ترجمة وتحرير: نون بوست
تعرف القاهرة بأنها مدينة الألف مئذنة، إلا أن المدينة البديلة لها انطلقت بأربعة مآذن فقط، وهي الأبراج البيضاء الطويلة في مسجد الفتاح العليم، المشروع الذي يمثل تحفة في العاصمة التي يتم بناؤها في وسط الصحراء على بعد 49 كيلومترا شرقي القاهرة. وكان عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري، قد أشرف على افتتاح المسجد خلال هذا الشهر. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لا أحد يعيش في هذه المدينة إلى حد الآن، كما أن مجموعة من الطلبة من جامعات القاهرة، تم ضبط قائمة بأسمائهم من قبل الحكومة، تم نقلهم بالحافلات إلى هذا المسجد في أول صلاة جمعة تقام فيه في الثامن عشر من يناير/ كانون الأول. وتماما مثل المسجد، فإن العاصمة الجديدة التي لم تتم تسميتها بعد تتميز بالفخامة، ولكنها فارغة وتخضع لمراقبة شديدة.
يذكر أن السيسي ليس أول رئيس مصري يقرر نقل العاصمة، إذ أنه في عهد الفراعنة أيضا كانت هنالك عواصم عديدة من بينها ممفيس وطيبة. كما أن الإسكندرية كانت في قلب الحضارة اليونانية الرومانية في مصر. والعاصمة الحديثة يعود تاريخ بنائها إلى العام 969 بعد الميلاد، عندما قام الفاتحون الفاطميون بتشييد مدينة محاطة بأسوار لتخليد انتصارهم. ولكن بعد مرور حوالي ألف سنة، فإن هذه المدينة لم يعد يطيب فيها العيش، بما أنها مكتظة بحوالي 23 مليون شخص. ويذكر أنه خلال سنوات حكمه الأخيرة، كان حسني مبارك، الدكتاتور الذي تمت الإطاحة به في 2011، يفضل إدارة الحكم من منتجعه الفاخر في شرم الشيخ الواقعة في شبه جزيرة سيناء.
إلى حد الآن لا أحد يعلم كم ستكلف كل هذه المشاريع (التقديرات الأولية كانت 45 مليار دولار) أو كيف ستغطي مصر هذه المصاريف.
وبعد 5 سنوات من وصوله للسلطة إثر تنفيذ انقلاب، يستعد السيسي أيضا للقيام بخطوة مماثلة. وعندما تنتهي أشغال بنائها، ستمتد المدينة الجديدة على مساحة 700 كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة دولة سنغافورة. وعوضا عن الأحياء الفقيرة والمزدحمة، والأزقة الضيقة في القاهرة، فإن العاصمة الجديدة تتميز بشوارعها الواسعة ومبانيها المصففة والشاهقة. وعلى جانب المسجد هنالك أكبر كاتدرائية في المنطقة. كما تقوم شركة مملوكة للحكومة الصينية ببناء منطقة تجارية ستكون فيها أكبر ناطحة سحاب في إفريقيا. والهدف من هذه المدينة الجديدة هو تخفيف الضغط عن القاهرة، وبشكل من الأشكال جعل السيسي يفتخر بنفسه.
وإلى حد الآن لا أحد يعلم كم ستكلف كل هذه المشاريع (التقديرات الأولية كانت 45 مليار دولار) أو كيف ستغطي مصر هذه المصاريف. كما أن هذا المشروع عانى من العديد من المشاكل المالية منذ بدايته في 2015. وقد تعثرت المحادثات والاتفاقات مع مؤسسة إعمار، عملاق بناء العقارات الإماراتي، كما تعطلت أيضا مع شركة صينية ثانية كان يفترض أن تبني إنشاءات بكلفة 20 مليار دولار.
وكما هو الحال دائما في مصر، فقد تدخل الجيش في هذه المسألة أيضا. حيث أنه يمتلك 51 بالمائة من أسهم الشركة التي تشرف على المشروع، أما الباقي فهو تحت تصرف وزارة الإسكان.
وسيتم في هذا العام افتتاح جزء أول متواضع من هذا المشروع. ومن المأمول أن يتم نقل البرلمان مع حلول الصيف المقبل. كما أن حوالي 50 ألف موظف إداري (أقل من 1 بالمائة من العاملين في القطاع العام) سوف ينتقلون إلى هناك. إلا أن السفارات الأجنبية مترددة بشأن الانتقال بينما لا تزال المدينة مهجورة. وهم يتخوفون من أنهم في حال أصبحوا محبوسين داخل مدينة يتواجد فيها مركز قيادة الجيش، فإنهم سوف ينقطعون تماما عما تبقى من المجتمع المدني المصري.
العاصمة الجديدة فستكون فيها وظائف، ولكن قليلون هم موظفو القطاع العام الذين سيتمكنون من تحمل كلفة العيش فيها
أما نظام السيسي فإنه يحذر من أنه لا يستطيع (أو لا يريد) تأمين السفارات في القاهرة. والسؤال الأكبر حاليا هو ما إذا كان المصريون أنفسهم سوف ينتقلون إلى العاصمة الجديدة. إذ أنه منذ سبعينات القرن الماضي كانت الحكومات المصرية تسعى لتعمير الصحراء وتخطط لبناء مدن من أجل تخفيف الاكتظاظ في القاهرة، ومن بين هذه المشاريع واحد يسمى القاهرة الجديدة، متواجد في شرق القاهرة القديمة، وكان يفترض أن يجتذب 5 مليون ساكن، إلا أنه يتواجد فيه حاليا أقل من عشر هذا العدد. كما أن المدن الجديدة غالبا ما تفتقر إلى فرص العمل التي تجتذب السكان، وأغلبها أصبحت ملاذات للأثرياء المصريين الفارين من زحمة السير والتلوث في القاهرة.
أما العاصمة الجديدة فستكون فيها وظائف، ولكن قليلون هم موظفو القطاع العام الذين سيتمكنون من تحمل كلفة العيش فيها. إذ أن متوسط ما يجنونه في الأسبوع هو 1247 جنيه مصري، أي حوالي 70 دولار أمريكي. وخلال العام الماضي كانت وزارة الإسكان قد نشرت قائمة بأسعار الشقق في المدينة، التي تجاوزت 11 ألف جنيه للمتر المربع الواحد. وسيتمكن موظفو الدولة من الحصول على أسعار مخفضة، وهنالك مخططات لإنشاء 285 ألف وحدة سكنية منخفضة الكلفة. ولكن هذه الحلول لن توفر سكنا مناسبا لحوالي 2.1 مليون موظف الموجودين في القاهرة، أو بقية العمال اللازمين لإدارة هذه المدينة.
وفي 25 يناير/ كانون الأول يحيي المصريون ذكرى الثورة التي أطاحت بحكم حسني مبارك. وفي الأثناء يتذكر أحمد أبو الغيط، الذي شغل منصب وزير خارجيته لوقت طويل، كيف كان يشاهد الإحتجاجات من نافذة مكتبه. ولكن قريبا سيكون على سكان القاهرة السفر إلى مكان أبعد إذا كانوا يرغبون في الوقوف في وجه الحكومة. ويبدو أن هذا الأمر كان جزء من الخطة.
المصدر: إيكونوميست