في ظل تصاعد الضربات الإسرائيلية ضد “حزب الله” في الجنوب اللبناني، برزت معلومات متضاربة خلال الأسابيع الماضية حول انسحاب عناصر الحزب من سوريا، حيث تعددت الروايات وتباينت بين تأكيد لعودة مئات من المقاتلين إلى لبنان وتفسيرات أخرى تشير إلى بقاء جزء منهم في مواقع استراتيجية في سوريا.
وبينما أشارت تقارير إلى أن الانسحاب قد يكون خطوة تكتيكية لإعادة التموضع، يرى مراقبون أن النظام السوري قد يسعى من خلال الترويج لهذه الأنباء إلى تخفيف الضغوط الإسرائيلية عليه بإظهار نفسه كمستاء من تغلغل الحزب وإيران في مناطقه.
ورغم ذلك، تظهر دلائل ميدانية على استمرار تمركز “حزب الله” في مناطق محصنة بالقلمون وحمص، بل واستقرار عائلات عناصره هناك، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا “الانسحاب” ومدى حقيقته، وإن كان يهدف إلى التهدئة المؤقتة أم يعكس تغييرات استراتيجية أعمق في العلاقة بين النظام السوري و”حزب الله”.
تباين الروايات
في 18 من الشهر الماضي نشرت وكالة “الأناضول” التركية خبرًا قالت فيه إن “المئات من عناصر حزب الله عادوا من مناطق الميادين والبوكمال في محافظة دير الزور، ومن بعض أحياء العاصمة السورية دمشق ومحافظتي حماة وحمص، إلى لبنان، عقب بدء العدوان الإسرائيلي عليه”، مشيرة إلى أن قوات من الحشد الشعبي العراقية دخلت حديثًا إلى سوريا ثم انتشرت في الأماكن التي أخلاها الحزب، فيما أكمل بعضها طريقه إلى لبنان.
إلا أن الوكالة قامت بحذف هذا الخبر بعد فترة قصيرة من نشره، رغم أن العديد من وسائل الإعلام الأخرى كانت قد اعتمدت على هذا الخبر في تغطياتها.
من جانبه كشف موقع “صوت العاصمة” نقلًا عما أسماها مصادر خاصة، عن انسحاب عناصر من “حزب الله” من معسكري الطلائع والخُميني في الزبداني بريف دمشق، بعد أن أخلوا كل المقرات والمستودعات داخل المعسكرين منسحبين إلى مكان مجهول.
وأضاف الموقع، المختص برصد أخبار دمشق وما حولها، أن عناصر من جيش النظام طالبت أصحاب الفيلات المحيطة بالمعسكرين على بعد كيلومتر، بالإخلاء الفوري وعدم تأجير أي فيلا مخصصة للإقامة السياحية في هذه الفترة، بعد أن أبلغوا سكان تلك المنطقة أن طائرات إسرائيلية ألقت منشورات تحذيرية باستهداف المنطقة بسبب انتشار عناصر “حزب الله” فيها.
وسبق ذلك ما ذكره موقع “تلفزيون سوريا” عن مصادر أسماها بالخاصة بأن نظام الأسد أغلق مكتب تجنيد كان قد افتتحه “حزب الله” بالقرب من مقام السيدة زينب بهدف استقطاب متطوعين للقتال ضمن صفوفه في جنوب لبنان، تزامن ذلك مع استدعاء “حزب الله” لأكثر من 700 عنصر غالبيتهم من وحدة الرضوان المنتشرة في القصير والقلمون وريف حمص الشرقي.
في المقابل ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”، أن أعدادًا كبيرة من الذين قَدَموا من مناطق شرق سوريا، التي تسيطر عليها ميليشيات “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات تابعة له، بقوا في المناطق التي يسيطر عليها الحزب في ريف محافظة حمص، في حين انسحبت أعداد صغيرة منهم إلى لبنان.
وأضافت الصحيفة أن أعدادًا قليلة جدًا من مقاتلي الحزب المنتشرين في قرى وبلدات منطقة القلمون الغربي بريف دمشق انسحبت إلى لبنان، وبالمقابل يأتي مقاتلون جدد وينضمون للموجودين وهم يغيّرون باستمرار أماكن وجودهم ضمن تلك المناطق خشية الغارات الإسرائيلية.
وحصل “نون بوست” من مصادر خاصة في القلمون الغربي، على معلومات نفت أي انسحابات كبيرة وملاحظة لعناصر الحزب أو إخلاء نقاط تمركزهم ومقراتهم، بل على العكس تمامًا، إذ تشهد المناطق السكنية قدوم عائلات لبنانية وخاصة من الجنوب اللبناني، ومنها من يستقر في المزارع المتطرفة والمجهزة وخاصة قرى في فليطة والجبة وعسال الورد ورنكوس، ومن العائلات من يتابع طريقه باتجاه ضواحي العاصمة دمشق بعد أيام من مكوثه.
