كان حمد المنصوري يجلس بمقهى للشيشة في بيروت ويشاهد فريقه الوطني القطري لكرة القدم في الدور ربع النهائي من كأس آسيا على شاشة التليفزيون، وقفز المواطن القطري البالغ من العمر 37 عامًا من كرسيه عندما سجَّل عبد العزيز حاتم هدف الفوز الوحيد في المباراة الذي أوصل قطر إلى الدور نصف النهائي من البطولة للمرة الأولى.
لم يتمكن منصوري، مثل العديد من عشاق كرة القدم القطريين، من حضور البطولة التي تضم 24 دولة في الإمارات العربية المتحدة بسبب أزمة دبلوماسية كبيرة، فقد أُقيمت البطولة على خلفية خلاف إقليمي، حيث شهدت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع قطر وفرض حصار بري وجوي وبحري عليها في يونيو/حزيران 2017.
وبينما تستعد قطر لمواجهة مضيفي البطولة والمرشحين للنهائيات، بالدور نصف النهائي لكأس آسيا 2019، وأمام الحشود الإماراتية في أبو ظبي، في تمام الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي (الثانية بتوقيت جرينتش) على ملعب محمد بن زايد في أبو ظبي، للحصول على مكان في المباراة النهائية، هناك غضب وإحباط بين المشجعين القطريين.
تم توزيع تذاكر مجانية على المشجعين الإماراتيين الموالين من مجلس أبو ظبي الرياضي
دربي الحصار
تعد هذه المباراة، التي يُطلق عليها اسم “دربي الحصار”، أول لقاء بين الخصمين الإقليميين منذ بداية الأزمة الخليجية، ويبدو أن السلطات الإماراتية مستعدة للقيام بأي شيء لتحقيق الفوز من أي نوع على قطر.
بتوجيهات #نهيان_بن_زايد#مجلس_أبوظبي_الرياضي يعلن شراء جميع التذاكر المتبقية لمباراة منتخبنا القادمة في نصف النهائي ويهديها لجمهور #الإمارات الوفي.
توزيع التذاكر بمقر المجلس بدءًا من يوم الأحد الموافق 27 من يناير من الساعة 10 صباحًا وحتى الساعة 10 مساءً https://t.co/sJqxSZQvWr— مجلس أبو ظبي الرياضي (@AbuDhabiSC) January 25, 2019
في البداية، قام مجلس أبو ظبي الرياضي بتوجيهات من رئيس المجلس نهيان بن زايد بشراء كل تذاكر مباراة نصف النهائي، وعمد إلى توزيعها بالمجان على المشجعين الإماراتيين “الموالين” يوم الأحد الماضي، في خطوة بدت أنها محاولة لمنع المشجعين العمانيين والدوليين من تشجيع الفريق القطري.
مُنع غير الإماراتيين الذين يحاولون الاستفادة من الدخول المجاني، حسبما أفاد موقع “ذا ناشيونال” الإخباري الإماراتي
بالفعل، احتشدت الجماهير الإماراتية أمام مقر مجلس أبو ظبي الرياضي لاستلام تذاكر المباراة، وأظهرت صور تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي وهي تقف في طابور طويل للحصول على التذاكر.
كما تداول رواد التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُسمع فيه صوت سيدة تقول إنها حصلت على تذاكر لحضور المباراة استنادًا إلى صور بطاقات الهوية التي كانت معها، في سابقة غريبة، وهي أن يرتبط الحصول على التذاكر كما يبدو بالجنسية الإماراتية.
وتواصل الحشد باتخاذ وزارة التربية والتعليم الإماراتية قرارًا بتقليل مدة دوام الطلبة، يوم الثلاثاء، ساعتين، وذلك كي تستطيع الجماهير الإماراتية الذهاب إلى الملعب ومساندة المنتخب الإماراتي، لكن المنتخب القطري يدرك أنه سيضطر للتنافس دون مشجعيه في الملعب، وكانت المباريات الودية مع سويسرا وأيسلندا قد ساعدت الفريق على الاستعداد.
#قدام_يالأبيض pic.twitter.com/v7KLQO6Crq
— وزارة التربية (@MOEducationUAE) January 28, 2019
وفي غضون ذلك، مُنع غير الإماراتيين الذين يحاولون الاستفادة من الدخول المجاني، حسبما أفاد موقع “ذا ناشيونال” الإخباري الإماراتي، على الرغم من أن السلطات الإماراتية أصدرت في وقت لاحق تحديثًا لتأكيد أن التذاكر ستكون مفتوحة لجميع الأجناس والمقيمين حتى بعد ظهر يوم الأحد.
