بشكل مفاجئ وفي خطوة جريئة، أعلنت حركة حماس رفضها استلام المنحة المالية المقدمة من قطر، لتقلب الطاولة على “إسرائيل” التي كانت تضع تلك الأموال ضمن خطة الابتزاز السياسي والاقتصادي المُتبعة ضد سكان غزة لتشديد الخناق عليهم.
ورغم أن أهل القطاع بأمس الحاجة لتلك المنحة في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التي يعانون منها وتعصف بهم من كل جانب بفعل الحصار والعقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس محمود عباس عليهم قبل عامين تقريبًا، فإن لغة الكرامة كانت أقوى من الانحناء أمام هذا الابتزاز.
رفض حركة حماس للمنحة المالية قوبل بخشية إسرائيلية من ردود محتملة مصدرها غزة، إذ قالت وسائل إعلام: “الجيش نشر المزيد من بطاريات القبة الحديدية في مستوطنات غلاف غزة وتل أبيب، بزعم التوتر في الجبهتين الشمالية والجنوبية”.
ومن أهم الرسائل التي أوصلتها حماس من خلال هذا الموقف للاحتلال ومن يتهمونها بشراء الدم بالمال، أن المنحة المالية يجب أن تبقى في مسارها الطبيعي وهدفها التخفيف من معاناة سكان غزة، وتغميسها بالدم مرفوض، وعدم إدخالها يعني تفاقم المعاناة، لكن لكل شيء حدّ، وحد السيف يحمي من حماه.
مؤامرة لن تمر
سياسيون ومحللون قرأوا في خطوة حماس الرافضة للمنحة، رسائل متنوعة ومهمة تتعلق برفض الابتزاز والتأكيد على بقاء واستمرار أهداف مسيرات العودة ورفض استخدام غزة في سياق فرد العضلات الإسرائيلية لكسب الأصوات الانتخابية، إضافة إلى عدد من الأمور الأخرى.
بالتزامن مع رفض حماس، قرر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبني توصية الأمن الإسرائيلي والسماح بدخول الدفعة الثالثة من المنحة القطرية إلى غزة
وأعلنت حركة حماس رفضها استقبال الدفعة الثالثة من المنحة القطرية، في الوقت الذي قررت فيه “إسرائيل” إدخالها لغزة بعد مماطلة ثلاثة أسابيع، وقال عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية خلال مؤتمر بغزة مساء الخميس، إن حركته أكدت للعمادي رفضها استقبال أموال الدفعة الثالثة ومحاولات الاحتلال ابتزاز شعبنا وإدخاله ومسيرة العودة في أتون الانتخابات.
وبالتزامن مع رفض حماس، قرر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبني توصية الأمن الإسرائيلي والسماح بدخول الدفعة الثالثة من المنحة القطرية إلى غزة.
كما أكدت حماس رفضها لسياسة الإملاء والابتزاز التي تمارسها “إسرائيل” عبر المنحة القطرية وأن مؤامرة الحصار لن تمر، وكتب المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم، على حسابه في تويتر: “رغم الحصار الظالم الذي أتى على كل جوانب الحياة يأتي الموقف الوطني الشجاع.. موقف العزة والكرامة ورفض سياسة الإملاء والابتزاز”، وأضاف: “هذا موقف لا يتجرد له إلا الأقوياء العظماء أصحاب المبادئ والمواقف الشامخة، فحق لهم أن يلتف حولهم أبناء شعبهم، فالكرامة فوق كل اعتبار، ومؤامرة الحصار لن تمر”.
موقف حركة حماس من المنحة القطرية حظي بإشادة كبيرة من الفصائل والقوى والشعب الفلسطيني الذين وصفوه بـ”الشجاع والحكيم”، معبرين عن دعمهم للخطوة وأكدوا بأنها خطوة ترفع راية التصعيد عاليًا وتفتح الباب أمام دخول خيارات مهمة وحاسمة مع “إسرائيل” خلال الفترة المقبلة.
قال القيادي بالجبهة ماهر مزهر: “الشكل الذي اتبعه الاحتلال بخصوص المنحة مرفوض جملة وتفصيلًا، فغزة لن تركع أو تقبل بالمطلق الابتزاز المالي”
وقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب، إن حركته تؤيد رفض حماس إدخال المنحة القطرية للقطاع، وأضاف: “نحن – الجهاد – مع هذه الخطوة (الرفض) إذا كانت توضع المنحة كأداة ابتزاز بيد العدو”، وأكد على استمرارية مسيرات العودة حتى تحقق أهدافها، مشددًا على أن “من يريد مساعدة شعبنا، فليختر الطرق المحترمة، لا أن يضعها في يد (إسرائيل) لتبتزّ بها شعبنا”.
كما ثمّنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفض حماس استقبال المنحة القطرية، مؤكدةً أنها “خطوة بالاتجاه الصحيح”، وقال القيادي بالجبهة ماهر مزهر: “الشكل الذي اتبعه الاحتلال بخصوص المنحة مرفوض جملة وتفصيلًا، فغزة لن تركع أو تقبل بالمطلق الابتزاز المالي”، مضيفًا “يجب ألّا ترتبط المنحة بتوقف أشكال معينة من مسيرات العودة وكسر الحصار، ولا نقبل أن يجري مقايضتها بقضايا سياسية”، داعيًا جماهير شعب غزة للمشاركة الواسعة بالمسيرات.
