لعقودٍ طويلة، احتكر الرجال ميادين التصوير الفوتوغرافي بمختلف أنواعه، ولكن مع بداية القرن العشرين بدأت النساء تدخل إلى هذا المجال وتتطلع إليه كأداة لتوثيق حكايتهن وتجاربه حياتهن من منظور نسائي خالص. ومع ظهور التكنولوجيا الرقمية في القرن الحادي والعشرين، تعمقت علاقة النساء بهذه الأداة وقدن الطريق إلى اتجاهات جديدة في سرد القصص بشكل حر ومؤثر. فبعد سنوات من التمثيل الصامت أمام الكاميرا، أصبحت المرأة العنصر المتحكم بالقصة والزاوية والصورة، إذ استخدمت مناهج وأساليب مختلفة في أعمالها.
وعلى الرغم من أن النساء لم يمثلن سوى 15% من المشاركات في جوائز World Press Photo، والأغلبية الساحقة من الصور تحمل أسماء رجال، إلا أن عدد لا بأس به من النساء اعتمدن على الكاميرا في التعبير عن ذواتهن والصعوبات التي يواجهونها يوميًا بسبب نوعهن الاجتماعي، كما قررن أن ينتقدن المفاهيم الاجتماعية ويعدن صناعتها بشكل أقرب لواقعهن وحقيقة عالمهن كنوع من تحدي واستفزاز الصورة النمطية التي لقنها المجتمع للمرأة، ولذلك نستعرض في هذا التقرير عدد من الفوتوغرافيات العربيات اللاتي استطعن أن يسلطن الضوء على بعض القضايا التي تخص المرأة العربية بالتحديد، مثل:
المصرية هبة خليفة.. ماذا يعني أن تكون امرأة في مجتمع محافظ؟
خرج مشروع المصورة المصرية خليفة “صُنِع في البيت” إلى النور بعد عامين من التحضير والحوارات والجلسات المنزلية التي شاركت بها مجموعة من الفتيات والنساء اللاتي كشفن عما يدور في أفكارهن من مخاوف وقيود تمنعهن من التصرف على طبيعتهن وبالطريقة التي تناسبهن، إذ تقول خليفة أن الخوف هو كان الدافع خلف هذا المشروع، وتقصد بذلك الخوف من الفشل في الحياة والخوف من تطورات جسدها الجنسية والقيود التي تم حصره بداخلها بين طريقة اللبس والجلوس وغيرها.
تخرجت خليفة من كلية الفنون في القاهرة لعام 2000، واتخذت منزلها ورشة لأعمالها الفنية وعملت كمصورة صحفية لمدة 8 سنوات في صحيفة “شروق” المصرية أثناء ثورة 25 يناير، ومنذ ذاك الحين أصبحت الكاميرا أداة محورية في حياتها للتعبير عن قضايا وتجارب مختلفة. بعيدًا عن البدايات السياسية، أدركت خليفة أن عصر الصورة سمح للمصورين بتوجيه العدسة نحو ذواتهم ومشاكلهم الشخصية بصفتهم جزء من المجتمع وجزء من الناس.
ركزت خليفة في مشروعها على علاقة المرأة بجسدها وكيف تحول إلى عبء يطاردها في طريقة حديثها وجلوسها ولباسها بسبب الأعراف الاجتماعية التي تفرض عليها نوع معين من السلوكيات والتصرفات
ومن هذا المنطلق، حولت خليفة تجربتها الخاصة إلى قصة مصورة تحكي عن فتاة عاشت في أسرة مصرية محافظة وانحصرت آفاقها وطموحاتها بين الزواج والأطفال والأشغال المنزلية، فحاولت خليفة من خلال صورها أن تخترق الأفكار السائدة وتواجه المجتمع متساءلةً من الذي فرض على المرأة أن تكون كذلك؟
ومن جهة أخرى ركزت خليفة في مشروعها على علاقة المرأة بجسدها وكيف تحول إلى عبء يطاردها في طريقة حديثها وجلوسها ولباسها بسبب الأعراف الاجتماعية التي تفرض عليها نوع معين من السلوكيات والتصرفات حتى لا يتم نبذها. جدير بالذكر أن خليفة عقدت العددي من الجلسات الافتراضية والواقعية مع غيرها من النساء بهدف التعرف على قصصهن وتجاربهن وتوثيقها باقتباس وصورة.
تميزت صور خليفة بنوعية الملابس التي استخدمتها أثناء التصوير وهي ملابس مصنوعة من مادة مطاطية رديئة تسمى بـ” كارينا” وترتديها النساء المصريات بكثرة وعادةً ما تكون غير مريحة ومقيدة للحركة، والفكرة منها أنها الاكثر رمزية في التعبير عن علاقة المرأة بجسدها.
