الشاهد يستنسخ تجربة السبسي.. ماذا عن النتائج؟

أعلن العشرات من نواب البرلمان التونسي والوزراء، أمس الأحد، تشكيل حزب جديد يحمل اسم “تحيا تونس” من المتوقع أن يتزعمه رئيس الوزراء الحاليّ يوسف الشاهد، في حادثة هي الأولى في البلاد، فلم يسبق لرئيس حكومة تونسي أن أسس حزبًا وهو بمنصبه، ما اعتبره البعض استغلالاً لمؤسسات الدولة للصالح الشخصي.
حزب جاء من رحم نداء تونس، فأغلب المنتمين إليه منشقين عن الحركة التي أسسها الرئيس الحاليّ للبلاد الباجي قائد السبسي، صيف 2012، لينضاف بذلك إلى قائمة الأحزاب التي ولدت من رحم هذه الحركة التي تصدرت المشهد السياسي في البلاد لفترة وجيزة ثم دبت فيها الخلافات فانقسمت واضمحلت.
الصراع على البورقيبية
تأسيس هذا الحزب، الغرض منه، وفق العديد من المتابعين للشأن السياسي في تونس، أخذ المشعل عن نداء تونس، خاصة أنه يأتي في أعقاب أشهر من الخلافات المحتدمة بين قيادات النداء الذي يقوده نجل الرئيس الباجي قائد السبسي.
ويقدم الحزب الجديد نفسه كحركة وسطية امتدادًا للدولة الوطنية التي أسسها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة إبان فترة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1956، وكانت الكتلة البرلمانية قد بدأت قبل أشهر في تنظيم اجتماعات في عدة محافظات مع تنسيقيات جهوية، تمهيدًا لتنظيم المؤتمر التأسيسي للحزب الجديد الذي سينظم بعد شهرين.
وأغلب النواب والسياسيين المكونين للحزب هم مستقيلون من حزب حركة نداء تونس الذي فاز بانتخابات 2014 وشهد لاحقًا أزمات وانشقاقات داخلية شملت رئيس الحكومة نفسه الذي جمد نداء تونس عضويته، بالإضافة إلى نواب آخرين مستقلين وشخصيات وطنية.
يمثل هذا الأمر ضربة موجعة لحركة نداء تونس الغارقة في الصراعات والانقسامات، فحزب يوسف الشاهد الجديد سينازعها ناخبيها وأنصارها
خلال الاجتماع الذي أعلن فيه تأسيس الحزب، قال مصطفى بن أحمد، رئيس كتلة الائتلاف الوطني (ثاني أكبر كتلة برلمانية بـ44 نائبًا من أصل 217): “اتفقنا أن يتم تكليف سليم العزابي (مدير الديوان الرئاسي السابق) بتسيير الأمور القانونية والسياسية للحزب حتى تتم الانتخابات القاعدية”.
وأضاف: “تم تبني هذا المشروع من طرف طيف واسع من النخب على أساس المشروع العصري الحداثي، ويجمع القوى الوسطية الحداثية، ويسهر للحفاظ على مكتسبات الدولة العصرية الوفية للحركة الوطنية”.
وتبين من هنا، أننا سنشهد في الفترة القادمة عنصرًا جديدًا سيدخل الصراع على “جبة البورقيبية”، فمعظم الأحزاب التي تدعي الانتماء إلى ما يوصف بالعائلة الديمقراطية في تونس، تقول إن فكرها يُستمد من الفكر البورقيبي الذي حرر البلاد وفق توصيفهم.
المنافسة على الحكم
هذا الحزب من المنتظر أن يخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، رغم عدم إعلانه ذلك بصفة رسمية، ويسعى القائمون على هذا الحزب إلى تعبيد الطريق أمامهم للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان وضمان فوز يوسف الشاهد بمنصب رئيس البلاد.
ويمثل هذا الأمر ضربة موجعة لحركة نداء تونس الغارقة في الصراعات والانقسامات، فحزب يوسف الشاهد الجديد سينازعها ناخبيها وأنصارها، ذلك أنه يدعي تمثيله لما يوصف بالعائلة الديمقراطية في البلاد، ووقوفه في وجه سياسات التوريث التي اعتمدها الباجي قائد السبسي وابنه حافظ.
ومن المنتظر أن تشهد تونس، في الشهر الأخير لهذه السنة انتخابات رئاسية مصيرية، انتخابات كلما اقترب موعدها ارتفع منسوب الأزمة السياسية في البلاد أكثر، فكل طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
إلى الآن، لم يتبين هل يترشح الرئيس الحاليّ الباجي قائد السبسي لمنصب الرئاسة مرة أخرى أم لا، ويحق له دستوريًا الترشح لولاية ثانية، ومن الأسماء المتوقع ترشحها لهذا المنصب رغم عدم إعلانها ذلك صراحة إلى الآن، رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد.
وأشار استطلاع رأي أجرته مؤسسة “سيغما كونساي”، ويشمل الفترة من 29 من نوفمبر/تشرين الثاني إلى 6 من ديسمبر/كانون الأول 2018، بالتعاون مع صحيفة “المغرب”، إلى تصدر يوسف الشاهد، نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة بـ17.9%.
