ترجمة وتحرير: نون بوست
بُنيت هذه المستشفيات لتكون أماكن للشفاء، لكن مرة أخرى أصبحت ثلاثة مستشفيات في شمال غزة محاصرة من قبل القوات الإسرائيلية وتتعرض للقصف. تتعرض المنطقة للقصف العنيف بينما تشن إسرائيل هجومًا جديدًا ضد مقاتلي حماس الذين تقول إنهم أعادوا تنظيم صفوفهم في مكان قريب. وبينما يُسارع الطاقم الطبي لمعالجة تدفقات الجرحى، تظل في قلوبهم آثار حرب شهدت استهداف المستشفيات بكثافة وإفراط نادرًا ما شهدته الحروب الحديثة.
تعرّضت جميع المستشفيات الثلاثة للحصار والمداهمة على يد القوات الإسرائيلية قبل حوالي 10 أشهر. ولم يتعافَ مستشفى كمال عدوان، ومستشفى العودة، والمستشفى الإندونيسي بعد من الأضرار، لكنها تظل المستشفيات الوحيدة التي تعمل ولو بشكل جزئي في المنطقة.
غالبًا ما تتعرض المنشآت الطبية للقصف في الحروب، لكن الأطراف المتحاربة عادة ما تصف هذه الحوادث بأنها غير مقصودة أو استثنائية، إذ تتمتع المستشفيات بحماية خاصة بموجب القانون الدولي. واشتهرت إسرائيل خلال حملتها التي استمرت سنة في غزة بتنفيذ حملة علنية ضد المستشفيات، حيث حاصرت وداهمت على الأقل 10 منها عبر قطاع غزة، بعضها تعرض للاقتحام عدة مرات، بالإضافة إلى استهداف مستشفيات أخرى في غارات جوية.
صرّحت إسرائيل بأن هذا يُعتبر ضرورة عسكرية في سعيها لتدمير حماس بعد الهجمات المسلحة للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتزعم أن حماس تستخدم المستشفيات كـ “قواعد للقيادة والتحكم” للتخطيط للهجمات وإيواء المقاتلين وإخفاء الرهائن مؤكدةً أن ذلك يُبطِل الحماية الممنوحة للمستشفيات.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيل هاجاري خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في كانون الثاني/ يناير بعد الجولة الأولى من الغارات التي استهدفت المستشفيات أنه “إذا كنا نعتزم تدمير البنية التحتية العسكرية في الشمال، فعلينا القضاء على فلسفة (استخدام) المستشفيات”.
وكان أبرز ما قامت به إسرائيل هو غارة إسرائيل مرتين على مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو أكبر منشأة طبية في القطاع، حيث أنتجت شريط فيديو مصور يصور المستشفى كقاعدة رئيسية لحماس على الرغم من أن الأدلة التي قدمتها لا تزال محل خلاف.
أشخاص يتجوّلون حول الدمار في مجمّع مستشفى الشفاء.
لكن التركيز على مستشفى الشفاء طغى على الغارات التي استهدفت مرافق أخرى. قضت وكالة أسوشيتد برس شهورًا في جمع روايات عن الغارات على مستشفى العودة والمستشفى الإندونيسي ومستشفى كمال عدوان، حيث أجرت مقابلات مع أكثر من ثلاثين مريضًا وشاهدًا وعاملاً في المجال الطبي والإنساني، بالإضافة إلى مسؤولين إسرائيليين. ووجدت أن إسرائيل لم تقدّم سوى القليل من الأدلة أو حتى لم تقدم أي دليل على وجود حماس في تلك الحالات. وقدمت وكالة أسوشيتد برس ملفًا يسرد الحوادث التي أبلغ عنها من قابلتهم إلى مكتب المتحدث العسكري الإسرائيلي. وقال المكتب إنه لا يمكنه التعليق على أحداث محددة.
مستشفى العودة: “حكم بالإعدام”
لم يذكر الجيش الإسرائيلي أبدًا أي ادعاءات بوجود حماس في مستشفى العودة. وعندما سُئل المتحدث باسم الجيش عن المعلومات الاستخباراتية التي دفعت القوات إلى محاصرة وشنّ غارة على المستشفى السنة الماضية، لم يرد مكتب المتحدث العسكري على السؤال.
