ترجمة وتحرير: نون بوست
مع اقتراب الصراع ضد تنظيم الدولة شرق سوريا من بلوغ مراحله الأخيرة بالتزامن مع قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من البلاد، يحاول مقاتلو التنظيم الولوج إلى الأراضي العراقية. وقد صرح العقيد في قوات حرس الحدود العراقي، صالح اليعقوبي، أنه “عادة ما يعترضنا يوميا أشخاص يريدون عبور الحدود. وإذا كانوا مسلحين، فإننا نعمد إلى ضربهم بكل العتاد والأسلحة المتوفرة لدينا”. إن مقاتلي تنظيم الدولة محاصرون، في الوقت الحالي، في عدد قليل من القرى على الضفة الشرقية لنهر الفرات.
على مدى عدة أشهر، تسببت محاولات العبور المستمرة في إبقاء حرس الحدود متيقظين للغاية خلال قيامهم بدوريات في المنطقة، إلا أن الوضع تغير خلال الأسابيع القليلة الماضية نظرا لأن الوضع الأمني بات غير واضح بشكل متزايد. وتأتي هذه التغيرات بالتزامن مع بدأ الولايات المتحدة في نقل المعدات والإمدادات العسكرية من شرق سوريا في أعقاب إعلان ترامب المفاجئ عن انسحاب القوات الشهر الماضي.
لقد أدلى اليعقوبي بتصريحاته أثناء تواجده في قاعدة عسكرية شمالي القائم، على بعد 500 متر من أقرب مواقع تمركز تنظيم الدولة في سوريا. وتعمل قوات العقيد العراقي المدعومة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع الجيش العراقي على تأمين هذا الجانب من الحدود، كما تتعاون مع قوات التحالف الأمريكية والفرنسية المتمركزة في مكان قريب.
تعمل قوات الحشد الشعبي، التي تضم بالأساس جماعات شبه عسكرية شيعية مدعومة من قبل إيران، على القيام بعدة دوريات على الحدود العراقية جنوب القائم. ويتواجد حوالي ألفا عنصر من مقاتلي تنظيم الدولة غرب السياج الحدودي والمحاصرين بين القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال ومقاتلي النظام السوري جنوبا.
يؤكد تجمهر الجماعات المسلحة على جانبي الحدود العراقية السورية اتساع الائتلاف الذي يعمل على محاربة تنظيم الدولة في المنطقة، لكنه يحيل إلى إمكانية تحول الأحداث بشكل خاطئ إذا ما استفاد المسلحون من الانسحاب الأمريكي الوشيك ليستعيدوا قوتهم ويظهروا من جديد.
لطالما تخلل الشك والريبة العلاقة القائمة بين قوات الأمن العراقية، التي تتلقى تغطية جوية ومعلومات استخباراتية واستشارات استراتيجية من الولايات المتحدة، وقوات الحشد الشعبي المدعومة من قبل إيران في مدينة القائم، التي تعد آخر مركز حضري تحرر من قبضة تنظيم الدولة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وقد أثارت سلسلة من الإعلانات المتضاربة من قبل ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين على مدار الشهر الماضي مخاوف بشأن تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قبل الأوان. ومن المتوقع أن يغادر البلاد حوالي ألفا جندي أمريكي خلال الأسابيع القليلة القادمة.
يعتقد اليعقوبي أن الانسحاب سيؤثر بشكل سلبي على قواته بنسبة 100 بالمائة، لكنه أعرب عن استعداده لحماية الحدود سواء كانت القوات الأمريكية متواجدة في سوريا أو لا. وفي الوقت الحالي، يعمل اليعقوبي وزملاؤه من حرس الحدود، الذين تم تجهيزهم وتدريبهم من قبل الولايات المتحدة، على مراقبة تحركات تنظيم الدولة على مدار الساعة باستخدام كاميرات التصوير النهارية والليلية. وعندما يكتشفون جماعات مسلحة مثيرة للريبة، يبلغون القوات الأمريكية والفرنسية لكي يشنوا بدورهم ضربات مدفعية عبر الحدود من حين لآخر.
