أيام قليلة تفصل الملايين داخل الولايات المتحدة – ومئات الملايين من المراقبين خارجها – عن الماراثون الانتخابي الأكثر جدلًا منذ عقود طويلة، والمقرر له 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث النزال الأكبر بين مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، ونظيرها مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، وسط تقارب كبير في استطلاعات الرأي حول احتمالات فوز كل منهما.
وفي ظل هذا التقارب الكبير بين المرشحين الرئيسيين بات يُنظر للصوت العربي كإحدى الأوراق التي يمكن أن تحسم تلك المعركة، وتلعب دورًا محوريًا في تحديد هوية ساكن البيت الأبيض الجديد، وهو ما دفع المتنافسين لتكثيف حراكهما الانتخابي خلال الأيام الأخيرة لكسب ود ودعم أصوات الجالية العربية في الداخل الأمريكي بعدما باتت رقمًا مهمًا في معادلة الانتخابات.
وتأتي الانتخابات هذه المرة متزامنة مع أجواء عربية مخضبة بلون الدم، حيث حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” في فلسطين ولبنان، والدعم المطلق الذي يحظى به جيش الاحتلال وحكومته من كلا الحزبين، وهو ما يضع العرب في مأزق حقيقي بين مقاطعة العملية برمتها وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية، أو الاختيار بين متنافسين يتسابقان في أيهما يدعم أكثر حرب الإبادة ضد العرب، ويقدم خدماته الجليلة التي لا تنقطع لسلطات الاحتلال، وتقويض حقوق الشعوب العربية الثلاث: الفلسطيني واللبناني والسوري.. فإلى من يذهب الصوت العربي في هذه الانتخابات؟
أي ثقل للصوت العربي في الانتخابات الأمريكية؟
قبل تلك الانتخابات ربما لم يكن للصوت العربي الثقل الذي بات عليه الآن، فرغم أن العرب والمسلمين عمومًا لا يشكلون سوى 1% فقط من إجمالي عدد الناخبين في الولايات المتحدة ( 3.7 مليون نسمة)، فإن هذه النسبة الضئيلة وفي ظل هذا التقارب الكبير بين المرشحين، هاريس وترامب، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، يمكنها أن تحدد وبشكل كبير هوية الفائز في هذا الماراثون.
غير أن الطريق نحو كسب تلك الأصوات هذه المرة، ليس سهلًا ولا محسومًا مسبقًا، كما كان في الجولات السابقة، كونه يتزامن مع حرب إبادة تشنها “إسرائيل” بدعم مطلق ومباركة معلنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهو ما سيكون له أثره بطبيعة الحال على الصوت العربي من حيث الكم (نسبة المشاركة) والكيف (اسم من تذهب إليه تلك الأصوات).
المتابع للمشهد الانتخابي الأمريكي، يرى أن المزاج العام العربي منذ عدة سنوات وقبيل الحرب الدائرة الآن في غزة ولبنان، كان يميل صوب كفة الديمقراطيين نسبيًا وهو ما تترجمه نتائج استطلاعات الرأي، لا سيما بعد دخول ترامب حلبة المنافسة كمرشح محتمل للجمهوريين وما له من سجل مشين من الدعم المطلق لـ”إسرائيل” وتقويض القضية الفلسطينية، غير أن الموقف الرسمي لإدارة جو بايدن من تلك الحرب ودعمها اللامحدود للاحتلال وتواطؤها مع جيش نتنياهو في حرب الإبادة التي تُشن بحق نساء وأطفال وشيوخ غزة ومن بعدها لبنان، أربك حسابات الموقف العربي وأحدث بها خللًا كبيرًا في خريطة التوجهات.
ومن ثم وإيمانًا بتأثير هذا الصوت في نتائج هذه الانتخابات، حاول كل من هاريس وترامب مغازلة الجالية العربية من خلال الزيارات المكوكية وعقد اللقاءات مع ممثلي الجالية العربية والإسلامية في عدد من الولايات، ومحاولة طمأنتهم بشأن الملفات الحساسة ذات الأهمية وعلى رأسها الحرب في غزة والمهاجرين بجانب الملفات التقليدية كالضرائب والأجور.