مشهد متكرر لتجارب هشة
ولادة حزب “تحيا تونس”، الذي اُختير له اسم هو شعار حملة الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، تقول الصحفية التونسية شذى الحاج مبارك: “لم يكن حدثًا استثنائيًا فالمشهد بات متكررًا بعد تصدع حزب نداء تونس”.
وتضيف شذى في تصريح لنون بوست “ذات القواعد التي اتجهت بحثًا عن ملاذ في حزب مشروع تونس مع محسن مرزوق هي ذاتها اليوم تبحث عن سقف يضمها مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحاليّ الذي يبدو أن طموحه السياسي في الأيام القادمة قد يدفعه للترشح للانتخابات الرئاسية”.
وتؤكد الصحفية التونسية أن المتأمل لجلسة أمس في مدينة المنستير يلاحظ أن الصفوف الأولى لهذا الحزب الناشئ هي ذاتها الصفوف الأولى لحزب نداء تونس مع بعض الوجوه من آفاق تونس التي اختارت الانسلاخ من حزبها بحثًا عن تجربة سياسية جديدة.
يتهم العديد من التونسيين، رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزراء حكومته بالاعتماد على الدولة لتأسيس الحزب
يعتمد هذا الحزب الناشئ، وفق الحاج مبارك على “ذات القواعد المرجعية الأيديولوجية فهو يندفع كسابقه من الأحزاب التي خرجت من جلباب النداء في إطار استثمار صورة البورقيبية، لكنه جنح بعيدًا عن شخص الباجي قائد السبسي الذي لم ينجح في رأب الصدع الذي حطم حركة نداء تونس”.
وتتابع “ولادة هذا الحزب من رحم النداء تعبر عن تواصل نزيف الصراعات الحزبية التي تعصف بالأحزاب وهو دليل على غياب الانتظام الحزبي الذي يبني أحزابًا قوية على المدى الطويل، هذه التجارب الحزبية هي تجارب هشة وليدة المحطات الانتخابية وحزب جديد سينضاف إلى رصيد أكثر من 200 حزب سياسي في تونس”.
مصيره لن يختلف عن مصير النداء
الظروف التي انبثق عنها الحزب الجديد ليوسف الشاهد وجماعته، والسرعة التي تشكل بها، يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية هاني مبارك، إنها “مؤشرات لا تدعو للاطمئنان، إذ قد تعتبر الدوافع الحاليّة هي نفسها التي تأسس من أجلها نداء تونس وكذلك الأهداف والطموحات، وفي هذه الحالة فإن مصيره لن يختلف عن مصير النداء إن لم يكن أكثر سوءًا”.
ويقول هاني مبارك في تصريح لنون بوست: “صحيح أن الحزب خرج من أحضان النداء، لكن النداء كما نعرف هو الآخر كان تجمعًا لأشخاص يسعون إلى محاصرة حركة النهضة بالأساس دون برنامج واضح لهم، أي أن النداء ليس حزبًا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، لذلك أن يتشكل الحزب الجديد من أحشاء نداء تونس ليس بالضرورة أن يكون نسخة منه فهناك احتمال لذلك كما أن هناك احتمال أن يكون أسوأ منه”.
انتكاسة للديمقراطية التونسية؟
يتهم العديد من التونسيين، رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزراء حكومته بالاعتماد على الدولة لتأسيس الحزب، في هذا الشأن يقول هاني مبارك: “إن صح أن الحزب الجديد يخلط بين مؤسساته ومؤسسات الدولة أو أن قيادته السياسية تستغل نفوذها لاستخدام أجهزة الدولة فلا شك أن ذلك يشكل بداية انتكاسة لمواصلة إنتاج الديمقراطية، ثم إن الخطر الأكبر سيلحق بالحزب مستقبلاً ولنا بتجربة ما قبل الثورة مثال واضح بهذا الشأن”.
يتهم التونسيون الشاهد باستعمال أجهزة الدولة لخدمة مشروعه السياسي
أضاف مبارك في حديثه لنون بوست “الحقيقة أن من أهم ركائز الدولة التي تسعى لإعلاء دور القانون والمؤسسات وتطوير الديمقراطية فيها، أن تكون السلطة فيها معنية وبدرجة كبيرة بالمحافظة على استقلالية مؤسساتها واستمرارية عملها وفقًا لقواعد القانون والدستور، والمعروف أن أي اعتداء على مبدأي الاستقلالية والاستمرارية في المؤسسات يعني اعتداءً على الدولة نفسها وتعطيلاً لتناسق أدائها”.
وتابع “لا يمكن لأي جهة أن تدعي حرصها على الديمقراطية وتقوم في نفس الوقت بتعطيل القانون عبر الاعتداء على أداء مؤسسات الدولة التي تعمل آليًا وفقًا لروح القوانين، وبالتالي فإن الاعتداء على القانون، خاصة الجهات التنفيذية في الدولة هو اعتداء صارخ على واحد من أهم مبادئ البناء الديمقراطي في البلاد”.