وفي الأسابيع الأخيرة، أُصيب المستشفى بالشلل مرة أخرى حيث كانت القوات الإسرائيلية تقاتل في مخيم جباليا للاجئين القريب، ولم يتم إدخال أي طعام أو ماء أو إمدادات طبية إلى مناطق شمال غزة.
وقال مدير المستشفى محمد صالحة الشهر الماضي إن المنشأة كانت محاصرة من قبل القوات ولم تتمكن من إجلاء ستة مرضى في حالة حرجة، مضيفًا أن الطاقم الطبي كانوا يتناولون وجبة واحدة في اليوم، وعادةً ما تكون مجرد رغيف خبز أو القليل من الأرز. وبينما كان المصابون جراء القصف يتدفقون على المستشفى، كان الجراحون المنهكون يكافحون من أجل علاجهم. ولا يوجد جراحون متخصصون في جراحة الأوعية الدموية أو جراحة الأعصاب شمال مدينة غزة، لذا يلجأ الأطباء في كثير من الأحيان إلى بتر الأطراف المتضررة بفعل القذائف لإنقاذ الأرواح.
مستشفى العودة، 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، مدينة غزة.
قال صالحة: “نحن نعيش من جديد كوابيس تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية، ولكن بشكل أسوأ. لدينا إمدادات أقل، وأطباء أقل، وأمل أقل في أن يتم فعل أي شيء لوقف هذا الأمر”.
يقول الجيش، الذي لم يرد على طلب محدد للتعليق على مستشفى العودة، إنه يتخذ كل الاحتياطات الممكنة لمنع وقوع ضحايا من المدنيين.
وفي السنة الماضية، كان القتال محتدمًا في محيط مستشفى العودة عندما انفجرت قذيفة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر في غرفة العمليات في المنشأة. واستشهد الدكتور محمود أبو نجيلة وطبيبان آخران وعمّ أحد المرضى على الفور تقريبًا، وذلك وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود الخيرية الدولية، التي قالت إنها أبلغت الجيش الإسرائيلي بإحداثيات المستشفى.
يتذكر الدكتور محمد عبيد، زميل أبو نجيلة، كيف كان يتجنب نيران القذائف داخل مجمع المستشفى. وأفاد مسؤولو المستشفى بأن رصاص القناصة الإسرائيليين أسفرت عن مقتل ممرضة واثنين من عمال النظافة، وأصابت جراحًا.
بحلول 5 كانون الأول/ ديسمبر، كان مستشفى العودة محاصرًا. وعلى مدى 18 يومًا، أصبح الذهاب أو المجيء “حكمًا بالإعدام”، على حد تعبير عبيد. وروى ناجون ومسؤولون إداريون في المستشفى أربع مرات على الأقل عن قتل طائرات مسيرة إسرائيلية أو قناصة إسرائيليون لفلسطينيين حاولوا الدخول أو أصابوا فلسطينيين بجروح بالغة.
وقال الطاقم الطبي إن امرأتين كانتا على وشك الولادة أصيبتا بالرصاص ونزفتا حتى الموت في الشارع. وشاهد صالحة، المسؤول الإداري، إطلاق النار على ابنة عمه سومة وابنها البالغ من العمر 6 سنوات أثناء إحضار الصبي للعلاج من الجروح.
الدكتور محمد صالحة، مدير مستشفى العودة.
قالت شذى الشريم إن آلام المخاض لم تترك لها خيارًا سوى السير لمدة ساعة إلى مستشفى العودة لتضع مولودها. وكانت ترفع هي ووالدة زوجها وأخوها البالغ من العمر 16 سنة أعلامًا من البلوزات البيضاء. وكانت حماتها، خاتم شرر، تردد: “مدنيون!” ولكن خارج البوابة مباشرة، قوبلوا بعيارات نارية، مما أسفر عن مقتل خاتم شرر.