ومن الممكن أن يلعب الصوت العربي تأثيره الأكبر في الولايات المتأرجحة أو التي يطلق عليها ولايات “الجدار الأزرق” وهي الولايات التي تتميز بتقارب نسب التأييد لكلا المرشحين، وتحتاج لأصوات محدودة لحسمها، وفي الغالب من يفوز بها يحسم الانتخابات، وبحسب التقارير فإنها هذه المرة تنحصر في كل من: أريزونا ونيفادا وويسكونسن وميتشغان وبنسلفانيا ونورث كارولينا وجورجيا.
وتتصدر ميتشغان تلك الولايات الحاسمة، وهي الولاية التي تحتضن أكبر عدد من الناخبين العرب، إذ يقدر عددهم بنحو 310 ألف ناخب، وهو ما قد يحسم الانتخابات بشكل كبير، قياسًا بما حدث في الجولتين السابقتين من الانتخابات، ففي انتخابات 2016 فاز ترامب في تلك الولاية بفارق حوالي 10 آلاف صوت عن منافسه الديمقراطي، أهلته في النهاية لحسم الانتخابات بأكملها، الأمر تكرر في ماراثون 2020، لكن هذه المرة كان لصالح المرشح الديمقراطي بايدن وذلك بفارق 150 ألف صوت عن منافسه الجمهوري، مما ساعده أيضًا في الفوز بتلك الانتخابات.
ليس كتلة واحدة.. محاولة لفهم خريطة الصوت العربي
يصطدم ثقل الصوت العربي في الولايات المتحدة بتحد خطير، ربما يُجهض هذا الثقل أو يُفقده كثيرًا من تأثيره وحضوره، كونه ليس كتلة واحدة، وبالتالي لا يمكن تدجينه في موقف واحد وقرار واحد، وذلك في ضوء عدة مؤشرات:
– المؤشر الديموغرافي.. إذ إن الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة ينتشرون في عدة ولايات متباعدة، وليس في مكان واحد، وهو ما يصعب من عملية توحيدهم في مسار واحد.
– انسلاخ الكثير من العرب عن هويتهم لا سيما أبناء الأجيال الثلاث الأخيرة التي لم تعرف عن قضايا أمتها الكثير، هذا بجانب تقديم البعدين الاقتصادي والاجتماعي على البعد القومي الأيديولوجي لدى شريحة كبيرة من العرب المقيمين في الداخل الأمريكي.
– المؤشر العقدي.. حيث إن 25% فقط من العرب المقيمين في أمريكا من المسلمين والغالبية من المسيحيين، وهو ما يُصعب من عملية توحيد المواقف وفق البعد الديني لما يحدث في غزة أو لبنان أو غيرها من الملفات التي ربما تستند في جذورها على هذا البعد، حتى هذه النسبية غير الكبيرة تعاني هي الأخرى من تأرجحات في مستوى التدين ومساراته.
– العديد من الأمريكيين المسلمين ينتمون لجنسيات آسيوية غير عربية، ما يعني أن القضايا المرتبطة بالبعد القومي العروبي – كقضية الصراع العربي الإسرائيلي- ربما لن تكون على أجندتهم في تقييم المواقف العامة من الانتخابات وهوية المرشحين.
التأرجح بين الاستراتيجي والأخلاقي
ألقت الانتهاكات التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة ولبنان على مدار أكثر من عام، وأعداد الضحايا غير المسبوق من الأطفال والنساء والمدنيين، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب بأكمله على مرأى ومسمع من العالم أجمع، بظلالها القاتمة على المشهد الانتخابي في الداخل الأمريكي، وهو ما تبرهنه النقاشات الحادة التي شهدتها التجمعات الانتخابية في الولايات المتحدة الأيام الماضية، والتي جعلت عملية التصويت في تلك الانتخابات أكثر من مجرد سياسة.
