في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الدول لفتح الحدود بينها وإزالة كل عوائق الاتحاد، تسعى دول أخرى لإقامة جدران عازلة، كل له أسبابه يقدمها للرأي العام وأخرى يخفيها بين أسوار مجالس الحكم، إلا أن المتفق عليه أن أغلبية هذه الجدران جاءت للحد من حركة الشعوب وتقليل فرصة الاندماج، فماذا تعرف عن أبرزها؟
السور الفاصل بين ليبيا ومصر
قبل أيام قليلة، أعلنت السلطات في شرق ليبيا، شروعها في بناء السور الفاصل بين ليبيا ومصر، تحديدًا عند المنفذ الحدودي البري “إمساعد“، ومن المنتظر أن يبلغ طول السور كيلومتر، ويقدر ارتفاعه بثلاثة أمتار.
سلطات شرق ليبيا قالت إن هذه الخطوة المفاجئة جاءت لـ”منع تسلل العناصر الإرهابية بين البلدين، ولمكافحة عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية”، بحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية، وتمتد الحدود المصرية الليبية على طول 1200 كيلومتر، وهي مسافة طويلة سهلت عمليات التسلل بين البلدين.
من أبرز هذه الجدران، نجد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية
تشير التقديرات إلى أن التهريب عبر الحدود الليبية أصبح يمثل أكثر من نصف نشاط التهريب في مصر الذي يقدره اقتصاديون بأكثر من مليار دولار سنويًا، ما أدى إلى تراجع حركة التبادل التجاري بين البلدين إلى 850 مليون دولار العام الماضي، مقارنة بنحو 2.6 مليار دولار في عام 2010، بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي قوضت عمل المؤسسات الاقتصادية في البلاد.
جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية
من أبرز هذه الجدران نجد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، وهو عبارة عن جدار عازل بناه الكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر، ويقول الكيان إنه لمنع دخول السكان الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة أو المستوطنات القريبة، بينما يقول الفلسطينيون إنه محاولة لإعاقة حياتهم وضم أراضٍ من الضفة الغربية إلى “إسرائيل”.
يحيط جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية
بدأ بناء الجدار في 23 من يونيو/حزيران 2002، أي في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، ويمثل هذا الجدار العازل أحد تجليات السياسات الإسرائيلية الاحتلالية التوسعية الساعية للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض وتطهيرها من الوجود الفلسطيني.
ويتشكل هذا الجدار من سياجات وطرق دوريات، وفي المناطق المأهولة بكثافة مثل منطقة المثلث أو منطقة القدس تم نصب أسوار بدلاً من السياجات، ويمر السياج بمسار متعرج حيث يحيط بمعظم أراضي الضفة الغربية، وفي أماكن معينة، مثل قلقيلية، يشكل معازل، أي مدينة أو مجموعة بلدات محاطة من كل أطرافها تقريبًا بالجدار.
الجدار بين المكسيك وأمريكا
نهاية شهر يناير/كانون الثاني من عام 2017، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا ببناء جدار عازل على طول الحدود الأمريكية المكسيكية يصر على أن تشارك المكسيك في تكلفة بنائه، وهو ما ترفضه المكسيك.
وكان بناء حواجز تمتد على مسافة 2000 ميل على امتداد الحدود مع المكسيك أحد التعهدات الأساسية لترامب في حملته إبان الانتخابات الرئاسية، وسبق أن قدر الرئيس الأمريكي أن بناء الجدار سيكلف نحو 8 مليارات دولار، بيد أن منتقديه قالوا إنه سيكلف ضعف هذا المبلغ.
ويبلغ طول حدود الولايات المتحدة مع جارتها المكسيك 3000 كيلومتر، قبل تولي ترامب السلطة، كان يوجد 654 ميلاً (أكثر من ألف كيلومتر) من الحواجز القائمة على طول الحدود الجنوبية، 354 ميلاً من الحواجز لمنع المارة و300 ميل عبارة عن سياج حاجز لمنع المركبات.