في 23 كانون الأول/ ديسمبر، اقتحمت القوات المستشفى وأمرت الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و65 سنة بخلع ملابسهم والخضوع للاستجواب في الساحة. قال مازن الخالدي، الذي بُترت ساقه اليمنى المصابة، إن الممرضين “توسلوا إلى الجنود للسماح لي بالراحة بدلاً من الانضمام إلى الرجال معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي في الخارج، لكنهم رفضوا، فتوجه إلى الأسفل وهو يعرج، وكان جرحه ينزف”. وأضاف الخالدي: “لقد أخافني الإذلال أكثر من الموت”.
اعتقلت القوات الإسرائيلية مدير المستشفى، أحمد مهنا، ولا يزال مكان وجوده مجهولاً. كما تم اعتقال أحد أبرز أطباء غزة، وهو طبيب العظام عدنان البرش أثناء الغارة وتوفي في أيار/ مايو أثناء احتجازه لدى إسرائيل. وفي حطام القصف الذي وقع في تشرين الثاني/ نوفمبر، عثر الطاقم على رسالة كتبها أبو نجيلة على سبورة بيضاء في الأسابيع السابقة، وكان نصها: “من سيبقى حتى النهاية سيحكي القصة، وقد كُتب عليها باللغة الإنجليزية: “لقد فعلنا ما بوسعنا.. تذكرونا”.
المستشفى الإندونيسي: “المرضى يموتون أمام أعينكم”
على بعد عدة مبانٍ، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، أصابت المدفعية الطوابق العليا من المستشفى الإندونيسي، وذلك حسب ما أفاد به الطاقم الطبي. فرّ الناس للنجاة بحياتهم حيث كانت القوات الإسرائيلية قد حاصرتهم بالفعل، تاركين الأطباء والمرضى في الداخل دون ما يكفي من الطعام والماء والإمدادات. قال إيدي واهيويدي، المتطوع الإندونيسي: “لقد زاد القصف حولنا، مما أصابنا بالشلل”.
الدمار المحيط بالمستشفى الإندونيسي، 24 شباط/ فبراير 2024، بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.
قال مهند هادي، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، إن مريضين توفيا بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الإمدادات. وقال تامر الكرد، وهو ممرض في المستشفى، إن هناك حوالي 44 مريضًا وطبيبين فقط، مضيفًا أنه يعاني من الجفاف الشديد لدرجة أنه بدأ يهلوس. وقال في رسالة صوتية حيث كان صوته ضعيفًا: “يأتي الناس إليّ لإنقاذهم. … لا أستطيع أن أفعل ذلك بمفردي، مع وجود طبيبين.. أنا متعب”.
يوم السبت، أعلنت القوات الإسرائيلية أنها سهلت إجلاء 29 مريضاً من المستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة. ويُعد المستشفى الإندونيسي أكبر المرافق الطبية في شمال غزة، لكنه بات اليوم يرزح تحت آثار الحصار الإسرائيلي، مع طوابقه العليا المتفحمة وجدرانه المثقوبة بالشظايا وأبوابه المحاطة بركام متناثر، في مشهد يعكس الدمار الذي لحق به خلال خريف 2023.
شهد المستشفى الإندونيسي في جباليا، قطاع غزة، ازدحاماً كبيراً للمرضى في 9 تموز/ يوليو 2024، نتيجة تصاعد الهجمات الإسرائيلية على المدينة، مما أدى إلى إغلاق العديد من المرافق الطبية.
قبل هذا الهجوم، ادعى الجيش الإسرائيلي وجود مركز قيادة وتحكم تحت الأرض أسفل المستشفى، حيث نشر صوراً ضبابية بالأقمار الصناعية تظهر، وفقاً لما زعمه، مدخل نفق في ساحة المستشفى ومنصة لإطلاق الصواريخ بالقرب منه، خارج أسوار المجمّع.
من جهة أخرى، نفت المجموعة الإندونيسية التي تمول المستشفى وجود أي عناصر لحماس داخله، حيث صرح عريف رحمن، مدير لجنة الإنقاذ الطبي الطارئ الإندونيسية، قائلاً: “لو كان هناك نفق، لكنا على علم بذلك. نحن نعرف هذا المبنى جيداً لأنه تم بناؤه حجراً فوق حجر، وهذا الاتهام غير منطقي”.
