شهدت موريتانيا، في الفترة الأخيرة اكتشافات مهمة للغاز بصفة منفردة وأخرى مشتركة مع السينغال. اكتشافات هامة يعوّل عليها النظام الموريتاني لإنعاش الاقتصاد المتدهور، وإخراج البلاد من براهن الفقر الذي يعيش فيه، وفق قول القائمين عليه، إلا أن عدد من الموريتانيين يشككّون في مسعى النظام، مؤكّدين أن المشكل لا يكمن في قلة الثروات أو كثرتها بل في حسن استغلالها والفساد المنتشر في البلاد.
اكتشافات هامة
قبل أيام قليلة، أعلنت شركة النفط العالمية بريتش بتروليوم عن اكتشافها لحقل غاز جديد في موريتانيا على بعد 60 كلم داخل المياه الموريتانية من حقل السلحفاة المشترك مع السنغال. ويبلغ احتياطي حقل “بير الله الكبرى” حوالي 60 مليار متر مكعب وتقارب مساحة الحقل ثمانية أضعاف مساحة حقل السلحفاة، ويعتبر هذا الاكتشاف موريتاني 100٪.
وقبل ذلك، وقّع رئيسي موريتانيا والسينغال على اتفاق لتقاسم إنتاج الغاز في حقل ضخم تم اكتشافه في المياه الإقليمية المشتركة، ويجري العمل على بدء استغلاله منذ سنوات. ومن المنتظر أن يبدأ استغلال هذا الحقل الضخم خلال السنتين القادمتين، وشركة “بريتش بتروليوم” التي قدَّرت احتياطيات الحقل بــ 450 مليار متر مكعب.
البسطامي ولد تاتاه أكّد أن تسيير هذه الثورة سيكون شفافا في ظل الحكامة الرشيدة والتيسير الحسن الذي تشهده موريتانيا
ويؤكّد عديد الخبراء في هذا المجال، وجود كميات كبيرة من الغاز في أرض موريتانيا، ويقول الإعلامي الموريتاني المختص بمجال الطاقة “محمد اكا”، إن “بداية العام 2016 أكدت الأعمال الاستكشافية لشركة كوسموس أن الحوض الساحلي الموريتاني يتوفر على احتياطات كبيرة من الغاز، في حقلي آحميم الكبير – أكبر حقل للغاز في غرب إفريقيا- وبير الل، في المقطع الثامن، بالإضافة إلى حقول أخرى تأكدت معالمها في المقاطع المجاورة التي لم تصلها بعد عمليات التنقيب.”
وأضاف، “بعد سنتين فقط من إعلان هذه النتائج، قدمت 3 شركات عملاقة للتنقيب عن النفط والغاز في الحوض الساحلي الموريتاني هي ابريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية وشيل الأمريكية، ما يؤكد احتمال مضاعفة الاكتشافات السابقة عدة مرات، خلال السنوات القادمة.“
أثر إيجابي
اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة في الساحل الموريتاني، يقول “محمد اكا”، إنه “شكّل منعطفا استراتيجيا مهما، أعاد رسم السياسات التنموية في هذا البلد، وغيّر خارطة الاستمارات الخارجية والاهتمام الأجنبي بهذه السوق الواعدة التي بدأت تتشكل حول ثروة الغاز، والاحتياطات المعدنية الواعدة في ظل توفر إنتاج الطاقة، خصوصا تحسن مناخ الاستثمار، الذي حققته موريتانيا خلال السنوات الماضية.
وأضاف، “ستنعكس هذه الاكتشافات الكبيرة من الغاز إيجابيا على السوق الوطنية، على كل المستويات، لكن التأثير الأهم سيكون في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية “النظيفة”، باستخدام الغاز الطبيعي، واستغلالها في المجال الصناعي، خصوصا الصناعات الاستخراجية، لخفض تكاليف المادة الخام، ومعالجتها قبل التصدير، ما سينعكس إيجابيا على العائدات من جهة وخفض نسبة البطالة من جهة أخرى.”
من جهته، يقول الأستاذ الموريتاني الديماني محمد يحي، إن “هذه الاكتشاف الغازية الأخيرة، جاءت إثر جملة من الإجراءات التي شجعت الفاعلين في هذا المجال للاهتمام بموارد البلاد. ويقول الديماني محمد يحي في تصريح لنون بوست إن أولى هذه الإجراءات، “السياسة الأمنية التي مكنت من بسط الأمن على مختلف مناطق البلاد.”
أما ثاني هذه الإجراءات، فهي “التحسن الذي شهده مناخ الأعمال والاستثمار في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى العمل على مستوى البنى التحية وخاصة الموانئ”، وفق الأستاذ الموريتاني.
تتطلع موريتانيا إلى اكتشافات غازية جديدة
ويضيف، “كل هذه الأمور شجعت على دخول شركات عملاقة عاملة في المجال، وبالفعل تمكنت من اكتشاف عدة حقول من أهمها حقل “آحميم” المشترك مع الجارة السينغال”، وتابع، ” هذه الاكتشافات سيكون لها دور كبير في التحول الاقتصادي الذي ستشهده البلاد انطلاقا من سنة 2021 كما وعد الرئيس محمد ولد عبد العزيز مؤخرا”، وفق قوله.
