تستعد العاصمة السعودية الرياض، لتصبح في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، مركزًا عالميًا يجتمع فيه ممثلو الحكومات وخبراء عالميون ومتخصصون من شركات التكنولوجيا الكبرى ورواد الأعمال الرقميين لحضور منتدى الأمم المتحدة السنوي لحوكمة الإنترنت، الذي سيكون موضوعه الرئيسي “تعزيز حقوق الإنسان في العصر الرقمي”، في الوقت الذي تكثف فيه سلطات المملكة حملتها لإسكات كل من يعبر عن رأيه عبر الإنترنت.
هذا التناقض الصارخ أثار انتقادات حقوقية واسعة، خاصة بالنظر إلى سجل المملكة في قمع حرية التعبير على الإنترنت، حيث تزج السلطات بمئات النشطاء في غياهب السجون، وتحكم على الكثيرين منهم بالسجن لعقود طويلة أو تمنعهم من السفر، وتحكم على آخرين بالإعدام لمجرد ممارستهم لحقهم في التعبير على منصات التواصل الاجتماعي، فماذا يمكن أن تعني استضافة السعودية هذا الحدث العالمي لمعتقلي الرأي؟
تفاصيل منتدى حوكمة الإنترنت في السعودية
تبدأ قصة المنتدى التاسع عشر لحوكمة الإنترنت في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو اليوم الختامي من نسخة العام الماضي التي استضافتها مدينة كيوتو باليابان، فقد أُعلن حينها أن النسخة التالية ستُعقد في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، في الفترة من 15 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، بحضور أكثر من 10 آلاف شخص من 160 دولة.
يعد المنتدى العالمي لحوكمة الإنترنت منصة عالمية متعددة الأطراف، ويركز هذا الحدث السنوي الذي تنظمه الأمم المتحدة منذ عام 2006، على المناقشات بشأن معالجة القضايا السياسية المتعلقة بالإنترنت، ويسهل تبادل المعلومات والخبرات والعمل على التوصل إلى حلول، ويهدف إلى التوصل إلى توافق بين الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية بشأن سياسات حوكمة الإنترنت لبناء مستقبل رقمي آمن للجميع.
ويشير مصطلح حوكمة الإنترنت إلى المبادئ والسياسات التي تحكم استخدام الإنترنت، والتي تحدد الحقوق والواجبات للمستخدمين والمقدمين للخدمات والحكومات، وتهدف هذه المبادئ والسياسات الى ضمان أمن وسلامة الإنترنت وحماية الحقوق الاساسية للأفراد مثل حرية التعبير والتنظيم والتجمع والصحافة والاعتراض والحفاظ على أمن المعلومات الشخصية والخصوصية، خاصة مع تزايد التهديدات الأمنية والاختراقات السيبرانية.
ومن وجهة نظر السعودية ومسؤوليها، فإن استضافة الرياض لهذا الاجتماع السنوي الذي يستمر 5 أيام، يعكس التزام المملكة بالتنمية الرقمية، ويؤكد دورها كمركز تقني عالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحوكمة الرقمية، كما يضعها كوجهة عالمية لاستضافة أكبر المعارض والمؤتمرات الدولية، ويبرز جهودها في تعظيم أثر البنية التحتية الرقمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وخدمة المجتمعات وقطاعات الأعمال.
استنكار حقوقي
لكن على عكس طموحات المملكة، لم تمر ساعات قليلة على اختيار الأمم المتحدة لمدينة الرياض لتنظيم هذا المنتدى العالمي حتى وجَّهت أكثر من 70 منظمة رقمية وحقوقية دعوة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في نفس اليوم، تناشده إلغاء قرار السماح للمملكة باستضافة المنتدى التابع للأمم المتحدة، وتحثه على مراجعة عملية صنع القرار بشكل عاجل.