ورغم الحصار واقتحام المستشفى، لم تقدّم القوات الإسرائيلية أي دليل يثبت وجود المنشأة أو الأنفاق التي ادعت وجودها سابقاً. ولم تُجِب الجهة الرسمية عند سؤالها حول العثور على الأنفاق. ومع ذلك، أصدرت صوراً تظهر مركبتين داخل المجمع؛ إحداهما شاحنة صغيرة تحتوي على سترات عسكرية والأخرى سيارة ملطخة بالدماء تعود لمواطن إسرائيلي مختطف، مما يوحي بأنه تم جلبه إلى المستشفى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وأعلنت حماس أنها نقلت رهائن جرحى إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
خلال فترة الحصار، اقترب القصف الإسرائيلي تدريجياً حتى طال الطابق الثاني من المستشفى الإندونيسي في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، مما أسفر عن استشهاد 12 شخصاً وإصابة العشرات، وفقاً لإفادات العاملين في المستشفى.
وأكدت إسرائيل أن قواتها ردت على “نيران العدو” من داخل المستشفى، لكنها نفت استخدام القذائف. وعلى مدار الأيام التالية، أصابت طلقات نارية جدران المستشفى واخترقت قسم العناية المركزة، بينما اندلعت حرائق في محيط الساحة التي لجأ إليها نحو ألف فلسطيني نازح، وذلك وفقاً للعاملين. ونفى الجيش الإسرائيلي استهدافه للمستشفى مباشرة، لكنه أقرّ بأن القصف القريب قد يكون تسبب بأضرار فيه.
على مدى ثلاثة أسابيع، تدفق المصابون إلى المستشفى بمعدل يصل إلى 500 شخص يومياً، في مرفق طبي لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 200 سرير. ومع عدم وصول الإمدادات منذ أسابيع، تراكمت الأغطية الملطخة بالدماء. وعمل الأطباء، بعضهم في نوبات تصل إلى 24 ساعة، على تناول بضع تمرات يومياً. واعتُبر العثور على طحين متعفن في 23 تشرين الثاني / نوفمبر حدثاً لافتاً وسط شح الغذاء.
في ظل نقص الأدوية وأجهزة التنفس، كانت الإمكانيات المتاحة محدودة للغاية. تفاقمت التهابات الجروح، مما اضطر الأطباء إلى إجراء عشرات عمليات البتر للأطراف المصابة. وقدّر المسعفون أن نحو خمس مرضى وافدين قد فارقوا الحياة. امتلأت ساحة المستشفى بما لا يقل عن 60 جثة، بينما دُفنت جثث أخرى تحت ملعب قريب. أعرب درغام أبو إبراهيم، أحد المتطوعين، عن شعوره بالعجز، قائلاً: “أن ترى المرضى يموتون أمام عينيك بينما تعجز عن مساعدتهم يجعلك تتساءل: ‘أين الإنسانية؟’.
مستشفى كمال عدوان: “هذا أمر غير منطقي”
شهد مستشفى كمال عدوان، الذي يُعدّ من الركائز الأساسية للرعاية الصحية في شمال غزة، حريقاً هائلاً يوم الخميس الماضي نتيجة ضربات القذائف الإسرائيلية التي استهدفت الطابق الثالث، مما أدى إلى اشتعال حريق دمّر إمدادات طبية كانت قد قدمتها منظمة الصحة العالمية للمستشفى قبل أيام. كما استهدفت القذائف خزانات المياه ووحدة غسيل الكلى، مما أسفر عن إصابة أربعة من أفراد الطاقم الطبي بحروق أثناء محاولتهم السيطرة على النيران، وذلك حسب ما أفاد به مدير المستشفى، حسام أبو صفية.
على مدار الأسابيع الماضية، ظهر أبو صفية في مقاطع فيديو وهو يناشد المجتمع الدولي طلباً للمساعدة، بينما كانت القوات الإسرائيلية تحاصر المستشفى. وفي نهاية الأسبوع الماضي، كانت مشاعر التأثر واضحة في عينيه، حيث لم يستطع حبس دموعه.
