قُتل ما لا يقل عن 52 عنصرًا من حركة الشباب في أحدث ضربة جوية أمريكية استهدفت الحركة في منطقة جوبا الوسطى بالصومال، ضربة جوية أمريكية يرى فيها العديد من المتابعين إعلانًا رسميًا عن المخاوف من تجدد نشاط حركة الشباب الصومالية، خاصة بعد تبنيها للعديد من الهجمات المسلحة التي أدت لسقوط عشرات القتلى من المدنيين والعسكر داخل الصومال وخارجه.
تصعيد أمريكي
هذه الضربة الجوية تعتبر الأولى بهذا الحجم التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية ضد أهداف عسكرية لـ”الشباب” في الصومال خلال هذه السنة، وسبق أن نفذ السلاح الجوي الأمريكي 35 غارة جوية في الصومال عام 2017، و45 غارة أخرى عام 2018، بحسب البنتاغون.
وقبل أيام، ذكر الجيش الأمريكي أنه قتل 6 من عناصر حركة الشباب بضربة جوية بالصومال في منطقة بإقليم شبيلي السفلى، وخلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي قال الجيش الأمريكي إنه قتل 62 مسلحًا في 6 ضربات جوية بمناطق متفرقة من البلاد.
الغارة الأمريكية جاءت بعد أربعة أيام من هجوم على مجمع يضم فندقًا ومكاتب في العاصمة الكينية نيروبي أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عنه
تمثل هذه الضربات الجوية العسكرية المتتالية، تصعيدًا أمريكيًا ضد مقاتلي حركة الشباب الصومالي، وتقدر وزارة الدفاع الأمريكية أو ما يُعرف بـ”البنتاغون” عدد عناصر حركة الشباب المجاهدين بين 3000 و7000 عنصر، بينهم صوماليون ومقاتلون أجانب أغلبهم قدموا من دول عربية إضافة إلى باكستان.
ومنذ مارس/آذار من السنة الماضية، كثفت القوات الأمريكية غاراتها على الحركة، وذلك بعد سماح الرئيس دونالد ترامب للبنتاغون بشن عمليات لمكافحة الإرهابيين، جوًا أو برًا، لدعم الحكومة الصومالية، ولدى الجيش الأمريكي قوة من 400 عسكري على الأرض، تشارك في تقديم المشورة والتدريب للقوات الحكومية والدعم اللوجستي.
حركة الشباب تكثف هجماتها
الغارة الأمريكية جاءت بعد أربعة أيام من هجوم على مجمع يضم فندقًا ومكاتب في العاصمة الكينية نيروبي أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عنه وأسفر عن مقتل 21 شخصًا على الأقل من بينهم أجانب، وفجر انتحاري واحد على الأقل نفسه في الفندق، فيما أطلق مسلحون النار واشتبكوا مع قوات الأمن ثم تحصنوا في طوابق عليا.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2011 (قرار الكينيين التدخل عسكريًا في الصومال في محاول للقضاء على حركة الشباب)، هددت الحركة بالقيام بعمليات انتقامية ضد كينيا التي يتهمونها بغزو الصومال، وشرعوا في تنفيذ تهديداتهم بشكل فعلي.
وقبل هجوم نيروبي، هاجم مقاتلو حركة الشباب الصومالية، قاعدة عمليات بار سنغوني التي تعتبر المركز العسكري الرئيسي للقوات الحكومية في إقليم جوبا السفلى الواقع على بعد 370 كيلومترًا جنوب غربي العاصمة مقديشو، باستخدام سيارة ملغومة يقودها انتحاري، وأظهرت صور جرى التقاطها بعد الهجوم، احتراق شاحنة كبرى وحولها جثث متفحمة، وأظهرت صور أخرى ما بدا أنها سيارة ملغومة معبأة بالمتفجرات، ولم يتم تفجيرها.