أعربت المنظمات عن قلقها من أن سجل المملكة المقلق للغاية في مجال حقوق الإنسان، من شأنه أن يقوض بشدة مشاركة المجتمع المدني بحرية وأمان في الاجتماع، بالنظر إلى المخاطر الأمنية المادية والرقمية الخطيرة التي يواجهها أولئك الذين يحاولون التعبير عن المعارضة السلمية في البلاد.
وفي رسالتها، لفتت المنظمات الانتباه إلى تدهور سجل حقوق الإنسان في السعودية، وتفاقم القمع في عهد ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان، مع تسليط الضوء بشكل خاص على الانتهاكات المستمرة فيما يتعلق بحرية التعبير والاستخدام المكثف لبرامج التجسس ضد الصحفيين، ففي أحدث إحصاء سنوي للسجناء، وثقت لجنة حماية الصحفيين احتجاز 11 صحفيًا سعوديًا بسبب عملهم، حسب إحصاء عام 2023.
سلطت الرسالة المشتركة الضوء أيضًا على حالات رمزية من هذه الانتهاكات، بما في ذلك غياب العدالة والافتقار إلى المساءلة في قضية الصحفي المعارض جمال خاشقجي بعد 6 سنوات من مقتله في القنصلية السعودية بإسطنبول، واعتقال العديد من الكتاب والناشطين البارزين، الذين كان اعتقالهم بمثابة تحذير للسعوديين العاديين لتجنب المعارضة.
منذ ذلك الحين، وعلى مدار عام، بدا أن ثمة إجماع حقوقي على إدانة النفاق الرقمي في المملكة كونها إحدى أشد الدول قمعًا في المنطقة، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أحرجت منظمات حقوقية ومدنية عالمية النظام السعودي، وطالبت السلطات السعودية بالإفراج عن المعتقلين تعسفيًا لمجرد تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت.
بيان مشترك من 40 منظمة حقوقية، يؤكد أن على السلطات #السعودية إطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا لمجرد تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت قبيل استضافة منتدى الأمم المتحدة لحوكمة الإنترنت في الرياض من 15 إلى 19 ديسمبر 2024https://t.co/UDFfKf9ZYR
— Saudi Leaks (@Saudia_Leaks) September 8, 2024
وقبل نحو 100 يوم من انطلاق المنتدى، استنكرت 40 منظمة حقوقية ومنظمة مجتمع مدني استضافة هذا الحدث من جانب السعودية، واعتبرت أن هذا يتعارض مع قيم المنتدى المعلنة، في الوقت الذي يهتم فيه المنتدى بتعزيز حقوق الإنسان وإدماجها في العصر الرقمي، تشتهر البلاد بعدم احترامها لمعايير حقوق الإنسان الدولية، وتواصل سلطاتها مقاضاة وحبس النشطاء وإخفائهم قسرًا وترهيبهم بغرض إسكاتهم.
وحسب المنظمات، فإن محمد بن سلمان يمارس قمعًا شديدًا ضد حرية التعبير عبر الانترنت، وعليه إثبات جديته في التخفيف من حملته القمعية ضد حرية التعبير، والكف عن استخدام الحدث كجزء من حملة دعائية لتلميع صورته، إن كان جادًا في تولي الرياض دورًا قياديًا عالميًا في بلورة السياسات العامة الرقمية، فضلًا عن إصلاح نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، ووضع حد نهائي لحملتها القمعية ضد المعارضين وغيرهم.
كما دعت المنظمات الحقوقية في بيان مشترك، السعودية إلى تقديم ضمانات علنية بعدم منع أي شخص من دخول البلاد للمشاركة في المؤتمر، وتكفل السلطات عدم تعرض المشاركين لأي مضايقات كالاحتجاز والمراقبة وضمان حرية التعبير لجميع المشاركين.
واقع حرية التعبير على الإنترنت في السعودية
اختارت وسائل الإعلام التي تروج لهذا الحدث السنوي الذي تنظمه الأمم المتحدة، التركيز على ما أسمته إنجازات السعودية الرقمية في عدد من المؤشرات والتقارير الدولية دون التركيز على حرية الإنترنت في المملكة، فقد ذكرت أن المملكة تحتل مراتب متقدمة في مؤشر التنافسية الرقمية ومؤشر نضج الحكومة الرقمية والجاهزية التنظيمية الرقمية.