وفي دولة الإمارات، يواجه إظهار التعاطف مع دولة قطر عقوبة السجن لمدة تصل إلى 15 عامًا، وذلك وفق ما أعلن المستشار حمد سيف الشامسي الذي حذر المخالفين من عقوبة السجن وفرض غرامة مالية، ومخالفة هذه التحذيرات “قد تعرض صاحبها للسجن من 3 إلى 15 عامًا، وغرامة لا تقل عن 500 ألف درهم” (نحو 137 ألف دولار).
يرى البعض أن احتكار السلطات الإماراتية تذاكر المبارة يهدف لمنع حصول الجماهير العُمانية التي تساند المنتخب القطري الذي يلعب دون جماهيره
جانب آخر بالمباراة يتعلق أيضًا بالجماهير، إذ تداول مغردون عبر موقع تويتر، صورًا ومقاطع فيديو لعدد من الجماهير العُمانية التي ساندت منتخب قطر في مباراته أمام نظيره الكوري الجنوبي، في ربع نهائي كأس آسيا، التي وصل من خلالها المنتخب القطري إلى نصف النهائي للمرة الأولى في تاريخه.
ويرى البعض أن احتكار السلطات الإماراتية تذاكر المبارة يهدف لمنع حصول الجماهير العُمانية التي تساند المنتخب القطري الذي يلعب دون جماهيره بسبب الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة وتحول دون ذهاب القطريين إلى الإمارات.
لكن انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي تهديدات للجماهير التي تنوي مساندة المنتخب القطري، وقد طلب البعض من الجماهير العُمانية عدم الذهاب إلى المباراة إذا كانوا يتوقعون أن تشكل خطرًا عليهم.
عدد من الجماهير العُمانية التي ساندت منتخب قطر في مباراته أمام نظيره الكوري الجنوبي
وانتقد المحللون المسؤولين الإماراتيين بسبب “تسييس دوري كرة القدم الآسيوية”، وقال كريستيان أولريتشسن مؤلف كتاب “دولة الإمارات العربية المتحدة: السلطة والسياسة وصنع القرار”: “غياب المشجعين من قطر يظهر فشل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في الحصول على ضمانات كافية من المضيفين بأن يحصل ممثلو جميع الدول المشاركة على معاملة عادلة ومتساوية”.
ويحظر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم كل حديث عن السياسة في منافساته، وقبل هذه المباراة توقع أن يتصرف جميع المشجعين واللاعبين والفرق بشكل جيد خلال البطولة، محذرًا أن أي تعدٍ على القواعد سيتم التعامل معه بموجب لوائح الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
“تسييس” كرة القدم
في تقرير سابق لـ”نون بوست”، تزامن مع موعد مباراة قطر والسعودية، التي فاز فيها المنتخب القطري، استعرضنا كيف ألبست الإمارات الرياضة رداء السياسة في بطولة كأس آسيا تحديدًا، والممارسات التي تؤكد الطابع السياسي للقرارت التي تتخذها أبو ظبي باعتبارها صاحبة الأرض والجمهور.
منعت السلطات الإماراتية القطري سعود المهندي، وهو نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ، من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عشية المنافسة بزعم عدم الحصول على إذن دخول
في البداية، منعت السلطات الإماراتية 5 صحفيين من أعضاء الوفد الإعلامي القطري من تغطية نهائيات البطولة، وفرضت عليهم العودة من مطار دبي الدولي عقب الوصول عبر رحلة الخطوط الجوية الكويتية، رغم حصولهم على تأشيرة سفر مسبقة صادرة بالشكل الرسمي وحصولهم كذلك على موافقة رسمية من الاتحاد الآسيوي، في حين أن المملكة العربية السعودية لديها 47 صحفيًا ومحررًا معتمدًا للبطولة.
وفي مخالفة جديدة للأعراف الرياضية والدبلوماسية منعت السلطات الإماراتية القطري سعود المهندي، وهو نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورئيس اللجنة المنظمة لكأس آسيا، من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عشية المنافسة بزعم عدم الحصول على إذن دخول، ثم سُمح له بذلك بعد يوم واحد، بسبب خوف السلطات الإماراتية من العقوبات.