فريق يميل لسردية أن التصويت هذه المرة عملية أخلاقية في المقام الأول أكثر منها سياسية، بمعنى أنه ليس من المقبول إنسانيًا التصويت لصالح مرشحة – في إشارة إلى هاريس – تواطأ حزبها وإدارتها الحاكمة مع “إسرائيل” في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين واللبنانيين، إما بالدعم المطلق سياسيًا وعسكريًا على مدار عام كامل، أو من خلال غض الطرف عن الانتهاكات والجرائم المرتكبة وعدم التحرك لوقف تلك الحرب التي نسفت كل المزاعم الإنسانية التي طالما تشدق بها الأمريكيون.
أما الفريق الثاني فيرى ضرورة النظر للمسألة من بعد استراتيجي بحت، فالعملية بالنسبة له أكبر من كونها أخلاقية تغازل العواطف الإنسانية المؤقتة، حيث يميل أنصار هذا الفريق إلى النظر بشكل برغماتي بحت في تحديد هوية من يذهب له الصوت العربي، وعليه يرون أن التصويت لهاريس حتى وإن لفظها المزاج العربي بسبب تورطها في حرب الإبادة الحالية في غزة هو الخيار الأنسب، فالتصويت العقابي ضدها سيمنح ترامب الضوء الأخضر نحو ولاية ثانية، سيدفع فيها المهاجرون وكل الجاليات – ومنها العرب – ثمنًا مكلفًا في ظل السياسة العنصرية التي يتنباها المرشح الجمهوري إزاء الجاليات وهو ما اتضح جليًا خلال ولايته الأولى.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده عدد من القادة العرب الأمريكيين في ديربورن بولاية ميتشغان في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للإعلان عن دعم وتأييد هاريس، خرجت بعض الأصوات التي تحث على معاقبة الديمقراطيين في تلك الانتخابات بسبب الموقف من الحرب، وهنا علق مؤسس المعهد العربي الأمريكي، جيمس زغبي، قائلًا: “إنهم لن يعاقبوا الديمقراطيين، إنهم سيعاقبون المهاجرين، إنهم سيعاقبون الأبرياء”، موجهًا خطابه لأصحاب تلك الأصوات “لا تعاقبوا البلاد، والعالم، وأطفالكم، وأحفادكم، لأنكم غاضبون”.
ترامب – هاريس.. وجهان لعملة واحدة
بعيدًا عن الفروق الطفيفة التي كان عليها كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ممثلين في كامالا هاريس ودونالد ترامب، فيما يتعلق بالسياسة العامة إزاء الملفات والقضايا العربية، قبل حرب غزة الحالية، والتي كانت قادرة آنذاك على تحديد بوصلة الصوت العربي، فإنه وبعد مرور أكثر من عام على تلك الحرب، تلاشت تلك الفروق بشكل كبير.
المتابع بشكل دقيق وتحليلي لمواقف كل من المرشحين من القضايا التي تهم العرب والمسلمون بصفة عامة يجد أن كلاهما وجهان لعملة واحدة، ليس على المستوى الفلسطيني اللبناني فحسب، بل على كل المستويات والملفات الشائكة التي تهم العقل العربي:
– فيما يتعلق بالحرب في غزة ولبنان، أعلن المرشحان دعمهما المطلق لـ”إسرائيل” في مواجهة العرب، سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا، حتى وإن تباينت الأدوات والاستراتيجيات بشأن هوية وشكل وطبيعة هذا الدعم.
– أما على المستوى الإيراني فكلاهما يرى في طهران حليفًا غير مباشر، وصديقًا غير معلن، كما أنهما يتفقان على ضرورة أن تبقى إيران فاعلًا مؤثرًا في المشهد الإقليمي، لما يترتب على ذلك من تحقيق لمصالح الولايات المتحدة تحديدًا، عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ليدفع العرب وحدهم ثمن هذا التناطح – المصطنع أو المنضبط بالبوصلة الأمريكية – بين طهران وتل أبيب.
