ترجمة وتحرير: نون بوست
وردت أنباء عن أن المملكة العربية السعودية تعمل على بناء أول مصنع للصواريخ الباليستية، وسط التحفيزات الإقليمية لتكوين مخزون جديد من الأسلحة وتصاعد الجهود التي تبذلها كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” لمناهضة عدوهما المشترك، إيران.
ضمن تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أفاد بعض الخبراء البارزين أن صور الأقمار الصناعية التي يعود تاريخها إلى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر كشفت عن أول ظهور لمصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية في السعودية، يقع ضمن قاعدة صواريخ قديمة بالقرب من منطقة “الوطح”. وعلى الرغم من أن المملكة تُعرف بامتلاكها لصواريخ باليستية أجنبية، إلا أن هذا الكشف يسجل أول محاولة تخوضها الرياض من أجل تصنيع الأسلحة محليا.
وفقا لصحيفة “ذا بوست”، اكتشف جيفري لويس، وهو خبير في الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري ومؤسس مدونة “آرمز كونترول وونك”، تلك الصور بمساعدة فريقه، حيث سلطوا الضوء على “احتمال شروع السعودية في صنع صواريخ بعيدة المدى وسعيها نحو امتلاك أسلحة نووية”. وأضاف لويس قائلا: “من المرجح أننا نستخف برغبة السعوديين وقدراتهم”. من جهة أخرى، أعرب كل من مايكل إيليمان، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، وجوزيف بيرموديز، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، عن تأييدهما لهذه الاكتشافات.
على امتداد عقود من الزمن، كانت كل من إيران المسلمة الشيعية الثورية والسعودية المسلمة السنية المحافظة تتنافسان من أجل السيطرة على الشرق الأوسط
صرح فابيان هينز، الذي عمل جنبا إلى جنب مع لويس وزميله الباحث ديفيد شمرلير، لمجلة “نيوزويك” أن تحليلهم “يؤكّد أن الشرق الأوسط يخوض فعلا سباقًا نحو التسلح بالصواريخ”، ولطالما “امتلكت السعودية الصواريخ منذ الثمانينيات، ولكنها كانت، في الأساس، محدودة القدرة وعديمة الفائدة عسكريا”. وأضاف هينز “أنهم شرعوا لاحقا في التوسع في هذا المجال. واليوم، تكشف حقيقة بنائهم لهذا المصنع، بالإضافة إلى ضخامة قوتهم الصاروخية، عن مدى التزامهم الاستراتيجي بتصنيع الصواريخ”.
لقد تبلورت تقارير وسائل الإعلام حول القاعدة السعودية للصواريخ الباليستية في منطقة الوطح، للمرة الأولى، في مقال نشر في تموز/ يوليو 2013 من قبل مجلة “أي آيتش آس جينز ديفانس ويكلي”. وقدّم الموقع صور أقمار صناعية تظهر ما يبدو أنه مواقع صواريخ أرض-أرض في طور البناء من أجل أن تتّسع لنقل الصواريخ الباليستية الصينية متوسطة المدى من طراز دي إف – 3 أي، التي وقع اقتناؤها في الثمانينيات خلال الحرب الوحشية التي دارت بين الخصمين الإقليميين؛ العراق وإيران.
بعد مرور سنتين فقط على انتهاء هذا الصراع سنة 1988، غزا العراق الكويت، مما تسبب في رد عسكري أمريكي ضخم، حيث كان يُخشى تعرض المملكة الغنية بالنفط للاجتياح، بينما أطلقت القوات العراقية صواريخها نحوها. وفي وقت لاحق، أطاحت الولايات المتحدة بالحكومة العراقية سنة 2003 بذريعة امتلاكها لأسلحة دمار شامل، التي ثبت لاحقاً أنها زائفة. ولكن نشب عن هذه الخطوة تمرد سني عنيف، وهو ما ساعد بدوره على تقوية إيران، وفقا لما أقره الجيش الأمريكي في تقرير حديث.
