ترجمة حفصة جودة
قُتل المصور الليبي محمد بن خليفة الذي يعمل لحساب وكالة أسوشيتد برس بواسطة شظايا صاروخ في أثناء تغطية الاشتباكات المندلعة بين الميليشيات المتنافسة جنوب طرابلس يوم الأحد الماضي، وكانت وفاة محمد – 35 عامًا – قد أثرت في المجتمع الإعلامي الليبي الصغير الذي يواجه تحديات يومية لتأدية عمله في بلد تشكك بعمق في الصحفيين المحليين والدوليين.
يقول حمزة تركية مصور وكالة فرانس برس: “كان محمد من أفضل مصوري ليبيا، لقد كان ملتزمًا بعمله ولا تفارقه الابتسامة لكنه رحل وترك مكانه بيننا”، أما مراسل رويترز أحمد اليمامي فيقول: “كان محمد مثالًا رائعًا للصحفي في ليبيا، ففي أحلك الظروف كان يحافظ على ابتسامته ويحاول أن يصل إلى هدفه دون نزاع أو جدال مع أي أحد، لقد كان كل شيء بسيطًا بالنسبة له فإذا رفضت له أمرًا وجد طريقة أخرى للعمل”.
كان محمد يرتدي سترة واقية في أثناء تغطية الاشتباكات يوم الأحد لكنه تلقى شظية قاتلة في رأسه وتوفي في طريقه إلى المستشفى، كان قتال الأسبوع الماضي بين الميلشيات داخل وحول العاصمة قد تسبب في وفاة 16 مدنيًا وإصابة 65 بجروح.
وفي بلد تعادي سلطاتها وأجهزتها الأمنية الكاميرات، كان محمد يواجه الكثير من المشاكل كمصور لكنه اعتاد إيجاد الحلول، يقول أحمد: “في إحدى المرات كنا نغطي ترحيل مجموعة من المهاجرين في ميناء أبو ستة البحري في طرابلس ورفض بعض الحراس أن نلتقط الصور دون سبب معروف، فحافظ محمد على هدوئه وابتسامته وهمس في أذني قائلاً: يجب أن تعرف كيف تعمل لتعيش، كان يقول ذلك لأنه مصور حر مما يعني أنه إذا لم يعمل فلن يجد راتبًا في نهاية الشهر”.
لقد أصبح من الصعب جدًا العمل في ليبيا حتى إن الكثير من الصحفيين المحللين تركوا المهنة أو غادروا البلاد
في عام 2018 قال تقرير مراسلون بلا حدود إن الحرية في ليبيا وصلت لنقطة متأزمة، فمنذ الثورة عام 2011 قتل 18 صحفيًا وفرّ 67 صحفيًا من البلاد، بينما أصبحت 8 قنوات إعلامية محلية تعمل من خارج البلاد، كما سجل عام 2018 العديد من حالات اختفاء الصحفيين واختطافهم وتعذيبهم.
ويضيف تقرير مراسلون بلا حدود: “وضع الصحفيين والإعلام في ليبيا لا يحتمل، فبالبلد تعد قاتلة للصحفيين الذين أصبحوا يفضلون الذهاب إلى المنفى لمواصلة عملهم أو التوقف تمامًا عن النشاط الصحفي لأنه أصبح خطيرًا للغاية”.
تقول سارة جيازيري مدير منظمة “Frontline Freelance Register” – المنظمة التي تدافع عن الصحفيين المستقلين عندما يتعرضون للخطر في أثناء تأدية عملهم -: “كان محمد شغوفًا بعمله وكان يرغب في أن تخبر صوره العالم كله عن ليبيا، لقد أصبح من الصعب جدًا العمل في ليبيا حتى إن الكثير من الصحفيين المحللين تركوا المهنة أو غادروا البلاد، لكن محمد استمر في عمله”.
العميل الرئيسي يتعرض للهجوم
رغم أن محمد كان مستقلاً من الناحية الفنية فإنه عمل أكثر من 4 سنوات لصالح أسوشيتد برس فكانت عميله الرئيسي، ونشرت الوكالة خبرًا أوليًا عن وفاته بعنوان “وفاة صحفي حر وسط جولة جديدة من الاشتباكات في ليبيا”، أثار العنوان غضب وانتقاد الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
ركز محمد بشكل خاص على أزمة المهاجرين وصور الكثير من موتاهم على شواطئ ليبيا
تلجأ وكالات الأنباء عادة إلى الحد الأدنى أو الوجود المتقطع للمراسلين الدوليين على الأرض خاصة في الدول غير المستقرة مثل ليبيا، هذا الفراغ يملأه الصحفيين المحليين مثل محمد، ورغم أنهم يقدمون عادة وسريعًا أفضل المواد ويتعرضون للخطر الأكبر، فإن هؤلاء الصحفيين المحليين يحصلون على اعتراف ضئيل بفضلهم خاصة عند إصابتهم أو وفاتهم.
