ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور بضعة أسابيع على عيد ميلادها الرابع والعشرين، اقتربت دينا علي السلوم من سائحة كندية في مطار نينوي أكوينو الدولي في مانيلا، وطلبت منها استخدام هاتفها المحمول. وفي نيسان/ أبريل من سنة 2017، فرت المواطنة السعودية دينا من الكويت حيث تعيش، بسبب الزواج القسري، وكانت تأمل في السفر من الفلبين إلى أستراليا وطلب اللجوء. وقد أخبرت دينا المسافرة ميغان خان، التي كانت تنتظر أيضا رحلة في المطار، عن قصتها قائلة: “لقد أخذوا جواز سفري واحتجزوني لمدة 13 ساعة. وإذا عثر عليّ أفراد عائلتي فسيقتلونني، وفي حال عدت إلى المملكة العربية السعودية فإنني سأموت أيضا، أرجوك ساعديني”.
لقد ساعدت ميغان دينا على إجراء مكالمات مع النشطاء ونشر العديد من مقاطع الفيديو اليائسة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ناشدتا السلطات المحلية وعمال المطار طلبا للمساعدة. وفي مقابلة لها مع صحيفة “نيويورك بوست”، قالت خان “لقد حاولنا الاتصال بمحامين والعديد من الأشخاص لتقديم المساعدة، لكنهم لم يأتوا في الوقت المناسب”.
عوضا عن تقديم المساعدة لدينا، اتصلت سلطات المطار بمسؤولي السفارة السعودية الذين أعلموا أسرتها، وبعد عدة ساعات وصل رجلان من عائلة السلوم إلى المطار، تبين أنهما عمّاها. وحيال هذا الشأن، أكدت خان أن “دينا أخبرت عمال المطار أنها كانت في خطر، وكانت تبكي عدة مرات بشكل هستيري قائلة إنها بحاجة إلى المساعدة، لكنهم تجاهلوها”.
وسط النشوة بهروب شابة سعودية وحصولها على حق اللجوء في كندا في وقت سابق من هذا الشهر، ذكّر العديد من الناشطين بمحنة السلوم وآلاف النساء الأخريات اللواتي بقين سجينات نتيجة للقوانين الصارمة في البلاد. ففي المملكة العربية السعودية، لا تزال المرأة بحاجة إلى إذن من أقاربها الذكور للزواج أو السفر أو التقدم بطلب للحصول على جواز سفر أو حتى الخضوع لعلاج طبي. وبموجب القانون السعودي، يشار إلى المواطنين كأبناء وبنات من قبل الحاكم السعودي مما يعني أن الملك له سلطة مطلقة عليهم.
دائما ما يعرّف ولي العهد محمد بن سلمان نفسه بأنه شخص يتبع منهجا تقدميا فيما يتعلق بحقوق المرأة
في وقت سابق من هذا الشهر، حاولت رهف محمد القنون، البالغة من العمر 18 سنة، التي كانت في إجازة عائلية في الكويت، الفرار إلى أستراليا. وقد حجزت رهف رحلة إلى أستراليا مع فترة توقف في بانكوك باستخدام بطاقة ائتمان أحد الأصدقاء. ولكن عندما حاولت السلطات التايلندية منعها من السفر إلى أستراليا، أقفلت على نفسها في أحد الغرف التي يوفرها المطار وبدأت حملة مثيرة لطلب اللجوء على موقع تويتر.
في هذا الصدد، قالت رهف إنها هربت من أسرتها في الخامس من كانون الثاني/ يناير لأنها كانت تخشى من أن تقتلها عائلتها. وأفادت الطالبة الجامعية، التي كانت تدرس سنة أولى رياضيات في مدينة حائل، الواقعة شمال المملكة العربية السعودية، إنها تعرضت للضرب والعنف المعنوي من أفراد عائلتها الذكور، حيث حبسها أحد أشقائها في غرفة لستة أشهر بعد أن قصت شعرها بطريقة لم ترضيه.