After barring Qatari fans from supporting their team at every stage of this tournament, UAE now buys up all tickets to Qatar’s next match to prevent Omani and international fans from cheering the team.
— طارق (@TareqBinAli_) January 25, 2019
ويمكن التنبؤ بأجواء المباراة بالنظر إلى التوترات السياسية التي شابت مباراة قطر والإمارات لكرة القدم في كأس آسيا تحت 19 سنة في إندونيسيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما تجاهل قائد المنتخب الإماراتي المصافحة المعتادة مع نظيره القطري في بداية المباراة، وحاول المسؤولون القطريون واللاعبون حينها التقليل من السحابة السياسية التي خيمت على المشهد.
وبعيدًا عن الحصار المفروض على البطولة، ليس من الصعب تحديد الممارسات الإماراتية، فقد كان من البداهة أن يتوجه وزير الشباب والرياضة اليمني نايف البكري للشد على يد منتخب بلاده الذي شارك لأول في نهائيات كأس آسيا لكرة القدم، لكن استضافة الإمارات للبطولة كان أول غصة تشوب الفرحة.
لم تدم الفرحة طويلاً بخروج المنتخب اليمني من البطولة مبكرًا، لكن أبو ظبي منعت من كان في مقدوره مساندتهم معنويًا من دخول الإمارات، وهي للمفارقة تخوض حربًا شعواء في اليمن بدعوى تثبيت أقدام الحكومة الشرعية، ثم تسحب البساط من تحت أقدام أحد وزرائها.
هكذا نغَّصت أبو ظبي على اليمنيين شيئًا من فرحتهم التي أينعت رغم الحرائق والانقسام بفريق واحد ولباس ولون واحد وشعار واحد، هو “لا نستسلم أبدًا”، لينفجر غضب اليمنيين في وسائل التواصل الاجتماعي، داعين فريقهم للانسحاب من البطولة “المسيَّسة”.
لم تسلم الرياضة من قبل حتى تسلم اليوم، ففي نهاية العم الماضي رفضت أبو ظبي منح تأشيرة دخول لرئيس الاتحاد العربي للجودو، اليمني نعمان شاهر، وطالبت بترشيح آخر، وقبل 9 أشهر، يُستدعى إلى الإمارات فريق رياضي من منطقة تسيطر عليها دون علم الوزارة المعنية في الحكومة الشرعية، واستسهلت الإمارات تقديم تقرير كان الأسهل نفيه وتضمن كلامًا عن منحة مالية لدعم قطاع الرياضة اليمني.
كل هذا حدا ببعض المتابعين إلى حرمان هذه الممارسات حتى من وصفها بالانتهاكات للقوانين والمواثيق الأولمبية المتمثلة بخلط سافر للسياسة بالرياضة واعتبارها مجرد سياسات “صبيانية” مدمرة حينًا ومثيرة للسخرية في أحيان أخرى.
كيف يمكن أن تؤثر “السوشال ميديا”؟
قبل أن تنطلق صافرة الحكم بأيام، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات من جماهير المنتخبين نظرًا للظروف السياسية المحيطة بهذا اللقاء، وأثارت المباراة المرتقبة تفاعلات واسعة بين من بدأ بـ”تسييس” هذا الحدث الرياضي ومن عبّر عن أمله بأن يكون اللقاء تجسيدًا “لعلاقات الأخوة الخليجية”.
منصات التواصل الاجتماعي لم تتسع للكثير من التحليل والتوقعات الرياضية والفنية المتعلقة بالمباراة بل تحولت المنصات إلى ساحة لانتشار مقاطع الفيديو التي تعبر عن الأزمة السياسية
ووسط تحذيرات من المشاحنات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تنتظر جماهير الفريقين حتى بداية المباراة لتبدأ بإطلاق عبارات تشجيع ودعم لمنتخبها، لا تخلو من الأبعاد السياسية، بسبب الظروف الراهنة، تأثير هذه الحملات عبر مواقع التواصل وعبر بعض القنوات الفضائية قد ينتقل إلى المدرجات، وربما إلى أرضية الملعب ودكة بدلاء الفريقين، لذلك بدأت التحذيرات من مخاطر ما يجري.
وتحسبًا لما لا تُحمد عُقباه، نشرت شرطة أبو ظبي تغريدة عبر صفحتها الرسمية على موقع تويتر قالت فيها: “شرطة أبو ظبي تدعو الجمهور إلى التحلي بالأخلاق الرياضية والتشجيع بأسلوب حضاري داخل وخارج الملعب، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن التغريد السلبي، متمنين للجميع الاستمتاع بمشاهدة المباراة”.