السعودية إيمان الدباغ.. المرأة السعودية من زاوية غير مألوفة
لطالما كانت حياة المرأة السعودية في المملكة محط اهتمام الكثيرين، خاصةً أنها ملفوفة بكم هائل من الغموض والقيود الاجتماعية التي تم توارثها دون وعي بين الأجيال المتعاقبة. في الفترة الأخيرة اشتهر اسم الدباغ كواحدة من النساء اللاتي حاولن إظهار التنوع في المجتمع السعودي ولا سيما التنوع الذي تعيشه المرأة السعودية. ولذلك أقامت الدباغ مشروع باسم ” مش عيب” لإيضاح النسخ المختلفة من النساء السعوديات واستحضار الأوضاع والحالات المختلفة ومناقضتها وهي صور أبعد ما يكون عن الصورة النمطية التي عادةً ما يتم تصديرها وترويجها إعلاميًا بشكل متكرر.
إذ تقول في مقابلتها على الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن كلمة “عيب” كانت دائماً حاضرة في محيطها، وهي اليوم تسعى لمقاومة هذا الفكر من خلال أعمالها من خلال التركيز على جميع السلوكيات والتصرفات التي يفعلها الناس من أجل التعبير عن النفس لكن المجتمع يصنفها كنوع من العيب، مثل الرقص الاستعراضي والغناء والموسيقى، بالرغم من أنها نوع من الاختلاف الاجتماعي ليس إلا.
المغربية فاطمة الزهراء سري.. الواقع الاجتماعي والبيولوجي للنساء العربيات
بدأت قصة سري مع التصوير الفوتوغرافي عندما لم تستطع دراسة التصوير خارج مدينتها الأم على اعتبار أن الأعراف الاجتماعية لا تسمح للفتيات بالاستقلال عن عائلاتهن للدراسة خارجًا، لكن على أية حال، قررت سري أن تبقي التصوير منفذ للتعبير عن الضغوطات التي تواجهها في المجتمع وعكس واقع العديد من النساء في المجتمعات التي تتجاهل طبيعة المرأة الإنسانية والبيولوجية وتجبرها على تصنيفات وأدوار محددة.
تعرضت سري للعديد من الانتقادات حول المحتوى “الجري” الذي تناولته، مثل صورة الفوط الصحية وتسليطها الضوء على الدورة الشهرية للمرأة، على اعتبار أنهما من التابوهات في المجتمع، بالرغم من أنها تغييرات طبيعية
إذ تقول سري عن بدايتها في هذا المجال: “الموضوع هو شخصي بحت، فبحكم أنني أعيش في مجتمع محافظ، قررت أن أعالج المشاكل والمواقف اليومية التي تزعجني وتفكير الناس حولي وحول النظرة للمرأة كعنصر “مهمش” في المجتمع.. لذلك أحاول معالجة تفاصيل هذه الحياة كفتاة من خلال الصور. وبحكم عدم قدرتي الخروج من البيت والتصوير في الشارع دائماً، قمت بخلق الاستوديو الخاص بي من بعض أركان بيت جدتها القديم”.
وخلال رحلتها في التصوير تعرضت سري للعديد من الانتقادات حول المحتوى “الجري” الذي تناولته، مثل صورة الفوط الصحية وتسليطها الضوء على الدورة الشهرية للمرأة، إذ علقت قائلةً: أردت أن أتطرق إلى موضوع الفوط الصحية والعادة الشهرية على اعتبار أنهما من التابوهات و”العيب” في المجتمع، بالرغم من أنها تغييرات طبيعية ولا بد للناس تقبلها”.
وفي صورة أخرى، صورت سري رجل يجلس مع جريدة بينما تجلس بجانبه على أرض امرأة، مبينةً بذلك، بحسب قولها، أن معظم العائلات توقف الفتيات عن الدراسة في الإبتدائي من أجل أن يتزوجن، ويرسلون الذكور إلى الخارج من أجل إتمام الدراسة على أساس أن الفتاة مكانها هو البيت فقط، والذكر هو من يجب عليه التعلم والنجاح في حياته، ولذلك تُظِهر الرجل وهو يقرأ -كأن المعرفة والثقافة حكرًا على الرجل- بينما تُبين المرأة تستعمل بقايا الورق لإشعال النار وتحضير الشاي وهي مهمتها المفترضة في المجتمعات التقليدية.
ونظرًا لهذه النظرة الاجتماعية المستفحلة، ترى فاطمة الزهراء أن قصصها المصورة قادرة على تشجيع المرأة على كسر الصورة النمطية والأعباء التي تفرضها عليها وتقيد حريتها دون أن أي اعتبار لطموحاتها وقدراتها.