بدوره، يقول الإعلامي الموريتاني البسطامي ولد تاتاه إن “هذه الاكتشافات الأخيرة عن الحقول الغازية تشكل مصدر فخر لكل الموريتانيين حيث يتطلع الجميع أن تكون هذه الحقول لها أثر إيجابي على الاقتصاد الموريتاني، وعلى البلاد ككل.”
وأضاف البسطامي ولد تاتاه في تصريح لنون بوست، “هذه الاكتشافات ستشكل قفزة نوعية لموريتانيا وذلك بجعلها من الدول المصدرة للغاز في العالم، فالثورة الغازية الجديدة ستحقق نهضة في موريتانيا وستأثر على المواطن البسيط”.
وعبّر الإعلامي الموريتاني في ثقته في أن “تسيير هذه الثورة سيكون شفافا في ظل الحكامة الرشيدة والتيسير الحسن الذي تشهده موريتانيا في فترة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز الذي أعاد لهذه البلاد ثروتها التي كانت تضيع في الماضي في صفقات الفساد.“
امعان في نهب ثروات البلاد
يستبشر الموريتانيون خيرا بهذه الاكتشافات الغازية، ويقول الناشط السياسي الموريتاني حسين حمود في هذا الشأن إن، ” اكتشافات الغاز الجديدة في عباب البحر على السواحل الموريتانية والتي تعتبر ثروة خاصة بموريتانيا باعتبار أنها غير مشتركة مع الجارة السنغال تبشر بنقل موريتانيا من مصاف الدول ذات النسبة العالية في معدل من يعيشون تحت خط الفقر إلى واحدة من اغنى ان لم تكن لتكون اغنى دولة بالفعل في المغرب العربي، لأن تعداد السكان صغير جدا وحجم ثروة الغاز المقدرة بالإضافة إلى الثروات الأخرى كفيل بذلك.”
ويستدرك حسين حمود بقوله، ” لكن هذه الثروة قد تتبخر أدراج الرياح وتختفي هذه الأحلام الوردية كما تلاشت من قبلها مبشرات ظهور النفط في سنوات الألفين إذا استمرت نفس سياسة النهب والتفقير الممنهج التي اتبعها نظام ولد عبد العزيز الايل للأفول قريبا إن شاء الله.”
تقدر نسبة البطالة في موريتانيا بـ33%، وترفض الحكومة الاعتراف بارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، وتعتبر أنها لا تتجاوز 10%
وأوضح الناشط السياسي الموريتاني، أنّ “هذا النظام اعتمد على أربعة ركائز رئاسية من أجل الامعان في نهب ثروات البلاد وتفقير الناس بهدفين اثنين هما مواصلة السيطرة على الشعب والبقاء أكثر من أجل نهب أكبر.”
وتتمثل الركائز الخمسة وفق حسين حمود في “تعتيم إعلامي مطلق وعدم شفافية في كل ما يخص الاقتصاد والصفقات العمومية، وارتهان الإدارة والوزارات لشخص الرئيس مباشرة، وزرع الفتنة وضرب مكونات الشعب بعضها ببعض، فضلا عن استحداث طبقة جديدة من رجال أعمال مشبوهين ولوبيات نهب كثير منها هو مجرد واجهة لأموال الرئيس وأسرته، إلى جانب تسيس القضاء خدمة لشخص الرئيس.”
مخاوف من الفساد
“اكتشافات الغاز التي أعلن عنها مؤخرا تبشر من الناحية النظرية، لكن أعتقد أنها لن تكون إلا كما سبقها من الموارد فمن لم يشتم رائحة السمك التي تزكم الأنوف فبالطبع لن يشتم رائحة الغاز، ” يقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الشيخ يب أعليات.
يتهم نظام ولد عبد العزيز بالفساد
ويضيف الباحث الموريتاني في تصريح لنون بوست، ” المشكلة في موريتانيا لا تكمن في قلة الموارد فالبلد يمتلك مقومات اقتصادية هائلة حتى قبل اكتشاف الغاز مثل الحديد والسمك والذهب والنحاس، وهذه الموارد قادرة أن تجعل موريتانيا من أغنى دول المنطقة لو سيرت بشكل شفاف نظرا لقلة سكانها.“
وأكّد الشيخ يب أعليات أن “المشكلة التامة تكمن في فساد الأنظمة المتعاقبة على الدولة فلم تحظ موريتانيا منذ استقلالها على نظام يسعى إلى بنائها وتحقيق تقدم رفاهية الشعب المغلوب على أمره. فالهم الأول لكل الأنظمة وحكوماتها هو الترف الذاتي على حساب المواطنين وتحويل أموال الشعب إلى البنوك الدولية والبناء فيها ريثما يفرغوا لها. هذا بالإضافة إلى قلة الخبرة في استغلال تلك الموارد والاعتماد على الشركات الأجنبية التي تأخذ نصيب الأسد وتزيد عليه من دون أن تجد رادع أو واعي لما تنهب من خيرات الشعب. “
وتقدر نسبة البطالة في موريتانيا بـ33%، وترفض الحكومة الاعتراف بارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، وتعتبر أنها لا تتجاوز 10%، إلا أن إحصاءات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ودراسات الباحثين تؤكد أن ثلث الشباب في موريتانيا يعانون من البطالة، وتسجل موريتانيا أعلى معدل للبطالة في صفوف الرجال حول العالم، وتبلغ نسبة الفقر في موريتانيا 46% من مجموع السكان، 75% من الفقراء من سكان الأرياف، مما يجعل الفقر ظاهرة ريفية بامتياز.