بعد شروعها في بناء جدار الفصل مع سوريا، أعلنت تركيا نيتها بناء جدار أسمنتي آخر على الحدود مع إيران
نتيجة إصرار ترامب على تخصيص 5.7 مليار دولار لتمويل إقامة الجدار العازل على الحدود مع المكسيك لوقف الهجرة غير الشرعية بالإضافة إلى مبلغ 1.7 مليار دولار مخصصة بالفعل للحواجز الجديدة والبديلة، دخلت الحكومة الفيدرالية الأمريكية فيما يسمى بـ”الإغلاق”، في الـ22 من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول ترامب إن بناء الجدار ضروري للأمن القومي، في حين يرفض الديمقراطيون المسيطرون على أغلبية مقاعد مجلس النواب توفير التمويل له، ويصفونه بأنه غير فعال ويهدر أموال دافعي الضرائب، وهذا الإغلاق هو الثالث خلال العام الحاليّ بعد يناير/كانون الثاني (3 أيام) وفبراير/شباط (بضع ساعات) بسبب قضية الهجرة، وكان الإغلاق الأخير في أكتوبر/تشرين الأول 2013 استمر 16 يومًا لكنه كان أقصر من إغلاق 1995-1996 الذي استمر 21 يومًا.
الجدار بين تركيا وسوريا
منتصف السنة الماضية، أنهت تركيا بناء جدار عازل على طول الحدود مع سوريا، وكانت أنقرة قد بدأت في بناء الجدار من بلدة “كسب” الواقعة في ريف اللاذقية الشمالي مرورًا بالمعبر ووصولاً حتى بلدة “ربيعة” وريف إدلب كمرحلة أولى ومن ثم تم إكماله حتى مدينة “القامشلي” في أقصى شرق سوريا.
ويبلغ طول الجدار 711 كيلومترًا، فيما يبلغ ارتفاعه 3 أمتار ويعلوه مترين من الأسلاك الشائكة وتنظر له تركيا على أنه حصن منيع يسهم في ضبط الحدود ومنع مرور المسلحين بين البلدين، بينما تراه السلطات السورية تجاوزًا وخرقًا للمواثيق لأنه تعدى واقتطع أراضي سورية في مناطق مختلفة ولم يتم التشاور معها بشأنه.
تسعى تركيا من خلال جدار العزل مع سوريا إلى منع تسلل الإرهابيين إليها
وذكرت وسائل إعلام تركية، أن أنقرة تهدف من وراء بناء الجدار، إلى منع تسلل الإرهابيين من الجانب السوري إلى أراضيها وإنهاء عمليات التهريب بين الطرفين، يذكر أن طول الحدود السورية التركية يبلغ 911 كيلومترًا، وتشمل ولايات هطاي وكليس وغازي عنتاب وشانلي أورفة وماردين.
ويتخلل السور أبراج مراقبة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار مزودة بنظام تكنولوجي متقدم، من أنظمة مراقبة عالية الدقة وكاميرات حرارية ورادارات لعمليات الرصد البري، فضلاً عن أن الجدار يتمتع بأنظمة تسليح متطورة يتم التحكم بها عن بعد.
الجدار بين تركيا وإيران
بعد شروعها في بناء جدار الفصل مع سوريا، أعلنت تركيا نيتها بناء جدار أسمنتي آخر في الحدود مع إيران، وسيقام الجدار الحدودي التركي في الخط الحدودي بين محافظتي آغري وإيغدير التركيتين، وأرجعت السلطات التركية أسباب خطة بناء الجدار غير المسبوقة على حدود البلدين إلى منع تدفق الإرهابيين وعناصر حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، فضلاً عن المهاجرين الأفغان.
ولم تبد إيران أي اعتراض على هذا المشروع، إلا أنها أكدت ضرورة أن تمدها السلطات التركية بتفاصيل عملية بناء الجدار، مؤكدة أهمية ضبط أمن الحدود، وتتراوح التقديرات بشأن طول هذا الجدار ما بين 70 كيلومترًا (وهي المسافة بين مدينتي آغري وإيغدير التركيتين) إلى 144 كيلومترًا من أصل نحو 500 كيلومتر، تُشكل إجمالي طول الحدود المشتركة مع إيران، وتشكو أنقرة من تسلل مقاتلين قادمين من الجارة الشرقية وتنفيذهم عمليات عسكرية في أراضيها، واتخاذ حزب العمال مواقع له في مخيمات بالمناطق الحدودية داخل إيران.
الجدار بين الجزائر والمغرب
في أغسطس/آب 2016، بدأت الجزائر في أشغال بناء جدار عازل على حدودها مع المغرب، يقدر ارتفاعه بـ7 أمتار وعرضه بمترين، ويمتد على مسافة 271 كيلومترًا انطلاقًا من ولاية تلمسان كخطوة أولى، وتبلغ الحدود البرية بين المغرب والجزائر نحو 1601 باحتساب أراضي منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.
