ترجمة وتحرير: نون بوست
مع اقترابنا من يوم الحسم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز عدة مقالات تربط بين دونالد ترامب والفاشية.
وقال جون كيلي، رئيس موظفي البيت الأبيض الأطول خدمة في عهد ترامب، إنه يعتقد أن الرئيس السابق ينطبق عليه وصف الفاشية، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
ويتساءل مقال آخر “هل هي فاشية”؟ لكاتبه روبرت باكستون، وهو مؤرخ بارز، كان يعتقد سابقا أن هذه التسمية مبالغ في استخدامها لوصف ترامب، قبل أن يغير رأيه الآن في مواجهة “الترامبية”.
ويقوم أحد بودكاستات نيويورك تايمز بعرض عد تنازلي بعنوان: “12 يومًا متبقية: البطاطس المقلية والفاشية”. يذكّر مقال تلو المقال القراء بأن ترامب “فاشي حتى النخاع”، بينما يقول خبر آخر “هاريس والديمقراطيون يتراجعون عن وصف ترامب بالفاشي”.
الصحيفة محقة بالتأكيد. ترامب فاشي، وإذا أتيحت له الفرصة، سيحوّل هذا البلد إلى ما يشبه إيطاليا موسوليني، وألمانيا هتلر، وإسبانيا فرانكو – وكلها نماذج أوروبية على هذا التوجه الأمريكي نحو الفاشية.
في المقابل، لن تجد في “نيويورك تايمز” إشارة واحدة إلى الإبادة الجماعية التي تحدث في فلسطين ولبنان على امتداد الأشهر الثلاثة عشر الماضية، عدا التشكيك في هذه الحقيقة وتشويهها. ويغيب عن تقارير الصحيفة أي إشارة إلى أن الرئيس جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، هما المسؤولان الرئيسيان عن ذلك.
تهتم صحيفة “نيويورك تايمز” بتحذير الأمريكيين من فاشية ترامب، ولكنها غائبة تمامًا عندما يتعلق الأمر بصهيونية الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي يؤيدها بايدن وهاريس بشكل كامل.
ورغم كل هذا الإنكار، تظل حملة الإبادة التي تقوم بها إسرائيل “حالة إبادة جماعية نموذجية”، كما يؤكد بوضوح كبار الخبراء في هذا المجال .
كرنفال كئيب
من المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 – التي أصبحت أحد أكبر الأحداث السياسية وأكثرها فسادا في التاريخ الأمريكي – يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني/ نوفمبر.
تعتبر الانتخابات الحالية، وهي بالأساس سباق بين مرشحي الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، كرنفالا وطنيا كئيبا.
يجب على ملايين الأمريكيين المحبطين أو المُضَلَلين التوجه إلى مراكز الاقتراع واتخاذ قرار بشأن نوع الكارثة التي يأملون أن تنقذهم من البديل الأسوأ.
إنه حقا مشهد مروّع؛ سيشغل هاريس أو ترامب قريبًا المنصب الأعنف في الولايات المتحدة والعالم.
سيخلف أحدهما جو بايدن – الذي يبدو أنه يعاني من الخرف – على رأس السلطة القاتلة التي ترتكب أعمال عنف وحشية.
على مدار أكثر من عام، قام بايدن، الصهيوني المفتخر بصهيونيته، بتمويل واحدة من أكثر أعمال الإبادة الجماعية وحشية في التاريخ بالعتاد العسكري والغطاء الدبلوماسي والمغالطات السياسية والأكاذيب والمراوغات الخبيثة والدجل الصريح من خلال التظاهر بالعمل على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، بينما يمنح إسرائيل الوقت لذبح أمة بأكملها.
وأثبت وزير خارجيته، أنطوني بلينكن، أنه قادر على الكذب عندما زعم أنه يعمل على التوصل إلى وقف إطلاق النار بينما يسهل لحلفائه الصهاينة ارتكاب جرائم القتل الجماعي بحق الفلسطينيين. سوف يدخل التاريخ باعتباره كاذبًا ساديًا أسوأ من هنري كيسنجر.
أسوأ الشرّين
قبل بايدن، كشف سلفه ترامب عن الصفاقة المذهلة والكراهية الوحشية التي ميزت موقفه من الأجانب وعرّت النسيج الداخلي للتاريخ الاجتماعي والسياسي الأمريكي.
في المستقبل، تستعد هاريس التي أخذت مكان بايدن في الانتخابات الحالية، لمتابعة خطى أسلافها، بينما يتجه ترامب لمواصلة سياساته المعروفة. وبالتالي، فإن السؤال المطروح، ليس أي من هذين الشرين يمكن لأي إنسان عاقل أن يصوت له، بل ما هي الكارثة المشتركة التي يمثلها كلاهما للمستقبل الهش لهذا الكوكب؟
لا يمكن قياس الأضرار التي يمكن أن يلحقها كلاهما بالعالم، فكل منهما قادر على ارتكاب فظاعات غير محدودة من النوع الذي ترتكبه إسرائيل حاليًا في فلسطين ولبنان، وتدمير ما تبقى من المؤسسات الديمقراطية في هذا البلد، من أجل المنفعة الشخصية لقلة من أعضاء نوادي المليارديرات، على حساب مصير البشرية جمعاء.