وضمن جهود قطر المبذولة لإنقاذ غزة والخروج من أزمة المنحة المالية الحاصلة، أعلن في مؤتمر صحفي بغزة، السفير القطري محمد العمادي، أن أموال المنحة القطرية ستصرف للمشاريع الإنسانية والبنية التحتية وليس كرواتب للموظفين، وذلك بعد رفض حماس تسلّمها نتيجة التحكم الإسرائيلي فيها ومحاولته استخدامها كأداة للابتزاز.
العمادي خلال لقائه بإسماعيل هنية
وأضاف العمادي خلال مؤتمرٍ عقده في غزة ظهر الجمعة، أن منحة بلاده جاءت كمساعدات إنسانية لسكان غزة بما ينعكس إيجابًا على المحيط والمنطقة بالكامل بتحسين الكهرباء وتشغيل محطات الصرف الصحي بالوقود القطري وتوصيل المساعدات لعشرات آلاف الأسر الفقيرة وغيرها من المشاريع الإنسانية الضرورية.
خلط أوراق تل أبيب
بدوره وصف البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، قرار حماس برفض استلام المنحة القطرية المخصصة لقطاع غزة – التي تقول الحركة إن الاحتلال استخدمها كأداة للابتزاز – بـ”الرجولي والشجاع”، وقال: “الاحتلال استغل إدخال الأموال القطرية إلى غزة لتركيع الشعب الفلسطيني فجاء الرد الرجولي والشجاع الذي سيكسر محاولة ابتزازه”، مضيفًا “رغم الجوع والحصار فإن الشعب الفلسطيني يؤكد بهذا القرار أنه ليس لديه الاستعداد أن يكون عرضة للابتزاز أو أن يبقى رهينة من أجل بضع ملايين من الدولارات”.
وذكر المحلل السياسي أن القرار يعبر عن حقيقة الإنسان الفلسطيني الذي رفض أن يسمح لـ”إسرائيل أن تحقق أهدافًا سياسية عبرها، مبينًا أن العالم سيدين الموقف الإسرائيلي الذي ماطل واستخدمها للابتزاز.
“رفض حماس استلام المنحة القطرية ردًا على تلكؤ الاحتلال في إدخالها واستخدامها للابتزاز، يُعيد خلط الأوراق في تل أبيب، ويؤسس لمعادلة جديدة وقواعد تعامل مختلفة”، الحديث هنا للخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي.
مواطنون من غزة يشكرون السفير العمادي
وتابع في تحليله “قرار قيادة حماس رفض استلام المنحة القطرية خطوة حكيمة وقرار شجاع يتضمن رسائل واضحة ليس للكيان المحتل فحسب، بل أيضًا للقوى الدولية والإقليمية المنشغلة بالشأن الغزي والفلسطيني”، مشددًا على أن الخطوة “تنسف الدعاوي التي يستند عليها ساكن المقاطعة (في إشارة للرئيس محمود عباس) لتسويغ عقوباته على غزة”، وفق قوله.
وأوضح أن القيمة المباشرة لهذا القرار أنه يكرس حالة انعدام اليقين لدى دوائر صنع القرار في “إسرائيل”، مضيفًا “ويعيد خلط الأوراق في تل أبيب بشكل يتجاوز الحسابات الإسرائيلية ويؤسس لمعادلة جديدة وقواعد تعامل مختلفة تخرج غزة من دائرة الابتزاز الصهيوني”.
إلا أن النعامي استدرك بالقول: “هذه الخطوة تستوجب عددًا من المحاذير، على رأسها ضرورة المزاوجة بين تعزيز الحشود المشاركة في مسيرات العودة من جهة، ومن جهة أخرى ضمان أكبر قدر من الانضباط”، وبين أن ذلك يأتي “لتكريس حالة انعدام اليقين ومنح دائرة صنع القرار الصهيونية الفرصة لإعادة تغيير نمط تعاطيها مع تفاهمات التهدئة”.
جاءت المنحة ضمن تفاهمات لتثبيت وقف إطلاق النار وفق اتفاق 2014، وتوصلت إليها الأمم المتحدة ومصر وقطر بين فصائل المقاومة في غزة و”إسرائيل”
وأكد الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن ذلك يوجب على قيادة المقاومة إلزام كل الفصائل والمجموعات بعدم الإقدام على أي خطوة لا تأتي في إطار تحرك جماعي وموحد، لافتًا إلى أن أي اجتهادات فردية تسهل على الإسرائيليين مهمة الخروج من المأزق الذي أوقعهم به قرار المقاومة.
الجدير ذكره أن قطر أعلنت عن منحة مالية للقطاع في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لستة أشهر بواقع 150 مليون دولار، 90 منها لرواتب موظفي غزة، و60 للوقود الخاص بمحطة توليد الكهرباء، وحوّلت دفعتين من المنحة بشهري نوفمبر وديسمبر 2018، واستفاد منها الموظفون المدنيون دون العسكريين، والأسر الفقيرة، والخريجين والعُمال، لكن “إسرائيل” تُماطل بإدخال الدفعة الثالثة المستحقة هذا الشهر بذريعة عدم استقرار الوضع الأمني.
وجاءت المنحة ضمن تفاهمات لتثبيت وقف إطلاق النار وفق اتفاق 2014، وتوصلت إليها الأمم المتحدة ومصر وقطر بين فصائل المقاومة في غزة و”إسرائيل”.