رفض متحدث باسم القوات الأمريكية في بغداد التعليق على تأثير الانسحاب من سوريا على العمليات بالقرب من الحدود العراقية
أفاد العقيد في قوات حرس الحدود العراقي بأن “نحن لا نسمح لتنظيم الدولة بالعبور، نحن نتعامل معهم بينما لا يزالون داخل الأراضي السورية”. علاوة على ذلك، تصمم القوات الأمريكية التي تتعاون مع اليعقوبي على منع المسلحين من البحث عن ملاذ آمن في الصحراء العراقية. وقبل الانسحاب، أخبر المقدم الأمريكي كينت بارك، الذي يتمركز في مدينة القائم رفقة فوج الفرسان الثالث، “ذي إنترسبت” أن “تنظيم الدولة سيُدمر ويُهزم في وادي نهر الفرات، وسيحتاجون إلى مكان يهربون إليه، لذلك من المهم أن نحافظ على أمن الحدود”.
في المقابل، رفض متحدث باسم القوات الأمريكية في بغداد التعليق على تأثير الانسحاب من سوريا على العمليات بالقرب من الحدود العراقية، مشيرًا إلى اعتراض مكتب وزير الدفاع الذي لم يستجب لطلب التعليق. وخلال مؤتمر صحفي أجري هذا الأسبوع، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إن حكومة بلاده تشعر بالقلق من قرار الانسحاب، وهي تعمل مع الحلفاء الإقليميين بما في ذلك الحكومة السورية للتخفيف من أي عواقب سلبية.
خلال زيارة دونالد ترامب إلى قاعدة جوية أمريكية قرب القائم في فترة أعياد الميلاد، أعاد الرئيس الأمريكي التأكيد على أن قوات الولايات المتحدة ستبقى في البلاد على الرغم من مزاعم الحكومة العراقية تحقيق الانتصار على تنظيم الدولة قبل أكثر من سنة. وأضاف ترامب أنه من بين الأسباب التي تقف وراء استمرار الوجود الأمريكي في العراق هو “مراقبة إيران”، قائلا إن بلاده قد تنشر العديد من القوات العسكرية بالقرب من القائم لإجراء عمليات خاصة عبر الحدود عند الحاجة. ومنذ ذلك الحين، يزعم العديد من المسؤولين العراقيين أن الولايات المتحدة قد أقامت قواعد جديدة في العراق، إلا أن متحدثا باسم قوات التحالف الأمريكية نفى هذه المزاعم.
مقاتل من قوات الحشد الشعبي يأخذ موقعه بالقرب من الحدود العراقية السورية في القائم بالعراق، بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2018.
حتى في حال عدم تواجد المزيد من القوات الأمريكية على الحدود، فإن قرب قوات التحالف الحالية من مقاتلي الحشد الشعبي يمكن أن يحوّل القائم إلى شرارة تلهب نيران العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران. والجدير بالذكر أن المدينة تزخر بنقاط التفتيش التي يديرها الجيش العراقي، الذي يتعاون مع القوات الأمريكية، فضلا عن قوات الحشد الشعبي، مما يجعل مواطني المدينة ضحية صراع هاتين القوتين العسكريتين على منافذ المدينة.
أعلن محافظ مدينة القائم، أحمد الدليمي، أن وجود مثل هذه القوات يؤثر بشكل سلبي على المجتمع. وفي حين تدعي القوتان العراقيتان السيطرة على المدينة، يبدو أن التجار المحليين، الذين يُضطرون لجلب التصاريح الأمنية لجلب البضائع، لا يعلمون بعد من يملك النفوذ في القائم. وحيال هذا الشأن، قال الدليمي إنه “في حال وافق الجيش على عبور شاحنة ما، فإن قوات الحشد الشعبي ترفض ذلك، والعكس بالعكس”.
على الرغم من إدراج قوات الحشد الشعبي رسميا ضمن قوات الأمن العراقي، إلا أنها تعمل بشكل مستقل. وفي الوقت الذي تنتقد فيه قوات الأمن العراقية الجماعات المدعومة من طرف إيران نظرا لاتباعها جدول أعمال خاص بها، تعتبر هذه الجماعات نفسها حصنا ضد النفوذ العسكري الأمريكي. كما سبق لها في بعض الأحيان اتهام الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة بعدم الوقوف في وجه ما تعتبره قوة احتلال. ولكن بعض وحدات قوات الدفاع الشعبي السنية المعينة محليا تتعاون مع القوات الأمريكية على الرغم من أن قوتها تكون أقل من نظيراتها الشيعية في معظم الأحيان.
