إن كنت من زمرة المثقفين الشغوفين بالقراءة أو من رواد المكتبات ودور النشر والنوافذ الثقافية المختلفة فحتمًا ستعبر على الأقل ولو مرة واحدة من أمام أو بداخل سور الأزبكية للكتب المستعملة والجديدة على حد سواء، فهناك ستجد ضالتك حيث الأصالة وعبق التراث الذي يفوح من بين الكتب التي غبرها تراب السنوات الطويلة.
أما إن كنت من الباحثين عن الكتب رخيصة الثمن أو التي نفدت طباعتها من الأسواق أو تلك التراثية التي تعود لعقود طويلة من الأزمنة أو حتى التي تمت طباعتها بشكل غير قانوني لأسباب ما فأنت مضطر في هذه الحالة لا مناص لزيارة هذا السور.
سور الأزبكية هو تلك المنطقة الممتدة بجوار حديقة الأزبكية الواقعة في منطقة العتبة بوسط القاهرة التي بدأت بافتراش الرصيف لبيع الكتب، ثم أصبحت تضم أكثر من مئة مكتبة صغيرة تعمل في تجارة الكتب المستعملة، وباتت في سنوات معدودة ملاذًا لكبار المثقفين وفقراء عشاق القراءة والاضطلاع غير القادرين على الأسعار الجنونية التي باتت عليها المطبوعات في دور النشر.
ظل هذا السور على مدار أكثر من 40 عامًا قبلة مئات الآلاف من المثقفين عبر مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب على وجه الخصوص في أرض المعارض بمدينة نصر بوسط القاهرة، غير أن هذا العام ربما يكون الوضع مختلفًا نسبيًا.
بعد انتقال مكان معرض القاهرة المقرر إجراؤه بعد أيام إلى حدود العاصمة وفرض السلطات المصرية حزمة من الشروط المجحفة تجاه العارضين، قرر تجار السور عدم المشاركة بعدما تلمسوا رغبة في إقصائهم عن المشهد الثقافي بصورة تدريجية ما دفعهم لتدشين مهرجان خاص بهم ردًا على هذا التوجه.
ملاذ المثقفين
نجح هذا السور رغم إمكاناته المتواضعة في فرض نفسه كأحد أبرر النوافذ الثقافية المهمة والمحورية في المناخ الثقافي المصري والعربي على حد سواء، فالثراء والتنوع المبدع الذي يتميز به في المطبوعات المعروضة ما بين كتب وقصص ومجلات ووثائق وصور وتحف فنية وثقافية نادرة، كان كفيلاً أن يضعه في مرتبة تفوق المكتبات ودور النشر ذات الصيت والشهرة الكبيرة.
محمد عيد مدير علاقات الناشرين ببنك المعلومات العربي (ASK ZAD) أكد أنه بحكم عمله كونه مديرًا للإدارة الخاصة بالتعاقدات على نشر مؤلفات المثقفين والناشرين والكتاب بالبنك المعلوماتي الأكبر في الشرق الأوسط المتخصص في توثيق المحتوى العربي ثقافيًا يرى أن سور الأزبكية هو دار النشر الأكثر أهمية في مصر على الإطلاق.
سعر إيجار المتر ارتفع من 700 و800 جنيه خلال الأعوام الماضية إلى 1500 تم تخفيضه إلى 1200 بعد ذلك هذا في الوقت الذي حصل فيه أصحاب دور النشر أعضاء اتحاد الناشرين على سعر المتر بـ960 جنيهًا فقط
عيد كشف لـ”نون بوست” أن حجم زوار تجار السور مقارنة ببقية دور النشر العارضة في معرض الكتاب تكشف وضعية الطرفين بالنسبة للقارئ والمثقف، كاشفًا أنه في كثير من الأحيان قد لا تجد موضع قدم لك بين ممرات الكتب المعروضة في السور.
كما أضاف أن هناك أسباب عدة لتفضيل القراء للسور عن غيره، على رأسها الأسعار الرخيصة للكتب، إذ إن الفارق بين الكتاب المعروض في السور ونظيره في دار النشر ربما يتجاوز 400% في بعض الأحيان، هذا بخلاف الكتب التراثية التي نفدت طباعتها ولا توجد في المكتبات العادية، إضافة إلى نوعيات محددة من المطبوعات التي يصدر قرار بوقف نشرها لأسباب سياسية أو أمنية غير أنها تعرض مع تجار السور وهو ما يفسر ثراء وتنوع رواد هذا المكان المفعم بروائح التراث وعبق التاريخ.
يتميز سور الأزبكية برخص أسعار الكتب
اتهامات وترصد
اعتاد تجار سور الأزبكية إقامة معرضهم السنوي على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلا أنهم رفضوا المشاركة هذا العام، مبررين ذلك بارتفاع أسعار الاشتراك وقرار إدارة المعرض قصر مشاركتهم على 33 فقط من أصل 108 تجار، مما اعتبروه إخلالاً بفرص المشاركة.
ثروت محمدين، واحد من أكبر تجار الكتب في السور، كشف في حديثه لـ”نون بوست” أنهم تقدموا بمذكرة جماعية للهيئة المصرية العامة للكتاب للاعتذار عن المشاركة هذا العام، معلنين المقاطعة لما بدر من إدارة المعرض من اتهامات للتجار بعرض كتب مزورة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الإيجارات بصورة تفوق قدرات التجار.