مشاهد من مستشفى كمال عدوان، 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2024
عبّر أبو صفية بصوت مختنق عن حزنه قائلاً: “كل ما بنيناه، أحرقوه. أحرقوا قلوبنا. لقد قتلوا ابني”. في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى بعد معركة عنيفة مع مسلحين في المنطقة المحيطة، وذك وفقاً لما صرح به مسؤول عسكري إسرائيلي. وخلال القتال، استهدفت القوات خزانات الأكسجين في المستشفى بدعوى أنها قد تكون ملغمة.
بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات، انسحبت القوات الإسرائيلية، بينما أفادت السلطات الصحية الفلسطينية بأن معظم العاملين في المستشفى قد تم اعتقالهم. ونتيجة للقصف، استُشهد طبيب جراء غارة لطائرة مسيّرة إسرائيلية، وتوفي طفلان في العناية المركزة بسبب انقطاع الكهرباء عن المولدات.
وفي الأيام التي تلت ذلك، استهدفت طائرة مسيّرة ابن أبو صفية في منطقة جباليا القريبة. وكان الشاب، البالغ من العمر 21 عاماً، قد أصيب برصاص قناصة إسرائيليين خلال الغارة العسكرية الأولى على مستشفى كمال عدوان في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. ودُفن الشاب في ساحة المستشفى، حيث يواجه أبو صفية وطبيب آخر وحدهما تدفق المصابين يومياً جراء الغارات المستمرة في جباليا.
أعلنت القوات الإسرائيلية أنها اعتقلت 100 شخص، من بينهم من زعمت أنهم “تظاهروا بالعمل كطاقم طبي”. وأكد الجيش أنه جرّد الرجال من ملابسهم خلال عمليات التفتيش بحثاً عن الأسلحة، وتم تحويل المشتبه بهم إلى معسكرات الاعتقال. وأفادت القوات بأن المستشفى “يعمل بشكل كامل، مع استمرار جميع الأقسام في استقبال المرضى”، وشاركت لقطات تظهر أسلحة ورشاشات وذخائر قالت إنه عُثِر عليها داخل المستشفى.
في المقابل، يؤكد طاقم المستشفى أن أكثر من 30 من أفراد الطاقم الطبي لا يزالون محتجزين، بمن فيهم رئيس قسم التمريض الذي يعمل لصالح منظمة “ميد غلوبال” الأمريكية، والتي تدعم الفرق الطبية في مناطق الأزمات. كما تم احتجاز الدكتور محمد عبيد، الجراح في منظمة أطباء بلا حدود، والذي عمل سابقاً في مستشفى العودة قبل انتقاله إلى كمال عدوان.
يعكس هذا المشهد مأساة حصار استمر تسعة أيام فرضته إسرائيل على مستشفى كمال عدوان في كانون الأول / ديسمبر الماضي. وسمح الجنود حينها للكلاب البوليسية بمهاجمة الطاقم والمرضى، حسب شهادات شهود عيان، بما في ذلك أحمد أطبيل، البالغ من العمر 36 عاماً، الذي شهد حادثة عض كلب لأحد الأشخاص مما أدى إلى قطع إصبعه.
ملاحظة المحررين: يحتوي على مشاهد قاسية لإصابات، بما في ذلك لقطات لطفل متوفى – مستشفى كمال عدوان، 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
أفاد شهود عيان بأن القوات العسكرية أمرت الفتيان والرجال، في منتصف سن المراهقة والستينيات، بالاصطفاف في الخارج في البرد، معصوبي الأعين في ملابسهم الداخلية وذلك لمدة ساعات خلال الاستجواب. وفي هذا السياق، ذكر محمد المصري، محامٍ كان محتجزاً، أن “في كل مرة كان أحدهم يرفع رأسه، كانوا يتعرضون للضرب”.
لاحقاً، نشرت القوات العسكرية لقطات لمجموعة من الرجال وهم يغادرون المستشفى. وتمكن المصري من التعرف على نفسه في تلك اللقطات، مشيراً إلى أن الجنود قاموا بتنسيق الصور، حيث طلبوا من الرجال وضع بنادق حراس المستشفى كما لو كانوا مقاتلين يستسلمون.
