أحرزت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) تقدمًا ملحوظًا على حساب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” خلال الـ48 ساعة الماضية، عقب معارك شديدة بين التنظيم وقوات قسد، خسر فيها التنظيم آخر وأبرز معاقله في شرق سوريا، حيث تعرض تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لمعارك استنزاف أدت إلى انهيار قواته منذ منتصف 2018 الماضي، وذلك في انحسار مستمر لمناطق سيطرته في سوريا.
انحسار في مناطق سيطرة تنظيم داعش
تنظيم داعش ينهار في دير الزور
انحسرت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، واستقرت على عدد من القرى والبلدات بريف دير الزور الشرقي، وفي 1 من يناير/كانون الثاني من العام الحاليّ، كان يبسط التنظيم سيطرته على قرى وبلدات النفيلة والحمادي وأبو صراح والكشمة والشريحات والشغفة والبوبدران ووادي بعاج والعاليات والسوسة والمراشدة والسفافية والشجلة والباغور فوقاني والباغور تحتاني وجرف الباغور.
وخسر تنظيم داعش منذ مطلع الشهر عشرات القرى لتستقر سيطرته في 20 من يناير/كانون الثاني على: السوسة والمراشدة والسفافنة والشجلة والباغور فوقاني وجرف الباغور والباغور تحتاني على ضفاف نهر الفرات الشمالية الشرقية التي تعبر آخر مواقعه في سوريا، حيث أحرزت قسد تقدمًا على التنظيم في 14 من يناير/كانون الثاني خلال سيطرتها على قرية الباغور التحتاني الواقعة على الحدود السورية ـ العراقية، التي أدت إلى قطع إمدادات التنظيم من مناطق سيطرته في العراق نحو سوريا، مما تسبب بانهيار عناصره خلال الأيام القلية الماضية.
كما جرى اتفاق بين التنظيم من جهة وقوات قسد وقوات التحالف من جهة أخرى في 18 من يناير/كانون الثاني، في بلدة السوسة يقضي بانسحاب عناصر داعش من البلدة قبل دخول قوات قسد إليها، كما نقلت مواقع إخبارية من المنطقة أن عشرات العناصر سلموا أنفسهم لقسد، وآخرين رفضوا وانسحبوا نحو بلدة المراشدة، على خلفية مطالبات من قياديين في التنظيم بإجراء مفاوضات لنقل عناصر التنظيم نحو البادية السورية.
قسد تسيطر على أبرز وآخر مواقع تنظيم داعش
هل قضت “قسد” على “داعش” في دير الزور؟
استمرت قسد بمساندة قوات التحالف الدولي في معاركها ضد التنظيم، حيث بسطت سيطرتها على كامل بلدة الباغور الفوقاني في شرق دير الزور بعد معارك عنيفة مع أفراد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأبرم الثلاثاء 22 من يناير/كانون الثاني اتفاق بين تنظيم داعش من جهة وقوات قسد والتحالف الدولي من جهة أخرى، يقضي بتسليم عناصر التنظيم أنفسهم لقوات قسد والتحالف الدولي.
وقالت صحيفة جسر السورية: “نحو 150 عنصرًا من عناصر تنظيم داعش سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية، خلال الـ48 ساعة الماضية، بعد مفاوضات وتنسيق بين الطرفين”، ومعظم العناصر المستسلمين يحملون الجنسيتين العراقية والسورية والبعض منهم يحمل جنسيات أوروبية.
وأشرفت قوات التحالف الدولي على عملية التسليم، وذلك في معبر العاليات قرب بلدة السوسة شرق دير الزور، وذكرت الصحيفة أن أكثر من 200 عائلة خرجت نحو مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، حيث تم نقلهم إلى مخيم الهول شرق دير الزور، وذكرت مصادر محلية أنه تم نقل عناصر التنظيم الذين سلموا أنفسهم من التحالف الدولي إلى حقل العمر النفطي الذي توجد به قاعدة أمريكية ومقرات لقوات سوريا الديموقراطية.
خلفت المعارك الدائرة بين تنظيم داعش وقوات قسد آلاف القتلى في صفوف الطرفين، حيث ارتفع عدد قتلى التنظيم إلى 1168 بينهم قياديون بارزون، في حين ارتفع عدد القتلى من عناصر قسد إلى 650 شخصًا
ويأتي ذلك بعد خسارة التنظيم لبلدة هجين التي دارت بها اشتباكات عنيفة بين قوات قسد والتحالف الدولي من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى مما أدى إلى انهيار معنويات عناصر التنظيم أمام تقدم قسد والتحالف، إذ أظهرت أشرطة مصورة هلع وخوف أفراد التنظيم قرب البلدة التي كانت تحت سيطرته، رغم استخدام التنظيم عشرات الانتحاريين والسيارات المفخخة فضلًا عن الألغام التي باتت وسيلة دفاعية فقط.
وخلفت المعارك الدائرة بين تنظيم داعش وقوات قسد آلاف القتلى في صفوف الطرفين، حيث ارتفع عدد قتلى التنظيم إلى 1168 بينهم قياديون بارزون، في حين ارتفع عدد القتلى من عناصر قسد إلى 650 شخصًا قضوا منذ 10 من سبتمبر/أيلول الماضي، فيما أعدم التنظيم المئات من المعتقلين في سجونه من بينهم عشرات العناصر الذين حاولوا الانشقاق أو الهروب من صفوفه، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ليل الأربعاء 24 من يناير/كانون الثاني “قوات قسد والتحالف تقدمت مجددًا خلال ساعات الليلة الفائتة، حيث تمكنت من استكمال سيطرتها على كامل بلدة البلدة الباغور فوقاني، ليفقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر بلدة يوجد فيها في كامل الأراضي السورية”، وأضاف المرصد أن قوات قسد تمشط البلدة بحثًا عن فلول عناصر التنظيم في البلدة، كما تواصل قوات سوريا الديموقراطية هجومها على المزارع والتجمعات السكنية الصغيرة في المنطقة المتبقية في ضفة الفرات الشرقية.