وتطرح قضية الاستدعاءات وعودة عناصر الحزب إلى جانب تضييق النظام عليه في السيدة زينب، جملة من التساؤلات عن حقيقة الانسحاب من سوريا، وما إذا كان ذلك إجراءً تكتيكيًّا لا يتعدى مرحلة إعادة التموضع في ظل الحملة الإسرائيلية العنيفة على الجنوب اللبناني معقل “حزب الله”، والتي سبّبت انتقال عائلات عناصره إلى سوريا واستقرارهم هناك، أم هي رغبة نظام دمشق بالترويج للانسحاب ونشر تلك الرواية بعد الضغوطات الإسرائيلية عليه باعتباره الحاضن للحزب وميليشيات إيران في الجنوب السوري من جهة القنيطرة.
قبل استعراض خطوات إعادة انتشار “حزب الله” وتأثيراتها المحتملة على المشهد السوري، من الضروري النظر في نفوذ الحزب المتنامي في سوريا خلال السنوات الماضية، فقد لعب “حزب الله” دورًا كبيرًا في الصراع السوري، عبر تعزيز الوجود الإيراني ومشاركة العديد من الميليشيات في المعارك، مما ساهم في تفاقم النزاع وتصعيد حدته من خلال اعتماد أساليب القتل الطائفي، والعنف المفرط، والحصار.
مراحل التدخل
بدأ تدخل “حزب الله” في سوريا إلى جانب نظام الأسد منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، وكان تطورًا تدريجيًا يرتبط بجملة من العوامل والدوافع، فقد بدأ التدخل بعمليات دعم محدودة، لكنه سرعان ما تطور إلى تدخل واسع في عدة مناطق سورية، نظرًا لأهمية النظام السوري في العقيدة السياسية والعسكرية للحزب.
وكان الهدف من “التدخل التدريجي” تهيئة الرأي العام في البيئة الحاضنة للحزب وطائفته، لأنه كان بحاجة لمبرر فوق العادة في فعاليته وسريع التأثير، فكان أحد مفاتيح تلك المرحلة التعبئة المذهبية أولًا، ثم التزام شعار “محاربة التكفيريين” لاحقًا.
ومرّ مسار تدخل الحزب في سوريا بعدة مسارات:
- الدفاع عن قرى لبنانية 2011: تشير تقديرات إلى مشاركة مبكرة لـ”حزب الله” في الحرب، فقد اعترف الحزب لاحقًا بمشاركة بعض عناصره بقرار ذاتي للدفاع عن قراهم المحاذية للحدود السورية.
- الدفاع عن مقامات دينية 2012: تصدرت المقامات الدينية خطاب “حزب الله” وبيئته الشيعية كأحد الأسباب الموجبة للتدخل للدفاع عنها وعن استمرار ارتباطها بالشيعة إقليميًا وعالميًا، وفي هذا العام اتضحت طبيعة التدخل التنظيمية بعد مقتل أحد القادة العسكريين للحزب في القصير (محمد حسين ناصيف).
- الدفاع العلني عن شيعة لبنان 2013: برز خطابان لـ”حزب الله”، أحدهما ضرورة حفظ خط مدّ الحزب بالأسلحة عبر سوريا، والثاني الدفاع عن شيعة لبنان كإحدى أقليات المنطقة، فيما كانت معركة القصير أيار/مايو ذلك العام نقطة التحول في النزاع السوري والتدشين الرسمي لحرب “حزب الله” المعلنة مع النظام ضد المعارضين السوريين.
- الدفاع عن شيعة المنطقة 2014: لا سيما في ظل اتساع مشاركة شيعة المنطقة في الحرب السورية للدفاع عن استمرار سوريا في محور الممانعة وتعزيز دور إيران بالمنطقة.
- حرب وجود للشيعة وأقليات المنطقة 2015: ظهور تنظيم داعش يقابله “حزب الله” الذي سوّق لدعاية محاربة التكفيرين الذين يستهدفون شيعة المنطقة وجوديًا والدفاع عن أقلياتها.
- صياغة رواية جديدة 2017: التدخل العسكري هو للدفاع عن استراتيجية المقاومة بعد انحسار تنظيم الدولة وتراجع المعارضة السورية.
- انسحاب العديد من مقاتليه 2019: عُزِي القرار آنذاك إلى النجاح العسكري لنظام الأسد.
