محاولات “إسرائيل” في سرقة العقول الفلسطينية وتغيير توجهاتها القومية المقاومة لدولة الاحتلال لم تتوقف عند حدود التحقيقات المباشرة داخل السجون أو على الحواجز العسكرية، بل فاقت ذلك حين وفرت إمكانيات حديثة ومتطورة للغاية بإمكانها أن تصل لجميع الفلسطينيين بأسهل وأسرع الطرق.
الصفحات المشبوهة التي تتبع من خلف الستار أجهزة المخابرات الإسرائيلية “الشاباك” وباتت تغزو كافة مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسهم “فيس بوك” و”توتير”، يبدو انها لم تحقق الهدف الأكبر في غسل العقول الفلسطينية، فلجئوا لخطوة تكون تأثيرها اكبر وبكبسة زر بسيطة تبدأ عمليات المعالجة وطرح الأكاذيب.
“إذاعة المنسق” ليست الوحيدة التي تستهدف الفلسطينيين، بل تعج مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات إسرائيلية أخرى تخاطب الجمهور الفلسطيني باللغة العربية، مثل “صفحة المنسق“
“إذاعة المنسق”، كانت آخر الابتكارات لجهاز الشاباك الإسرائيلي التي تخترق كافة البيوت الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وحتى قطاع غزة، عبر تردد واضح وسهل، وبإمكان أي فلسطيني أن يضعه حتى يبدأ بسامع وصلات من الأكاذيب والافتراءات الإسرائيلية التي تحرض على المقاومة أولاً وتدعو”للتعايش بسلام” حسب مقاسهم الخاص.
“إذاعة المنسق” ليست الوحيدة التي تستهدف الفلسطينيين، بل تعج مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات إسرائيلية أخرى تخاطب الجمهور الفلسطيني باللغة العربية، مثل “صفحة المنسق“، والمتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، و“إسرائيل تتكلم العربية“، وإسرائيل دون رقابة، وصفحة “قف معنا“ بالعربية، وصفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي باللغة العربية، وصفحة “إسرائيل في مصر“ التي تديرها السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وصفحة إسرائيل في الأردن.
بروباغاندا الإعلام الإسرائيلي
وللحد من خطورة هذا التغول الإسرائيلي واللعب في العقول الفلسطينية، أطلق نشطاء فلسطينيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة صفحة المنسق الإسرائيلي كميل أبو ركن على منصات السوشيال ميديا، حملت وسم #احنا_أو_المنسق، وذلك بسبب المخاطر الأمنية التي تحملها هذه الصفحات التي تديرها أجهزة مخابرات إسرائيلية.
وقال منسق الحملة الأسير المحرر، معتصم سقف الحيط، (29 عاما) من مدينة نابلس، إن “فكرة الحملة التي أطلقها السبت الماضي، كانت متولدة لديه منذ الوهلة الأولى، لكنه أطلقها الآن بعدما فاض به الكيل وباتت مضار صفحة “المنسق” كبيرة جداً، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في كون الضاغطين على “إعجاب الصفحة” مِن الفلسطينيين لا يدركون هذه المضار بشكل واضح.
ويوضح أن “الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية تجد تفاعلا واسعا من قبل الفلسطينيين، دون أن يلقي أحد بالا لخطورة الإعجاب أو التعليق أو المشاركة لمثل هذه الصفحات، خصوصا عند النظر إلى أن هذه الصفحات تديرها أجهزة استخبارات وفرق متخصصة من الجيش تتابع عن كثب تعليقات الفلسطينيين وتوجهاتهم السياسية والفكرية”.
صفحة المنسق على موقع فيس بوك
ويضيف “التعليقات التي نراها على صفحة المنسق تثير الاستفزاز جداً، لذلك شعرت بمسؤولية ملحة ويجب عليّ القيام بها كصحافي وناشط، بشكل يدفع الناس إلى الاستجابة لمطلب إزالة خاصية (الإعجاب- Like) والتنبه لخطورة الأمر”.