#شرطة_أبوظبي تدعو الجمهور إلى التحلي بالأخلاق الرياضية والتشجيع بأسلوب حضاري داخل وخارج الملعب، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن التغريد السلبي، متمنين للجميع الاستمتاع بمشاهدة المباراة.#قدام_يالأبيض#كأس_آسيا2019#شجع_بروح_رياضية#رسائل_توعوية pic.twitter.com/AFKwm677DG
— شرطة أبوظبي (@ADPoliceHQ) January 27, 2019
وقبل ساعات من المباراة، تترقب جماهير الرياضة والسياسة مباراة المنتخبين القطري والإماراتي، إذ يتفاعل المغردون والنشطاء على هاشتاغ يحمل اسم الدولتين، لكن منصات التواصل الاجتماعي لم تتسع للكثير من التحليل والتوقعات الرياضية والفنية المتعلقة بالمباراة بل تحولت المنصات إلى ساحة لانتشار مقاطع الفيديو التي تعبر عن الأزمة السياسية.
تعتبر هذه الأمور اعتيادية في كرة القدم، إذ تحدث هذه المشاحنات عادة قبل أي مباراة تحمل أبعادًا تتجاوز حدود الرياضة، وما تقوم به المنتخبات والأندية في مثل هذه الحالة هو إبعاد لاعبيها قدر الأماكن عن مواقع التواصل كي لا ينتقل هذا الشحن إلى داخل أرضية الملعب ما قد يؤدي لوقوع اشتباك بين اللاعبين.
فوز #قطر و #الامارات وتغلبهما على #كوريا و #استراليا على التوالي أمر يسعد كل شعب #الخليج ..
ونتمنى أن تكون مبارتهما في نصف النهائي مثالا للأخوة الخليجية وإن تعكس النهضة الرياضية في الخليج وقبلها تعكس أخلاق أهل الخليج ومحبتهم لبعض بعيدًا عما يثيره الإعلام هنا وهناك من هجوم متبادل!!— وليد الطبطبائي (@Altabtabie) January 25, 2019
مباراة “رمزية”
تحتل قطر المرتبة الـ93 عالميًا، وتتجه إلى هذا المواجهة بتسجيلها رقم قياسي وامتلاكها الهجوم الأقوى في النسخة الحاليّة من البطولة إلى جانب إيران، بعد أن سجل كل منهما 12 هدفًا، كما أنه يمتلك الدفاع الأقوى إلى جانب المنتخب الإيراني كذلك، إذ لم يتلق أي منهما أهدافًا حتى الدور نصف النهائي.
تشير المواجهات العربية في الدور نصف النهائي لكأس آسيا إلى قليل من الأمل في حصول منتخب عربي على البطولة
لكن الإمارات التي تحتل المركز الـ79 في التصنيف فازت في آخر مباراة احترافية ضد قطر في كأس آسيا في أستراليا عام 2015، وهذا هو الوصول الرابع لقطر إلى المربع الذهبي، في حين يسعى المنتخب الإماراتي للفوز وتقديم أفضل أداء له في تاريخ المسابقة، وهو المركز الثاني عام 1996، عندما كانوا المضيفين أيضًا.
وتشير المواجهات العربية في الدور نصف النهائي لكأس آسيا إلى قليل من الأمل في حصول منتخب عربي على البطولة، فعندما يلتقي العرب في نصف النهائي فالفائز منهم يخسر في المباراة النهائية، ففي 3 مرات التقت خلالها المنتخبات العربية لم يحصل أي منهم على كأس آسيا.
وبعيدًا عن السياسة، تسعى قطر في مباراة الثلاثاء لكسر عقدة بدأت عام 2002، حين حقق المنتخب القطري آخر فوز على الإمارات، وذلك في كأس الخليج العربي 15 “خليجي 15” في السعودية، وفازت قطر حينها بهدفين نظيفين.
في النهاية، من المقرر أن يشاهد منصوري الذي كان والده جزءًا من أول فريق وطني في قطر في الستينيات من القرن الماضي، مباراة نصف النهائي مع الأصدقاء والعائلة في مجلسه المحلي، خيمة تقليدية، في منزل والده في العاصمة القطرية الدوحة.