رغم حالة الخلاف القائمة بين حركتي فتح وحماس، وعمق أزمة المصالحة خاصة بعد فشل الحراك الأخير في إحراز أي تقدم وزادها تعقيدًا، فإن الأمل عاد مجددًا ليدب في نفوس الفلسطينيين بعد تصريحات مثيرة للجدل لتجاوز أكبر عقبات الوحدة الوطنية.
“الانتخابات بقائمة موحدة”، كان هذا أهم وأبرز الخيارات التي بدأت حركة فتح تطرحها على حركة حماس لتشاركها في الانتخابات المقبلة والمقررة بعد أشهر قليلة، لتثير معها موجه كبيرة من الجدل داخل الساحة الفلسطينية، وتساؤل عن إمكانية تحقيق هذه الدعوة على أرض الواقع في ظل الانقسام القائم وتشابك الخلافات الداخلية.
التصريحات التي أطلقها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، بشأن الدعوة للانتخابات البرلمانية لاقت ترحيبًا واسعًا وخاصة بعد دعوته حركة حماس للمشاركة في الانتخابات ضمن قائمة واحدة لمواجهة الضغوطات والتحديات السياسية.
هل يتحقق الحلم؟
لم تتوقف هذه الدعوة عند حسين الشيخ وحده بل كررها المتحدث باسم حركة فتح أسامة القواسمي الذي أكد أهمية إجراء الانتخابات كمدخل حقيقي وجدي لإنهاء حالة الانقسام الراهنة، وقال القواسمي خلال تصريحات إذاعية: “الحركة تريد انتخابات بمشاركة حماس ضمن قائمة واحدة، ولكن إذا رفضوا فعلى كلاهما أن يشارك في الانتخابات منافسًا للآخر”.
يوضح يحيى موسى النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس أن الانتخابات التشريعية والرئاسية هي المخرج الوحيد والمهم من حالة الانقسام التي يعاني منها الفلسطينيون طول الـ12 عامًا الماضية
وأضاف: “نحن مقبلون على انتخابات وأمام ضغوط سياسية هائلة، فنحن بحاجة إلى حكومة ذات دلالة سياسية وأن تشارك فيها جميع فصائل منظمة التحرير وتقوم بتلبية احتياجات المواطن والتحضير للانتخابات الوطنية”.
هذه التصريحات نظرت إليها شخصيات فلسطينية مسؤولة على أنها “إيجابية ومهمة”، إلا أن حركة حماس عبرت عن تخوفها من أن يكون فخًا قد ينصب لها، وأنها جاءت في ظل أزمة ثقة كبيرة تعيشها مع حركة فتح.
يقول القيادي في حركة حماس والنائب في المجلس التشريعي عن الحركة يحيى موسى، في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، إن حركته ترحب بشكل كبير بأي دعوة لإجراء انتخابات فلسطينية داخلية نزيهة وشفافة تضمن حق المواطن في التصويت دون ضغوطات وابتزازات.
ويوضح موسى أن الانتخابات التشريعية والرئاسية هي المخرج الوحيد والمهم من حالة الانقسام التي يعاني منها الفلسطينيون طول الـ12 عامًا الماضية وهي مطلب شعبي، والدعوة التي وجهتها حركة فتح للدخول بقائمة مشتركة قد تكون هروبًا من استحقاقات المصالحة.
وحذر من أن تكون هذه التصريحات “فخًا” جديدًا تنصبه حركة فتح لزيادة الانقسام في الساحة الداخلية، مؤكدًا أن كل التصريحات التي تصدر عن قادة السلطة وحركة فتح هي توتيرية وتصعيدية لا تخدم تمامًا التوصل لأي توافق بشأن الانتخابات المقبلة.
اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة حماس يحيى أبو مرزوق، أن تشكيل قائمة مشتركة مع حماس والفصائل يلغي الانتخابات، ولا يجعل هناك خيارات للشعب الفلسطيني
القيادي الآخر في حركة حماس موسى أبو مرزوق، أكد أن حركته عبرت أكثر من مرة عن ترحيبها بالانتخابات وترى أنها المخرج من مأزق المصالحة وما وصلت إليه، مضيفًا “لجنة الانتخابات المركزية ستكون موضع ترحيب، ولها كامل الحرية في تجهيزاتها فهي موضع ثقة الجميع”.
ونوه القيادي في الحركة، إلى أنه كان الأفضل وطنيًا أن تجري الانتخابات قبل حل المجلس التشريعي بإجراء غير قانوني وإرساء عرف غير دستوري، وعليه فسيكون المجلس محلولاً بنتيجة الانتخابات باستبداله بمن اختارهم الشعب الفلسطيني.
مسيرات شعبية بغزة تطالب بإنهاء الانقسام
قنبلة القائمة الموحدة
ووجه أبو مرزوق تساؤل حركته إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وحركة فتح، بشأن مصير الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني، مشددًا على ضرورة الإجابة عنه.
وعن استعداد عباس لتشكيل قائمة وطنية مشتركة مع حركة حماس وغيرها، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن “تشكيل قائمة مشتركة مع حماس والفصائل يلغي الانتخابات، ولا يجعل هناك خيارات للشعب الفلسطيني، ونحن مع خيارات الشعب الفلسطيني، وستلتزم بالنتائج مهما كانت ونكرر مستعدين لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات”.
