عاد ملف المصالحة الداخلية من جديد ليتصدر المشهد الفلسطيني، ولكن هذه المرة حمل معه المزيد من خيبات الأمل والخلافات التي تصاعدت بين حركتي فتح وحماس وأبقت فرص تحقيق وحدة قريبة ضرب من الخيال في ظل الظروف الراهنة والمتوترة.
التصعيد بدأ من طرف الرئيس محمود عباس، حين أعلن في 22 من ديسمبر من العام الماضي، رسميًا حل المجلس التشريعي وقطع رواتب نوابه، ولحقها بخطوة أخرى حين قرر إقالة حكومة التوافق الوطني التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله، ليكون بذلك قد أطلق الرصاصة الأخيرة على جسم المصالحة المتهالك.
ورغم أن هذا التصعيد من طرف عباس واجهه غضب ورفض فلسطيني عارم، فإن حركة حماس لم تتوقف عند بيانات الاستنكار والتنديد بل هددت باتخاذ خطوات أخرى للرد على تصعيد الرئيس الفلسطيني، وستعيد الوضع الفلسطيني لما قبل تاريخ 9 من سبتمبر 2017 الذي علق الفلسطيني على ما بعده الكثير من الآمال بالوحدة.
رغم أن قرار حماس بحل اللجنة الإدارية مر عليه 16 شهرًا تقريبًا، لكن الواقع الفلسطيني لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، بل تراجع عشرات الخطوات وازداد تأزمًا وقسوة
اللجنة الإدارية لحكم غزة، باتت الورقة الأقوى التي تملكها حركة حماس في الوقت الراهن لو استثنينا مؤقتًا ورقة “مسيرات العودة الكبرى” المنطلقة على حدود قطاع غزة منذ مارس الماضي، كونها مرتبطة بعدة أطراف وأهمها مصر و”إسرائيل”، إلا أن الخيار “اللجنة الإدارية” عاد بقوة في الساحة مجددًا وتلوح حماس باستخدامه قريبًا.
ورقة قوية بيد حماس
صباح الـ9 من سبتمبر من العام 2017، فاجأت حركة حماس الجميع حين أعلنت عن حل اللجنة الإدارية التي شكلتها “اضطرايًا” لحكم قطاع غزة، بعد تخلي حكومة التوافق عن القطاع، وتعهد عباس برفع العقوبات عن غزة فور حل اللجنة التي اعتبرها سياسيون ومحللون في حينها بأنها “مسمار جحا“.
ورغم أن قرار حماس بحل اللجنة الإدارية مر عليه 16 شهرًا تقريبًا، لكن الواقع الفلسطيني لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، بل تراجع عشرات الخطوات وازداد تأزمًا وقسوة، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على غزة منذ أبريل من العام 2017 لا تزال مستمرة، فيما بقي مشهد تبادل الاتهامات هو الدائم، في حين تحاول مصر لملمة فشلها بلقاءات واتصالات “لا تُسمن ولا تغني من جوع” من وجهة نظر الفلسطينيين.
وتحدث قيادي بارز في حركة حماس بغزة، أن “العودة لتفعيل اللجنة الإدارية لحكم قطاع غزة ستكون أحد الخيارات المتاحة أمام الحركة، لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب فيها، في ظل فشل المصالحة وتهديدات عباس بفرض عقوبات اقتصادية جديدة وحل التشريعي وإقالة الحكومة”.
وقال: “حماس تعاملت بكل جدية وصدق مع ملف المصالحة، وأعلنت حل اللجنة الإدارية فورًا بعد لقائها مع المسؤولين المصريين قبل عام ونصف تقريبًا، على أمل تحقيق مصالحة والالتزام بالاتفاق، لكن ما جرى على أرض الواقع كان مخالفًا، ولم يلتزم عباس برفع العقوبات بل ضاعفها”.
اتخذ الرئيس عباس، إجراءات بحق قطاع غزة، قال إنها “رد على تشكيل حماس هذه اللجنة، ومنها تخفيض رواتب الموظفين وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وتخفيض إمدادات الكهرباء للقطاع”
“إعادة تفعيل عمل اللجنة الإدارية، بمشاورة ومشاركة باقي الفصائل الفلسطينية في غزة، قد يكون الخيار الأقوى في المرحلة المقبلة، في حال لم تنجح القاهرة بالضغط على عباس وحركة فتح، برفع العقوبات عن غزة بالكامل والالتزام باتفاق أكتوبر 2017″، يضيف القيادي حركة حماس.
وفي رسالة واضحة لاتجاه حماس نحو خيارات أخرى في غزة بعيدًا عن المصالحة، ذكر أن “غزة لا يمكن أن تبقى في وضعها الراهن، وخلال الساعات المقبلة ستكون هناك خطوات عملية وجادة من أجل وضع حلول للأزمات القائمة، سواء كانت بالمصالحة مع حركة فتح أم دونها، لافتًا إلى أن كل التصريحات التي صدرت عن قادة حركة فتح برفع العقوبات عن غزة في حال حل اللجنة الإدارية كانت “مخادعة وكاذبة”.
أحد اجتماعات اللجنة الإدارية في غزة
الجدير ذكره أنه في مارس من العام 2017، شكلت حماس لجنة إدارية لإدارة الشؤون الحكومية في قطاع غزة، وهو ما قوبل باستنكار الحكومة الفلسطينية برام الله (المقالة حديثًا)، وبررت الحركة خطوتها بـ”تخلي الحكومة عن القيام بمسؤولياتها في القطاع”، واتخذ الرئيس عباس، إجراءات بحق قطاع غزة، قال إنها “رد على تشكيل حماس هذه اللجنة، ومنها تخفيض رواتب الموظفين وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وتخفيض إمدادات الكهرباء للقطاع”.
