ترجمة وتحرير: نون بوست
ذات مرة، أخبرني أحد الضباط في وزارة الدفاع الكويتية عن مَثل يعكس الحياة في الخليج العربي: “عندما يقع الجمل تكثر سكاكينه”. لقد تأسس مجلس التعاون الخليجي بهدف ضمان سيادة الدول الأعضاء، إلا أن القمة التي عقدت مؤخرا في كانون الأول/ ديسمبر لمناقشة الحصار المتواصل ضد قطر تدعو إلى إعادة تقييم أولويات الولايات المتحدة في المنطقة. ولا يزال الضوء مسلطا على السعودية بسبب القتل خارج نطاق القضاء، والحرب الجارية في اليمن والدراما القبلية العائلية، ولكن التحركات الأخيرة للأيادي الثابتة في المنطقة تشير إلى أن خطوات الجمل ربما باتت متعثرة.
بداية من سنة 2019، ستبدأ الكويت بقيادة الشيخ صباح بتنسيق وتبادل الخبرات العسكرية مع تركيا. ولا يعكس هذا التحرك التقدم الأخير الذي يحرزه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دائرة نفوذ السعوديين فقط، بل يظهر أيضًا قلق الأصوات المعتدلة في الخليج. ومن جهته، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدعم الحصار السعودي على قطر، وإيجاد مبرر للدفاع عن نظام آل سعود في أعقاب مقتل خاشقجي، ولكن مَن سيدافع عن الكويت إذا ما قررت العائلة المالكة السعودية الاستيلاء على حقولها النفطية أو خرق السيادة الكويتية؟
من الواضح أن قدرة تركيا على الحفاظ على صناعات ثقافية وترفيهية واسعة، والترويج للإسلام المعتدل، والسياسة الخارجية الهجومية، والموازنة بين الثنائي الأمريكي الروسي، أثارت إعجاب الحلفاء المحتملين في جميع أنحاء المنطقة.
لقد تسببت سنتان من الحصار ضد دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي في تقييد قدرة الكويت على التوسط بفعالية، في حين أصبحت تركيا المعتدلة إسلاميا وديمقراطيا (مع وجود تحذيرات جدية) والمستقرة في القيادة بديلاً واضحاً للقيادة في الشرق الأوسط على نطاق أوسع.
من الواضح أن قدرة تركيا على الحفاظ على صناعات ثقافية وترفيهية واسعة، والترويج للإسلام المعتدل، والسياسة الخارجية الهجومية، والموازنة بين الثنائي الأمريكي الروسي، أثارت إعجاب الحلفاء المحتملين في جميع أنحاء المنطقة. لقد تم إنشاء مجلس التعاون الخليجي لتوفير الأمن للدول الصغيرة غير القادرة على تحقيق أمنها، وسيكون من الصعب على الدول الخليجية الأصغر أن تتخلى عن الحاجة إلى الحصول على أخ كبير. وستسعى هذه الدول الضعيفة رغم غناها إلى إيجاد قائد للإسلام السياسي يتمتع في الواقع بمستقبل سياسي واعد.
لقد أصابت تركيا بالفعل عندما نصبت نفسها بديلا واضحا للقيادة السعودية. فنشر تركيا لبعض قواتها في قطر المحاصرة بعث ببعض الرسائل. أولاً، إن دول ما وراء شبه الجزيرة لا تغض الطرف عن أعمال السعوديين في منطقة الخليج العربي. ثانياً، تعتبر دول الخليج الصغيرة دولا فردية ذات هُويات بصرف عن النظر عن علاقاتها مع بعضها البعض. وأخيرا، يوجد دولة إسلامية مستعدة للوقوف في وجه المملكة العربية السعودية، ومنافستها على قيادة المنطقة. وقد تم توجيه هذه الرسائل قبل أن يمنح ولي العهد محمد بن سلمان تركيا أحلى هدية: التفوق الأخلاقي.
