ترجمة وتحرير: نون بوست
شهد السودانيون يوم السبت مرور شهر كامل على اندلاع مظاهرات في كافة أنحاء البلاد، تعد هي الأهم من نوعها خلال فترة الحكم الدكتاتوري للرئيس عمر حسن البشير، التي استمرت 30 عاما.
يشار إلى أن حشود المتظاهرين، الذين تتراوح أعمار أغلبهم بين العشرينات وما أقل، قد جوبهوا بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي. كما تم حبس الآلاف في إطار موجات اعتقال واسعة النطاق، وقد قتل ما لا يقل عن 40 شخصا، بحسب منظمات حقوق إنسان.
وخلال الأيام الماضية، ظل المتظاهرون يتجمهرون بشكل يومي تقريبا في شوارع مدن السودان. وهم ينددون بما يعتبرونه فساد نظام عمر البشير، وجرائمه ضد الإنسانية، وطريقة إدارته الكارثية للاقتصاد، التي ركزت بشكل أساسي على الإنفاق العسكري فيما واصلت رفع أسعار المواد الأساسية مثل الطحين.
بعد نجاحه على مدى عقود في استغلال الانقسامات الإثنية والعرقية في السودان، بين العرب الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل، والإثنيات الإفريقية التي تعيش في منطقة دارفور السودانية، يبدو أن هنالك جيلا جديدا من الشباب الذين ضاقوا ذرعا بهذه السياسات
ومن بين الشعارات المناهضة لعمر البشير التي باتت مألوفة في أوساط هذه الانتفاضة الشعبية، هنالك عبارة تدل على قوة هذه التحركات الاحتجاجية، وهي تقول: “يا عنصري يا مغرور، كل البلد دارفور”.
وبعد نجاحه على مدى عقود في استغلال الانقسامات الإثنية والعرقية في السودان، بين العرب الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل، والإثنيات الإفريقية التي تعيش في منطقة دارفور السودانية، يبدو أن هنالك جيلا جديدا من الشباب الذين ضاقوا ذرعا بهذه السياسات، ويريدون تحقيق الوحدة العرقية ضد نظام البشير، وهو ما قد يؤدي لسقوط هذا النظام.
وفي هذا السياق يقول عصمان سعد، وهو أحد المحتجين الشبان في شوارع العاصمة الخرطوم: “إن هذه الحيلة لن تفلح بعد اليوم. ربما هم نجحوا في الماضي في تقسيمنا، ولكن هذه الحيلة انطلت على أبنائنا وأجدادنا فقط، ولن تنطلي علينا نحن الجيل الجديد. نحن نفهمهم جيدا.”
وقد شهدت فترة حكم البشير عمليات قمع وحشية ضد ما يعتبرها هو انتفاضات في غرب وجنوب البلاد، أين يعيش السودانيون من أصحاب البشرة الأكثر سوادا، والذين يمثلون الأغلبية. وفي بداية العام 2000، استعان نظام البشير بميليشيات من الإثنية العربية يعرفون بتسمية الجنجويد، لارتكاب جرائم قتل واغتصاب واسعة النطاق في دارفور، أين أجبروا سكان المنطقة بأكملها على الفرار ومعاناة الجوع. ولا يزال البشير ملاحقا بتهم ارتكاب جرائم حرب لدى المحكمة الجنائية الدولية، والبعض يعتبرون أنه كان مشرفا على ما يرقى إلى جرائم إبادة جماعية في دارفور.
وفي 2011، خسر البشير حربا أهلية طويلة ودموية في أقصى جنوب السودان، وهو ما أدى لانفصال هذه المنطقة وإعلان دولة جنوب السودان.
نصر الدين عبد الباري، وهو باحث من دارفور في جامعة جورج تاون، يعتبر أن ادعاءات البشير هي “كذبة مفضوحة”، ويقول إن أغلب السودانيين عرفوا أن هذه المظاهرات لا علاقة لها بقضية دارفو
وخلال الفترة الماضية حاول البشير اتهام طلبة من دارفور بأنهم يقفون وراء المظاهرات الحالية، وقال إنهم أضرموا النار في إحدى مكاتب حزبه الحاكم، المؤتمر الوطني، في منتصف كانون الأول/ ديسمبر.
إلا أن نصر الدين عبد الباري، وهو باحث من دارفور في جامعة جورج تاون، يعتبر أن ادعاءات البشير هي “كذبة مفضوحة”، ويقول إن أغلب السودانيين عرفوا أن هذه المظاهرات لا علاقة لها بقضية دارفور، وأن الدافع الحقيقي ورائها هو معاناة الشعب من عدم القدرة على تحمل كلفة دقيق القمح لصنع الخبز.
