يعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام والميليشيات التابعة له، أوضاعاً معيشيًة صعبة، وسط انهيار اقتصادي للعملة السورية، إضافة إلى ندرة المحروقات والمنتجات كحليب الأطفال وغيرها، والتي يحتاجها السكان بشكل يومي، إضافة إلى ارتفاع أسعارها إن وجدت، مقابل الأسعار المتداولة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، الأمر الذي دفع الموالين إلى التذمر من حكومة النظام التي لم تجد الحلول المناسبة، لتلبية احتياجات السكان، الذين وقفوا إلى جانبها في وقت سابق.
ووجه الموالون لحكومة الأسد من مدنيين وفنانين وعسكريين انتقادات لحكومة النظام، التي تحاول أن تبرر تردي هذه الأوضاع، وشغال الناس بعام النصر بعد سيطرة قواتها على أغلب مناطق المعارضة جنوب ووسط سوريا، خلال عام 2018 في حين رد هؤلاء أن الأعوام الفائتة أثناء الحرب حسب تعبيرهم كانت أفضل من الآن لأنها تتجه نحو الأسوأ.
تردي الأوضاع المعيشية.. وارتفاع للأسعار في مناطق النظام
تستمر معاناة أهالي مدينة حلب والمحافظات الأخرى بعد تردي الأوضاع المعيشية، وندرة المحروقات ومن أبرزها الغاز المنزلي الذي لجأ إليه السكان للتدفئة، لوفرة مصروفه مقارنة مع المحروقات الاخرى، والبدائل كالكهرباء التي تنقطع لساعات، إضافة إلى الماء التي تعتمد على الكهرباء، بينما لا تبالي حكومة النظام من تردي الأحوال المعيشية خلال فصل الشتاء، وتغاضيها عن شكاوى المدنيين التي تستهدف المسؤولين، الذين لم يوجدوا الحلول لتلبية حاجات الأهالي.
تصطف طوابير من الناس في أحياء المحافظات السورية بشكل يومي في ظل هطول الأمطار محاربين برد الشتاء للحصول على اسطوانة غاز منزلي، من معتمدي الأحياء، وتضم الطوابير أطفال ونساء ورجال، الكل في انتظار دوره للحصول على اسطوانة الغاز. وتستمر الطوابير لعدة أيام بينما تتناوب أفراد العائلة في الوقوف على الدور، وفي بعض الأحيان يصل طول الطابور الواحد إلى الأحياء المجاورة، في مشهد مروع ينقل الحالة المعيشية السيئة التي وصلت إليها مناطق سيطرة النظام وميليشياته.
ميليشيات النظام تنضم إلى عمليات توزيع الغاز لنهب المدنيين
الميليشيات التي حاربت إلى جانب قوات النظام في وقت سابق هي التي تشرف على عملية توزيع اسطوانات الغاز، على السكان، وتحاول كسب أموال من المدنيين وتحتكر كميات كبيرة من الغاز، إضافة إلى توزيعها على عناصرها العاملين في صفوفها من أبناء الأحياء التي تقيم فيها. وتقف تلك الميليشيات التي تحصل على نسبة من أرباح المحروقات خلف التجار المحليون الذين يحتكرون المحروقات ويخزنوها لرفع أسعارها، الميليشيات تمنع أي ميليشيا أخرى من الاستفادة من التاجر وتحاول حمايته من قوات النظام التي فشلت في ضبط الميليشيات، بعد استياء المدنيين منها.
طوابير الغاز في حلب تستمر لأيام
من جانبهم مسؤولو النظام أوجدوا حلولاً لتوزيع اسطوانات الغاز على السكان من خلال مخاتير الأحياء التي تعتمد في توزيعها عبر الدفاتر العائلية، هذه الحلول لم تجدي نفعاً لأن الطلب أكثر من الكمية التي يوزعها المخاتير، فيما لا تستطيع العائلات التي فقدت وثيقتها الحصول على اسطوانة غاز إضافة إلى الأرامل والطلقات مما زاد الامر تعقيداً، كما انضم مسؤولو حزب البعث إلى عملية توزيع الغاز على السكان إلا أنهم لم يتمكنوا من تغطية كافة المقيمين في مختلف المحافظات السورية.
ويزداد الغضب بين الأهالي في مناطق سيطرة النظام بعد فقدانهم الدفء في ظل تدني درجات الحرارة هذا الشتاء، مما أدى إلى التهاب في الجهاز التنفسي لدى الأطفال، وخاصة حديثي الولادة، وخلال الأيام القليلة الماضية توفيت طفلة في حي بستان القصر، بعدما ساءت حالتها الصحية بينما توفيت طفلة أخرى في باب النيرب لأسباب ذاتها.