ليست الكويت الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تحقيق أجندة تتعارض مع المثلث السعودي البحريني الإماراتي. ومن بين هذه الدول عمان، العنصر الهادئ في مجلس التعاون الخليجي
في ظل آل سعود، من الإنصاف أن يخشى رؤساء الأسر الصغيرة والدول من الإنذار الأخير الموجه إلى قطر الآن. وفي الواقع، إن الشيخ صباح في الكويت على بينة من ضعف الدول الخليجية الصغيرة، ولكن قبل المواجهة عليه ضمان أمن دولته الغنية بالنفط. إن الكويت دولة ضئيلة صحراؤها خالية ولا تملك سوى النفط، وما زالت تحاول معرفة كيفية منح بعض الحقوق للعمال المهاجرين الذين تعتمد عليهم بشكل كبير دون أن يشعر المواطنون بالتهديد. ومثل هذه الدول، التي يوجد عدد قليل منها في الخليج، في حاجة إلى المساعدة الخارجية.
مع ذلك، ليست الكويت الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تحقيق أجندة تتعارض مع المثلث السعودي البحريني الإماراتي. ومن بين هذه الدول عمان، العنصر الهادئ في مجلس التعاون الخليجي، حيث لم يستقبل السلطان قابوس بن سعيد معرضاً حديثاً بعنوان “صنع في قطر” فقط، بل ذكر أيضاً أن بلاده حققت زيادة بنسبة 100٪ في التجارة مع الدولة المحاصرة.
نظراً لافتقار الكويت لواجبات الوساطة الإقليمية، فإنه من السهل ألا نلحظ خطوات عمان تجاه الحكم الذاتي، مثل إبرامها مؤخراً اتفاقية الدفاع المتبادل مع المملكة المتحدة أو استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد أوفت كل من عُمان والكويت بواجباتهما الإقليمية في القمة الأخيرة والتزمتا الصمت فيما يتعلق بقضية خاشقجي، لكن لا يمكن تجاهل نظرتهما الحائرة.
على غرار الكويت، تعتبر قطر دولة صغيرة ولديها احتياجات من بينها الغذاء وتأمين مستقبل ما بعد نفاذ النفط. وعلى الرغم من الحصار المستمر ضدها، إلا أنها لم تقم فقط بتقديم 15 مليار دولار من الاستثمارات للاقتصاد التركي، بل خرجت أيضاً بمفردها من منظمة الأوبك، وتجاهلت نظيراتها في الخليج بإرسال وفد على مستوى منخفض إلى قمة الرياض الأخيرة.
مع المصادر المحدودة، والسكان غير المهيئين لمرحلة ما بعد النفط، فإنه يبدو أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها لعمان والكويت بناء علاقات وتحالفات استراتيجية خارج منظومة مجلس التعاون الخليجي دون أن تربط مصيرها بآل سعود.
خلال العقد الماضي، تعهدت دول مجلس التعاون الخليجي بضخ عشرات المليارات إلى البحرين. ولكن الأموال التي تعهدت بها قطر لتركيا أو التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي لمستفيديها الإقليميين الآخرين، سيكون لها ثمن وتوقعات. ولا شك في أن مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي سيكون مضطربا مع خسائر اقتصادية وربما بشرية. من خلال سلعنة تراثها الإسلامي، راهنت المملكة العربية السعودية على ثقافة يمكن تصديرها. في الأثناء، تقدم تركيا بديلاً أكثر أماناً وعولمة مما فتح لها بعض الأبواب.
كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي مبادرة من قبل آل صباح وخطوة منطقية إلى الأمام في منطقة تضم دولا صغيرة لضمان الأمن بدعم الولايات المتحدة. ويجب أن تنعكس ردة فعل كويت ما بعد الغزو العراقي، الذي دفعها للبحث عن الاستقرار من خلال التعاون، في كويت ما بعد الحصار على قطر وما بعد خاشقجي. ومع المصادر المحدودة، والسكان غير المهيئين لمرحلة ما بعد النفط، فإنه يبدو أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها لعمان والكويت بناء علاقات وتحالفات استراتيجية خارج منظومة مجلس التعاون الخليجي دون أن تربط مصيرها بآل سعود.
المصدر: ناشيونال إنترست