مناطق الانتشار
لا يرتبط انتشار “حزب الله” بمدة زمنية، أو بقعة جغرافية، إنما يرتبط بطبيعة العمليات العسكرية والأهداف المرسومة، واحتفظ بدرجة عالية من السرية فيما يتصل بحجم وتنظيم وأنشطة مقاتليه، من حيث إعادة الانتشار أو عودة بعضهم للبنان، أو انتقال آخرين بدلاء عنهم، لذا من الصعب تقدير عدد مقاتلي “حزب الله” في سوريا والخسائر التي مُني بها هناك، إلا أن التقديرات تشير لوجود أكثر من 7 آلاف مقاتل مع تذبذب العدد صعودًا وهبوطًا تبعًا لضرورات القتال.
فيما تركزت مهامه الأساسية في تدريب قوات النظام منذ صيف 2012 عبر الوحدة 910 (قوة كوماندوز نخبوية تعمل خارج لبنان)، وتقديم المستشارين العسكريين، وتقوية وحداتٍ قتالية محلية ذات مستوى أدنى، وعملياتٍ عسكرية مباشرة كان فيها رأس حربة.
حسب خريطة تحليلية أصدرها مركز “جسور” للدراسات أواخر 2020، فإن ميليشيات “حزب الله” تتوزع في 117 موقعًا ونقطة ضمن 9 محافظات سورية، 51 في الشمال، و31 في الجنوب، و28 في الوسط، و7 في الشرق، وتأتي حلب في المقدمة بـ38 نقطة، باعتبار وجود المعارضة الموالية لتركيا في الأرياف الشمالية، إضافة لحرص الحزب على تأمين طريق الإمداد بين شمال سوريا وجنوبها أي (طريق حلب-دمشق M5، وطريق إثريا-خناصر)، وحماية معامل الدفاع في السفيرة، وتأمين الوجود الشيعي في نبل والزهراء.
ويلاحظ تركّز الحزب في الشمال والجنوب السوري وعلى طول الشريط الحدودي مع لبنان، إذ تظهر رغبة الحزب بتوفير الحماية للعاصمة دمشق، وطرق الإمداد البري (طهران-بغداد-البوكمال-القصير-البقاع) إلى جانب حماية مناطق الشيعة وتجنيدهم وقت الحاجة، وتشكيل حزام أمني على طول الشريط الحدودي كممر إمداد بديل عن مناطق البقاع وجبل لبنان.
وشارك الحزب بالعديد من المعارك في سوريا كان أهمها:
- معركة القصير بريف حمص في 2013 والتي أدت إلى سيطرة الحزب على المنطقة حتى الآن.
- هجوم ضخم على منطقة القلمون الحدودية، حيث سيطر بالتدريج على العديد من مدنها وبلداتها وكان من أهمها، “النبك أواخر 2013 – رنكوس أبريل/نيسان 2014 – يبرود مارس/آذار 2014”.
- الاهتمام المتزايد ما بين عامي 2013 و2014 بالمناطق المحيطة بدمشق باعتبارها خطًا استراتيجيًا لإمداد الحزب بالسلاح القادم من إيران عبر طريق دمشق-بيروت السريع.
- ساهم في حصار الغوطة الشرقية وأدى الكمين الذي نصبه علي فياض “أبو علاء البوسنة” أحد قياديي حزب الله إلى مقتل 180 من المدنيين المحاصرين في منطقة العتيبة فبراير/شباط 2014، ويعتبر مهندس عمليات الحصار على الغوطة، والمخطط الرئيس للعمليات العسكرية التي أدت إلى السيطرة على بلدة “شبعا” الاستراتيجية على طريق مطار دمشق الدولي.
- المشاركة بحملة عسكرية ضخمة فبراير/شباط 2015 على “مثلث الموت” الخاضع آنذاك لسيطرة المعارضة، وهو المثلّث الواصل بين أرياف دمشق ودرعا والسويداء.
- المساهمة بمعارك السيطرة على أحياء حلب الشرقية نهاية 2016.
- توقيع اتفاق المدن الأربعة الذي قضى بإخلاء مدينتي كفريا والفوعة شمال إدلب مقابل إخلاء مدن مضايا والزبداني وسرغايا أبريل/نيسان 2017 بعد أن مارس فيها حصارًا خانقًا منذ 2015، ما ساعده على إحكام سيطرته على طول الحدود من جهة ريف دمشق.
- شارك بالسيطرة على البوكمال بوابة العراق إلى سوريا، شتاء 2017.
- فك الحصار عن قريتي نبل والزهراء الشيعيتين بريف حلب الشمالي فبراير/شباط 2020، واللّتين تعتبران الآن من أهم قواعده.