في المقابل، ووفقًا لتقرير حرية الإنترنت لعام 2024 الصادر عن منظمة “فريدوم هاوس”، جاءت السعودية ضمن الدول التي لا تتمتع بحرية الإنترنت إلى جانب مصر وروسيا، حيث يمكن اعتقال أو سجن الأشخاص بسبب التعبير عن آرائهم عبر الفضاء الإلكتروني في هذه الدول، وتمارس حكومتهم قطع الخدمات عنهم لأسباب سياسية.
كما كانت السعودية في مقدمة الدول التي تردد بداخلها صدى تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث زادت وتيرة قمع أي صوت مناهض للاحتلال أو داعم لحق الفلسطينيين في المقاومة، وتوسعت قائمة المحظورات لتشمل كل أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني وانتقاد مستقبل تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وواجه مواطنوها أو من جنسيات أخرى، عواقب للتعبير عن آرائهم عبر الإنترنت في ظل هذه الحرب العنيفة الدائرة منذ أكثر من عام.
تحافظ السلطات السعودية على نظام واسع النطاق لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيمها، وتستثمر موارد كبيرة في “الروبوتات” الآلية وغيرها من الحسابات التي تؤثر على بيئة وسائل التواصل الاجتماعي وتشوهها وتستهدف المستخدمين البارزين.
في سبتمبر/أيلول 2023، استخدمت النيابة العامة السعودية حسابها الرسمي على موقع “إكس”، المعروف سابقًا باسم “تويتر”، للتحذير من إنتاج ونشر محتوى موجه خصيصًا للأطفال والذي “ينتهك المعايير المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الأخلاق”، ما يشير إلى التدقيق الإضافي في المواد المخصصة للأطفال.
تستخدم السلطات السعودية قوانين غامضة الصياغة وواسعة النطاق للجرائم الإلكترونية كوسيلة لقمع مشاركة الأخبار والتعليقات الانتقادية عبر الإنترنت، مثل قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب التي تحوي مواد فضفاضة تقوض حرية التعبير، كما تساوي بين التعبير السلمي عبر الإنترنت و”الإرهاب” لمقاضاة معارضيها السلميين، وتستند المحكمة الجزائية المتخصصة إلى هذه القوانين لإصدار أحكام أكثر غموضًا ضد الأفراد الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للتعبير عن آرائهم.
على مدار العامين الماضيين، شنّت السلطات السعودية حملة قمع مروعة ضد الأشخاص الذين ينتقدون أو يعارضون عبر الإنترنت، وشهدت المملكة تدهور مناخ حرية التعبير بشكل حاد رغم محاولة محمد بن سلمان تحديثها وإظهار انفتاحها، وبدلًا من ذلك، صُنفت الرياض رمزًا للقمع في العالم، وتساوي كلمة على “تويتر” سنوات من السجن على أراضيها.
وثقت منظمة العفو الدولية في عام 2022، الحكم على 15 شخصًا بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و45 عامًا لمجرد استخدامهم المساحات الإلكترونية للتعبير عن آرائهم، وتمت محاكمة جميع الأشخاص الـ15 من قبل أبشع محكمة في تاريخ المملكة، وهي المحكمة الجزائية المتخصصة التي تأسست في عام 2008 للنظر في قضايا مرتبطة بمكافحة الإرهاب في البلاد، لكن اُستخدمت لإصدار أحكام قاسية ضد مدافعين عن حقوق الإنسان.
