تعد حرفة صناعة الخيام “الخيامية” من الحرف المصرية القديمة التي يقال إنها ظهرت في العصر الفاطمي، بينما يقول البعض إنها تعود للعصر الفرعوني، وقد قدم الحرفيون القدامى خيام السفر المهيبة للإمبراطورية العثمانية، واليوم ينتجون العديد من المنسوجات المزخرفة الفريدة.
يجمع هذا الفن بين الدقة والمهارة والنظرة الفنية، حيث يستخدم الحرفيون إبرة وقمعًا معدنيًا وزوجًا من المقصات لحياكة وتطريز الأقمشة والمفروشات، ومن أشهر الألوان التي تميز تلك المنسوجات الأحمر والأبيض والأزرق، وتستخدم هذه الخيام اليوم كستار خلفي في الأفراح والجنائز والاحتفالات الدينية في شهر رمضان أو المولد النبوي.
ينظر محسن الخيامي بمزيد من الأسى لحرفته وهي صناعة الخيام المعروفة باسم “الخيامية” التي كانت مربحة وتضاءلت فجأة وانصرف عنها زملاؤه الحرفيون بحثًا عن وظيفة ذات راتب أفضل.
تبدأ الأسعار من 50 جنيهًا وتصل إلى عدة آلاف جنيه
كان محسن – 68 عامًا وأحد أشهر العاملين في تلك الحرفة المصرية القديمة – يطرز ويحيك ويزين ما يمكن استخدامه اليوم كلوحات معلقة على الحائط أو لحاف سرير لأكثر من نصف قرن، حتى إن زبائنه قاموا بتسميته نسبة إلى الفن الذي ينفذه، يقول الخيامي لوكالة فرانس برس: “تعلمت هذه الحرفة عندما كان عمري 8 سنوات، وقد استغرق الأمر سنوات حتى احترف المهنة وأستطيع إنهاء قطعة كاملة بمفردي”.
في الماضي كانت هذه الحرفة تستخدم لصنع الخيام والمفروشات الكبيرة، لكنها تطورت مع تغير الطلب عليها، ففي هذه الأيام أصبحت كلمة “خيامية” تشير إلى صنع وحدات مزخرفة وتكون من القطن غالبًا ويشمل ذلك أكياس الوسائد مثلاً.
يقع متجر الخيامي بين 12 متجرًا آخر في شارع الخيامية أمام باب زويلة أحد أبواب القاهرة القديمة الذي يعود إلى القرن الـ11، كان هذا الشارع قد جذب السياح لسنوات عديدة وكانت متاجر الحرفيين من أكثر ما جذب السياح الأجانب حتى قيام الثورة عام 2011، فأدت الفوضى والاضطرابات إلى انصراف السياح وتراجع الحرفة بشكل كبير.
الشباب ليس لديهم الصبر الكافي لتعلم حرفة جديدة تحتاج وقتًا طويلاً لإتقانها
لكن الخيامي ما زال يفخر بعرض مصنوعاته التي تشمل معلقات الحائط والمفروشات المزخرفة بالنقوش الفرعونية المنسوخة من المقابر القديمة وتصميمات الأرابيسك والأمثال العربية والنصوص القرآنية المكتوبة بالخط الكوفي.
وعلى معلقات أخرى رسم الخيامي الشخصية الهزلية في القصص العربية القديمة جحا الذي يظهر دائمًا مع حماره المخلص، وتنطوي قصصه دائمًا على دروس قيمة، وتعود تلك الحرفة القديمة إلى عصر السفر في القوافل حيث كانوا يضعون الخيام الكبيرة على ظهور الجمال لتقيهم من حرارة الشمس الحارقة في الصحراء.
لكن نقص الطلب أدى إلى إثارة مخاوف الفنانين في تلك الحرفة من أن تموت حرفتهم خاصة بين الأجيال الشابة التي أثبتت عدم رغبتها في تعلم تلك المهنة وتفضليهم للعمل في مهنة ذات دخل ثابت.