في السابع من كانون الثاني/ يناير، وبعد أن علمت أن والدها، وهو أمير سعودي ثري لديه تسعة أطفال آخرين، قد وصل إلى المطار لإعادتها إلى المملكة العربية السعودية، نشرت رهف مرارا تكرار تغريدة على تويتر تقول فيها: “أرغب في التواصل مع الأمم المتحدة”، كما أخبرت مراسل رويترز أن حياتها في خطر.
وفقا لما ذكرته الشرطة، انتقلت الشقيقتان من المملكة العربية السعودية مع عائلاتهما إلى مدينة فيرفاكس بولاية فرجينيا قبل عدة سنوات، لكنهما هربتا إلى ملجأ للنساء في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017 بعد تعرضهما للإساءة في المنزل
عندما كانت محتجزة في غرفتها، كتبت رهف على تويتر أنها ارتدت عن الإسلام قائلة: “سيقتلونني لأنني هربت ولأنني أعلنت إلحادي، فقد أرادوا مني أن أصلي وأرتدي النقاب ولكنني لم أكن أرغب في فعل ذلك”. في نهاية المطاف، أُطلق سراح رهف لتكون تحت رعاية مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ومن ثم سافرت إلى كندا حيث مُنحت حق اللجوء على الفور. ولكن لن تحظى أي امرأة سعودية بنفس النهاية السعيدة التي حظيت بها رهف.
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عُثر على جثتي الشقيقتين السعوديتين تالا فارع (16 سنة) وروتانا فارع (23 سنة) طافيتين فوق نهر هدسون في نيويورك، حيث كانتا مربوطتين إلى بعضهما البعض باستخدام شريط لاصق في منطقة الخصر والكاحلين. ووفقا لما صرح به مكتب الفحص الطبي خلال الأسبوع الماضي، يبدو أن موتهما كان نتيجة الانتحار غرقا. وفي بيان لها، قالت رئيسة الفاحصين الطبيين بربارا سامبسون إن “الأختان قد ربطتا نفسيهما معا قبل أن تقفزا في نهر هدسون”.
الأختان روتانا فارع (على اليسار) وتالا فارع اختارتا الموت غرقا في نهر هدسون عوضا عن إعادتهن إلى بلدهن
وفقا لما ذكرته الشرطة، انتقلت الشقيقتان من المملكة العربية السعودية مع عائلاتهما إلى مدينة فيرفاكس بولاية فرجينيا قبل عدة سنوات، لكنهما هربتا إلى ملجأ للنساء في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017 بعد تعرضهما للإساءة في المنزل. وقد أخبرت الأختان السلطات في الملجأ أنهما تفضلان الموت على أن تعودا إلى المنزل. بعد ذلك سافرتا إلى واشنطن ثم فيلادلفيا قبل وصولهما إلى مدينة نيويورك في غرة أيلول/ سبتمبر. مكثت الفتاتان في أحد الفنادق في مانهاتن إلى أن نفذ رصيد بطاقة ائتمانهما. وفي صباح يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر، أفاد أحد المارة في حديقة ريفرسايد في مانهاتن بأنه شاهد الأختان وهما تدعوان الله، وهو في الواقع، نفس اليوم الذي عُثر فيه على جثتهما.
أدت المعاملة القمعية للنساء في السعودية إلى سلسلة من محاولات الهرب في السنوات الأخيرة
في العادة، لا تستطيع السعوديات الهاربات من المعاملة السيئة الخروج من البلاد، كما يستطيع الرجال السعوديون تنزيل تطبيق أطلقته الحكومة لمراقبة النساء خلال سفرهن. وقد عمدت بعض النساء اللواتي هربن من البلاد إلى تعطيل الإخطارات على التطبيقات التي يملكها أقاربهن الذكور، والتي تسمح لهم بالموافقة أو الرفض على سفر أقربائهم الإناث. وفي الأسبوع الماضي، كتبت امرأة تدعى نجود المنديل على تويتر أنها فرت من منزلها في السعودية بعد أن ضربها والدها وحاول حرقها.