تأتي الزيادة الكبيرة في مدة أحكام السجن التي أصدرتها المحكمة الجزائية المتخصصة في أعقاب تعيين القاضي عوض الأحمري رئيسًا للمحكمة في يونيو/حزيران 2022، كمكافأة على ما يبدو لدوره في التخلص من أدلة اغتيال جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية، وهو متورط بتعذيب وانتزاع اعترافات قسرية من نشطاء حقوقيين سلميين خلال فترة عمله كمحقق في الفترة بين 2010 الى 2022، ونتيجة لذلك حُكم على عدد منهم بالسجن مدة طويلة.
ضحايا التعبير عن الرأي على الإنترنت
تُجمع المنظمات الحقوقية على أن الحكومة السعودية لديها تاريخ طويل في إسكات واضطهاد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والصحفيين، وانتهاك الحقوق الأساسية لمواطنيها من خلال المراقبة الرقمية والإخفاء القسري والإعدام والاحتجاز والتعذيب.
توضح الأمثلة الأخيرة الواقع المخزي للقمع في السعودية، حيث يتعرض المعتقلون لمعاملة قاسية وغير إنسانية ومهينة، بما في ذلك احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي وفي الحبس الانفرادي لفترات قد تمتد لعدة أشهر، وحرمانهم من الوصول إلى محامٍ لدفاع عنهم قبل إصدار الحكم، ولا يقتصر الأمر على الرجال فقط، وإنما يشمل قمع ابن سلمان للنساء أيضًا، ما يعيد إلى الواجهة الجدل بشأن حديث المملكة عن الإصلاح وتمكين المرأة.
من بين أولئك الذين أُدينوا بسبب تعبيرهم عن آرائهم عبر الإنترنت، الناشطة الاجتماعية سلمى الشهاب، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 36 عامًا وطالبة دكتوراه في جامعة ليدز، اُعتقلت في يناير/كانون الثاني 2021، وبعد محاكمة غير عادلة، حُكم عليها في أغسطس/آب 2022، بالسجن لمدة 34 عامًا وهي أطول عقوبة يُعتقد أنها فُرضت على امرأة سعودية على الإطلاق بسبب التعبير السلمي عبر الإنترنت، تليها مدة مماثلة من حظر سفر بتهم الإرهاب الملفقة، لمجرد أنها غردت لدعم حقوق ناشطات ونشطاء سعوديين، كما أمرت المحكمة بإغلاق حسابها على “تويتر”، وتعطيل رقم هاتفها.
شملت التهم الملفقة الموجهة إليها، تقديم الإعانة لأولئك الذين يسعون إلى تعطيل النظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، ونشر إشاعات مغرضة “تخل بالنظام العام” على إكس، في إشارة إلى تغريداتها السلمية الداعمة لحقوق المرأة والمنتقدة للقمع الشديد الذي تمارسه بلادها على النساء، ومنشوراتها التي أعربت من خلالها عن دعمها لسجناء الرأي في السعودية.
وفي قضية أخرى تكشف زيف وعود الإصلاح السعودي واستمرار الملاحقات بحق المدافعين عن حقوق المرأة، وبعد عامين من إيقافها وأنباء عن اختفائها قسريًا، حكمت المحكمة الجنائية المتخصصة التي تنظر في قضايا الإرهاب والجرائم الإلكترونية، على مناهل العتيبي (30 عامًا) – وهي ناشطة نسوية ومدربة لياقة بدنية ومؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي – بالسجن لمدة 11 عامًا في يناير/كانون الثاني 2024، فيما يتعلق بمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تروج لحقوق المرأة، ومشاركة صورها عبر الإنترنت في أحد مراكز التسوق دون ارتداء العباءة التقليدية.
قبل ذلك، وفي 9 يوليو/تموز 2023، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في المملكة على المعلم المتقاعد محمد بن ناصر الغامدي البالغ من العمر 56 عامًا، بالإعدام بسبب نشاطه وتعبيره السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي، بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 الذي يصفه المراقبون بأنه قاسٍ وواسع النطاق.