يقول الخيامي إنه من الصعب معرفة الرقم الحقيقي للحرفيين العاملين في المهنة لأن العديد منهم يعملون في منازلهم أو في متاجر أخرى خارج المنطقة، لكن عدد العاملين في هذا الشارع انخفض بشكل كبير من نحو 60 حرفيًا في الثمانينيات إلى 20 حرفيًا الآن.
تنتشر في هذه الأيام صناعة الخيامية باستخدام الأقمشة القطنية
يقول عبد الله فتحي – 31 عامًا – أحد صانعي الخيامية الذي تعلم الحرفة في عمر الـ15: “إذا استمر العمال في الرحيل واحدًا تلو الآخر فسوف تنقرض المهنة قريبًا، وكان لممدوح الشربيني المدير التنفيذي لغرفة صناعة الحرف اليدوية نفس الرأي أيضًا، ويضيف الخيامي: “لقد ازداد عدد الحرفيين الذين يتركون المهنة منذ 2011، فالشباب ليس لديهم الصبر الكافي لتعلم حرفة جديدة تحتاج وقتًا طويلاً لإتقانها”.
يرى عبد الله فتحي أن الشباب لا يستطيعون التعامل مع صعود وهبوط السوق، لذا فإنهم يغادرون للبدء في عمل آخر أو البحث عن وظيفة أخرى، لكن فتحي رفض التخلي عن حرفته، وفي متجره اعتاد عبد الله أن يجلس متربعًا على وسادة ويمسك في يده قطعة النسيج، قد يستغرق الأمر يومًا كاملًأ لينهي زخرفة قطعة صغيرة واحدة، أما القطع الكبيرة التي تمتد لعدة أمتار فتستغرق شهرًا أو أكثر حسب تعقيد التصميم.
تبدأ الأسعار غالبًا للقطعة الصغيرة بـ50 جنيهًا مصريًا وتصل لعدة آلاف في القطع الكبيرة، ورغم أن العديد من الحرفيين سعوا إلى ترويج منتجاتهم محليًا فإنهم ما زالوا يتذكرون الأيام التي كانت تعج متاجرهم بالسياح.
يقول محمود فتوح – 48 عامًا -: “كان السياح يشكلون نحو 98% من زبائننا لأنهم عادة يقدرون المجهود الذي نبذله في تلك القطع اليدوية بعكس المصريين”، يقع متجر فتوح في شارع الخيامية وكان ملكًا لعائلته منذ التسعينيات.
وصل عدد السياح عام 2018 إلى 8.3 مليون سائح وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
ومع عودة السياح قليلًا في أواخر 2017 عاد الأمل مرة أخرى للحرفيين، يقول الخيامي: “لقد بدأ السياح في العودة مرة أخرى لكن عددهم ليس كما كان سابقًا، ومع ذلك ما زال هناك بعض الأمل، وكلما استقر وضع البلاد استمرت عودة السياح أكثر من ذي قبل”.
لم يعلن المسؤولون بعد عن أرقام السياحة عام 2018، لكن في الشهر الماضي قال حسام الشاعر رئيس غرفة شركات ووكالات السفر المصرية إن عدد السياح ازداد بنسبة 40% في عام 2018 مقارنة بعام 2017، حيث وصل عدد السياح إلى 8.3 مليون سائح وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لكن هذا الرقم تم إعلانه قبل حادثة تفجير حافلة سياح في شهر ديسمبر الماضي التي أسفرت عن مقتل 3 سياح من فيتنام قرب منطقة الأهرامات في الجيزة، ويقول الشاعر إنهم يستهدفون زيادة العدد بنسبة 30 إلى 40%.
بالنسبة للقليل من السياح الذي يزورون شارع الخيامية فما زال هذا الفن يجذبهم، يقول ديفيد بولينز – سائح أمريكي – الذي زار الشارع في ديسمبر الماضي: “إنه من أكثر الأشياء الشيقة والجذابة خاصة تلك المعلقات، إنها جميلة للغاية”.