أظهر تأجيل تنصيب أعضاء مجلس الأمة في الجزائر الخلاف المتواصل بين الحزبين الحاكمين جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحي، خاصة بعد عدم الحسم في من سيتولى رئاسة هذا المجلس بين الرئيس الحالي عبد القادر بن صالح والطيب بلعيز مستشار الرئيس بوتفليقة.
ويعين رئيس مجلس الأمة في العادة من قبل الرئيس بوتفليقة ثم يتم التصويت على هذا التعيين من قبل أعضاء المجلس على من يتبوأ منصب الرجل الثاني في الدولة حسب ترتيب المسؤوليات في سلم القيادة في النظام الجزائري.
تأجيل
ويوم الثلاثاء الماضي لم تجر مراسم تنصيب أعضاء مجلس الأمة الجدد المنبثقين عن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان الجزائري، إضافة إلى قائمة الأعضاء الذين يعينهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضمن “كوطة” الثلث التي يمنحها له القانون.
ولم تعرف الجزائر تأجيلا لتنصيب أعضاء مجلس الأمة مثلما حدث هذه المرة، فقد تم إبلاغ الفائزين الجدد بالعودة إلى ولاياتهم بعدما قدموا الاثنين إلى العاصمة، ودون تحديد تاريخ جديد لتنصيبهم ، في وقت يرجح أن يكون ذلك الأسبوع المقبل في حال توصل صانعي القرار للاتفاق حول اسم موحد قد تسند له رئاسة مجلس الأمة، بعد أن ذهبت توقعات التنصيب يوم الخميس أيضا في مهب الريح.
وفاز في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بحصده 32 مقعدا من أصل 48 مقعدا، في حين اكتفى حزب الوزير الأول بـ 10 مقاعد فقط في نتيجة وصفت بأنها كارثية لحزب يطمح أمينه العام أن يكون مرشحا للانتخابات الرئاسية المقبلة في حال لم يترشح الرئيس بوتفليقة.
وتخفي عملية تأجيل تنصيب الأعضاء الجدد لأعضاء مجلس الأمة خلافا بين صناعي القرار في الجزائر حول من ستسند له حقيبة الرجل الثالث في الدولة، خاصة وأنه يأتي قبل أقل من 3 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في إبريل نيسان المقبل.
تجديد؟
من بين الأسماء المرشحة بقوة لتولي منصب رئيس مجلس الأمة هو عبد القادر بن صالح الذي قد يخلف نفسه في حال جدد الرئيس بوتفليقة الثقة فيه، رغم انتمائه إلى الحزب الغريم التجمع الوطني الديمقراطي.
وعرف عن بن صالح ولاءه المطلق لبوتفليقة، ما جعله يكون ممثلا له في العديد من المحطات الدولية والإقليمية، خاصة بعد تراجع الوضع الصحي لرئيس البلاد منذ إصابته بنوبة أقفارية في إبريل 2013.
لكن رغم هذا يبقى بن صالح من رجالات النظام الذي يقبل أن يكون محل مفاوضات توازن أجنحة السلطة في حال ما كان هناك رفض من طرف البعض لقرارات الرئيس بوتفليقة، ومنها الترشح لولاية رئاسية مقبلة.
وينحدر بن صالح من ولاية تلمسان مسقط الرئيس بوتفليقة، كما أنهما ينتميان إلى الجيل ذاته، فالأخير مولود في 1937 والأول في 1941.
وعمل بن صالح في الإعلام خاصة في صحيفة “الشعب” الحكومية قبل أن يلتحق بالمجال السياسي، في الثمانينات حينما انتخب نائبا عن ولاية تلمسان ثلاث عهدات متعاقبة ، كما تولى مسؤولية رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الشعبي الوطني لمدة عشرة سنوات.
وفي سنة 1989، عين سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية وممثلا دائما لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي 1993 عُيِّن مديرًا للإعلام وناطقًا رسميًا لوزارة الشؤون الخارجية.
وفي التسعينات خلال الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر،عين بن صالح عضوًا وناطقًا رسميًا “للجنة الحوار الوطني” التي قادت الحوار والتشاور بين مختلف القوى السياسية وممثلي المجتمع المدني، وأعدت ندوة الوفاق المدني (فيفري 1994) التي انبثقت عنها أرضية الوفاق الوطني التي قامت بموجبها هيئات المرحلة الانتقالية خلال الأزمة التي واجهتها البلاد عقب توقيف المسار الانتخابي.