الجدير ذكره أن القيادة الفلسطينية تبحث في هذه الأوقات مسألة عقد الانتخابات لـ”برلمان الدولة“، كبديل عن المجلس التشريعي الفلسطيني الذي اتخذت في وقت لاحق المحكمة الدستورية قرارًا بحله، حيث يطالب عدد من المسؤولين في منظمة التحرير بتشكيل حكومة جديدة من فصائل المنظمة، للتحضير لهذه الخطوة.
محللون سياسيون يشككون في إمكانية تحقيق هذا الخيار، مؤكدين أن الهوة بين الحركتين واسعة
وكانت حركة حماس قد فازت في الانتخابات البرلمانية عام 2006، وشكلت عقبها الحكومة الفلسطينية العاشرة، قبل أن توقع “اتفاق مكة” للمصالحة، وتشكل حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح والفصائل، غير أن هذه الحكومة لم تصمد طويلاً، وانهارت بعد أن حلها الرئيس، عقب سيطرة حماس على غزة، بعد قتال مسلح مع القوات الأمنية.
محللون سياسيون يشككون في إمكانية تحقيق هذا الخيار، مؤكدين أن الهوة بين الحركتين واسعة، والخلافات بينهما لا يمكن أن تختصرها قائمة انتخابية موحدة، فيقول الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور: “حركتا فتح وحماس تتهربان من الاستحقاق الانتخابي وكلا الحركتين تريدان كسب الوقت كرهان منهما على تغير الظروف الداخلية أو الخارجية، وفرضية أن تكون حماس وفتح في قائمة واحدة من المضحكات المبكيات وهذه دعابة قدمها أحد قيادات حركة فتح”.
وفي تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، يؤكد العمور أن الدعوة للانتخابات كانت وما زالت بهدف حل المجلس التشريعي، وحل التشريعي في أحد معانيها تعني إنهاء العملية الديمقراطية برمتها والانقلاب الفعلي على نتائج انتخابات العام 2006.
ويضيف “السؤال الآن للناخب العادي من يضمن له احترام إرادته وصوته وحرية اختياره؟ ومن يضمن أننا إذا ذهبنا لانتخابات جديدة وانتخبنا مجلس تشريعي ألا يحل بجرة قلم أو بحكم محكمة دستورية؟ هذا أولاً، وثانيًا من يضمن أننا لو انتخبنا حماس مثلاً مرة أخرى أو شاركت الجهاد وفازت بالأغلبية ألا يحدث نفس سيناريو الاقتتال والانقسام مرة أخرى؟”.
الرئيس عباس أعلن قبل أسابيع أن المحكمة الدستورية الفلسطينية اتخذت قرارًا بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، مشيرًا إلى التزامه بتطبيق هذا القرار
موضحًا أن الأمر أعمق وأكبر وأخطر من مجرد الإعلان عن موعد للانتخابات، فما حدث قتل التجربة الديمقراطية وأنهى قناعة الناخب الفلسطيني بجدوى صوته وحريته وإرادته.
ويكمل المحلل السياسي “لن تتم أي انتخابات، نحن ننتقل بفعل هذه المناكفات من الانقسام السياسي إلى الانفصال السياسي والجغرافي، وسيبقى الجمود سيد الموقف، لن تحدث عملية سياسية ولا أظن أن حماس سترفض المشاركة، قد تشارك لكن قد تشكك في النتائج وفي العملية ومخرجاتها في الضفة حيث تسيطر فتح“.
“وفي المقابل قد يحدث الأمر وترفض فتح النتائج أيضًا بدعوى حدوث تزوير أو أي سبب للعملية في غزة بدعوى سيطرة حماس“، موضحًا “الانتخابات أداة وليست هدفًا في حد ذاتها وقبل الذهاب إليها هناك استحقاقات ومقتضيات وشروط يجب توافرها أهمها الاتفاق والوفاق وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، غير ذلك لا يمكن“.
وختم حديثه بالقول “كل ما يحدث هو كسب للوقت وتبريرات يعلمها الناس وسيقولون كلمتهم ورأيهم عند أول فرصة، يجب ألا ننسى أن أحد الأسباب التي وقفت وراء فوز حماس بالأغلبية في انتخابات 2006 هو الصوت الاعتراضي، أي أنه كان هناك اعتراض من الناخب على حركة فتح التي كانت بمثابة الحزب الحاكم للسلطة آنذاك”.
الجدير ذكره أن الرئيس عباس أعلن قبل أسابيع أن المحكمة الدستورية الفلسطينية اتخذت قرارًا بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، مشيرًا إلى التزامه بتطبيق هذا القرار، فيما رفضت حركة حماس، القرار وقالت إن التشريعي سيد نفسه ولا يمكن لأحد أن يحله.
يبقى التساؤل الأكبر هنا: هل يمكن أن يتحقق الحلم الفلسطيني بدخول حركتي حماس وفتح في قائمة مشتركة للانتخابات المقبلة، وتُعلن بتلك الخطوة إنهاء الانقسام؟
وتعطّل عمل “التشريعي” منذ أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، ولم تفلح العديد من الوساطات والاتفاقيات في إنهائه، ويتكون المجلس التشريعي من 132 مقعدًا تمتلك حركة حماس 76 منها، مقابل 43 مقعدًا لحركة فتح و13 لأحزاب اليسار والمستقلين.
ويبقى التساؤل الأكبر هنا: هل يمكن أن يتحقق الحلم الفلسطيني بدخول حركتي حماس وفتح في قائمة مشتركة للانتخابات المقبلة، وتُعلن بتلك الخطوة إنهاء الانقسام؟ لتكون الأيام المقبلة كفيلة بأن تكشف عما تخفيه في تفاصيلها الصغيرة والكبيرة وسط ترقب وقلق.