ارتفاع أسعار المحروقات في مناطق سيطرة النظام
وتباع المحروقات من بينها المازوت والبنزين والكاز في السوق السوداء بأسعار خيالية لا تستطيع العائلات المحدودة الدخل الحصول عليها، حيث بلغ سعر اسطوانة الغاز إلى 18 ألف ليرة سورية، ووصل ليتر الكاز الواحد إلى 1000 ليرة سورية أي ما يعادل 2 دولار أمريكي، بينما خصصت حكومة النظام بطاقات لتزويد السيارات بالمحروقات وفق مخصصات شهرية تختلف في السيارة الخاصة عن السيارة العامة.
وفي السياق فقد وصلت أسعار المواد الغذائية والمنتجات التي يحتاجها السكان بشكل يومي لأسعار جنونية، حيث بلغ سعر علبة حليب الأطفال 11 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 22 دولار أمريكي، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخبز الذي يعتبر أهم المكونات التي يستخدمها السوريون في عيشهم. ارتفاع الأسعار الجنوني يترافق مع ضعف رواتب الموظفين لدى النظام، وعدم موازنة السلع الغذائية مع المرتبات المقدمة لهم، مما أدى إلى استياء في صفوف الموالين للنظام، وهذا ما دفع رجل مسن إلى الانتحار في حماة قبل محاولة إنقاذه.
فيما نزحت عشرات العائلات منذ مطلع الشهر الحالي يناير ـ كانون الثاني نحو مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، بعدما اكتشفت العائلات فرق الأسعار المتداولة في مناطق النظام عن مناطق المعارضة، إذ يبلغ سعر اسطوانة الغاز في مناطق سيطرة الأخيرة شمالي حلب 4200 ليرة سورية، إضافة إلى توفر المازوت والبنزين والكاز.
سلسلة انتقادات تطال حكومة الأسد.. “الشعب السوري تعبان”
وجه عدد من الفنانون السوريون انتقادات لسلطات النظام السوري متفاعلين مع موجات الغضب واحتقان الشارع الموالي وسط سوء الأوضاع المعيشية، الأمر الذي انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد للانتقادات وبين معارض لها وسط اتهامات للفنانين، وفي مجملها تشرح الحالة المأساوية التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام.
الممثل السوري أيمن زيدان ينتقد سلطات النظام لتدهور الأوضاع المعيشية
ونشر الممثل السوري أيمن زيدان على حسابه في فيس بوك الجمعة 11 يناير ـ كانون الثاني، عدة انتقادات موجه لحكومة النظام في قوله: “ربما أحتمل كل الصعاب لكنني لا أحتمل أن أكون غريباً، لا تجعلونا غرباء، نحن من هذه الأرض التي لم تشكو يومًا، لا تسرقوا كبرياءنا ونحن نلهث خلف تفاصيل الغاز والكهرباء، تذكروا أننا سوريون”، ويشير الممثل السوري الموالي للنظام أن السلطات المسؤولة عمدت إلى رفع أسعار المحروقات والكهرباء، والسلع الغذائية في عموم المحافظات السورية.
وكتب متعجبًا “انتصرنا! لكن لا معنى للنصر إن لم تعد لنا أوطاننا التي نعرفها، تباً للصقيع والعتمة”. وأضاف زيدان على حسابه في موقع فيسبوك “لماذا تقتلون بهجتنا بالنصر، لايتوج اكليل الغار في العتمة، نحن سكان الضوء، نكره صقيعكم وعتمتكم، شمس دمشق أكبر من تبريراتكم، دعونا نتدفأ بوطننا الذي نعشق”، ولفت زيدان أن السلطات المسؤولة لم تجد الحلول التي تقي الناس من البرد القارس، في إشارة منه الوضع المعيشي المتردي.
الممثلة السورية شكران مرتجى توجه رسالة لسيدها الرئيس
وكانت قد وجهت الممثلة السورية شكران مرتجى، على حسابها في فيس بوك الأربعاء 9 يناير ـ كانون الثاني، رسالة إلى رأس النظام السوري بشار الأسد قائلة: “سيدي الرئيس الشعب تعبان مافي غاز مافي مازوت مافي بنزين مافي كهربا آجارات بيوت وصلت لمئات الألوف مافي حليب أطفال وصل حق العلبه ١١ ألف ليرة سورية”.