شملت التهم الموجهة إلى الغامدي – الذي لم يكن لديه عدد كبير من المتابعين على حسابيه اللذين لا يحملان اسمه على إكس – التخلي عن الولاء لولاة الأمر والإخلال بأمن المجتمع والتآمر على الحكم والتأييد للفكر الإرهابي واستخدام حساباته على إكس ويوتيوب لمتابعة والترويج للأفراد الذين يسعون إلى زعزعة استقرار النظام العام ومتابعة حسابات معارضين على إكس ويوتيوب والتعاطف مع الأفراد المحتجزين بتهم تتعلق بالإرهاب.
الحكم بالإعدام على الغامدي جاء وسط تصاعد الانتقادات للسعودية لزيادة عدد مرات تنفيذ حكم الإعدام، ففي عام 2022، نفذَّت المملكة أحكامًا بالإعدام بحق 196 شخصًا، من بينهم 81 شخصًا في يوم واحد، وهي أعلى حصيلة إعدامات تشهدها المملكة منذ 3 عقود، وهذا الرقم يساوي ضعف عدد الإعدامات التي نفذتها السعودية في عام 2021، وأعلى بـ7 مرات على الأقل من عام 2020.
تعد أحكام الإعدام الصادرة بحق سعوديين تصعيدًا ملحوظًا في حملة القمع التي تشنها المملكة على أي شكل من أشكال المعارضة، ومن أكثر الحالات دلالة على هذا القمع حالة أسامة خالد، وهو طبيب سعودي ومسؤول إداري في موسوعة ويكيبيديا، عمل على إتاحة المعرفة ذات المصادر الموثوقة مجانًا على المنصة، لكنه اُعتقل في 26 سبتمبر/أيلول 2020، ويقضي حاليًا حكمًا بالسجن لمدة 32 عامًا، بعدما صدر حكم بمضاعفة عقوبته مرتين في 26 يناير/كانون الثاني 2022، بتهم ملفقة متعلقة بـ”التأثير على الرأي العام والمساس بالآداب العامة”.
في نفس اليوم، تم اعتقال زياد السفياني، وهو طبيب أطفال نشط في مشروعات اجتماعية ومسؤول سعودي متطوع يتمتع بامتياز الوصول إلى ويكيبيديا، بما في ذلك القدرة على تحرير الصفحات المحمية بالكامل، وحُكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات.
تبدو هذه الاعتقالات واختراق الحكومة السعودية صفوف ويكيبيديا العليا في المنطقة العربية، جزءًا من حملة صارمة على مسؤولي ويكيبيديا في البلاد، في محاولة تعكس جانبًا مرعبًا من رغبة الحكومة السعودية في السيطرة على السرد والمحتوى على الموقع.
قبل أسابيع قليلة من إصدار هذه الأحكام، وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، حُكم على أحمد أبو عمو، الموظف السابق في “تويتر” بالولايات المتحدة، بالسجن لمدة 3 سنوات ونصف، بتهمة ارتكاب جرائم بما في ذلك التجسس لمصلحة السعودية، وتسريب معلومات وبيانات خاصة عن حسابات كانت تنتقد النظام السعودي بين أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015، وتعريض المستخدمين للخطر.
طالت اتهامات التجنيد من مسؤولين سعوديين، شخصين سعوديين أيضًا وضعهما مكتب التحقيقات الفيدرالي على قائمة المطلوبين، وهما أحمد سعد المطيري وعلى أحمد الزبارة، وتلك اتهامات أعادت للأذهان مرة أخرى اتهامات لطالما وجهها حقوقيون سعوديون بشأن استهداف المملكة لمعارضيها على وسائل التواصل الاجتماعي.
من بين المستهدفين أيضًا عبدالرحمن السدحان، وهو ناشط وعامل إغاثة في الهلال الأحمر السعودي، تعرض للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري لمدة 3 سنوات، ثم حُكم عليه في أبريل/نيسان 2020، بعد محاكمة غير عادلة، بالسجن لمدة 20 عامًا، يتبعها حظر سفر لمدة 20 عامًا، بسبب تغريداته الساخرة والمنتقدة للحكومة على منصة إكس باسم مستعار، والتي ربطتها منظمات حقوقية باعتقاله.
وبحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية، كان السدحان ضحية لتجسس السلطات السعودية على حسابات معارضين سعوديين في الخارج، ونقلت عن منظمات حقوقية تأكيدها اعتقال 6 مواطنين كانوا يديرون حسابات على إكس بهويات وهمية، وأن سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد السعودي هدد من يديرون حسابات وهمية بأن هذا لا يحميهم، كما هدد بأن لدى الحكومة السعودية طرقًا للوصول إلى أصحاب الحسابات الوهمية.
مرة أخرى أثار القضاء السعودي الجدل بسبب قضية المواطن السعودي الأمريكي سعد إبراهيم الماضي (73 عامًا)، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 16 عامًا لنشره تغريدات تنتقد سياسة ابن سلمان، ورفعت محكمة الاستئناف عقوبته إلى 19 عامًا، بتهمة “محاولة زعزعة استقرار المملكة ودعم الإرهاب”، وفي مارس/آذار 2023، وبعد ضغوط أمريكية، أُطلق سراحه، لكن لا يزال ممنوعًا من السفر خارج المملكة.
بالإضافة إلى العقوبات الجنائية، يمكن للأفراد أن يواجهوا الفصل من العمل انتقامًا لنشاطهم عبر الإنترنت، والذي أصبح مقيدًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، في فبراير/شباط 2022، طُرِد عاملان مغتربان في حادثين منفصلين بعد نشرهما محتوى اعتُبر مسيئًا للمملكة.
على الرغم من الزيادة المثيرة للقلق في فرض أحكام بالسجن لفترات طويلة على التصريحات التي يتم الإدلاء بها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن نفس مستوى المراقبة يمتد خارج الإنترنت وخارج حدود المملكة، حيث تنتشر الرقابة الذاتية واسعة النطاق في كل مكان تقريبًا داخل المملكة، كما يتعرض السعوديون الذين يعيشون ويسافرون إلى الخارج للتجسس والترهيب.
وأخيرًا، فإن حكومة المملكة لديها سجل حافل بالتجسس على مواطنيها، بما في ذلك من خلال الوصول غير القانوني إلى معلوماتهم الشخصية واستخدام برامج التجسس لتتبع ومراقبة الصحفيين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الداخل وفي المنفى، بل أطلقت وزارة الداخلية السعودية تطبيق “كلنا أمن” يمكِّن المواطنين من الإبلاغ عن انتهاكات الخصوصية على الإنترنت.
تسرّنا دعوتكم لحضور محاضرة بعنوان “بلّغ لتكن آمنًا” بالتعاون مع كلنا أمن
🗓 يوم الأربعاء 17 مارس
⏰ ٦:٠٠م
🔗المنصة التوعويةhttps://t.co/noeyaXi1f0#التوعية_الأمنية pic.twitter.com/LostyioVt0
— المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني (@SAUDICERT) March 12, 2021
ومن المعروف أن الحكومة اشترت برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” الذي يسمح للمستخدمين باختراق هاتف الهدف سرًا والتجسس على مكان وجوده واتصالاته في الوقت الفعلي، وكشفت التحقيقات في مجال التكنولوجيا عن شكل جديد من أدوات المراقبة التي تستخدمها الحكومة السعودية، والتي لا تحتاج إلى تفاعل مع المستخدم المستهدف للوصول إلى أجهزته الشخصية.
يثير هذا المستوى من المراقبة الرقمية والسجل السيئ للبلاد من القمع العابر للحدود، ومدى قدرة المجتمع المدني على المشاركة بحرية وأمان في منتدى حوكمة الإنترنت الذي تستضيفه البلاد، تساؤلات خطيرة حول التهديد بالمضايقة أو الترهيب التي قد تطال أصوات المجتمع المدني من الحكومة، سواء في أثناء الحدث نفسه أم بعد فترة طويلة من انتقاله إلى دورته التالية.