- معارك خان طومان الأولى والثانية بحلب أواخر العامين 2015 و2020، والتي سبّبت له خسائر فادحة جدًا.
هيكلية الحزب في سوريا
تركز دور “حزب الله” بدايةً في تقديم الدعم الاستشاري في المعارك، ثم تحول لدور هجومي والسيطرة على مناطق استراتيجية، إضافة لتدريب ميليشيات محلية موالية للنظام منها “الإمام المهدي” وقوات “أسد الله الغالب” التي قامت بدور كبير في الغوطة، و”قوات الرضا” النواة الأساسية لـ”حزب الله” في سوريا التي كانت تضم شيعة وسنة ينحدرون من مناطق ريفية حول مدن: حمص وحلب ودرعا ودمشق.
ويقوم الحزب على مدار وجوده في سوريا على 3 وحداث وقوة نخبوية هي قوة الرضوان، التي يسميها الجانب الإسرائيلي القيادة الشرقية لـ”حزب الله”، إضافة إلى القوات الدائمة المؤلفة من كل الوحدات، ومن المقاتلين بدوام جزئي (عناصر التعبئة) والمجنّدين الجدد الذين خضعوا لتدريب سريع.
أما الوحدات الثلاثة، فهي: الوحدة 108 والوحدة 112 والوحدة 100، وتعتبر الوحدة 108 أو الوحدة 4400 كما يطلق عليها الإعلام الإسرائيلي، الأهم والأقوى والأوسع نفوذًا بين هذه الوحدات، ومهمتها نقل إمدادات السلاح بين عواصم المحور وصولًا إلى الحدود اللبنانية.
وكانت الوحدة 112 تتولى مهمة توزيع هذه الإمدادات على مستودعات “حزب الله” في الداخل اللبناني، بينما تولت الوحدة 100 تأمين نقل قادة ومقاتلي “حزب الله” إلى جانب الخبراء الإيرانيين، ما بين لبنان وسوريا وإيران.
وكان مركز “إنتل تايمز” الإسرائيلي، في تقرير صدر في شهر مارس/آذار الفائت، أشار إلى أن عناصر الوحدة 4400 في “حزب الله”، التي تعمل في تجهيز الأسلحة الحساسة من خلال وحدات التهريب من سوريا، تنقل المعدات والموارد العسكرية إلى الأراضي اللبنانية عبر ميناء اللاذقية، قبل أن يغتال سلاح الجو الإسرائيلي قائد الوحدة محمد جعفر قصير، المعروف بلقب الحاج فادي، وخليفته القائد الجديد علي حسن غريب، الملقب أيمن أبو حسن أكتوبر/تشرين الأول الفائت.
منذ العام 2020 شهدت جبهات القتال في سوريا هدوءًا نسبيًا بعد جملة اتفاقات سياسية في أستانة، ما أفسح المجال لتنشيط اقتصاد الحرب للحزب والذي كثّف من صناعة المخدرات والاتجار بها وتصديرها، إذ يدير “حزب الله” نحو 17% من مجمل شبكات الاتجار بالمخدرات في محافظتي درعا والسويداء، وهو متورط بشكل أساسي في عمليات نقل المخدرات ومعجون الحشيش وغيرها من مواد الإنتاج الأولية للتصنيع التي تصل إلى سوريا من وادي البقاع عبر المناطق الحدودية ضمن القلمون الغربي والزبداني ومضايا والقصير.
وأنشأ عددًا من المعامل لإنتاج وتخزين الكبتاغون في مناطق عدة كنبّل ودير حافر بريف حلب، واللجاة بريف درعا، إلا أن مراكز التصنيع الرئيسة هي في القلمون على الحدود السورية اللبنانية، إضافة إلى القصير بريف حمص، حيث تقوم عناصره بنقل الشحنات إلى مرافق التوزيع جنوب سوريا تمهيدًا لتهريبها نحو الأردن فأسواق الخليج.
إعادة تموضع.. لا انسحاب
لا يخفى أن استهداف زعيم “حزب الله” حسن نصر الله في غارة إسرائيلية سبتمبر/أيلول الفائت، إلى جانب اغتيال معظم القادة الكبار وإصابة المئات من عناصر النخبة بعد الهجوم السيبراني بأجهزة “البيجر”، قد طرح استفهامًا عن حاجة الحزب الماسة لإعادة ترتيب بيته في الجنوب اللبناني وما إذا كان نفوذه العسكري الثقيل في سوريا سيمكنه من ذلك.
