لم تقتصر عملية تحرير الشام التي شنتها مطلع الشهر الحاليّ على فصائل عسكرية معارضة مدعومة من أنقرة، فقد شملت المؤسسات المدنية والخدمية ولكن بشكل ناعم بعيدًا عن العسكرة التي مارستها الهيئة ضد الفصائل، إذ توقفت العديد من المنشآت والمؤسسات المدنية التي كانت تديرها الحكومة السورية المؤقتة عن العمل، لتنتقل إلى الذراع المدني والسياسي للهيئة “حكومة الإنقاذ”، التي شكلتها الهيئة في الربع الأخير من عام 2017، كما تسببت سيطرة تحرير الشام على أرياف حماة وإدلب وحلب، بتوقف الدعم الطبي عن المراكز الصحية.
على غرار النظام تحرير الشام تهجر معارضيها خارج مناطق نفوذها
تهجير ونفي بحق ثوار وناشطين غربي حلب
مع سيطرة تحرير الشام على مدينة الأتارب وعشرات البلدات والقرى غرب حلب في الأسبوع الأول من العام الحاليّ، غادر أكثر من ألف شخص من مدينة الأتارب نحو منطقة عفرين شمالي غربي حلب، وذلك بعد قصفها للمدينة وتهديداتها باقتحامها، إلا أن التهديدات انتهت باتفاق عقدته تحرير الشام مع وجهاء مدينة الأتارب، وقال ناشطون إن تحرير الشام اتبعت أسلوب النظام وميليشياته في تهجير المعارضين لها في المناطق التي تبسط سيطرتها عليها، حيث شمل التهجير الأشخاص البارزين في معارضتهم لممارسات تحرير الشام من بينهم ناشطين في الحراك الثوري السوري، ومقاتلين في الجيش السوري الحر وإغاثيين وإعلاميون سوريين.
تبدو ممارسات تحرير الشام أكثر قربًا من ممارسات النظام السوري ضد معارضيه
وفي مدينة دارة عزة وجه الجهاز الأمني التابع لتحرير الشام بلاغات لعشرات الأشخاص، من أجل مغادرة المدينة، بعد قرارها نفيهم منها وذلك لنشاطهم في المؤسسات المدنية الثورية والعسكرية كالجيش السوري الحر، وتداول ناشطون قائمة بأسماء عدد من الشخصيات الذين نفتهم تحرير الشام من المدينة، من بينهم الأستاذ مروان الحلو الذي أمضى 25 سنة في سجن تدمر، والأستاذ علي راجي الحلو العامل في جامعة حلب الحرة، والأستاذ عبد الله راجي الحلو رئيس شعبة الامتحانات بجامعة حلب الحرة، والأستاذ عمر راجي الحلو معاون رئيس وحدة المياه، بالإضافة إلى الناشطين أيمن سامي وأحمد رشيد، والعسكريين ضمن صفوف الجيش الحر سابقًا صديق لولة وياسر لولة، والعقيد محمد عمر الدبليز قائد لواء أحرار دارة عزة وقائد بالشرطة الحرة.
وتبدو ممارسات تحرير الشام أكثر قربًا من ممارسات النظام السوري ضد معارضيه، لكنها تعلقت بنفي فقط أي الخروج من المدينة بأسرع وقت ممكن، ولا نحاول تبرئة أي من النظام وتحرير الشام إلا أن الممارسات التي تطال المدنيين بدت أكثر قربًا من ممارسات النظام وميليشياته.
المجلس المحلي في الأتارب يحل نفسه
حكومة الإنقاذ تشكل مجالس محلية وفق مقاسها
بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، أعلن المجلس المحلي في المدينة 14 من يناير/كانون الثاني، استقالته بكامل أعضائه، وبحسب ما جاء في البيان: “إن المجلس المحلي في مدينة الأتارب يعلن استقالته بكامل أعضائه”، وأضاف البيان “المجلس يستمر في تسيير الأعمال لحين استلام المجلس الجديد مهامه”، يأتي بيان الاستقالة على خلفية زيارة وفد من حكومة الإنقاذ لمجلس محافظة حلب الحرة، وبدت الاستقالة خيار المجلس المحلي الذي رفض الرضوخ لشروط وقوانين حكومة الإنقاذ.
فيما استدعى جهاز الشرطة التابع لحكومة الإنقاذ رئيس المحلي السابق علي حنتش، بعد أيام من حل المجلس بينما نشر المكتب الإعلامي لمدينة الأتارب الأربعاء 17 من يناير/كانون الثاني ورقة تبليغ التي جاء فيها “ينبغي حضور رئيس المجلس إلى مخفر الشرطة، اليوم، وفي حال لم يحضر في الموعد المحدد سيعرض نفسه للمساءلة الشرعية”، كما قام الجهاز الأمني في تحرير الشام بتقديم مذكرة تبليغ بحق رئيس الهيئة العاملة لمدينة الأتارب حمزة إيمو.