ويبدو أن جهود البشير لاستخدام قضية دارفور ككبش فداء في هذه الأزمة أدت لنتائج عكسية، بما أن تكتيكات الرئيس التي تعتمد على العنصرية وتقسيم الشعب تحولت كلها إلى صرخة موحدة ضد نظام حكمه.
ويشار إلى أن معدل الأعمار في السودان هو 19 عاما فقط، أي نصف المعدل في الولايات المتحدة على سبيل المثال. هذا يعني أن الغالبية الساحقة من السودانيين نشؤوا منذ طفولتهم تحت حكم البشير، وثقافة الخوف التي زرعها الرئيس من خلال مجابهة الاحتجاجات في الماضي بالقوة المميتة.
إلا أن تكتيكات القوة الغاشمة لم يبد أنها أثرت على السودانيين هذه المرة. إذ أنه على امتداد شهر كامل، شهدت أعداد المتظاهرين تزايدا مستمرا، وانتشرت التحركات في كل مناطق البلاد، ومن بينها منطقة دارفور، التي شهدت أعنف عمليات القمع في الماضي.
قامت الحكومة السودانية بتضييق الخناق على الصحافة المكتوبة والمرئية في البلاد، واعتقلت عددا من الصحفيين وصادرت الصحف التي قامت بتغطية الحراك الاحتجاجي
ويقول عبد الباري: “يبدو أن شباب جيل الألفية الجديد، الذين يقودون التحركات، تماما مثل أبناء جيلهم في مناطق أخرى من العالم، تجاوز تفكيرهم الاعتبارات الجهوية والعرقية التي كانت سائدة في مجتمعهم المحلي. الآن أصبحت الرسالة التي تنتشر بين المتظاهرين هي رسالة وحدة، على أمل بناء بلد أقل تفكك بعد رحيل البشير.”
يذكر أن حركة المعارضة الجديدة في السودان حاولت الاستفادة من حالة التضامن بين المتظاهرين.
حيث يقول خالد عمر، الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني المعارض، في لقاء له مع الواشنطن بوست: “إن محاولات النظام لاستخدام سلاح الاستقطاب الإثني أدت لنتيجة معاكسة تماما، حيث خلقت حالة من الوحدة الوطنية والرغبة الجماعية في إحداث التغيير.”
إلا أن البشير لا يزال مصرا على مواقفه. إذ أنه في خطابات ألقاها أمام جموع من أنصاره، وصف المتظاهرين بأنهم مخربون. كما أنه تعهد بعدم التنحي عن السلطة حتى موعد الانتخابات في 2020.
وقد قامت الحكومة السودانية بتضييق الخناق على الصحافة المكتوبة والمرئية في البلاد، واعتقلت عددا من الصحفيين وصادرت الصحف التي قامت بتغطية الحراك الاحتجاجي. كما تم منع الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وأنستغرام وواتساب، إلا أن كثيرين من الناس تمكنوا من تحميل الشبكات الافتراضية الخاصة المسماة VPN، للالتفاف على عملية الحجب.
في يوم الخميس قتل محتجان على يد قوات الأمن، بحسب ما أعلنه تجمع المهنيين السودانيين، الذي تكفل بتنظيم الاحتجاجات
يذكر أن هجوما للقوات الحكومية على مستشفى في مدينة أم درمان خلال الأسبوع الماضي، خلف حالة من السخط الدولي، وذلك رغم أن الأوضاع في السودان لم تحظ باهتمام عالمي بنفس الحجم الذي رافق احتجاجات الربيع العربي بداية من العام 2010. وقد أقدمت قوات الأمن في هذه العملية على اقتحام المستشفى وإطلاق قنابل الغاز والذخيرة الحية على الأطباء، بينما كان بعضهم يقدم الإسعافات للمتظاهرين الذين جرحوا في الاحتجاجات في وقت سابق من ذلك اليوم.
وفي يوم الخميس قتل محتجان على يد قوات الأمن، بحسب ما أعلنه تجمع المهنيين السودانيين، الذي تكفل بتنظيم الاحتجاجات. وفي يوم الجمعة، تحرك المحتجون نحو القصر الرئاسي في الخرطوم، مرددين شعارات “لسنا خائفين، لن نتوقف، حرية، سلام، عدالة”.
كما يتم التحضير لاحتجاجات جديدة يوم الأحد فيما لا يقل عن 10 مدن سودانية من بينها دارفور، ولا تمثل هذه التحركات فقط فرصة للتخلص من عمر البشير، بل أيضا فرصة لإعادة تشكيل صورة المجتمع السوداني.
حيث يقول خالد صديق، وهو محتج من الخرطوم: “نريد وطنا خاليا من العنصرية. لم نعد نحتمل التعرض للمجازر في كل مكان في هذا البلد وملازمة الصمت.”
المصدر: واشنطن بوست