ولأنه كان من رجالات النظام، انتخب بن صالح رئيسا للمجلس الوطني الانتقالي (برلمان المرحلة الانتقالية) الذي أوكل إليه مهام التشريع خلال تلك المرحلة، منصب مكنه في فبراير 1997 من أن يكون ضمن مؤسسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يوصف بأنه “حزب الإدارة”.
وترأس بن صالح هذا الحزب وقاده للفوز في الانتخابات التشريعية ما مكنه من رئاسة المجلس الشعبي الوطني بعد هذا الاستحقاق الذي يقول عنه حزب جبهة التحرير أنه عرف تجاوزات كثيرة وحالات تزوير مؤكدة، لكن الرجل مني عقبها بأكبر انتكاسة سياسية بعد أن فشل في حصد مقعد في انتخابات 2002 التشريعية، ليكون بذلك أول رئيس برلمان لا يتمكن من الفوز ولو بمقعد واحد في ولاية وهران التي ترشح فيها، لكن الرئيس بوتفليقة أنقذه من هذه الورطة بعد أن اقترحه رئيسا لمجلس الأمة بعد تعيينه ضمن الثلث الرئاسي.
وبعدها توالى السيناريو ذاته كل 3 سنوات في انتخابات مجلس الأمة بفوز بن صالح بمنصب الرئيس بدعم من بوتفليقة ضمن تحالف توازنات بين حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، لكن استمرار هذا المسلسل في حلقات جديدة لثلاث سنوات إضافية ابتداء من 2019 يبقى غير مؤكد هذا العام في حال ما أصبحت توازنات المرحلة القادمة التي يريدها بوتفليقة لا تصب في خانة التجديد لبن صالح.
حسابات
الجدل القائم حتى الآن بشأن خريطة الانتخابات الرئاسية المقبلة وترشح بوتفليقة من عدمه قد يعصف بحظوظ بن صالح في البقاء في منصبه، ما يجعل الطيب بلعيز وزير الدولة المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الأكثر حظا لتقلد هذا المنصب، خاصة وأن الرجل الذي تقلد مناصب سيادية منذ وصول بوتفليقة إلى سدة الحكم في 1999، بتعيينه في منصبي وزير العدل ووزير الداخلية، ثم مستشارا رئاسيا يحظى بثقة قد توصف بالعمياء من قبل الرئيس بوتفليقة ومحيطه.
وتميل كفة تعيين بلعيز بدل بن صالح عند اتخاذ احتمال عدم ترشح بوتفليقة أو تنحيه وعدم تمكنه من إكمال عهدته الرئاسية المقبلة، حيث يشير الدستور الجزائري في مادته 88 إلى أن رئيس مجلس الأمة من يقود البلاد في هذه الحالات.
وتقول المادة 88 أنه ” إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع، ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3 ) أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 90 من الدستور.”
ويتخوف الجناح الداعم للطيب بلعيز من أن يكون التجديد لبن صالح نقطة في صالح مناوئيهم بالنظر إلى بن صالح ينتمي إلى حزب يقبل لعب كل الأدوار، وأمينه العام قد يكون مرشحا بديلا في حال تخلى بوتفليقة عن الترشح لولاية جديدة.
وتأجيل تنصيب أعضاء مجلس الأمة لا يتوقف عند هذا الحد، فالأمر يتعلق أيضا بالوضع الذي يعيشه الحزب الحاكم الذي يبحث عن قيادة جديدة قوية، لذلك يطرح اسم رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم بقوة ليكون ضمن أعضاء الثلث الرئاسي في مجلس الأمة تمهيدا لعودته إلى الأمانة العامة للحزب الذي يبقى يبحث عن خليفة جمال ولد عباس منذ الإطاحة بهذا الأخير في الأشهر القليلة الماضية.
ورغم أهمية منصب رئيس مجلس الأمة في ترتيب المسؤوليات في الجزائر، يبقى لا يشكل اهتماما كبيرا للجزائريين في الظرف الحالي، بالنظر إلى أن كل الأنظار موجهة نحو الانتخابات الرئاسية والتساؤل حول ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية جديدة من عدمه