أي نوع من الخيارات هذا؟ أي نوع من الأشخاص يمكن أن يصوّت لأي من هذين المرشحين؟ أي نوع من الدول تلك التي تريد بسلطتها الوحشية أن تُخضع العالم بأكمله لمثل هذه الخيارات؟ هاريس مرة أخرى؟ ترامب مرة أخرى؟ حقًا؟
عادة، لا يصوت حوالي 40 إلى 50 بالمائة من الناخبين الأمريكيين المؤهلين للتصويت في أي انتخابات رئاسية. ومن بين الـ50 إلى 60 بالمائة الذين يصوتون، تنقسم الأصوات بالتساوي تقريبًا بين الجمهوريين والديمقراطيين.
لا يملك أي إنسان عاقل، سواء كان أمريكيًا أو غير أمريكي، خيارًا في هذه الانتخابات الرئاسية: إذا اخترت هاريس، فأنت تصوّت للإبادة الجماعية المستمرة ضد أمة بأكملها. وإذا اخترت ترامب، فإنك تنتخب مجرمًا مدانًا له سجل حافل من المساعي نحو الهيمنة اليهودية المسيحية العنصرية على العالم، ومن الفاشية على المستوى المحلي.
المشكلة في الانتخابات الأمريكية هي أن أولئك الذين يتجاهلون هذه الحقائق الواضحة ويصوتون لأحد هذين الشرين العظيمين، سيقومون بذلك على حساب بقية الأمريكيين الذين يفضلون التمسك بالقيم وعدم ترك العالم تحت رحمة “البلطجة” العسكرية الأمريكية.
سياسة لا يمكن إصلاحها
في هذا البلد، هناك حكمة معروفة تقول إنه لا يوجد حزب ثالث في الولايات المتحدة، لأنه لم يظهر حزب ثانٍ بعد. الحزبان الرئيسيان متشابهان في النزعة العسكرية التوسعية ودعم الاستيطان الإسرائيلي، لكن أحدهما يعلن بشكل صريح عن خططه الفاشية للاستيلاء على البلاد بأسرها.
سيكون فوز أي منهما كارثة على البشرية جمعاء. أما فيما يتعلق بأهم قضية أخلاقية وسياسية في عصرنا، وهي الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في فلسطين، فإن ترامب وهاريس متطابقان تمامًا في موقفيهما منها.
إن دعم أحدهما للحقوق الإنجابية مقابل تردد المرشح الآخر في هذه القضية، أو اعتراف أحدهما بأزمة المناخ -رغم دعمه لاستخراج الغاز الصخري-، مقابل إنكار المرشح الآخر وجود أي تهديد مناخي، كل ذلك لا علاقة له إطلاقًا بتلك الكارثة.
إذا كان المرشحان متفقين في دعم آلة الإبادة الجماعية في فلسطين، فسوف يتفقان في كل شيء آخر تقريبًا.
في الوقت الراهن، تؤيد الجمهورية الرجعية ليز تشيني، ووالدها ديك تشيني، المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. فهل يمكن لأي إنسان عاقل أن يشارك في هذا المشهد؟
سينضم حوالي 50 بالمائة من الناخبين الأمريكيين إلى هذا المشهد، متوهمين بأنهم يصنعون خيارًا حقيقيًا، لكنهم في الواقع لا يصنعون شيئا.
لقد أوهمهم المنطق التجاري للرأسمالية المنحطّة بأنه يمكن أن يختاروا بين كوكاكولا وبيبسي، أو بين ماكدونالدز وكي إف سي، أو بين نايك وريبوك، أو بين آبل وسامسونغ، أو بين ترامب وهاريس.
السياسة الحزبية الأمريكية لا يمكن إصلاحها.
من بوش إلى أوباما إلى بايدن، ومن سيأتي بعد هذه الانتخابات، يعد النظام الحاكم في الولايات المتحدة مشروعا إمبرياليا فاسدا، وسيستمر في فعل ما كان يفعله دائمًا، وهو استخدام إسرائيل كذراع ممتدة لحروبه الإقليمية والعالمية من أجل الهيمنة على العالم، في مواجهة روسيا والصين. في المقابل، لا تعني المجازر ضد اللبنانيين والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، شيئًا بالنسبة لهم.
لا يوجد أمل
اعتاد المسؤولون في إدارة بايدن أن يرددوا بلا معنى شعار أن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها” ويتباكون على “قتل عدد كبير جدًا من الفلسطينيين” دون أن ينسبوا الفعل لفاعله.
وبالمثل، تبدو هاريس مصممة على دعم الصهيونية في ممارسة الإبادة الجماعية، بينما يسعى ترامب بإصرار مرَضي لفرض حكم استبدادي في هذا البلد.
لا أمل في مواجهة هذه الكارثة، فلا يوجد خيار بين هذين الشرّين، إذ أنهما لا يتعارضان، بل يكمل كل منهما الآخر.
هذا هو الخيار الذي تملكه الولايات المتحدة للعالم بأسره، اندماج كامل بين الصهيونية المجرمة والفاشية الأمريكية.
وكلما أسرع الشعب الأمريكي في فهم هذه الحقيقة، استطعنا أن نبدأ بإدراك حجم الوحشية التي يواجهها العالم.
المصدر: ميدل إيست آي