في ظل تواجد عدوهما المشترك على شفير الهزيمة، يبدو أن الخلافات بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات الحشد الشعبي تتعمق بشكل واضح. وفي الوقت ذاته، تعمل هذه القوات على تعزيز حضورها على طول الحدود مع سوريا، في حين تقاتل بعض وحداتها إلى جانب قوات الأسد. ومن بين هذه الوحدات كتائب “حزب الله” المصنفة جماعة إرهابية من طرف الولايات المتحدة، والتي تعتبر واحدة من ست جماعات تدين بالولاء لقوات الحشد الشعبي في سوريا.
في واقع الأمر، لا يوجد حاجز مادي على طول الحدود الجنوبية التي تسيطر عليها قوات التحالف
في الوقت ذاته، تعمل الولايات المتحدة على مراقبة المنطقة المحيطة بقاعدتها العسكرية القريبة على مدار الساعة، حيث عملت على تقسيم الأراضي مع قوات الحشد الشعبي إلى مناطق نفوذ لتجنب المواجهة بينهما، لكن ذلك لم يكن كافيا للتخفيف من وطأة التوترات. وخلال جولة في مناطق نفوذ قوات الحشد الشعبي جنوب مدينة القائم، أعلن قائد لواء الطفوف التابع لقوات الحشد الشعبي، أحمد نصر الله، عن لائحة تضم العديد من المظالم التي اقترفها الأمريكيون في حقهم. ولعل أبرز هذه المظالم، حسب رأيهم، تقويض سلطتهم من خلال دعم وحدات الحشد الشعبي السنية المحلية على حسابهم، فضلا عن استخدام الموارد المتاحة للتجسس عليهم وقصف أحد مواقعهم بصفة متعمدة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار أحمد نصر الله إلى تعرض أحد معاقل كتائب حزب الله لضربة جوية خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، في حين ذكرت مصادر إسرائيلية أنها كانت مسؤولة عن هذا الأمر. وفي المقابل، هددت قوات الحشد الشعبي بالانتقام لما حدث، لكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نفى تورطه ورفض الفكرة القائلة إنه كان يستهدف هذه القوات.
من جهته، نفى المقدم بارك هذا الأمر قائلا إن القوات الأمريكية لم تستهدف قوات الحشد الشعبي، مؤكدا أن هذه القوات تعتبر جزءًا من قوات الأمن العراقية. وأضاف كينت بارك أن قواعد الاشتباك تمنعهم من القيام بذلك، ناهيك عن أن استهداف هذه القوات لا يصب في مصلحتهم. ومع ذلك، تعتبر مدينة القائم نقطة استراتيجية على طول الممر الذي يربط بين بيروت وإيران، كما أن قوات الحشد الشعبي تسيطر على ما يناهز 200 كيلومتر من الحدود العراقية مع سوريا، مما يوفر مساحة كافية لطهران لتأمين طرق الإمداد لحلفائها في سوريا ولبنان.
في واقع الأمر، لا يوجد حاجز مادي على طول الحدود الجنوبية التي تسيطر عليها قوات التحالف، وذلك بشكل مغاير لشمال القائم الذي بنى داخله التحالف سياجا حدوديا لمنع التوغلات. وبدلا من ذلك، تتزين المواقع المتقدمة التابعة لقوات الحشد الشعبي بأعلام الجماعات المسلحة المختلفة، فضلا عن العديد من أبراج المراقبة التابعة لحرس الحدود العراقي.
أعلن مصدران تابعان لقوات الأمن العراقية ويعملان جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية أن الولايات المتحدة تهاجم قوات الحشد الشعبي عندما ترى بأنها تنشط في مناطق غير مصرح لها بالتحرك داخلها
أثناء إشارته إلى المواقع الأمامية، قال نصر الله إن هذه النقاط تمثل خط الدفاع الثاني ضد تنظيم الدولة. وبيّن القائد الشيعي أن قوات الحشد الشعبي لا تواجه التنظيم عبر الحدود، حيث أن قوات النظام السوري تسيطر على المنطقة من الجانب الآخر. وعلى الرغم من إقرار نصر الله بأن جماعته تمتلك تنسيقا جيدا مع القوات السورية، إلا أنه نفى التقارير التي تفيد بإرسال الإمدادات.
خلال مرور قافلة الحشد الشعبي عبر المناطق التي تسيطر عليها كتائب حزب الله، تلقى نصر الله مكالمة عبر الجهاز اللاسلكي مفادها أن أحد القناصين هاجم سيارة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من قاعدة أمريكية. وبناء على ذلك، ادعى نصر الله أن مثل هذه الضربات تكون في الغالب من طرف الأمريكيين، قائلا إنهم يفعلون ذلك لزعزعة استقرار المنطقة ليتمكنوا من تبرير تواجدهم باستمرار.
