ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الجزائر أوّل دولة زارها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال هذه السنة. ولم تتضمن هذه الزيارة توقيع أي وثائق، ولكنها تكتسي أهمية بالنسبة لموسكو التي أظهرت استعدادها لتطوير العلاقات الثنائية، حيث شهدت العلاقات التجارية والتعاون العسكري قفزة نوعية في الفترة الأخيرة.
لا عواصف في المفاوضات
في بداية المحادثات، توجه الوزير الروسي سيرغي لافروف إلى نظيره عبد القادر مساهل قائلا: “هذه رحلتي السادسة إلى الجزائر. وفي العام الماضي، زرتَ روسيا. وفي الواقع تعكس الاتصالات المتبادلة بيننا موقف الرؤساء بشأن التعاون المتبادل”. وعلى عكس الطقس البارد في الجزائر، تميز الجو العام خلال الاجتماع بالدفء. وقد استقبلت الجزائر الوفد الروسي بالغيوم والأمطار، وشارك هذا الوفد في مراسم وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لأبطال الحرب من أجل استقلال الجزائر.
تم التوصل إلى اتفاق لتعزيز الاتصالات المباشرة المنتظمة بين رجال الأعمال في البلدين. ومن شأن ذلك أن يدعم تنفيذ إعلان الشراكة الإستراتيجية الروسية الجزائرية لسنة 2001
في هذا السياق، أكد عبد القادر مساهل أن هناك “العديد من الفرص” لتطوير العلاقات الثنائية على الصعيد الاقتصادي، مشيرا إلى أن الوفد الروسي وصل إلى الجزائر قبل أسبوع من اجتماع اللجنة الحكومية الدولية في موسكو. وحسب لافروف، فإنه من ضمن نتائج المحادثات الروسية الجزائرية “وضع خارطة طريق” لتطوير التعاون الثنائي، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة وحتى في القطاع السياحي الذي يشهد ركودا كبيرا، على الرغم من توفر إمكانيات هامة للجزائر في هذا المجال.
حيال هذا الشأن، أشار سيرغي لافروف إلى أن “العديد من الشركات الروسية تعمل في الجزائر، كما ترغب شركات أخرى في الاستثمار”. وفي المحادثات الأخيرة، تم التوصل إلى اتفاق لتعزيز الاتصالات المباشرة المنتظمة بين رجال الأعمال في البلدين. ومن شأن ذلك أن يدعم تنفيذ إعلان الشراكة الإستراتيجية الروسية الجزائرية لسنة 2001، بالإضافة إلى الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة ديميتري ميدفيديف إلى الجزائر سنة 2017 حول التعاون والتفاعل فيما يتعلق بالاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من المجالات.
والجدير بالذكر أنه تم توقيع مذكرات تعاون بين شركات “ترانس نفط” وشركة “روساتوم” الروسية، وشركات ووكالات جزائرية. وحسب الخبراء والمراقبين فإن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارة رئيس الوزراء الروسي لا تزال قيد التطوير، إلا أنها في حاجة إلى تكثيف الجهود.
في المقابل، يواجه تطوير التعاون الثنائي في مجال الاقتصاد العديد من المشاكل. أولا، لا تخلق تشريعات الاستثمار في الجزائر ظروفا ملائمة للأعمال الأجنبية. ثانيا، لا توجد إلا رحلة جوية مباشرة واحدة بين البلدين في الأسبوع. ثالثا، تمثل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على عدد من المشاريع التي تنفذها روسيا في الجزائر أو تسعى لتنفيذها، عقبة رئيسية أمام التعاون الثنائي بين البلدين. لكن حسب الخبراء من الممكن تجاوز هذه العقبات بالنظر إلى الاتجاه الإيجابي الذي تشهده التجارة. فخلال سنة 2015 تضاعفت المبادلات مرتين تقريبا، وسنة 2017 بلغت قيمة المبادلات حوالي 4.6 مليار دولار، علما وأن ثلثها مخصص للمنتجات العسكرية.
نقاشات حول الأخطاء الضارة بالتعاون
تمثل الأسلحة والحبوب أهم صادرات روسيا إلى أفريقيا. وتعتبر الجزائر سوقا رائعة للحبوب إذ تقدر قدرتها الشرائية للحبوب بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا، لكن تعد فرنسا من أحد المنافسين الرئيسيين لروسيا في هذا المجال. وتتمثل صعوبات التصدير في تباين المعايير الروسية والجزائرية التي تستجيب أكثر للمعايير الأوروبية، علما وأن هذه المعايير ناتجة عن الحقبة الاستعمارية فضلا عن التقارب الاقتصادي بين الجزائر وفرنسا.
قالت المديرة التنفيذية لمركز التجارة الخارجية الروسي بولينا سلوسارشوك إن “الجزائر تواجه صعوبة في اختيار الاتجاه الذي عليها اتباعه
في الواقع، يسهل على المصدرين التقليديين السيطرة على السوق الجزائرية. ونتيجة للمفاوضات المطولة، تم التوصل إلى اتفاق بين موسكو والجزائر بشأن توريد دفعة تجريبية من القمح الروسي. وقد كان لمصر موقف مماثل للموقف الجزائري حيال هذه المسألة، لكنها في وقت لاحق أصبحت من أكبر مستوردي القمح الروسي (1.4 مليار دولار من إجمالي 5.8 مليار دولار سنة 2017).