– الموقف ذاته من الملف الحقوقي وملفات الأنظمة السلطوية في المنطقة العربية، والتي ربما بسببها فر عشرات الآلاف من الشباب العربي للولايات المتحدة على مدار عقود طويلة مضت، ففي وقت من الأوقات كان البعض يعول على الديمقراطيين في الضغط على تلك الأنظمة عبر تلك الورقة، لكن مع مرور الوقت تلاشت تمامًا هذه الورقة وباتت الإدارة الأمريكية، جمهورية كانت أو ديمقراطية، أكثر برغماتية في التعامل مع هذا الملف، حيث ارتأت لأنفسها دعم تلك الأنظمة أيًا كان ملفها الحقوقي والإنساني مقابل خدمة مصالحها وتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
ويومًا تلو الآخر اكتشف المواطن الأمريكي العربي أن هاريس لا تختلف كثيرًا عن ترامب، وأن كلاهما قناعان لوجه واحد، حتى وإن بدا اختلاف ظاهري في التفاصيل، لكنه لا يخفي حقيقة سيرهما معًا عكس البوصلة العربية، الأمر الذي وضع الجالية العربية والإسلامية هناك في مأزق حقيقي.. فلمن تذهب أصواتهم إذًا؟
لمن يصوت العرب؟
عطفًا على ما سبق، فإن الصوت العربي إزاء تلك الانتخابات ينقسم إلى قسمين:
الأول: من حيث المشاركة
وهنا رأيان، الأول يميل ناحية المشاركة الفعلية كونها فرصة لإيصال الصوت العربي والمسلم لصانع القرار الأمريكي، والتأكيد على أهمية هذا الصوت وحضوره وتأثيره على المشهد، والتشديد على بقاء الجالية العربية كلاعب فعّال على الساحة مهما كانت التحديات، هذا بخلاف ما يمكن أن يترتب على تلك المشاركة من تمهيد الطريق نحو شخصيات مستقبلية غير أصولية الهوى الصهيوني، أما الرأي الثاني فيرى ضرورة المقاطعة خاصة مع انتفاء الأمل في فوز رئيس داعم للقضايا العربية، فكلا المرشحين، هاريس وترامب، يتسابقان في استهداف العرب وتجاهل ملفاتهم الحساسة، خارجيًا وداخليًا.
الثاني: من حيث هوية المرشح
وهنا يجد الشارع العربي الأمريكي نفسه أمام 3 خيارات رئيسية:
الخيار الأول: دعم هاريس.. ويذهب أنصار هذا الرأي إلى أن هاريس رغم دعمها الكبير لـ”إسرائيل” في مواجهة الفلسطينيين واللبنانيين، وفشل الديمقراطيين في وقف الحرب، ومنح نتنياهو وجيشه الضوء الأخضر لارتكاب كل تلك الجرائم دون تلجيم له، فإنها إذا فازت في تلك الانتخابات فربما تستجيب للضغوط التي تتعرض لها من قبل الجالية العربية، خاصة إذا صوتت لها ومنحتها دعمها، وأنها على كل حال أفضل نسبيًا من ترامب في دعمه المتطرف للكيان الإسرائيلي.
ويستند أنصار هذا الرأي على سجل ترامب المشين في تقويض القضية الفلسطينية لحساب الصهيونية، فهو الذي اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وخفض 200 مليون دولار من المساعدات للسلطة الفلسطينية، هذا بخلاف قيادته لحملة عالمية لدعم خطوة نقل سفارات الدول للقدس.
الخيار الثاني: التصويت لترامب.. وفي المقابل هناك من يرى أن فوز هاريس يعني باختصار استمرار حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون واللبنانيون على حد سواء، وأن الحل الأمثل حاليًا هو فوز ترامب صاحب الشخصية القوية، القادر على إنهاء تلك الحرب فورًا، كما تعهد بنفسه في إحدى اللقاءات مع عدد من قيادي الجالية العربية والإسلامية حين قال إنه لو كان متواجدًا بالسلطة لما وقعت تلك الحرب من الأساس.