حركة الشباب تبنت هجوم نيروبي الذي خلف أكثر من 20 قتيلاً
ونصبت حركة الشباب يوم الجمعة كمينًا لقافلة عسكرية إثيوبية، على بعد 80 كيلومترًا شمالي بيدوا في وسط الصومال، وقالت الحركة إنها قتلت أكثر من 57 من الإثيوبيين الغزاة، وقالت وزارة الدفاع الإثيوبية إنها استخدمت مروحيات، وصدت بنجاح الهجوم على القافلة التي واصلت السير إلى وجهتها بيدوة.
ونهاية الشهر الماضي، قتل 30 شخصًا وأصيب العشرات بجروح في تفجيرات استهدفت “فندق الصحفي” الواقع بجوار مقر دائرة المباحث الجنائية وسط العاصمة الصومالية مقديشو، تبنتها حركة الشباب، وغالبًا ما يستضيف هذا الفندق مسؤولين حكوميين وسياسيين محليين وأجانب.
إعلان ميلاد جديد
رغم إشارة الإدارة الأمريكية إلى تراجع قوة حركة الشباب الصومالية، وعزمها سحب قواتها من هناك وفق تقارير إعلامية أمريكية، فإن الهجمات العنيفة الأخيرة التي نفذتها الحركة في أكثر من منطقة، بمثابة إعلان ولادة جديدة للتنظيم.
و”حركة الشباب” أو “الشباب المجاهدين”، هي حركة مسلحة صومالية ظهرت في 2006 كذراع عسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو وتهدف إلى فرض الشريعة في الصومال، البلد الغارق في أتون حرب أهلية منذ عشرين سنة.
وساهمت الحركة في مساندة المحاكم خلال معاركها ضد القوات الحكومية الصومالية المدعومة بقوات إثيوبية التي اضطرت إلى الانسحاب في نهاية 2008، تاركة الساحة لقوات الاتحاد الإفريقي التي تمركزت على الخطوط الأمامية في الحرب ضد المسلحين.
وترتبط حركة الشباب بتنظيم القاعدة من خلال وساطة بعض مسؤولي خلايا التنظيم الدولي في شرق إفريقيا، واستمرت الصلة بين الشباب والقاعدة حتى 2009 حين أعلنت الحركة الصومالية الولاء للقاعدة بشكل رسمي.
وتسعى حركة الشباب من خلال تكثيف ضرباتها ضد القوات الصومالية والقوات الإفريقية المساندة للحكومة المركزية، إلى تدعيم موقعها في البلاد، خاصة أنها تعي محدودية الغارات الجوية الأمريكية ومجهودات القوات الصومالية والإفريقية التي تفتقر للعتاد.
هذا التحول السياسي والنجاح الديمقراطي في البلاد، الذي كان للرئيس الفضل الكبير فيه، من شأنه أن يفشل في حال تواصل تهديدات حركة الشباب
يبدو أن للحركة المسلحة خطة استباقية لما سيؤول إليه الوضع الصومالي الهش، فهي تسعى إلى ملء الفراغ الذي يتركه ضعف الجيش الصومالي، بالإضافة إلى قرب موعد انسحاب القوات الإفريقية بحلول سنة 2020، وأيضًا قرب انسحاب القوات الأمريكية من هناك، ويبلغ قوام القوات الإفريقية في الصومال 22 ألف جندي و540 شرطيًا، من ستة بلدان إفريقية، هي: أوغندا وإثيوبيا وكينيا وسيراليون وجيبوتي وبوروندي.
ولم تستطع القوات الإفريقية ولا المساعدات الخارجية، استعادة الدولة ولا القضاء على الإرهاب في البلاد، فالصومال ما زال يعيش في نزاعات وانقسامات سياسية، على المستويين المركزي وداخل الولايات، الأمر الذي مثل أرضية خصبة لحركة الشباب المسلحة وساهم في انتشارها هناك، وهو ما يمثل تهديدًا للدولة.