ويبدو أن القائمين على صفحة “المنسق” يتابعون عن كثب حملة #احنا_أو_المنسق وأي حملات من هذا النوع. فما أن نشر معتصم فيديو يتحدث فيه عن أن الكثير ممن صُنفوا على قائمة المعجبين بالصفحة، لم يكونوا على دراية بذلك، لكونهم ضغطوا بالخطأ على زر الإعجاب، حتى جاء الرد من “المنسق” عبر منشور على صفحته يقول فيه “صفحة #المنسق على الفيسبوك ستحتفل قريباً بنصف مليون لايك!.. كونوا معنا”، ثم ينهيه بهاشتاغ #نصف_مليون_بيغلطوش.
ولعل الهاشتاغ الأخير دليل على أن هناك متابعة ورصد إسرائيلي لحملة #احنا_أو_المنسق، وقد تجسد بالرد الضمني عليها. ولهذا، يدرك سقف الحيط ومعه القائمون على الحملة، أن هناك مراقبة دقيقة للحملة من قبل المخابرات الإسرائيلية أولاً بأول، مُبيناً أنه “على هذا الأساس رد علينا المنسق بذلك البوست”.
ويتولى منصب “المنسق” الآن، كميل أبو ركن (58 عاماً) وهو عربي من قرية عسفيا الواقعة شمال الخط الأخضر، خلفاً ليؤاف (بولي) مردخاي. ولعلّ اختيار أبو ركن كشخص عربي لإدارة “بروباغاندا إعلامية” عبر صفحته الفايسبوكية ليس من قبيل الصدفة الإسرائيلية، بل هو تكريس للدعاية أمام العرب المُعجبين بالصفحة، والقائلة أن “إسرائيل لا تميز بين عربي ويهودي.. بل هي عادلة لكل مواطنيها”.
ولقيت هذه الحملة تفاعلا واسعا من قبل الشارع الفلسطيني على منصتي “فيسبوك” و”تويتر”.
https://twitter.com/KhaledSafi/status/1077585803679842304
https://twitter.com/BCP_Palestine/status/1077537424815910912
ضمن حملة المقاطعة
فخ المخابرات الكبير
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر، إن ” المنسق الإسرائيلي أبو ركن لا ينفك عن التدخل في الشئون الفلسطينية، وحشر أنفه في كل تفاصيل حياتهم، وتجلى ذلك بصفحته على فيسبوك التي أنشأها سلفه يوآف مردخاي منذ 2015، ووصل عدد متابعيها نصف مليون، ما دفع الصحفي الفلسطيني الغيور معتصم سقف الحيط لإطلاق حملته الفريدة من نوعها #احنا_أو_المنسق”.
ويضيف “إذاعة المنسق ستعمل على استقبال مكالمات فلسطينية محلية من الضفة وغزة، لإيجاد حلول لمشاكل الفلسطينيين المتعلقة باستخراج تصريح سفر للخارج، والبحث عن عمل، فيتم حل المشاكل مع الوزارات الإسرائيلية، ما يسوق الإذاعة بين الفلسطينيين، ويوجد لغة مشتركة لهم مع إسرائيل، بعيداً عن واقع الاحتلال، كما تسعى الإذاعة لتهميش السلطة الفلسطينيّة وحماس معاً.
ويتابع حديثه “لا أحد يعلم كيف سيكون تعاطي الفلسطينيين مع إذاعة المنسق، ما يتطلب من جهة البعض العمل على التشويش عليها فنّيّاً، وقبلها زيادة جرعة الوعي لدى الجمهور الفلسطيني تجاه خطورتها، وإبعاده عن متابعتها، مع أن المنسق يدرك أن إذاعته تستطيع الوصول لأكبر شريحة من الفلسطينيين، كالسيدات في منازلهن، والشباب في المقاهي، وسائقي المركبات العامة، مع وجود 70 إذاعة محلية في الضفة وغزة”.