يرى مراقبون أن امتلاك الحزب لأعداد هائلة من المقاتلين في الجنوب اللبناني، يخل بدعاية النظام بانسحاب عدد كبير من عناصر الحزب من سوريا ووضع بعض القيود على أنشطته وعلى مكاتب التجنيد التابعة له، وذلك بهدف إرسال رسائل إيجابية بأنه لا يريد التصعيد مع تل أبيب، وأنه مستاء من وجود الحزب والإيرانيين وتغولهما على الواقع الأمني والاقتصادي والاجتماعي.
وحسب الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله فإن “في المرحلة الحالية يواجه الحزب المزيد من التحديات والضغوط الكبيرة، لذلك أعتقد أنه سيتم إعادة بناء استراتيجيات جديدة لتموضع الحزب وعلاقاته، ومنها مع النظام السوري”.
ويقول العبد الله لـ”نون بوست”: إن خطوط الإمداد تمر عبر سوريا، ويوجد أعداد من مقاتلي الحزب في سوريا، فالمصلحة بين الطرفين مصلحة وجودية ولن تتأثر بشكل كبير، لكن قد يتم الإيحاء في ظل التغييرات في المنطقة والضغوط العربية بأن العلاقة على غير ما يرام، وأن النظام يريد التخلص من النفوذ الإيراني.
النظام و”حزب الله”.. تحالف عميق
يراهن الأسد على حرب استنزاف في المنطقة يلعب فيها دور المحايد لشراء الوقت من الإسرائيليين الذين أوقعوه بين فكي كماشة، فإما إبعاد أذرع إيران من الجنوب السوري وما يمكن أن يشكله ذلك من غضب إيراني، وإما غضّ الطرف عن تمددها وبالتالي انتظار إسقاط نظامه.
ويمكن الأخذ بالحسبان، أن أهمية وجود الحزب بالنسبة للنظام تأتي انطلاقًا من حاجة الأخير لنشر قوات برية على امتداد ساحات القتال في المناطق السورية، إلى جانب انعدام الثقة في بعض أفراد القوات النظامية نظرًا لخلفيتهم الدينية (سُنة)، عدا عن الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها القوة البشرية العسكرية في النظام السوري.
وتحمل هذه المليشيات العقيدة الدينية المترسخة التي تقودهم لدعم النظام والمحافظة عليه وعلى اعتبار أن سوريا حديقة خلفية لهم ورئة يتنفسون منها، ودونها يعني حصار الحزب في جيبٍ كبير كما حماس في غزة.
لا يتوقع الباحث العبد الله أن ينسحب الحزب من سوريا، وخاصة أن المعركة بلبنان في معظمها حتى الآن جوية، فإعادة “حزب الله” لعناصره إلى لبنان يعني أن يكونوا ضحايا للقصف، ولو كان هناك اجتياح بري ربما ينسحب قسم منهم.
واعتبر أن من مصلحة الحزب بقاءهم في سوريا وتوزعهم على مناطق عديدة، وفي حالة زيادة الضغط على النظام سيلجأ إلى إعادة توزيعهم ضمن قطعاته العسكرية، وإلباسهم لباس جيشه أو الميلشيات السورية الموالية له، وخاصة أنه ما زال بحاجة لهم.
ويتفق عمار فرهاد، باحث بالشأن العسكري وجماعات ما دون الدولة، في استبعاد الانسحاب الكامل بالمعنى الفيزيائي للحزب في المنظور القريب والمتوسط، فـ”حزب الله” لا يستطيع خسارة الحديقة الخلفية له في سوريا والتي يعتمد عليها لتأمين طرق الإمداد من إيران، وكذلك لتأمين مأوى لعوائله بعد القصف الكبير الذي تعرضت له معاقله في لبنان.
مشيرًا في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن المتوقع أن يكون هناك انسحاب على مستويين، الأول على مستوى الشخصيات القيادية الميدانية والتي ستنتقل للعمل في جبهة لبنان بعد مقتل عدد كبير من القادة الميدانيين للحزب في جبهات لبنان، والثاني على مستوى الجغرافيا السورية حيث سيتم تخفيض أعداد عناصر الحزب في بعض الجغرافيات السورية التي ليست نشطة عسكريًا الآن لصالح تعزيز جبهات لبنان.
ختامًا.. يبقى استمرار علاقة “حزب الله” مع النظام المعروف ببراغماتيته المعهودة مرهونة بمدى الضغوط الإسرائيلية عليه والراغبة بطي صفحة “حزب الله” القريب من حدودها الشمالية والغربية من جهة الجولان، وما يمكن أن يحصّله النظام ثمنًا فيما إذا فكر بتحجيم “حزب الله” رأس حربة إيران في سوريا.