فوبيا الثورات تجتاح المملكة العربية السعودية، لتُكمِّم بدورها أي فَم ينبس ببنت شفة في سياق إنتقاد الدولة المؤلّهة .. مخافة أن تُطيح نفحات الربيع العربي بأشمغة رجال المملكة.
إعتقال نشطاء وحقوقيون بناءً على “مجاهرتهم” بإنتقاد آل سعود، وتجرّئهم على طلب الإصلاحات السياسية والإقتصادية على الملأ .. مطالب سمّتها الحكومة السعودية “تُهما” وجعلتها سببا كافيا لأن تحكم بالسجن على مرتكبيها بالسجن لسنوات .. ولكن فقاعة الخوف تتفقأ تتدريجيا في علاقة طردية مع إزدياد مُعدَّل الكَبت والتهميش والإقصاء والظلم .. علاوة على تجلّي دور وسائل التواصل والإعلام البديل في كشف المستور وإطلاق صيحات الإستغاثة، بل وتغيير الأنظمة أحيانا.
وفي تمادٍ لسلسلة الإنتهاكات ضد كل من سوّلت له نفسه و “فَهِم”، أو “اعترض”، أو “طَالَب” .. وجهت السلطات السعودية لـ عبدالعزيز محمد الدوسري، وعبدالرحمن العسيري، وآخر لم يُذكر اسمه، تهم : “التحريض وإثارة الفتن، والخروج على ولي الأمر” لتسجيلهم مقاطع مصورة قاموا فيها بعرض بطاقاتهم الشخصية ووجهوا رسائل من الاعتراض على الظروف المعيشية والفساد بالمملكة، لتحوِّل السُلطات السعودية المقطع إلى تهم مساندة ما أسمته بـ “الجماعات المتطرفة” .. وهذا ما يظهر جلّيا حين قال الدوسري ممسكًا بأوراق نقدية في يده قائلا في فيديو قام بنشره على موقع YouTube : « بالله عليك هذي تكفي المهر واللا السيارة واللا البيت؟… وتلومون اللي يفجرون ».
أوليست عبارة تحرِّض وتُثير على الفتنة؟!
يرجّح البعض أنه كان من الأجدر تسمية التُهمة بـ “التحريض على البوح” .. في ظل حُكم يبرر قُضاته وولاة أموره الحُكم على المُحتجّين لسنوات بـ عبارات مثل : “انتقدوا الحاكم علنا، وحتى لو الحاكم ارتكب خطأ، فيجب عليهم نصحه سرا” .. وعليك أيها الناقد العزيز أن تُقدِّم طلب مقابلة العاهل السعودي شخصيا لتُقدِّم له شكواك لكي لا تفضحه على الملأ بهذا الشكل. وإذا تم الإستجابة لك قبل أن يشيب شعرك، فستُسهِّل عليهم أمر إعتقالك بدون “شوشرة” أو إزعاج لجلالته.
لطالما كانت الممارسة السياسية في السعودية محض هزل أو خيال، وغالبا ماتكون على استحياء، ورغم ذلك تحظى بتعامُل مُفرِط من الإخراس والإخفاء، في رقابة مُجحفة تجاه كل ما هو “ضد” وكأنه يمسّ الذات الإلهية بالإنتقاد. ويأتي مؤخرًا ذاكالمرسوم الملكي في فبراير الماضي الذي يقضى بالسجن لفترات طويلة لكل من يساند أو يدعم ما أسموه بالجماعات المتطرفة ليكون قاسمة ظهر البعير. فيكون بذلك كل ما هو دون أبواق الدولة ورجالها متطرف في نظر النظام.
منظمات حقوقية عدة استنكرت واقعة الإعتقال، ونشطاء سعوديون دشّنوا حملة “#الشعب_يقول_كلمته” في رد تصعيدي على اليوتيوب وتويتر فيما يُسمى بـ “ثورة بطاقات الهوية” وسيرا على خُطى مقاطع الفيديو التي أدت بأصحابهم للمبيت خلف القضبان، لتنهمر مقاطع الفيديو المُعنوَنة بعبارة الهاشتاج وتحوي ما لذ وطاب لجلالته وحاشيته من “مُجاهرة” بالإنتقاد، بالإضافة إلى مايصل إلى ملايين التغريدات على موقع التواصل الأكثر استخداما بين السعوديين “تويتر”.
لرُبما تكون تلك بادئة نسمات ربيع جديد يطأ بلاد الحرمين، وربما تستطيع قبضة آل سعود أن تُخمدها قبل أن تندلع، ولكن المعوَّل على زخم الحراك المكبوت صوته سلفًا، وفي قدرة توصيل الصوت وإن تقطعت السُبُل.