يذكر أنه في أحد التجمعات الانتخابية في ولاية ميشيغان في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعرب عدد من الناخبين العرب والمسلمين الحاضرين في هذا التجمع عن تأييدهم الكامل لترامب في تلك الانتخابات، فيما قال الإمام المقيم في ديربورن، بلال الزهيري، أحد قادة المسلمين في تلك الولاية: “نحن كمسلمين نقف مع الرئيس ترامب لأنه يعد بالسلام. إنه يعد بالسلام وليس الحرب”، مضيفًا وسط هتافات مؤيدة لكلامه “يجب أن يتوقف إراقة الدماء في جميع أنحاء العالم. وأعتقد أن هذا الرجل قادر على تحقيق ذلك”، مشيرًا إلى الرئيس السابق.
وكانت مجموعة من كبار العلماء والأئمة المسلمين الأمريكيين قد وقعت في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، على رسالة تدعو الناخبين المسلمين إلى رفض هاريس في الانتخابات المقبلة بسبب دعم إدارتها للإبادة الجماعية التي ارتكبتها “إسرائيل”، وجاء في الرسالة “قد لا نعرف ما يحمله المستقبل، لكننا نعرف هذا: لن نلوث أيدينا بالتصويت لصالح أو دعم إدارة جلبت الكثير من سفك الدماء على إخواننا وأخواتنا”.
هل يكون المرشح الثالث هو الخيار الأمثل؟
وبين هذا وذاك هناك من يرى أن المشهد السياسي الأمريكي حاليًا بحاجة ماسة إلى بديل معتدل غير صهيوني، وأن المفاضلة بين هاريس وترامب في باطنها استمرار لذات المنهجية التي تقود إلى بقاء الأنظمة السلطوية الأمريكية ذات الهوى الصهيوني المطلق، ومن ثم فمن الأفضل البحث عن مرشح آخر ذي مخزون أيديولوجي غير داعم لـ”إسرائيل” على طول الخط.
وتعد مرشحة حزب الخضر، الطبية والناشطة، جيل ستاين (74 عامًا) هي الخيار الأمثل نحو التخلص من الهيمنة الصهيونية على المشهد السياسي الأمريكي، ليس شرطًا في الانتخابات الحالية، لكنها ربما تكون نواة لما هو قادم، لا سيما أنها ذات مواقف سياسية مقبولة عربيًا، فهي من أشد المعارضين لحرب الإبادة التي تُشن ضد الفلسطينيين وتطالب بإنهائها فورًا.
وتمثل ستاين الخيار الوحيد الذي يُخرج المتأرجحين العرب في المشهد الانتخابي من مأزق “الخيار بين أقل الشرين” في إشارة إلى هاريس وترامب، إذ إن التصويت لها سيكون رسالة قاسية لكل من الجمهوريين والديمقراطيين، كما أنه يمكن البناء عليه فيما هو قادم، وبجانب ذلك سيمثل ضغطًا كبيرًا على الرابح في تلك الانتخابات لوضع القضايا العربية على قائمة الأولويات، ويدق ناقوس الخطر إزاء ما يمكن أن يطرأ على الخريطة السياسية في الولايات المتحدة من تغيرات في الجولات القادمة.
وقد أظهر استطلاع رأي (بلغت العينة 1449 ناخبًا مسلمًا تم التحقق من هويتهم، وأجري في الفترة من 30 إلى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بهامش خطأ +/- 2.5 نقطة) أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، عن تفضيلات الناخبين المسلمين في الانتخابات الرئاسية، حصول مرشحة حزب الخضر على 42% من الأصوات، مقابل 41% لنائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، و10 % يؤيدون الرئيس السابق دونالد ترامب، وسط تخوفات من تأثير هذا الدعم العربي لستاين على حظوظ كلا من مرشحي الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.
يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة – في ضوء المستجدات الإقليمية الراهنة – استثنائية بكل المقاييس، ورغم التحديات التي تواجه الصوت العربي من غياب وحدة الكتلة وتناغم الأيديولوجيات، فإن الفرصة مواتية للعرب لأن يعلنوا عن أنفسهم بشكل عملي، متحررين من استراتيجية التصويت لصالح المرشح “الأقل شرًا” التي اعتادوها لعقود طويلة إلى التصويت للمرشح الحقيقي الذي يخدم أهدافهم ويحقق مصالحهم على المدى البعيد.