في الوقت الذي أدى فيه تدخل السعودية في اليمن إلى مزيد توطيد العلاقات بين الرياض وواشنطن، بدأت التقارير المتواترة التي تؤكد ارتكاب المملكة لجرائم حرب في اليمن تشير إلى بروز معارضة شديدة لمشاركة البنتاغون في هذه الحرب
على امتداد عقود من الزمن، كانت كل من إيران المسلمة الشيعية الثورية والسعودية المسلمة السنية المحافظة تتنافسان من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، حيث تمكنت إيران من بناء أكبر ترسانة أسلحة في المنطقة. ومع تصاعد توتر العلاقات بين الطرفين على إثر عدة حروب بالوكالة، كشفت المملكة العربية السعودية علناً عن ترسانتها من طراز “دي إف – 3 أي” للمرة الأولى خلال استعراض عسكري في نيسان/ أبريل 2014. وخلال السنة ذاتها، ذكرت مجلة “نيوزويك” أن وكالة المخابرات المركزية ساعدت في إتمام صفقة سرية من شأنها أن تسمح للسعودية باقتناء الصواريخ الصينية المحسنة من طراز دي إف-21، في سنة 2007.
بحلول مطلع سنة 2015، استولت جماعة شيعية زيدية تعرف باسم أنصار الله (أو الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء، مما دفع السعودية لشن حملة عسكرية تهدف لدعم محاولات الحكومة اليمنية لاستعادة البلاد من أيدي المتمردين، الذين يشتبه في تلقيهم للدعم الإيراني. وقد أطلق الحوثيون صواريخ باليستية قصيرة المدى نحو المملكة السعودية في عديد المرات، مما يفسر رغبة الرياض الشديدة في بناء قوتها الصاروخية المحلية.
تكشف قوة الصواريخ الاستراتيجية السعودية علناً عن مجموعة الصواريخ الباليستية الصينية متوسطة المدى من طراز “دونغفنغ دي إف 3 أي”، في قاعدة “حفر الباطن” شمال شرق البلاد، في 29 نيسان/ أبريل 2014.
في الوقت الذي أدى فيه تدخل السعودية في اليمن إلى مزيد توطيد العلاقات بين الرياض وواشنطن، بدأت التقارير المتواترة التي تؤكد ارتكاب المملكة لجرائم حرب في اليمن تشير إلى بروز معارضة شديدة لمشاركة البنتاغون في هذه الحرب، لا سيما بعد مقتل الصحفي والناقد السعودي، جمال خاشقجي، من قبل عملاء للحكومة في القنصلية السعودية في إسطنبول خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وعلى الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب وكبار مسؤوليه وقفوا إلى جانب حليفتهم السعودية، إلا أن مجلس الشيوخ تحرك بالفعل من أجل وقف المساعدات العسكرية المقدمة للمملكة، التي سبق وأن أعربت عن إمكانية انتقالها من استخدام وسائل دفاع تقليدية إلى وسائل أكثر استراتيجية.
خلال السنة الماضية، حذر كل من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأسبق، عادل الجبير، من أن المملكة العربية السعودية ستسعى لتطوير أسلحة نووية في حال قامت إيران بامتلاك هذه الأسلحة أيضا. من جهتها، لطالما أكدت طهران أن برنامجها النووي لا تنوي توظيفه كسلاح. كما التزمت إيران بشروط الاتفاق النووي لسنة 2015 الذي يقيد إنتاجها لهذه الأسلحة. لكن هذا الاتفاق كان مهددا خلال السنة الماضية من قبل قرار إدارة ترامب الذي يقضي بالتخلي عنه وإعادة فرض عقوبات على إيران.
أشار فابيان هينز إلى أن “سباق الصواريخ” الإقليمي لم يقتصر على إيران والسعودية فحسب، بل شمل أيضا تزاحم إمكانات جديدة محلية الصنع بين دول مثل “إسرائيل” وتركيا ودول أخرى تسعى للحصول على مساعدات أجنبية.
في الحقيقة، ظلت إيران حتى الآن ملتزمة بالصفقة مع محاولة الأطراف الأخرى الموقعة على هذا الاتفاق، على غرار الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة، إنقاذه في أعقاب الانسحاب الأمريكي منه. لكن المسؤولين الإيرانيين حذروا من إمكانية استئناف إيران لإنتاج الطاقة النووية في أي وقت. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد أطلق بن سلمان أول مشروع نووي في البلاد خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي كان موجها ظاهريا لاستغلاله في مجال الطاقة.
أخبر فابيان هينز مجلة “نيوزويك” أنه “من الصعب معرفة ما إذا كانت المملكة العربية السعودية تستعد للدخول في مجال صناعة الأسلحة النووية من خلال صواريخها الجديدة، نظرا لأنه لم يقع الكشف بعد عن نموذج دقيق لهذه الأسلحة”. وأضاف هينز أن “هناك نزعة عالمية على نطاق واسع باتجاه الصواريخ الباليستية المسلحة تقليديا، والتي تعمل على تعقيد الأمور أكثر. وفي حال كنت تريد امتلاك أسلحة نووية، بشكل عام، فأنت ترغب أيضا في امتلاك الوسائل اللازمة لبناء أنظمة محلية للتسليم”.
