يتواصل لليوم الثاني، اضراب مؤسسات التعليم الخاص في موريتانيا، الذي بدأ أمس على أن ينتهي يوم الغد، نتيجة ما وصفته النقابة العامة للتعليم الخاص، بـ”المشاكل التي يتخبط فيها قطاع التعليم في البلاد”، فماهي المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الذي جاء ليعاضد التعليم العام الذي يعاني هو الأخر من مشاكل عدّة؟
ضرائب جديدة
يعاني قطاع التعليم الخاص في موريتانيا من عديد المشاكل، إلا أن الإضراب جاء احتجاجا على الضرائب التي وصفتها النقابة العامة للتعليم الخاص بالمجحفة. واعتبرت نقابة التعليم الخاص في بيان سابق أن هذه الضرائب لا تتناسب وطبيعة عمل ودخل هذه المدارس بل وتفوق رأس المال، مؤكدة إغلاق إدارة الضرائب لعدد من المدارس الخصوصية خلال الأيام الماضية.
وأبدت النقابة عدم رضاها عن توقيت هذا القرار الذي أعلن عنه دون سابق إنذار، وعن طريقة تطبيقه وفرضه حيث تم ارسال عناصر من الشرطة يحملون أقفالا لإغلاق المدارس الخصوصية في كل من مقاطعة تيارت والرياض.
عديد التلاميذ في موريتانيا لا يجدون مقاعد للدراسة
وكانت السلطات الموريتانية، قد استدعت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مجموعة من المدارس الخاصة تم تصنيفها على أنها شركات استثمارية. وأعلنت السلطات تلك المدارس قرارها نقلها من نظام الضريبة الجزافية العادية التي كانت تدفع بشكل سنوي، إلى ضرائب جديدة تتناسب مع حجم مداخيل هذه المدارس.
وطلبت إدارة الضرائب من ملاك المدارس الخاصة تقديم جملة من المعلومات عن “شركاتهم”، كعدد الطلاب والموظفين ورواتبهم، وجميع المعلومات التي يتم الحصول عليها عادة من عند الشركات، مع التلويح بإغلاق المدارس إذا لم يتجاوب القائمون عليها ودفع الضريبة على الدخل.
وسبق أن أغلقت وزارة التعليم بموريتانيا، عدد من مؤسسات التعليم الخاص بسبب عدم احترامها المعايير التربوية التي وضعتها الحكومة في إطار خطة إصلاح التعليم. وشمل قرار الإغلاق نحو 74 مدرسة للتعليم الخاص، كما تم تحذير مدارس أخرى من الإغلاق إذا لم تحترم الالتزامات التعاقدية للتعليم الخاص.
رفض وتصعيد
قرار السلطات الموريتانية الأخير، وجد رفضا من قبل القائمين على هذه المدارس، حيث دخلوا في اضراب عن التدريس لمدّة ثلاثة أيام متتالية. ويرى أصحاب المدارس أن مدارسهم عادية وليست شركات استثمارية، مؤكدين عدم قدرتهم على دفع الضرائب الجديدة المفروضة عليها.
ويؤكّد بعض القائمين على المدارس الخاصة في موريتانيا، أن من شأن هذه الضرائب الجديدة أن تعيق عملهم، وتزيد في المتاعب والمشاكل التي يعانون منها، وهو ما سيعود بالسلب على التعليم بصفة عامة في البلاد، فهم يعاضدون مجهودات الدولة في تعليم الموريتانيين.
نتيجة هذا الوضع، حلت موريتانيا في مؤخرة قائمة دول العالم من حيث جودة التعليم حيث جاءت في المركز الـ 136 من إجمالي 137 دولة على مستوى العالم
ويبلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون في مؤسسات التعليم الخاص المنتشرة في مختلف مدن موريتانيا أكثر من 130 ألف تلميذ، فيما يصل عدد الأطر التربوية إلى 10 آلاف إطار بين العاملين حاليا والمتقاعدين، وعرفت هذه المدارس في السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا خاصة مع ضعف التعليم العام.
ويرى أصحاب المدارس الخاصة في هذا البلد العربي الواقع في غرب إفريقيا، ضرورة سن قانون جديد يكون متماشيا مع خصوصية المدارس التي تقدم خدمات كبيرة للدولة والمجتمع، فهي تساهم في التقليص من نسب البطالة في البلاد، وتساهم في امتصاص أعداد كبيرة من الطلاب، في ظل نقص وضعف خدمة التعليم العمومي.
التعليم العمومي ليس في منأى عن الأزمات
أزمة التعليم الموريتاني، لا تقتصر على التعليم الخاص فقط، فالتعليم العام هو الأخر يعاني من أزمات عدّة لا تكاد تنتهي. وتشير الأرقام الحكومية إلى وجود نحو ثلاث آلاف و682 مدرسة في كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي، 73% من هذه المدارس تعاني عجزًا واضحًا في التجهيزات والبنية الأساسية المدرسية، فيما تبلغ نسبة التحاق التلاميذ بالمدارس 84%، غير أن 40% من هؤلاء التلاميذ لا يكملون دراستهم الابتدائية بل ينقطعون عن التعليم.
ويعاني النظام التربوي في موريتانيا أيضا، من سوء توزيع المدارس أو قلة المدارس المكتملة الأقسام، حيث تفتقر العديد من المناطق في البلاد للمدارس، أو للمدرسين. وتعاني المدارس الموريتانية من هجرة المدرسين؛ فالمدرس في موريتانيا يترك مدرسته ليلتحق بعمله الخاص ليحصل على أجر إضافي أو أكبر لأن أجره الحكومي ضعيف جدًا.
تفتقر موريتانيا للعدد الكافي من المدارس
يقول بعض المسؤولين إن الإشكال المطروح على النظام التربوي الموريتاني هو المواءمة ما بين التكوين وحاجات السوق نظرًا لأن المناهج التربوية التي أعدت بعد فترة الاستقلال وإلى الآن رغم أن بعضها قد ركز على هذا المنحى إلا أنها لم توفق في أن تجعل مخرجات النظام التعليمي ملائمة أو موائمة لمتطلبات السوق، فالتكوين اتسم بكونه تكوينًا عامًا بدل أن يكون تكوينًا موجهًا إلى المهن والحرف التي تشكل مطلبًا أساسيًا بالنسبة لحاجات المواطنين في مختلف المجالات حسب قولهم.
نتيجة هذا الوضع، حلت موريتانيا في مؤخرة قائمة دول العالم من حيث جودة التعليم حيث جاءت في المركز الـ 136 من إجمالي 137 دولة على مستوى العالم، طبقًا لأحدث تقرير صادر عن التنافسية العالمية GCI لعام 2017، والذي يصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
الوضع الذي وصل إليه التعليم في موريتانيا، سواء العام أو الخاص، يفرض على الحكومة اتخاذ تدابير عاجلة وشاملة لضمان استمرارية التعليم، من خلال تعديل المناهج، وسد النقص في الطواقم التربوية، وتكثيف التدريب والتكوين بما يلائم المتطلبات، وتحسين البنى التحتية في مختلف المناطق، وغيرها من الاجراءات المهمة لانقاض هذا القطاع الهام.