انتقل المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان لإدارة حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، جاء ذلك بعد رفض سابق للمجلس المحلي في مدينة معرة النعمان العمل تحت حكومة الإنقاذ
وشكلت حكومة الإنقاذ مجلسًا محليًا جديدًا في مدينة الأتارب غرب حلب، وقالت وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ إنها شكلت المجلس لتسيير الأعمال بشكل مؤقت ريثما يتم اعتماد هيكلة جديدة حسب قوانينها، من جانبه قال المجلس المحلي الجديد في بيانه: “المجلس المحلي في مدينة الأتارب مؤسسة مدنية ولا يتبع لأي جهة عسكرية ومستمر بتقديم الخدمات لأهالي المدينة”، وأكد البيان أن المجلس المحلي لن يسمح لأي جهة عسكرية بالتدخل في أعماله، وسبق وواجهت حكومة الإنقاذ رفضًا من المجالس المحلية في ريف إدلب، إلا أنها أجبرتهم مؤخرًا على العمل تحت إدارتها المحلية التابعة لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة، ولكن جميع الأعضاء الذين اختارتهم حكومة الإنقاذ، معروفين بمناصرتهم للهيئة.
وانتقل المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان لإدارة حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، جاء ذلك بعد رفض سابق للمجلس المحلي في مدينة معرة النعمان العمل تحت حكومة الإنقاذ، لكن الاتفاق الذي جرى بين الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام لإنهاء الاقتتال، تضمن تبعية المؤسسات المدنية لحكومة الإنقاذ.
وفي السياق أصدرت وزارة الإدارة المحلية في إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ تعميمًا منعت فيه دخول مراكز المجالس المحلية في ريف معرة النعمان الشرقي جنوبي إدلب، بينما تعهدت بتشكيل مجالس محلية كاملة في المناطق التابعة لمدينة معرة النعمان، وتتبع لحكومة الإنقاذ.
وعلى الرغم من استخدام حكومة الإنقاذ الوجه الناعم التشاركي في تأسيس المجالس المحلية التابعة لها، فإنها سرعان ما تبرز هيمنة تحرير الشام على تنفيذ القرارات التي تخص المنطقة، إذ يعتبر الوجه التشاركي في إنشاء المؤسسات المدينة مدخلًا لنيلها حاضنة شعبية، فيما قدمت وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة الإنقاذ عدة خيارات وشروط للمجالس المحلية كافة في المنطقة، إما بالتبعية لها بكل الجوانب أو الاستقالة كما جرى مع مجلس الأتارب المحلي، هذه الخطط نفذتها حكومة الإنقاذ في كل المناطق التي سيطرت عليها غرب حلب وجنوب إدلب وشمال حماة، بعد جردها الممتلكات التي تعود للمجالس المحلية التي شكلتها الحكومة السورية المؤقتة في وقت سابق.
تحرير الشام تتسبب بأزمة في القطاع الصحي بعد توقف الدعم الدولي عنه
سيطرة تحرير الشام على إدلب يتسبب بوقف الدعم عن القطاع الصحي
قدمت مديريات الصحة في المحافظات السورية المحررة الكثير من الخدمات الطبية والعلاجية، إذ إنها تغطي كل المناطق المحررة، لكن مع إعلان تحرير الشام سيطرتها على كامل محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب، أعلنت عدة منظمات كانت تمكن هذه المديريات من عملها عن توقف الدعم وذلك بذريعة سيطرة تحرير الشام على المنطقة برمتها، وشمل وقف الدعم 35 منشأة طبية في محافظة إدلب، بينها 7 مشافي، و19 منشأة في حماة بينها 5 مشافي، بينما توقف الدعم عن 42 منشأة في حلب، بينها 10 مشافي.
وأعلنت مديرية صحة حلب الحرة 16 من يناير/كانون الثاني الحاليّ توقف دعمها وبدئها العمل التطوعي، وجاء في البيان: “تعلن مديرية صحة الحرة البدء بالعمل التطوعي اعتبارًا من 11 من يناير/كانون الثاني، وذلك لجميع العاملين في مديرية صحة حلب”.
وتشمل المراكز بحسب ما أورد البيان كلاً من قسم العناية في مشفى الأمومة والطفل في الأتارب وقسم العناية في مشفى الأتارب الجراحي، ومنظومة الإسعاف في الطوارئ بريف حلب الغربي والجنوبي مركز الأخوة للمعالجة الفيزيائية وإعادة التأهيل ومركز الأمل التخصصي ومركز العيس الصحي ومركز معارة الأرتيق الصحي ومركز أورم الصحي.