ويبقى أمام قسد ملاحقة فلول أفراد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المناطق التي سيطرت عليها حدثيًا إلى جانب إزالة الألغام التي تنتشر في المنطقة، ولا يمكن الجزم بانتهاء وجود داعش في المنطقة رغم استكمال السيطرة لأن هناك المئات من الخلايا النائمة للتنظيم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية.
التحالف الدولي أوقع مئات الضحايا المدنيين في دير الزور
مئات الضحايا من المدنيين
مئات الخسائر البشرية التي خلفتها الحرب الدائرة بين عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وقوات سوريا الديموقراطية “قسد” خلال الأشهر الماضية في محافظة دير الزور السورية فضلًا عن المجازر التي خلفتها غارات التحالف الدولي لمحاربة داعش.
وفي السياق سقط نحو 20 مدنيًا بينهم أطفال ونساء الجمعة 18 من يناير/كانون الثاني إثر قصف للتحالف الدولي استهدفهم في أثناء محاولتهم الخروج من مناطق سيطرة تنظيم الدولة “داعش” في دير الزور، حيث استهدف القصف تجمعًا للمدنيين بمحيط بلدة السوسة، خلال محاولتهم الهروب نحو بلدة الشعفة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية.
وتصاعدت أعداد الضحايا من المدنيين في محافظة دير الزور، إلى نحو 500 مدني منذ بدء العملية العسكرية لإنهاء وجود التنظيم في المحافظة، من جانبه قال المرصد السوري لحقوق الإنسان: “ارتفع عدد الضحايا إلى 388 بينهم 141 طفلًا و86 مواطنة، بسبب المعارك الدائرة في المنطقة، بين قسد وداعش”.
وأضاف المرصد السوري أن بين 226 مواطنًا سوريًا قتلوا يوجد 96 طفلًا و57 مواطنة من الجنسية السورية، جراء قصف التحالف الدولي على مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، منذ 10 من سبتمبر/أيلول الماضي.
استهدف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية ثم انتقل في حربه تدريجيًا إلى قوات النظام وميليشياته حتى الحرب التي أعلنتها قسد المدعومة من التحالف الدولي ضده في 2016
وخلفت المعارك دمارًا واسعًا في الأبنية السكنية في المناطق التي سيطر عليها التنظيم التي شهدت معارك وقصف من التحالف الدولي فضلًا عن نزوح آلاف المدنيين وتشردهم في مخيمات قرب محافظة الحسكة والرقة وريف حلب الشمالي، ومعظمهم لا يتلقون أي دعم إغاثي في مواجهة البرد القارس وسط أمراض معدية منتشرة بين سكان المخيمات.
هل انتهى التنظيم في سوريا؟
أخذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتمدد في الشمال الشرقي من سوريا، نهاية 2013 حتى إعلان خلافته الإسلامية على حد زعمه في 28 من يونيو/حزيران من عام 2014، على حساب قوات المعارضة السورية المتمثلة في (الجيش السوري الحر) التي سيطرت على محافظة الرقة السورية، بالإضافة على قوات النظام (الجيش السوري) في مدن وبلدات في محافظة دير الزور، وثم وحدات (حماية الشعب) الكردية، التي توجد في الحسكة، وفي تلك الفترة استطاع التنظيم السيطرة على العديد من المدن والبلدات العراقية والسورية في شهر يونيو/حزيران، معلنًا انتهاء الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
واستهدف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية ثم انتقل في حربه تدريجيًا إلى قوات النظام وميليشياته حتى الحرب التي أعلنتها قسد المدعومة من التحالف الدولي ضده في 2016.
تنظيم الدولة كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل الثورة السورية، إذ تغيرت المسارات والأهداف التي أدت إلى تدخلات خارجية في القضية السورية، فالتنظيم قدم للنظام السوري خدمة كبيرة، إذ لا يمكن إخفاء جرائم التنظيم ضد عناصر الجيش السوري الحر من بينهم كرد وعرب وسريان وآشوريين في الحسكة والرقة، وغيرها من المدن السورية.
لا يمكننا القول إن التنظيم انتهى من سوريا على الإطلاق، ويمكن أن نشهد تنظيمًا آخر يدفع دولًا أخرى لتدمر محافظات سورية أخرى
ولا يخفى أن التنظيم لعبة دولية مدججة بالمخابرات المتنوعة الخلفيات، تحقق مكاسب دول عظمى، ولعل المحاولات الأولى التي قدمها النظام السوري للتنظيم هي إخراج آلاف المعتقلين من سجونه كانوا قد شاركوا في معارك جهادية سابقة وسجنوا بسببها، ولتغيير المسارات حولت الثورة السورية إلى معارك طائفية بين أشخاص زعموا أنهم دولة إسلام وآخرين اعتقدوا أن هؤلاء سوريون.
ولا يمكننا القول إن التنظيم انتهى من سوريا على الإطلاق، ويمكن أن نشهد تنظيمًا آخر يدفع دولًا أخرى لتدمر محافظات سورية أخرى وتقتل وتشرد ملايين البشر، فبإمكان عناصر التنظيم إعادة تشكيل قواهم من جديد، لكن كمسألة سياسية عملية انتهى دور التنظيم في سوريا، فهل سنشهد تنظيمًا آخر يدخل الصراع السوري؟