لكن تمكنت السلطات من تعقبها ووضعتها في مأوى خاص بالنساء تديره الوزارة السعودية للعمل والتنمية الاجتماعية. وقد شبّه الناشطون في مجال حقوق الإنسان هذا النوع من الملاجئ بسجون النساء، حيث أفاد أحد الخبراء بأنه لا يسمح للنساء بمغادرة الملجأ إلا في حال وافق أحد الأقارب الذكور على إخراجهن أو قرر الزواج من إحداهن. وقد علق الباحث في منظمة “هيومن رايتس ووتش” بالأردن، آدم غوغل، قائلا أن “المشكلة الحقيقية تكمن في أنه يتعذر عليك المغادرة إلا في حالتين: إما أن تتزوجي أو أن تتصالحي مع عائلتك”.
على الرغم من بعض الإصلاحات التي تخص النساء التي أحدثها ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 33 سنة، حاولت مئات النساء السعوديات الهروب من القمع المسلط عليهن من قبل أقاربهن الذكور. وفي السنة الماضية، رفع المسؤولين السعوديون الحظر الذي يمنع النساء من قيادة السيارة، كما شجعوهن في الآونة الأخيرة على العمل، علاوة على تسهيل إجراءات التحاقهن بالتعليم العالي. ومع ذلك، تلزم الضغوطات الاجتماعية والأسرية المرأة بطاعة أقاربها الذكور وزوجها، إلى جانب القوانين القاسية التي تجبرها على طلب الإذن من ولي أمرها فيما يتعلق بجميع شؤون حياتها.
حسب الناشط آدم غوغل، تعرض عشرة ناشطين للتعذيب والسجن بسبب المطالبة بالمساواة في الحقوق، بالمملكة العربية السعودية، بما في ذلك الحق في قيادة السيارة
في مقابلة له مع الصحيفة، أشار آدم غوغل إلى أنه “على الرغم من استراتيجية المملكة العربية السعودية، طيلة العشر سنوات الأخيرة، التي تهدف إلى تغيير القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، إلا أنه من الصعب على النظام تقبل حقيقة أن النساء قادرات على العيش والسيطرة على حياتهن بمفردهن، دون تدخل من الرجل. ويظهر مفهوم “الوصاية” على المرأة في شكل مزيج من القيود النافذة المفروضة من قبل الحكومة والعائلة على حد السواء”.
حسب الناشط آدم غوغل، تعرض عشرة ناشطين للتعذيب والسجن بسبب المطالبة بالمساواة في الحقوق، بالمملكة العربية السعودية، بما في ذلك الحق في قيادة السيارة. وتظل هذه الاتهامات غامضة حيث تزعم السلطات أنها تشكل تهديدا على أمن البلاد. ويشير تقرير صدر مؤخرا عن منظمة العفو الدولية إلى أن بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة المعتقلات في سجن المباحث العامة، وهو سجن سيئ السمعة بذهبان، لا يزلن عاجزات عن المشي والوقوف بشكل سوي بعد تعرضهن إلى التعذيب عن طريق الصدمات الكهربائية والجلد.
ورد في تقرير صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2018، بعد مرور أسابيع على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، أنه “من بين الحالات التي تم الإبلاغ عنها تعليق إحدى الناشطات إلى السقف. كما تفيد شهادات أخرى بتعرض إحدى النساء المعتقلات للتحرش الجنسي من قبل المحققين الذين كانوا يرتدون أقنعة لإخفاء وجوهم”.
تشمل قائمة المشتبه بهم في اغتيال جمال خاشقجي أعضاء منتمين إلى دائرة المقربين من بن سلمان، على الرغم من محاولات ولي العهد نفي تورطه في هذه القضية. ويؤكد الناشطون في مجال حقوق الإنسان بأنه، إلى حدود هذه اللحظة، لم يتم إطلاق سراح أي من المنادين بحقوق المرأة.