واستجابةً للجهود المصرية أعلنت حماس حل اللجنة الإدارية في 17 من سبتمبر من العام الماضي، وفي 12 من أكتوبر من نفس العام تم توقيع اتفاق بين حركتي حماس وفتح في القاهرة، ودُعيت على إثره “حكومة التوافق” لتستلم مهامها في غزة، لكن وعود رفع العقوبات تبخّرت ولم يتحقق منها شيء، بل على العكس تمامًا، اشتد الحصار وازدادت أكثر الإجراءات العقابية ضد أهالي قطاع غزة.
واتخذ عباس إجراءات عقابية إضافية على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس حكومته بغزة، الذي نفت حماس ضلوعها فيه، وشملت العقوبات خصمًا يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة وتقليص كمية الكهرباء والتحويلات الطبية وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري وتأخير متعمَّد في صرف رواتب الموظفين، ما ضاعف الأزمة والمعاناة في غزة.
خطوات فصل غزة
وعن خطوة عباس بإقالة حكومة التوافق وتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير، قال المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم: “الذهاب لحكومة جديدة بعيدًا عن الكل الوطني، خطوة من عبّاس تجاه فصل غزة عن باقي الوطن، واستمرار منه بمنطق التفرّد والعبث السياسي في تصدير مخرجات سياسية لا تحظى بإجماع وطني وشعبي”.
يرى المحلل والكاتب السياسي مصطفى الصواف أن توجه الرئيس عباس نحو تشكيل حكومة جديدة بشخصيات فتحاوية ترجمة لمسعاه لعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة
وأشار قاسم إلى أن “خطوة تشكيل الحكومة لن تفرز إلّا حكومة فئوية ضيقة، تمثل مصالح الفريق المتنفذ في سلطة أوسلو برام الله”، مؤكدًا على موقف حماس الداعي إلى المصالحة والشراكة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتابع أن المنطق السليم للتعامل مع الأزمة السياسية الداخلية يتمثل بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك بها المجموع الوطني، تدعو بشكل متزامن لانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني (للمنظمة)، والإشراف عليها، ثم الاحتكام بعد ذلك إلى ما ستفرزه هذه الانتخابات الشاملة.
ولفت إلى أن خطوات رئيس السلطة الأخيرة، المرفوضة وطنيًا، من فرض للعقوبات على قطاع غزة وحلّ المجلس التشريعي، وصولًا لتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير فقط، تظهر إصرارًا من عبّاس على تعقيد المشهد الفلسطيني وصولًا للانفصال.
بدوره، يرى المحلل والكاتب السياسي مصطفى الصواف أن توجه الرئيس عباس نحو تشكيل حكومة جديدة بشخصيات فتحاوية ترجمة لمسعاه لعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة، والاستئثار بكل مفاصل المؤسسات الفلسطينية الرسمية التي لم يتبقَ منها سوى الحكومة بعد حل المجلس التشريعي.
وعبر عن اعتقاده بأن الحكومة القادمة ستكون فاشلة ولن تختلف عن حكومة رامي الحمد الله، قائلًا: “تشكيل حكومة أكثر فتحاوية من سابقتها تأكيد لمسعى فتح للاستئثار بالقرار الفلسطيني وهو ما لا يمكن قبوله ولن يُكتب لتلك الحكومة النجاح فلن يتعدى دورها كونها بلدية فتحاوية”.
وتابع: “صحيح أن حكومة الحمد الله شُكلت في إطار المصالحة الوطنية لكن قد أُدخل عليها فيما بعد تعديلات فتحاوية دون توافق وطني، وذلك ارتباطًا بنهج عباس الانفصالي، فلو أراد عباس مصالحة وطنية قائمة على شراكة حقيقية فإنّ أحدًا من الفصائل لن يرفض ذلك”، وأردف بالقول: “لكن إجراءات عباس المتتالية تؤكد رغبته في التفرد بالقرار الفلسطيني وبمؤسسات السلطة وجعل الفصائل الأخرى تابعة له وليست شريكًا له في القرارات الوطنية”.
تزداد العقبات أمام تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، في ظل تصاعد التراشق الإعلامي والخطوات السياسية والأمنية المتبادلة بين فتح وحماس
وتتمسك حماس وفصائل فلسطينية أخرى بتطبيق اتفاق القاهرة للمصالحة، الموقّع بـ4 من مايو/أيار 2011، لمعالجة حالة الانقسام الناجمة منذ عام 2007، فيما ترفض حركة فتح ذلك، وتشترط التمكين الشامل والكامل لحكومة الحمد الله في قطاع غزة، وفق اتّفاق المصالحة (الإجرائي) الموقع بالعاصمة المصرية عام 2017.
ويومًا بعد آخر، تزداد العقبات أمام تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، في ظل تصاعد التراشق الإعلامي والخطوات السياسية والأمنية المتبادلة بين حركتي فتح وحماس، في كل من رام الله وقطاع غزة، ليضفى أجواءً سلبية على المواطنين الذين يتوقون للوحدة والمصالحة معًا.. ويبقى السؤال الأبرز إلى متى؟