أعلن مصدران تابعان لقوات الأمن العراقية ويعملان جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية أن الولايات المتحدة تهاجم قوات الحشد الشعبي عندما ترى بأنها تنشط في مناطق غير مصرح لها بالتحرك داخلها. وقد أفاد أحد الدبلوماسيين الغربيين بأن مثل هذه الهجمات كانت من طرف الإسرائيليين، شأنها شأن الهجوم على معقل حزب الله.
من جهته، اتهم أحمد نصر الله القوات الأمريكية بمساعدة تنظيم الدولة، إذ أن هذا الاعتقاد غير المؤكد والسائد على نطاق واسع بين صفوف قوات الحشد الشعبي، يسلط الضوء على عمق العداوة بين الطرفين. وفي محاولة لإثبات أن قوات الحشد الشعبي كانت تتمتع بالنفوذ داخل المنطقة، هرع القائد الشيعي إلى مكان إطلاق النار وأمر قواته بالبحث في المنطقة. وما إن مرت بضعة دقائق فقط، ظهر بعض الضباط التابعون للجيش العراقي ليستقبل الطرفان بعضهما البعض بحذر شديد.
في حين يتنافس الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ويسعيان إلى السيطرة على الأراضي ونيل التقدير والثناء نظير مساهمتهما في إحباط هجمات تنظيم الدولة، فإن هذه القوات كان يجدر بها أن تكون جزءًا من قوات الأمن العراقية بالأساس. وغالبا ما يعبر ضباط الجيش والسياسيون العراقيون عن استيائهم من عدم وجود تكامل واقعي على الأرض، حيث صرح العميد الركن الذي يقود الفرقة الثامنة في الجيش العراقي عادل مولان، قائلا: “نحن لا نمتلك أي سلطة على قوات الحشد الشعبي، إنهم خارج سلسلة القيادة الخاصة بنا”.
على الرغم من عدم سيطرة تنظيم الدولة على العراق بعد الآن، إلا أن الخلايا النائمة المحيطة بالقائم ما زالت تشن العديد من الهجمات في المنطقة، على غرار حرب العصابات ضد القوى الأمنية
في ظل غياب التواصل المباشر بين القوات الأمريكية وقوات الحشد الشعبي، يعمل الجيش العراقي كوسيط بين الطرفين ويمرر المعلومات المتعلقة بتحركاتهما لتجنب المواجهات المباشرة. ويبدو هذا التوجه غير فعال نسبيا وعرضة للأخطاء ويعرقل عمليات تشارك المعلومات حول تواجد مقاتلي تنظيم الدولة في المنطقة. وفي شأن ذي صلة، قال بارك إنه “سيكون لديك ساحة معركة في أي وقت، لكننا نريد من جميع الجهات الفاعلة والقوى المختلفة أن تكون قادرة على التنسيق والتواصل فيما بينها. ومن المؤكد أن هذا سيجعل الأمور أسهل بكثير لمنع العدو من محاولة العمل حول القوات التي يفترض أنها تقاتل إلى جانب بعضها البعض”.
على الرغم من عدم سيطرة تنظيم الدولة على العراق بعد الآن، إلا أن الخلايا النائمة المحيطة بالقائم ما زالت تشن العديد من الهجمات في المنطقة، على غرار حرب العصابات ضد القوى الأمنية. ووفقا للائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، تحدُث معظم هذه الهجمات داخل الأراضي التي تسيطر عليها قوات الحشد الشعبي. ونظرا لأن المنطقة تزخر بالأنهار والأودية، فإنها تمثل مكانا جيدا لتطبيق المتمردين لتكتيكاتهم القتالية، ليشهد هذا النشاط تفاقما كبيرا في ظل عدم وجود دعم جوي ومدفعي من طرف قوات التحالف.
نفى نصر الله التقارير المتعلقة بأي هجمات لتنظيم الدولة في المناطق التي تنشط داخلها قوات الحشد الشعبي، ناهيك عن رفضه لحاجتها التعاون مع القوات الأمريكية. وقد سبق له التصريح قائلا: “أنا لست بحاجة إلى الأمريكيين أو دعمهم أو أي شيء آخر”.
المصدر: ذي إنترسبت