ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد الجزائر، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف المغرب، وذلك يوم الجمعة، ليتجه من هناك نحو تونس. وتتبنى كل من تونس والمغرب موقف “حليف رئيسي للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي”، كما يعتمدان بشكل كبير على المساعدات المالية التي تقدمها لهما كل من واشنطن وبروكسل. لكن، هل هناك ما يربط الرباط وتونس بروسيا؟
يوم الجمعة، التقى لافروف في العاصمة المغربية الرباط بالمؤرخ الرئيسي للمملكة والمسؤول عن الضريح الملكي، عبد الحق المريني. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسس المغرب الحديث دُفن في ضريح رخامي أبيض اللون، مع أبنائه الحسن الثاني والأمير عبد الله. بادر لافروف بوضع أكاليل الزهور على القبور الملكية، علما وأنه عند زيارة الضريح الملكي، توجب على الوفد الروسي خلع أحذيتهم، كما هو الحال عند دخول المسجد. كما كتب الوزير الروسي في كتاب الضيوف الكرام للضريح: “تظل ذكرى هؤلاء الملوك الراقدين هنا، الذين قادوا بلادهم نحو الاستقلال والازدهار وساهموا في تطوير العلاقات الودية الروسية المغربية، حية”. وبعد بضع ساعات، استقبل الملك الحالي محمد السادس، سيرغي لافروف في قصره.
يُعتقد أن الاجتماع مع الملك المغربي كان من شأنه تحديد اتجاه المفاوضات مع الوفد الروسي. ومباشرة بعد اللقاء مع العاهل، عقد لافروف محادثات مع نظيره المغربي ناصر بوريطة. لكن، لم يلتق لافروف مع رئيس الوزراء المغربي، سعد الدين عثماني، نظرا لأنه يكرس يوم الجمعة للصلاة، فيما تبدو مسألة تطوير العلاقات ثانوية بالنسبة له. منذ فترة، وافق الملك المغربي على سياسة التقارب الاستراتيجي مع روسيا، حيث زار موسكو مرتين سنة 2002، كما تم التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين سنة 2016. وفي سنة 2017، وقعت 11 اتفاقية هامة في جميع المجالات على غرار الزراعة، الطاقة، الثقافة، التعليم وغيرها بين البلدين. وحسب ما أكده لافروف يوم الجمعة، فإن كلا من روسيا والمغرب يريدان تجسيد الاتفاقيات الموقعة بينهم على أرض الواقع.
أفادت المستشرقة الروسية إيرينا موخوفا، أن “الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين والمانحين لتونس والمغرب يعتبرون بالأساس دول الاتحاد الأوروبي، لذلك، من الطبيعي أن تركز سياستهم الخارجية على أوروبا”
على العموم، يثق كلا الطرفين في أن هناك آفاقا لعلاقتهما، إلا أن الوضع معقد بعض الشيء، نظرا لخضوع السوق المغربي لسيطرة شديدة من قبل الفرنسيين. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المغرب مثل تونس، التي توجه لها لافروف عقب زيارته إلى الرباط، من “الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، خارج حلف شمال الأطلسي”.
في هذا الصدد، أفادت المستشرقة الروسية إيرينا موخوفا، أن “الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين والمانحين لتونس والمغرب يعتبرون بالأساس دول الاتحاد الأوروبي، لذلك، من الطبيعي أن تركز سياستهم الخارجية على أوروبا”. وأضافت المستشرقة الروسية أن “العلاقات التي تجمع هذه الدول مع الولايات المتحدة تعتبر بمثابة أداة تأثير على الشركاء الأوروبيين. وفي ظل الظروف السياسية الحالية، تتمتع روسيا بآفاق كبيرة لتوسيع نفوذ سياستها الخارجية في تونس والمغرب”.
وفقا للخبيرة الروسية، تجسد روسيا بالنسبة للعديد من الدول في المنطقة الاستقرار، كما تعتبر من الدول التي تحارب النفاق الغربي والتي تفي بوعودها فيما يتعلق بحماية حلفائها، على عكس أوروبا المتعثرة بسبب مشاكلها، التي غالبا ما تغض الطرف على بعض مهامها المستعجلة. من جانب آخر، لا تولي الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب أي اهتمام بالازدهار الاقتصادي في شمال أفريقيا، خلافا لتركيزها على مسألة الحفاظ على وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط والتعاون لمكافحة الإرهاب.
علاوة على ذلك، أحالت إيرينا موخوفا إلى أن البلدان المغاربية، لاسيما الجزائر، وتونس والمغرب، تعاني من تجاهل الولايات المتحدة لها. ومن المثير للاهتمام أنه لا يوجد سفير أمريكي في المغرب حتى الآن، خاصة وأن العلاقات الأمريكية المغربية شهدت تدهورا، إبان تولي دونالد ترامب الحكم، على خلفية دعم المغاربة لهيلاري كلينتون في انتخابات 2016.
بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والمغرب سنة 2017، 1.4 مليار دولار، في حين وصل إلى 511 مليون دولار مع تونس
في مؤتمر صحفي يوم الجمعة، أوضح سيرغي لافروف ونظيره المغربي ناصر بوريطة، أن مصالح السياسة الخارجية المغربية والروسية تتماهى مع الوضع في ليبيا، وكذلك مع الحرب ضد الإرهاب، نظرا لأن تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة ينشطان في منطقة شمال أفريقيا. ومع هزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، بدأ الأجانب الذين قاتلوا في صفوف هذا التنظيم بالعودة إلى ديارهم. وتعتبر هذه المسألة مشكلة رئيسية بالنسبة لتونس بشكل خاص، نظرا لأن مواطنيها يحتلون المرتبة الأولى بين الأجانب المنضمين لتنظيم الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، تطرق الطرفان إلى مواضيع إقليمية أخرى على غرار الصراع على الصحراء الغربية وقضية فلسطين والوضع في سوريا. وقد دافعت تونس على عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. وفي هذا الصدد، أكد لافروف يوم الجمعة الماضي وهو في المغرب، على أن “روسيا مهتمة باستعادة سوريا لعلاقاتها مع هذه الرابطة الإقليمية”. ومن المواضيع الأخرى الواعدة للتقارب المشترك تبرز أفريقيا، حيث صرح ناصر بوريطة، في هذا الصدد خلال المؤتمر الصحفي، قائلا: “نريد أن يصبح المغرب منصة للوصول إلى أفريقيا”. من جانبها، تخطط موسكو هذه السنة لعقد قمة روسية أفريقية، وبالتأكيد تحتاج لدعم بلدان المغرب الكبير في هذا الشأن. وحسب لافروف، من المقرر أن تعقد هذه القمة في الخريف المقبل.
على الصعيد الاقتصادي، يعد الوضع مربكا إلى حد ما، إلا أن ذلك لا يعني غياب أي علاقات اقتصادية بين روسيا والمغرب، حيث أن العديد من الروس، خاصة أولئك الذين ولدوا في الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، مولعون بالبرتقال واليوسفي المغربي. لكن، لا تقتصر إمكانيات التصدير لدى المملكة على الحمضيات، حيث تصدر أيضا الفراولة والطماطم والكرز، بالإضافة إلى السردين والماكريل. كما يمكن للسفن الروسية الاصطياد في المياه المغربية، وفقا للاتفاقيات تسمح لروسيا باصطياد ما بين 120 و140 طن من الأسماك سنويا.
بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والمغرب سنة 2017، 1.4 مليار دولار، في حين وصل إلى 511 مليون دولار مع تونس. ووفقا لتقارير الرؤية المشتركة بين روسيا وأفريقيا لسنة 2030، يحتل المغرب المركز الثالثة في أفريقيا بعد الجزائر ومصر فيما يتعلق بنسبة الصادرات إلى روسيا في الفترة الممتدة بين سنة 2010 وسنة 2017، بمعدل نمو قدره 337 مليون دولار. في المقابل، تراجعت نسبة الصادرات التونسية إلى روسيا.
تأمل موسكو أن تتمكن تونس من الحفاظ على التوازنات السياسية في صلبها، الأمر الذي شدد عليه سيرغي لافروف خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد
في الحقيقة، توجد عدة أسباب موضوعية تجعل من الاقتصاد التونسي هشا، لعل أهمها أن تونس تعد مهد “الربيع العربي”، الأمر الذي جعلها تتكبد العديد من المخلفات السلبية. وفي كل الحالات، تعتبر التجربة التونسية الأكثر نجاحا بالمقارنة مع بقية التجارب العربية، فلم تتحول الثورة إلى حرب أهلية أو عدوان خارجي، لكن لا يزال التوازن السياسي هشا للغاية. ففي تونس، فقدت جميع القوى السياسية مصداقيتها، مما يعني أن البلاد في حاجة لإصلاحات عميقة. وبحسب الخبير في الاقتصاد المحلي ومدير مركز الدراسات العربية الإسلامية ومعهد الدراسات الشرقية فاسيلي كوزنيتسوف، تعد تونس في حاجة ماسة لعشر سنوات على الأقل حتى تخرج من هذه الأزمة الشاملة.
يتمثل محور الاهتمام الرئيسي في تونس في الفترة الحالية في الاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية المُقررة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، حتى لا يتم زعزعة الاستقرار من جديد. ومن جهتها، تأمل موسكو أن تتمكن تونس من الحفاظ على التوازنات السياسية في صلبها، الأمر الذي شدد عليه سيرغي لافروف خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، الذي عمل في وقت سابق سفيرا لتونس في روسيا.
المصدر: كوميرسانت