تخلت رهف، التي منحت حق اللجوء إلى كندا، عن اسم عائلتها “القنون” لتصبح رهف محمد
من بين السجينات عزيزة اليوسف وهي أكاديمية في الستينات من عمرها شنت حملات تندد بوصاية الذكور وتطالب بحقها في القيادة. وبسبب تأييدها لحقوق المرأة طيلة سنوات، عانت سمر بدوي البالغة من العمر 37 سنة من الاعتقال، كما يقضى شقيقها الكاتب والناشط رائف بدوي عقوبة بالسجن لمدة عشرة أعوام، وقد تعرض للجلد علنا بسبب تدويناته الناقدة للحكومة السعودية.
منذ وصولها إلى مدينة تورنتو بكندا في 12 كانون الثاني/ يناير، حيث استقبلتها وزيرة الشؤون الخارجية الكندية في المطار، تستمتع الشابة السعودية رهف القنون بحريتها الجديدة. لقد تخلت رهف، التي منحت حق اللجوء إلى كندا، عن اسم عائلتها “القنون” لتصبح رهف محمد. وقد نشرت الشابة السعودية صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تستمتع بشرب النبيذ الأحمر وتناول اللحم المقدد وتدخين سجائر ملفوفة في بلد أصبح فيه الحشيش قانونيا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبرت رهف المراسلين أنها تعرضت إلى اعتداء جسدي من طرف والدها وشقيقها.
رهف محمد لحظة وصولها إلى مطار تورونتو بيرسون الدولي
قبل أسبوعين، أدلت رهف بتصريح خلال مؤتمر صحفي أفادت فيه بأن: “لم أكن أعامل باحترام من قبل عائلتي، ولم يسمحوا لي بأن أكون أنا ومن أريد أن أكون. في المملكة العربية السعودية، هذا هو حال جميع النساء… لا يمكن أن يتمتعن باستقلاليتهن، وهن يحتجن إلى موافقة أولياء أمورهن من الذكور بشأن كل شيء”. وأضافت رهف: “أتمنى أن تساهم قصتي في تغيير القوانين، لاسيما أنها عُرضت على العالم”. ربما تشهد حقوق المرأة التغييرات التي أشارت إليها رهف محمد، لكنه من المؤكد أن الأوان قد فات بالنسبة للشابة السعودية الهاربة دينا علي السلوم.
وفقا لشاهد عيان تحدث إلى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قالت دينا علي السلوم إنها أصيبت بكدمات على مستوى ذراعيها نتيجة التعرض للضرب إثر لقاء مطول جمعها بأقاربها الذكور في إحدى فنادق مطار مدينة مانيلا. وأفاد شهود آخرون بأنهم سمعوا صراخ علي السلوم وهي تستجدي المساعدة، قبل أن تخرج من الغرفة على كرسي متحرك رفقة عمال المطار وثلاثة رجال آخرين. وأضاف شهود عيان أنهم رأوا علي السلوم وكان فمها مغلقا بواسطة شريط لاصق وكانت مقيدة الذراعين والساقين.
نُقلت دينا علي السلوم على متن الخطوط الجوية السعودية في وقت مبكر من مساء يوم 11 نيسان/ أبريل الماضي، حيث وصلت إلى الرياض في منتصف الليل بتوقيت السعودية. وكان مجموعة من الناشطين في مجال حقوق الإنسان في الانتظار خارج قاعة الوصول بمطار الملك خالد الدولي، لكن لم يتسنى لهم رؤيتها، إذ يقول آدم غوغل في هذا الشأن “سمعنا أنها وُضعت في مأوى للنساء”.
إلى يومنا هذا، لا تزال ميغان خان تشعر بالقلق بشأن الشابة اليائسة التي التقت بها في قاعة نقل الأمتعة بمطار مانيلا، وقد صرحت قائلة “أخبرتني أنها نزعت البرقع الذي كانت ترتديه وأرادت حرقه. وقد غسلت الجزء الذي كان يغطي وجهها والذي اتسخ بسبب بكاءها الشديد، قبل أن تسلمه لي. وأنا لازلت أحتفظ به”.
المصدر: نيويورك بوست