من بين أهم القضايا بين البلدين مصير مشاريع غازبروم في الجزائر. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اتخذت الشركة الروسية قرارا بالانسحاب من تطوير حقلي نفط جزائريين بسبب انخفاض الكفاءة الاقتصادية. ولا يزال مصير المشاركة الروسية في تطوير بعض حقول الغاز الجزائرية غامضا. فهل سيستمر التعاون في هذه المشاريع بأي شكل من الأشكال؟ وفي حال لم يتم ذلك، فما هي مجالات التعاون مع روسيا في قطاع الطاقة، خاصة أنه من الضروري تطوير هذا القطاع في ظل اهتمام روسيا المتزايد بأفريقيا؟
في هذا الإطار، قالت المديرة التنفيذية لمركز التجارة الخارجية الروسي بولينا سلوسارشوك إن “الجزائر تواجه صعوبة في اختيار الاتجاه الذي عليها اتباعه. كما يسجل إنتاج الغاز في الحقول الرئيسية المستغلة تراجعا مقابل زيادة الاستهلاك المحلي للغاز والكهرباء. فهل يستحق الأمر دفع مليارات الدولارات لاستخراج احتياطيات مكلفة أو يجب المراهنة على الطاقة البديلة والصناعات؟”.
حسب سلوسارشوك، قد يقوض الخيار الأول الاقتصاد الجزائري، وفي حال تم تطبيق الخيار الثاني ستتوقف الجزائر بحلول سنة 2030 عن لعب دور مهم في سوق الغاز في أوروبا. ووفقا للخبراء فإنه “لا يمكن أن يكون ذلك كارثيا بالنسبة للجزائريين مع تنفيذ إستراتيجية تنمية مختصة. كما أن خروج الجزائر من سوق الغاز قد يفتح مجالات جديدة أمام روسيا في أوروبا. لذلك، تهتم موسكو والجزائر في الوقت الحالي، بمراعاة مصالح بعضهما البعض خاصة فيما يتعلق بتصدير الغاز”.
أهمية أجيال المستقبل
أكدت بولينا سلوسارشوك أنه عند التطرق للحديث عن مستقبل العلاقات بين البلدين، من الضروري عدم تجاهل رأس المال البشري. فمنذ سنة 2006، زاد عدد الطلبة الجزائريين الذين يدرسون في روسيا بشكل كبير، وبين سنة 2016 و2017 وصل عددهم إلى 791 طالب. وفي كل الحالات، يلعب تزايد عدد الخريجين الأجانب من الجامعات الروسية دورا هاما في التعاون الاقتصادي بين روسيا والبلدان الأفريقية.
سواء قرر بوتفليقة الترشح للانتخابات من جديد أم لا، فإن ذلك لن يُعلن عنه إلا بحلول منتصف شباط/ فبراير القادم.
حسب تقرير الرؤية المشتركة بين روسيا وأفريقيا فإنه من المتوقع أن يصل عدد خريجي الجامعات الروسية من الدول الأفريقية إلى 80 ألف طالب سنة 2030، بما في ذلك دول شمال أفريقيا. وعلى العموم، سيكون 30 ألف خريجا من هؤلاء على الأقل ممثلي نخب في بلدانهم، مما يعني أنهم على استعداد لتعزيز العلاقات الثنائية وضمان التواصل الفعال بين الدول. ولسوء الحظ إن المنح الدراسية الروسية في الجزائر أقل من المنح التي تقدمها روسيا إلى التشاد، على الرغم من أن حجم الصادرات الروسية إلى الجزائر سنة 2017 كان أكثر بنحو 2500 مرة بالمقارنة مع التشاد.
يشاطر فاسيلي كوزنيتسوف، رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية، بولينا سلوسارشوك نفس الرأي، حيث وضح أن “مسألة التعليم مهمة فيما يتعلق بقضية العلاقات المستقبلية”. ولفت الخبير الانتباه إلى مسألة تغيير كبار ضباط الجيش الجزائري في الصيف الماضي، وأشار إلى أن ولاء العديد من الضباط الشباب الذين تم تعيينهم لم يعد موجها نحو فرنسا، الحليف التقليدي للجزائر، وإنما نحو الولايات المتحدة.
إن الأجيال القادمة تحظى بأهمية بالغة بالنسبة للجزائر خاصة في خضم الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 نيسان/ أبريل، مع العلم أن عبد العزيز بوتفليقة يقود البلاد منذ سنة 1999. وقد أعلنت جبهة التحرير الوطني الحاكمة عزمها على ترشيح الرئيس البالغ من العمر 81 سنة لولاية جديدة، أما هو فلم يعلن عن قراره بعد. وسواء قرر بوتفليقة الترشح للانتخابات من جديد أم لا، فإن ذلك لن يُعلن عنه إلا بحلول منتصف شباط/ فبراير القادم. وفي كل الحالات ومهما كانت النتائج، تأمل موسكو أن تظل العلاقات بين البلدين على حالها.
المصدر: كوميرسانت