يمتد السياج الحدودي الفاصل بين المملكة المغربية ومدينة سبتة المحتلة على امتداد 12 كيلومترًا وارتفاع 3 أمتار بأسلاك شائكة على القمة
تقول السلطات الجزائرية إن الغرض من هذا الجدار العازل الذي لم يكتمل بعد، تأمين حدودها مع المغرب والتصدي لعمليات التهريب، خاصة تهريب المخدرات، وتعرف الحدود بين البلدين بعض التوتر من حين لآخر حيث ينشر الجانبان قوات عسكرية لهما دون أن يصل ذلك إلى أي تشابك عسكري.
يذكر أن الحدود بين البلدين مغلقة منذ سنة 1994، وكانت الجزائر من اتخذت قرار الإغلاق ردًا على فرض المغرب التأشيرة على مواطنيها بسبب تفجيرات طالت فندقًا في مراكش أدت إلى وقوع قتلى، إذ وجه المغرب الاتهام آنذاك للمخابرات الجزائرية بتسهيل مهمة منفذي الهجوم، وهو ما نفته الجزائر.
الجدار بين المغرب وإسبانيا
على الحدود الشمالية للمغرب، جدار عازل آخر مع إسبانيا، ويمتد السياج الحدودي الفاصل بين المملكة المغربية ومدينة سبتة المحتلة على امتداد 12 كيلومترًا وارتفاع 3 أمتار بأسلاك شائكة على القمة، تم تجهيز الجدار بوظيفة مراقبة وطريق بديلة بين السورين لمرور مركبات المراقبة، كما تم إغناؤه بكابلات توصيل شبكة من أجهزة الاستشعار الإلكترونية ومكبرات الصوت.
تسلل العشرات من المهاجرين غير النظاميين إلى الجانب الإسباني
شيد السياج من إسبانيا في تسعينيات القرن الماضي، رغم اعتراض المغرب على بنائه لأنه لا يعترف بالسيادة الإسبانية، وتقول إسبانيا إن الهدف من تشييد السياج هو وقف الهجرة غير الشرعية وتهريب السلع، ويقف السياج حائلاً أمام اللاجئين الأفارقة الراغبين في الوصول إلى الأراضي الأوروبية، فبعد تشييده لم يعد من السهل للمهاجرين الوصول إلى إسبانيا.
الجدار بين السعودية والعراق
قررت السعودية هي الأخرى الانضمام إلى قائمة الدول التي اختارت تحصين ترابها بجدار، وفي سنة 2015، أنهت المملكة العربية السعودية، بناء الجدار العازل بينها وبين العراق، وذلك لحماية أراضيها من الجماعات المسلحة، وفقًا للسلطات السعودية، ويصل طول الجدار 900 كيلومتر وكلف ميزانية المملكة نحو مليار دولار.
واقترح بناء الجدار في عام 2006، في أثناء الصراعات والمشاكل الطائفية التي عرفتها المملكة حينها، وبدأ التشييد الفعلي عام 2014، بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ويعرف الجدار باسم سور السعودية العظيم، وهو مدعوم بأبراج مراقبة وأسلاك شائكة وكاميرات حرارية ورادارات وفرق تدخل سريع.
الجدار بين السعودية واليمن
فضلاً عن الحدود العراقية، قررت السعودية بناء جدار عازل مع اليمن أيضًا، وبدأت السلطات السعودية سنة 2013 في بناء حاجز حدودي – هو الأول من نوعه – مع اليمن يبلغ طوله 1800 كيلومتر وبارتفاع 3 أمتار.
وبررت السلطات السعودية اتخاذها هذا الاجراء بالتعامل مع المشكلات الحدودية بين البلدين، وحماية المملكة من تنامي ظاهرة العنف في اليمن، والحيلولة دون تسرب يمنيين إلى الأراضي السعودية بشكل غير شرعي، ووقف أي نشاط محتمل لتنظيم القاعدة.
بالشروع في بناء هذا الجدار، تجاوزت السعودية ما نصت عليه اتفاقية الحدود بين اليمن والسعودية الموقعة عام 2000 في جدة، التي أقرت بقاء منطقة عازلة بين البلدين لا يسمح فيها باستحداث أو إنشاء أي مراكز أمنية أو غيرها.
فضلاً عن الجدران الأسمنية، عمدت العديد الدول إلى إقامة جدران فولاذية وأخرى ترابية، وذلك لحماية أراضيها من تسرب المهاجرين غير النظاميين أو الإرهابيين، وحماية اقتصادها من التهريب، فضلاً عن رغبتها في الانعزال وغلق كل المنافذ إليها.