حرق العلم الإسرائيلي بالضفة ضمن مسيرات التوعية بمخاطر الاحتلال وعدم التعاون معه
ويزيد “إذاعة المنسق تهدف لمتابعة المعلومات والأخبار من الفلسطينيين، وسيستخدمها لبثّ روايته المستندة لرؤية الجيش الإسرائيلي، لأنها إذاعة تعمل وفق أجندة أمنية، وتتركز أعمالها على إسقاط الفلسطينيين وتجنيد العملاء، وتشكل خطراً عليهم، لأن هناك فريقاً كاملاً يساند المنسق في عملها، وتحليل مكالمات المستمعين، لأنها ستضع أرقام اتصال مجانية.
ويعتبر الخبير في الشأن الإسرائيلي أن إذاعة المنسق تشكل تحدياً أمام الفلسطينيين، فهي تعلن أنها تسعى لتحقيق حاجاتهم، ما قد يدفعهم لمتابعتها رغبة بتحسين أوضاعهم، رغم علمهم بالمخاطر التي قد تحملها لاستهدافهم، أو تجنيدهم في صفوف المخابرات الإسرائيلية.
الإعلامي ومدير وكالة “فلسطين اليوم” الإخبارية، صالح المصري، في تعقيبه على هذا التطور قال إن “الاحتلال يحاول النيل من شعبنا ومقاومته بكل الطرق، ونشر تلك الصفحات الإعلامية والإذاعات هو جزء من الحرب العدوانية التي تعتمد على بث الإشاعات وتحاول النيل من الجبهة الداخلية”.
وأضاف: “تلك المواقع المشبوهة تحاول بث السم في العسل، من خلال أخبارها المضللة التي تحاول تشويه المقاومة وقادتها، والمطلوب مقاطعتها وعدم متابعتها”.
موقع “المجد” الأمني، التابع لـ”كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، حذر في الكثير من نشرات التوعية، المواطنين من الوقوع في فخ المخابرات
وعن التأثير النفسي الذي تلعبه تلك الإذاعات “المشبوهة” على الفلسطينيين، أكد دكتور علم النفس والاجتماع في غزة ياسر مرتجى، أن تلك الصفحات والإذاعات يمكن أن يكون لها تأثير في غسل العقول الفلسطينية بشكل كبير، في حال لم تتوفر داعية مضادة.
ويضيف “هذه الإذاعات تخترق البيوت والمحال وأماكن العمل ويمكن لأي مواطن أن يسمعها بسهولة، وقد تجذبه الأخبار والمعلومات التي تقوم ببثها على مدار الساعة، ويمكن أن تستقطبه البرامج التي يهواها كالطبخ والرياضة والصحة، ومن خلال تلك البرامج يدس سموم الأخبار والتقارير الكاذبة والمفبركة لتغيير العقول”.
واعتبر أن تلك الوسائل يكون تأثيرها مباشر وخطير على الفلسطينيين، وقد تساهم في تغيير معتقداتهم وقومياتهم، لكن مع توفر حملات التوعية الكبيرة وفضح تلك الصفحات والإذاعات بشكل مستمر سيكون تأثيرها محدود وغير مقلق على الفلسطينيين، مؤكدًا أن الأمر يعتمد على”توعية المواطنين بشكل دائم”.
الجدير ذكره أن موقع “المجد” الأمني، التابع لـ”كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، حذر في الكثير من نشرات التوعية، المواطنين من الوقوع في فخ المخابرات، مؤكداً أن وسائل الاحتلال ومحاولاته لجرّ أقدام الشباب الفلسطيني والعربي، شهدت تطورات “مقلقة” في الفترة الأخيرة، بعد تركيزها على فضول المواطنين ومس احتياجاتهم وتطلعاتهم الخاصة، كالسفر والعمل والزواج واللغات والإقامة بالدول الأجنبية.