وتعتبر حركة الشباب المتطرفة التابعة لـ”القاعدة”، المجموعة المسلحة الأبرز في الصومال رغم العمل العسكري المستمر ضد الحركة، وقد عززت قدراتها ولا تزال تحتفظ بنفوذها وجاذبيتها، حسب ما ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
وتهيمن حركة الشباب على مناطق شاسعة من الجنوب والوسط وفي الريف الصومالي عمومًا، وهو ما يمكنها من مداخل مهمة، تهم التجارة والخدمات وفرض الضرائب، كما تهم بعض الموارد الاقتصادية مثل الفحم، ووفق تقديرات الأمم المتحدة استطاعت الحركة تصدير وإنتاج نحو 3.6 مليون كيس من الفحم سنة 2017، ربحت منه عائدات لا تقل عن 7.5 مليون دولار، أي بسعر 2.5 دولار عن كل كيس بيعت بطرق ملتوية في السوق الدولية.
كما تمكن العديد من عناصر الحركة من الاندماج مع السكان المحليين، ما سهل عليهم نسبيًا حرية التحرك، كما تسللوا إلى قوات الأمن الصومالية، ويعيق نظام الحسابات العشائرية إيجاد مؤسسة جيش وأمن موحدة للبلاد، يمكن لها القضاء على هذه الحركة المسلحة.
استغلت حركة الشباب ضعف الحكومة المركزية
يعاني الجيش الصومالي ضعفًا شديدًا في القيادة والتحكم، وفقرًا في الخدمات اللوجستية والمعدات والتسليح والروح المعنوية القتالية، وقد تغلغل الفساد بدرجات كبيرة لدى أفراد مؤسسة الجيش وكبار الضباط، وهو ما جعل حركة الشباب تنجح في اختراقهم، وتجنيد بعضهم لتسهيل عملياتها وجمع المعلومات مقابل مبالغ مالية زهيدة.
نجاح سياسي في انتظار النجاح الأمني
تجدد هجمات حركة الشباب، جاء بالتزامن مع انتخابات إقليم بونتلاند الواقع شمال شرق البلاد التي أدت إلى انتخاب سعيد عبد الله دني رئيسًا للإقليم ليكون خلفًا للرئيس المنتهية ولايته عبد الولي غاس، وفاز سعيد دني بحصوله في الجولة الثالثة والأخيرة على 35 صوتًا مقابل 31 لمنافسه الجنرال أسد عثمان عبد الله ديانو، فيما لم يتمكن الرئيس السابق عبد الولي غاس من الوصول إلى الجولة الأخيرة.
ويعتبر انتخاب دني رئيسًا لبونتلاند بمثابة الانتصار للرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ومؤيديه، لأن غاس الرئيس السابق للإقليم كان معروفًا بمواقفه المعارِضة لسلطة مقديشو، وقبل ذلك أفرزت انتخابات إقليم جنوب غرب الصومال فوز وزير الطاقة والمياه السابق عبد العزيز لفتاغرين رئيسًا للولاية بعد حصوله على 101 صوتًا من أصل 147 نائبًا.
هذا التحول السياسي والنجاح الديمقراطي في البلاد، الذي كان للرئيس الفضل الكبير به، من شأنه أن يفشل في حال تواصلت تهديدات حركة الشباب، لذلك فإن هذا الحراك السياسي يجب أن يقابل أيضًا بحراك عسكري وأمني لتقوية الحكومة المركزية، حتى تتمكن من بسط نفوذها في كامل البلاد.
تكشف التطورات الأخيرة، قدرة حركة الشباب المسلحة التي تمثل جناح القاعدة بالصومال، على البقاء وصعوبة إنهاء وجودها في الصومال في ظل ضعف المؤسسات العسكرية الصومالية والخلافات السياسية بين صناع القرار في البلاد، وضعف الدعم الدولي للحكومة المركزية.