وفي السياق أعلنت مديرة صحة حماة الحرة توقف برنامج الدعم المخصص لها، وقالت المديرية في بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك إن العمل في المنشآت الصحية التابعة لصحة حماة الحرة بدأت بالعمل التطوعي بدءًا من 1 من يناير الحاليّ، وشمل البيان كلاً من المشفى 111 التخصصي للنسائية والأطفال والمشفى 112 التخصصي للنسائية والأطفال، ومنظومة إسعاف GIZ ومركز قلعة المضيق الصحي ومراكز الغاب الجنوبي والأوسط والشمالي الصحية ومركز بنك الدم.
أعلنت الشرطة الحرة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، تعليق عملها حتى إشعار آخر، خلال بيان نشرته الخميس 10 من يناير/كانون الثاني، وذلك بعد توقف الدعم عن مراكزها خلال شهر سبتمبر/أيلول من عام 2018
من جانبها مديرية الصحة في إدلب أعلنت في بيان لها البدء بالعمل التطوعي اعتبارًا من 1 من يناير/كانون الثاني، وتدير صحة إدلب عشرات المراكز والمشافي الصحية، من بينها مشفى الداخلية التخصصي ومشفى الحكمة في تفتناز ومشفى الشامي في أريحا ومشفى كيوان في كنصفرة، ومركز ابن سينا لغسيل الكلى في إدلب، ودعت مديريات الصحة في الشمال السوري المنظمات الدولية والمحلية تحييد القطاع الصحي عن الصراع العسكري والسياسي، مؤكدة تقديم خدماتها للمواطنين بعيدًا عن الانتماءات العرقية.
يذكر أن مكتب مساعدة الكوارث الخارجية التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أعلن في ديسمبر/كانون الأول الماضي استئناف دعم الجمعية الطبية السورية الأمريكية SAMS ومنظمة الإغاثة الدوليةRelief International الداعمة للقطاع الصحي حتى نهاية العام الحاليّ وسط مخاوف كبيرة من العاملين في القطاع الصحي.
الشرطة الحرة توقف عملها بعد سيطرة تحرير الشام
الشرطة الحرة توقف عملها في مناطق الإنقاذ
أعلنت الشرطة الحرة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، تعليق عملها حتى إشعار آخر، خلال بيان نشرته الخميس 10 من يناير/كانون الثاني، وذلك بعد توقف الدعم عن مراكزها خلال شهر سبتمبر/أيلول من عام 2018، وجاء في البيان: “بعد توقف الدعم في 1 أيلول الفائت بقيت الشرطة الحرة مستمرة في أداء واجبها تجاه أهلنا ومجتمعاتنا، لكن نظرًا للظروف التي طرأت مؤخرًا على المناطق المحررة التي تتواجد فيها الشرطة الحرة، نعلق عملنا حتى إشعار آخر”.
وأضاف البيان أن الشرطة الحرة ستسلم المقرات والمعدات والأثاث للمجلس المحلي في كل مركز ضمن نطاق عمله، وتسليم المقرات المستأجرة لأصحابها وإخلائها من المعدات وتسليمها للمجالس المحلية في كل مركز، وكانت قد واجهت الشرطة الحرة الكثير من المشاكل إثر تشكيل حكومة الإنقاذ التي شكلت شرطة مدنية تابعة لها في مناطق نفوذها، وآخرها استيلائها على مخفر الغدفة بريف إدلب.
كانت قد تشكلت الشرطة الحرة منذ عام 2012 من عناصر وضباط منشقين عن شرطة النظام، بجهود تطوعية تحت اسم الأمن العام
وفي الأتارب بريف حلب الغربي أعلن مخفر الشرطة الحرة تعليق عمله بسبب الظروف الراهنة التي شهدتها المنطقة مؤخرًا بحسب البيان الذي نشره المركز، وذكر البيان أسماء عشرات العناصر الموافقين على البيان إضافة إلى عدد من الضباط، إثر سيطرة تحرير الشام على المدينة.
وكانت قد تشكلت الشرطة الحرة منذ عام 2012 من عناصر وضباط منشقين عن شرطة النظام، بجهود تطوعية تحت اسم الأمن العام، وانتقلت إلى مظلة الدعم عام 2014، باسم الشرطة السورية الحرة، ويقدم الدعم عبر برنامج “مشروع العدالة والأمن المجتمعي” (أجاكس) الذي تديره مؤسسة “آدم سميث الدولية”، وجاء توقف الدعم في 1 من سبتمبر/أيلول الماضي بذريعة وصول التمويل إلى أيدي جماعات متطرفة.