وفي ردها على ذلك، أكدت إسرائيل أن جميع الصور المنشورة أصلية وأنها اعتقلت العشرات من المشتبه بهم كمقاتلين. وعند إطلاق سراح بعض الرجال بعد الاستجواب، أطلق الجنود النار عليهم أثناء محاولتهم العودة إلى المستشفى، مما أسفر عن إصابة خمسة منهم، وذلك حسب ما أفاد به ثلاثة معتقلين. واستذكر أحمد أبو حجاج لحظات إطلاق النار أثناء عودته في الظلام قائلًا: “قلت في نفسي أن هذا لا يبدو منطقياً — من يطلقون النار عليه؟”.
يُظهر فيديو منظمة الصحة العالمية وصول الفريق الطبي إلى مستشفى كمال عدوان الذي يعاني من ضغط هائل، وذلك للمرة الرابعة خلال أسبوعين.
أفاد الشهود بأن جرافة اقتحمت حرم المستشفى محطمةً المبني. ووصف كل من أبو صفية وأبو حجاج والمصري كيف احتجزهم الجنود داخل المستشفى بينما كانوا يسمعون صراخ الناس في الخارج.
بعد انسحاب الجنود، اكتشف الرجال أن الجرافة قد دمرت الخيام التي كانت تأوي نحو 2500 شخص. ورغم أن معظم النازحين قد غادروا، أشار أبو صفية إلى أنه عثر على جثث أربعة أشخاص، وكانت لا تزال ملابسهم تحمل آثار العلاج الذي تلقوه في المستشفى. وعند سؤالهم عن الحادث، أفاد مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنه “تم نشر أكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي” بشأن أنشطة القوات في المستشفى، موضحاً أنه تم اكتشاف جثث كانت مدفونة سابقاً، وليس لها علاقة بأنشطة الجيش.
لاحقاً، أفادت القوات العسكرية الإسرائيلية بأن حماس استخدمت مستشفى كمال عدوان كمركز قيادة، إلا أنها لم تقدّم أي دليل يدعم هذا الادعاء. وزعمت أن الجنود عثروا على أسلحة، لكنهم عرضوا فقط لقطات لمسدس واحد. في هذه الأثناء، لا يزال مدير المستشفى، الدكتور أحمد الكحلوت، قيد الاحتجاز الإسرائيلي. وأصدرت القوات العسكرية لقطات له أثناء الاستجواب، حيث ادعى أنه عميل لحماس وأن مقاتلين كانوا متواجدين في المستشفى. مع ذلك، أفاد زملاؤه بأنه أدلى بهذه التصريحات تحت الضغط.
التداعيات
قال المتحدث العسكري الإسرائيلي، هاغاري، إن المستشفيات “تؤدي دوراً في نظام الحرب التابع لحماس”، مشيراً إلى أنها مرتبطة بأنفاق تسمح للمقاتلين بالتحرك.
وأوضح: “عندما تسيطر عليها، يفقدون وسيلة التنقل. ليس هناك طريق من الجنوب إلى الشمال”. وعلى الرغم من التلميحات المتكررة حول ارتباط المستشفيات بشبكات حماس تحت الأرض، لم يظهر الجيش سوى عمود نفق واحد من جميع المستشفيات التي اقتحمها، وهو الذي يؤدي إلى أراضي مستشفى الشفاء.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي، أكدت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن “إسرائيل نفذت سياسة متضافرة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة”، ووصفت الأفعال الإسرائيلية في المستشفيات بأنها “عقاب جماعي ضد الفلسطينيين في غزة”.
في ظل هذه الأوضاع، يخشى بعض المرضى من الذهاب إلى المستشفيات، حيث يرفضون تلقي العلاج أو يغادرون قبل اكتماله. وفي هذا السياق، قال أحمد القمر، وهو اقتصادي يبلغ من العمر 35 عاماً من مخيم جباليا: “إنها أماكن موت. يمكنك أن تشعر بذلك”. وأشار زاهر سهلول، رئيس منظمة “ميد غلوبال” والذي عمل أيضاً في غزة خلال الحرب، إلى أن الإحساس بالأمان الذي يجب أن يحيط بالمستشفيات قد تبدّد تماماً، حيث أكد: “لقد أصبحت هذه الحرب ندبة في عقل كل طبيب وممرض”.
المصدر: أسوشيتد برس