قال إيان فيليبس نائب رئيس أسوشيتد برس للأنباء الدولية وسالي بوزبي المحرر التنفيذي في بيان لهما: “لقد فجعت أسوشيتد برس بموت المصور الحر محمد بن خليفة الذي ساهم بالعديد من الصور المهمة والمؤثرة من ليبيا منذ عام 2014، قلوبنا مع أسرته خاصة زوجته وابنته الصغيرة ونقدم لهم أحر التعازي، من المحزن أن يموت صحفي في أثناء تأدية عمله، وتحاول أسوشيتد برس دائمًا أن تضمن سلامة وأمن طاقمها الصحفي”.
لكن أسوشتد برس لم تجب عن التساؤلات بشأن تقديم دعم مالي لزوجة محمد لمياء جمال وابنتهما ذات الـ6 أشهر ريان.
أعرب فتحي خليفة ابن عم محمد عن صدمة العائلة من طريقة نشر الوكالة لخبر موته، مشيرًا إلى أن معظم وسائل الإعلام الدولية كتبت عن وفاته بشكل موسع أكثر من أسوشيتد برس، يقول فتحي: “لقد كتبت أسوشيتد برس عن وفاته كخبر صحفي معتاد كما لو أن محمد لا ينتمي لهم، كيف من الممكن أن يعمل أحدهم تحت اسم وكالة ما ويتعرض للخطر في عمله لها ثم يكتبون عن موته كأي خبر معتاد؟ نأمل أن يكون ذلك نوعًا من المهنية وأنهم يخططون للقيام بأكثر من ذلك، لكن إذا كان هذا هو ما لديهم فهو غير مقبول على الإطلاق”.
لم يعمل أي صحفي آخر على قضية المهاجرين مثلما عمل محمد
كانت أسوشيتد برس قد نشرت نعيًا لمحمد واستعرضت بعض أعماله مساء الإثنين الماضي، تقول جيازيري: “جسد محمد الدور الذي يلعبه الصحفي المحلي الحر في النظام الصحفي، من دون الصحفيين المحليين لن نعرف أي شيء عما يحدث على الأرض في الأماكن الخطيرة مثل ليبيا، لهذا من الضروري والحيوي أن تدعمهم وكالات الأنباء الدولية التي يعملون لها، خاصة عند وقوعهم في أزمة، وأن تعترف بمساهماتهم في حالة وفاتهم خلال تأدية عملهم مثل محمد”.
شغف دائم بالتصوير
درس محمد الفنون الجميلة وكان شغوفًا ومولعًا بالتصوير طوال حياته وقد انتعش عمله بعد الثورة الليبية ضد معمر القذافي عام 2011، يقول فتحي: “لقد بدأ العمل كمصور محترف عام 2011 لكنني أتذكر ولعه بالصور والتصوير والكاميرات منذ طفولته”.
ساهم محمد بملف عمل كبير في توثيق الثورة الليبية عام 2011 ثم تغطية 8 سنوات بعد الثورة في ليبيا وركز بشكل خاص على محنة المهاجرين، يقول فتحي: “لم يعمل أي صحفي آخر على قضية المهاجرين مثل محمد”، كانت طريقته الرحيمة والحساسة في تصوير المآسي قد انعكست في صوره العديدة للمهاجرين الموتى الذين تظهر أجسادهم بشكل متتابع على شواطئ ليبيا، ورغم حرصه على تقديم تقرر كامل يجسد رعب الموقف فإنه أخبر زملاءه الصحفيين عن أهمية الحفاظ على حرمة الموتى”.
محمد وابنته ريان ذات الـ6 أشهر
تقول المخرجة الوثائقية الليبية البريطانية نزيهة عريبي: “في عام 2012 ظهرت مجموعة من المواهب الشابة في ليبيا وكان محمد أحد هذه المواهب، لقد كان مرحًا ومخلصًا، وقد أصبح من أهم المصورين الصحفيين في ليبيا وهو عمل ليس سهلاً خاصة عندما تكون مستقلاً وفي بلد معقد مثل ليبيا”.
وتضيف: “لقد فقدت ليبيا والصحافة حليفًا عظيمًا وعزاؤنا أن محمد ترك ميراثًا ضخمًا لأسرته ولليبيا سواء شخصيته أم عمله الذي كان وما زال مهمًا”، تحدث محمد عن الفوضى الدائمة في السياسة الليبية وكذلك عن سقوطها في سلسلة من الصراعات الأهلية، وأكد ابن عمه على التزامه بسرد جميع القصص الليبية مهما كانت صغيرة، وتحدث عن زياراته للمستشفيات وللأشخاص المشردين ومخيمات النازحين وحديثه كذلك عن الأحداث المحلية الصغيرة.
يقول فتحي: “هنا في ليبيا من المستحيل غالبًا أن تكون صحفيًا مستقلًا وتعيش في سلام دون مشاكل، لكنه استمر في عمله وكان عطوفًا وصادقًا في كل ما يفعله، لقد كانت وفاته خسارة كبيرة ليس فقط لعائلته لكن لليبيا بأكملها”.
المصدر: ميدل إيست آي