تظهر هذه المجموعة من الصور التي التقطت في 22 أيلول/ سبتمبر 2018 الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، من نوع قدر إف (أعلى الصورة) وسجيل (في الوسط) وخرمشهر (أسفل الصورة) التي يقع عرضها خلال الاستعراض العسكري السنوي في العاصمة طهران بمناسبة ذكرى اندلاع الحرب المدمرة ضد العراق الذي امتدت بين 1980 و1988
أشار هينز إلى أن “سباق الصواريخ” الإقليمي لم يقتصر على إيران والسعودية فحسب، بل شمل أيضا تزاحم إمكانات جديدة محلية الصنع بين دول مثل “إسرائيل” وتركيا ودول أخرى تسعى للحصول على مساعدات أجنبية. كما كشفت برقية مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية أن الإمارات العربية المتحدة اشترت تكنولوجيا الصواريخ من كوريا الشمالية سنة 2015.
في السياق ذاته، اتخذت قطر الخطوات نفسها في إطار منافستها للسعودية من خلال تنظيمها لاستعراض صواريخ صينية الصنع سنة 2017. كما ورد أن الجزائر تلقت أنظمة صواريخ إسكندر-إم قصيرة المدى من روسيا. ويُزعم كذلك أن سوريا تقوم ببناء مصانع للصواريخ بمساعدة إيران، التي اتُهمت بمدّ حزب الله اللبناني والحوثيين بهذه الأسلحة.
اولت “إسرائيل” والولايات المتحدة، أكبر خصمين لإيران، حشد الدعم لحملة تقضي بعزل إيران سياسيا واقتصاديا، التي تمتد ميليشياتها المتحالفة عبر كل من العراق وسوريا ولبنان
كما أفاد هينز لمجلة “نيوزويك” أن “هناك اتجاهين يندمجان في هذه المسألة. يتمثل أحدهما في مساعي هذه البلدان لإثبات مكانتها وفكرة أنه في حال امتلك أعدائك مثل هذا السلاح يجب عليك امتلاكه أيضا. أما الدافع الآخر لامتلاك هذه الاسلحة، فيتمثل في ارتفاع شعبية الصواريخ الباليستية التقليدية قصيرة المدى. ونظرا لكثافة مسألة التدقيق على النطاق العالمي، يمكن استخدام هذه الصواريخ بشكل فعال اليوم كنظم أسلحة تقليدية”. وأضاف هينز قائلا: “لكن إيران والسعودية تعتبران من أبرز هذه البلدان نظرا لحجم قوتهما الصاروخية الهائل. وتعتبر قوات الصواريخ الاستراتيجية السعودية أحد فروع الجيش السعودي وهو ما يعتبر أمرا نادرا للغاية”.
في هذه الأثناء، حاولت “إسرائيل” والولايات المتحدة، أكبر خصمين لإيران، حشد الدعم لحملة تقضي بعزل إيران سياسيا واقتصاديا، التي تمتد ميليشياتها المتحالفة عبر كل من العراق وسوريا ولبنان. وفي الواقع، سرّعت “إسرائيل” من وتيرة هجماتها الجوية ضد أهداف إيرانية مزعومة في سوريا، الأمر الذي أثار اعتراضا عاما ونادرا من الجانب الروسي الذي ضم صوته إلى الصين وقدم تحذيرا حول “سباق تسلح” جديد في المنطقة بسبب أحدث خطة دفاع صاروخية لترامب مستوحاة جزئيًا من التقدم الإيراني في تطوير الأسلحة.
وفقا لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، تستعد الولايات المتحدة الأمريكية، بالاشتراك مع بولندا، لاستضافة مؤتمر بالعاصمة البولندية، وارسو، خلال الشهر المقبل، حيث يهدف هذا المؤتمر بالأساس، إلى “التركيز على المسألة الإيرانية”. وقد حاولت الضغوطات الأوروبية التخفيف من حدة هذا التصريح الذي جاء بعد جولة قام بها أعلى ديبلوماسي أمريكي في الشرق الأوسط التي كانت بمثابة “ثورة مضادة لإيران”.
المصدر: نيوزويك