حزب الحكومة
من جهتها، تؤكد الإعلامية التونسية شذى الحاج مبارك، وجود تضارب مصالح في تأسيس حزب “تحيا تونس”، الأمر الذي جعل طيفًا واسعًا يُقر بأن هذا الحزب هو “حزب الحكومة”، وفق شذى، وتقول الحاج مبارك في هذا الشأن: “يوسف الشاهد استمد قوته من منصبه الحكومي لتأسيس كتلة الائتلاف الوطني بالبرلمان وهي كتلة داعمة لشخصه وحكومته وهذه الكتلة نجد نوابها أعضاء مؤسسين اليوم في حزبه الجديد، بالإضافة إلى وزراء سابقين على غرار أنيس غديرة ومهدي بن غربية ورياض المؤخر ومكلفين بمهام في القصبة على غرار الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني الذين كانوا حاضرين جميعًا في اجتماع المنستير الذي انعقد يوم أمس”.
ميلاد حزب جديد، يترأسه رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، من شأنه أن يعيد رسم الخريطة السياسية في تونس حاليّا
وتتابع “للأسف الدستور التونسي منع في فصله الـ76 رئيس الجمهورية صاحب السلطة الشكلية من الجمع بين سلطته الرئاسية وأي مسؤولية حزبية، بينما لم يمنع ذلك عن صاحب السلطة الفعلية أي رئيس الحكومة الذي يعطيه قانون الأحزاب صلاحية مراقبة التزامها بالقانون”.
وختمت شذى حديثها لنون، بالقول: “هذا الحزب الجديد هو محاولة لإنتاج نداء تونس بنسخة جديدة، لكن كيف سيضمن الشاهد بعد إنشاء حزبه الجديد، وقوفه على ذات المسافة مع الأحزاب كافة وهو رئيس حكومة مكلف بالسهر على إنفاذ القانون فيما يتعلق بالأحزاب السياسية”.
مناورة اتصالية
اختيار اسم “تحيا تونس” للحزب الجديد، اعتبره الخبير في الاتصال في الإعلام والاتصال والعلاقات الدولية، رضا الكزدغلي “مناورة اتصالية ربما تخفي وراءها دهاءً وخبثًا سياسويًا تجاه خصم خصوصي لها وليست بالضرورة واعدة بالجديد للرأي العام السياسي والانتخابي عمومًا”.
وقال الكزدغلي في هذا الشأن لنون بوست: “الخطأ الاتصالي الكبير في حادثة تكوين حزب رئيس الحكومة تحيا تونس برجالات ونساء الحكومة وبأدوات الحكومة وبمحفزاتها المادية والمعنوية هو تعمد المؤسسين اللعب على اللبس في المسمى الرسمي للحزب من خلال استعمال كلمة تحيا تونس وكأنها تصنيف في الانتماء للوطن بين من يكون مع الحزب فهو ممن يدعو لتونس بالحياة ومن لا ينتمي فهو لا يدعو لها في تضمين خفي لمعاني الخيانة والولاء والاصطفاف”.
وأضاف المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي “هذا اللعب باللبس الاتصالي يكون ربما مشروعًا تسويقيًا عندما يكون مرتبطًا برؤية إستراتيجية الهدف منها تنزيل منتج جديد لخطف الأنظار عن منتج سابق له يتمتع بسمعة عالية، لكن في الحالة التي أمامنا فإن المنافسة تبدو بين منتج ندائي نزل للسوق السياسية عام 2014 وتضررت سمعته ضررًا كبيرًا ومنتج جديد ينزل لنفس السوق بعد 5 سنوات من رحم نفس المنتج القديم”.
اعتمد السبسي في حملته الانتخابية الرئاسية على شعار “فبحيث تحيا تونس”
وتابع الكزدغلي “لم تبرز بعد مواصفات واعدة للمنتج الجديد كي يتجرأ على منافسة المنتج القديم، كما أن المنتج القديم في حد ذاته ليس قوي السمعة ولا مؤثرًا، ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية لهذا اللبس الاتصالي، تكون عكس المرغوب فيه من أصحابه”.
وختم الخبير التونسي في مجال الاتصال تصريحه لنون بقوله: “هذه المناورة بهذا المنحى نتوقع أنها ستثير مرة أخرى شفقة وقرف الرأي العام للمستوى الذي وصلت إليه لعبة كسر العظام بين القصبة وقرطاج في نطاق إرهاصات اللخبطة الندائية من جهة وستثير أيضًا حساسية واستعداء جميع الفرقاء السياسيين والوطنيين عمومًا بسبب توظيف يبدو في مقاربته انتهازيًا في استعمال رمزية لفظية ومشاعرية في علاقة الفرد مع الوطن لفائدة فئة حزبية لا تزال محدودة العدد والتأثير وتريد أن تستقوى بالدولة لتحقيق مآربها”.
ميلاد حزب جديد يترأسه رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، من شأنه أن يعيد رسم الخريطة السياسية في تونس حاليًّا، خاصة في ظل تواصل الخلافات داخل حركة نداء تونس، لكن كيف سيكون المشهد السياسي في البلاد بعد خريف 2019؟