فكرة إقامة مهرجان لعرض الكتب بعيدًا عن معرض القاهرة جاءت حتى لا يتعرض أصحابها للخسارة، حيث اشترى التجار كميات كبيرة من الكتب بغرض عرضها في معرض الكتاب، لكن شروط الهيئة حالت دون ذلك
كما أضاف أن سعر إيجار المتر ارتفع من 700 و800 جنيه خلال الأعوام الماضية إلى 1500 تم تخفيضه إلى 1200 بعد ذلك، هذا في الوقت الذي حصل فيه أصحاب دور النشر أعضاء اتحاد الناشرين على سعر المتر بـ960 جنيهًا فقط؛ ما يكشف سياسة الكيل بمكيالين.
أما عن تهم التزوير التي التمست إليها الهيئة المصرية العامة للكتاب في معرض حديثها عن تضييق الخناق على تجار السور، فأشار محمدين إلى أنه لم يثبت خلال العامين الماضيين أن تم إلقاء القبض على أي تاجر بتهمة بيع كتب مزورة، متسائلاً: لو ضبط واحد أو أكثر لما يعمم الأمر ويُضر الباقي دون الاكتفاء بمعاقبة المخالف فقط؟”.
وفي المقابل قال هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، إن الهيئة لم تمنع تجار سور الأزبكية من المشاركة في معرض الكتاب، مبينًا أن عزوفهم عن المشاركة في هذه الدورة يرجع إلى رفضهم الموافقة على شروط وضوابط المشاركة في المعرض، مضيفًا أنه تمت الموافقة لمشاركة بعض التجار المنشقين عن المقاطعين لالتزامهم بالاشتراطات التي تم وضعها للمشاركة في المعرض التي بدورها تعمل على مكافحة انتشار ظاهرة الكتب المزورة بالمعرض على حد قوله.
نقل مقر معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الفضي إلى حدود العاصمة
معرض بديل
بينما تستعد هيئة الكتاب للإعداد لانطلاق اليوبيل الفضي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب أعلن تجار سور الأزبكية عن تدشين مهرجانهم الأول في الفترة من 15 من يناير إلى 15 من نوفمبر، حسبما أعلنت الصفحة الرسمية للسور على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
الصفحة كشفت أن فكرة إقامة مهرجان لعرض الكتب بعيدًا عن معرض القاهرة جاءت حتى لا يتعرض أصحابها للخسارة، حيث اشترى التجار كميات كبيرة من الكتب بغرض عرضها في معرض الكتاب، لكن شروط الهيئة حالت دون ذلك.
أما عن توقيت المهرجان أشار التجار إلى أن اختيار موعد إجازة نصف العام ليس الهدف منها مزاحمة معرض القاهرة الدولي كما يردد البعض، لكنه لاستغلال إجازة المدارس والجامعات ما يساعد على حضور جيد.
جدير بالذكر أن الكتب المقرر عرضها في هذا المعرض بحسب التجار ستكون الكتب القديمة والمستعملة، خاصة تلك التي يصعب وجودها في المكتبات ودور النشر الأخرى، مثل الكتب والموسوعات التراثية القديمة وبعض الأعمال الروائية الكلاسيكية، وتقدم بتخفضيات كبيرة لتشجيع القراء على الشراء، بينما يكون الدخول مجانًا دون تذاكر أو رسوم.
المعرض في أيامه الأولى لاقى ترحيبًا كبيرًا من الزوار والمثقفين، فعلى صفحته على “فيس بوك” علق الأديب عمر طاهر بقوله: “ماكنتش ناوي أروح معرض سور الأزبكية عشان الكتب المضروبة، بس هناك لقيت نفسي هظلم تجار الكتب الأصلية المستعملة والقديمة المحافظين على نوع بضاعتهم”، واستكمل: “كنت هحرم نفسي من شوية لُقَط مستخبية.. أينعم الجراحة استمرت 3 ساعات بس خرجت بشنطة كتب حلوة بأقل من 150 جنيهًا من غير فصال”.
الأسعار كفيلة بأن تجعل الشراء متاحًا للجميع، فبأقل مبلغ متاح من المال يمكنك الحصول على كمية لا بأس بها من الكتب والأعمال الروائية فضلاً عن الكتب المجانية التي يقدمها تجار المعرض
أما الصحفية تقى محمود فأشارت إلى أنها فوجئت بهذا الإقبال الكبير على المعرض، لافتة في حديثها لـ”نون بوست” أن زيارتها كانت من باب الفضول لا أكثر خاصة بعدما أثير بشان القيم التراثية المعروضة في هذا المهرجان، إلا أنها اكتشفت احتواءه على درر من التراث والأدب غير متوافرة في دور النشر الأخرى.
وأضافت أن الأسعار كفيلة بأن تجعل الشراء متاحًا للجميع، فبأقل مبلغ متاح من المال يمكنك الحصول على كمية لا بأس بها من الكتب والأعمال الروائية فضلاً عن الكتب المجانية التي يقدمها تجار المعرض كنوع من الترويج لمهرجانهم الأول، وتابعت: أتوقع لو استمر هذا المحفل الثقافي محافظًا على إمكاناته الحاليّة فربما ينافس معرض القاهرة الدولي خلال السنوات المقبلة إن لم يكن بديلاً له.