرين، نشر ناصر بن حمد آل خليفة، نجل حاكم البلاد، مقطع فيديو على “إنستجرام” هذا الأسبوع بعد انتصار بلاده في اللحظة الأخيرة على منتخب الهند يوم الإثنين الماضي، وكان المعلَّق الذي اختاره تابعًا لقناة “beoutQ“، علمًا بأن رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سلمان بن إبراهيم آل خليفة هو عضو في العائلة المالكة بالبحرين.
وعشية انطلاق البطولة الآسيوية، أطلقت مجموعة “بي إن” الإعلامية موقعًا إلكترونيًا يكشف عملية السرقة واسعة النطاق للفعاليات الرياضية والمحتوى الترفيهي العالمي من قناة “بي آوت كيو”، التي تصفها بأنها عملية مدعومة من السعودية، وتبث عبر شركة القمر الاصطناعي “عربسات” التي تتخذ من الرياض مقرًا لها، وذلك على مدى 18 شهرًا الماضية، بحسب بيان صادر عن المجموعة الإعلامية.
وكان النزاع الأوسع ظاهرًا داخل الملاعب أيضًا، ففي مرات عديدة، بدت الشراكة بين الإمارات والسعودية في معارضتهما لقطر واضحة في اللافتات التي تعرض أعلام كلا البلدين مع المصافحة الحميمية بالأيدي.
ما هو أكبر من الصراع على زعامة المجموعة الخامسة
ما سيحدث اليوم الخميس على ملعب مدينة زايد الرياضية يبقى محط تخمين الجميع، ففي مباراة تحت 19 عامًا بين فريقي الإمارات وقطر في أكتوبر، رفض كابتن الفريق الإماراتي مصافحة نظيره القطري قبل إلقاء العملة المعدنية التي تحدد أرضية ملعب كل فريق، وحاول المسؤولون القطريون واللاعبون التقليل من السحابة السياسية التي خيمت على المشهد، وقالو إنهم يركزون على التحسن قبل بطولة كأس العالم المقبلة للرجال، والتي ستستضيفها قطر عام 2022.
وقبل ساعات من اللقاء المراقب، بدا لاعبو قطر في حالة مزاجية جيدة عندما خرجوا للتدرب عند غروب الشمس في ملعب محلي بأبو ظبي، بالإضافة إلى عدم وجود مشجعين في مبارياتهم، لم يواجه الفريق أي مشاكل مع الاتحاد الأسيوي لكرة القدم ومنظمي البطولة المحليين، بحسب المتحدث باسم الاتحاد القطري لكرة القدم علي الصلاط، لكن اللاعبين أحيطوا علمًا بتجنب مناقشة السياسة قبل مباراة المملكة العربية السعودية.
وردًا على سؤال عن التداعيات السياسية للمباراة، اعترض قائد المنتخب السعودي ومدربه، قائلين إن تلك الأفكار تخص الآخرين، وقال الأرجنتيني خوان أنطونيو مدرب المنتخب السعودي: “نحن نفكر بشكل خاص في الجزء الرياضي من اللعبة، مهما كانت القضايا المحيطة، لا يحق لنا التحدث عن أشياء خارج المباراة”.
في حين لا يوجد حل سياسي في الأفق، فقد أصبحت الرحلة المعتادة التي تستغرق 45 دقيقة من الدوحة إلى أبو ظبي بمثابة معاناة
يحتاج القطريون الآن إلى تصريح خاص للسفر إلى الإمارات، حيث يوجد العديد من أفراد العائلة، لكن دون رحلات جوية مباشرة بين الدول، سيكون على المشجعين الراغبين في حضور مباريات كأس آسيا السفر عبر بلد آخر – عادة عمان أو الكويت – حيث كان مطلوبًا من الفريق القطري أن يفعل في طريقه إلى الإمارات.
وفي حين لا يوجد حل سياسي في الأفق، فقد أصبحت الرحلة المعتادة التي تستغرق 45 دقيقة من الدوحة إلى أبو ظبي بمثابة معاناة، حتى عندما أجبر الاتحاد الآسيوي الإمارات على استضافة الأندية القطرية في دوري أبطال آسيا عام 2018، فإنه لم يكن دائمًا سهلاً، فقد استغرق ويسلي شنايدر وزملاؤه في فريق “الغرافة” القطري 18 ساعة للوصول إلى هناك في فبراير الماضي.
قد تكون رسالة كرة القدم المتعارف عليها هي السلام والنزاهة، لكن من غير المرجح أن تُحل القضايا بين البلدين قريبًا، ففكرة أن كرة القدم يمكن أن تساعد في هذا الأمر مجرد خدعة، لأن كرة القدم لا يمكن أن تكون إلا عاملاً في بيئة تسعى إلى إيجاد حل، لكنها لا يمكن أن تخلق هذه البيئة.