وأضافت مرتجى “الطرقات بشوية مطر صارت تغرق وتغرق معها ناس معتره معاشها يادوب هي البيوت فيها أهالي شهداء وجرحى ومخطوفين فيها سوريين صبروا كتير كتير اتحملوا الحرب”، فيما قد غرقت عشرات الطرقات في محافظة دمشق نتيجة أعطال في الصرف الصحي وتفرغ السلطات لنهب المدنيين من ضرائب وغيرها.
وذكرت “تجار الحرب والأزمة اللي معه مصاري بيدبر حاله اللي عنده واسطه بيزبط أموره بس الأغلبية شو يعملوا تعبنا وعود وعهود عالتلفزيونات والإذاعات معقول اللي ما مات من الحرب يموت من القهر والبرد والغلاء”. وقد أظهرت مرتجى من خلال دعوتها رأس النظام دون مسؤوليه أن بشار الأسد محاط بالأشخاص السيئين وهو غيرهم على الإطلاق.
كما أثارت مذيعة سورية موجة من الانتقادات الحادة ضدها بعد منشور كتبته على صفحتها الشخصية واطرت لحذفه لاحقاً، حيث انتقدت فيه الأوضاع الاقتصاديى والعيشية المتردية في مناطق النظام، مؤكدةً أن “الحرب لم تنته بل بدأت على من بقي في سوريا”.
حملة الغضب التي تشهدها مناطق سيطرة النظام قد تنفجر في أية لحظة على الرغم من أنها مكبوتة
وقالت الإعلامية ماجدة زنبقة “يلي زعلان انو طلع برا البلد، زعال علينا حبيبي لأنو ما طلعنا برا البلد، نحنا يلي أكلناها بإيدينا ورجلينا ولا تخلي حدا يقلك إنو خلصت الحرب ومن هالحكي لأنو هلأ بلشت الحرب، والحرب علينا يلي ضلينا وبس”. وأضافت: “الدولار ما نزل بالعكس طلع وحياتك، الكهربا ما بعرف ليش حاطين وزارة أساساً، المي مرتبطة مع الكهربا، السرقة ما وقفت، الوعود متل يلي عم يكتب على لوح تلج بنص الصيف”.
وبينت أن “الإعلام اسوأ إعلام بالعالم او تاني أسوأ إعلام مشان ما اظلمن، لك شو بدي احكيلك لإحكيلك، هي لسا ما حكيتلك انو التعامل مع المواطن اسوأ من ما كان بعد كل يلي صار”.
فيما انضم الممثل السوري بشار اسماعيل إلى جملة المنتقدين لحكومة النظام، في حين يعيش ألاف السوريون تحت وطأة القهر والظلم والخوف المستمر من أجهزة النظام الأمنية وسط تردي في الأوضاع المعيشية، ورأى معارضون سوريون أن ثورة الجياع قد بدأت على الرغم من أنها مكبوتة من أجهزة النظام الامنية وميليشياته، فيما اعتبر موالون للأسد أن هذه الانتقادات هي خيانة للجيش السوري وللوطن بحسب تعبيرهم.
وإلى ذلك تداول ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مصور يظهر عنصر سابق لدى قوات النظام، من مدينة طرطوس الساحلية، يقول فيه: “عاشت سوريا ويسقط الأسد”، تعبيراً عن الغضب المتزايد لدى موالي الأسد وخاصةً في حضنته الشعبية طرطوس.
ويظهر في الفيديو المصور محمد شمسيني على كرسي متحرك، يحمل بيده ورقة كتب عليها العبارة التي رددها، وشمسيني هو من مواليد منطقة الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وأصيب في مواجهات أثناء قتاله في صفوف الأمن العسكري لقوات النظام ضد فصائل المعارضة ببلدة خربة غزالة في محافظة درعا عام 2013. وكانت حكومة النظام أهملت جرحاها خلال فترة إصابتهم، حتى نشر موالو النظام عشرات المقاطع لشبان كانوا يعملون لصالح النظام تسببت المعارك في إعاقتهم.
حملة الغضب التي تشهدها مناطق سيطرة النظام قد تنفجر في أية لحظة على الرغم من أنها مكبوتة، فالكل يتهم المسؤولين تاركين خلفهم رأس النظام الذي تسبب في هذه الأوضاع المعيشية البائسة التي يواجهها السوريون في مختلف طبقاتهم، ولعل الثورة السورية أعطت القوة لموالي الأسد في انتقاد حكومته.