لا بدّ وأنّك وجدتَ نفسك مرّة تمدّ يدك إلى جيبك للردّ على هاتفك معقتدًا أنه يرنّ، سواء مكالمة ما أو أيّ إشعارٍ آخر، لتكتشف أنّه لم يرنّ أصلًا. حسنًا، هذه حالة معروفة ينظر إليها الكثيرون من علماء وخبراء النفس بأنها اضطراب حديث بات يؤثّر في جيلٍ كاملٍ من المدمنين للتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي والذين يتوقون إلى الاتصال والتأييد الدائمين ويخافون من الاستبعاد والعزلة.
تُعرف الحالة بمصطلح متلازمة الاهتزاز الوهميّ “Phantom vibration syndrome” أو وسواس الرنين، وعُرفت في السابق لفترةٍ وجيزة باسم “ringxiety”، أي قلق الرنين. فيما يميل البعض إلى التعامل مع الحالة بعيدًا عن وصفها بالمتلازمة، ويصنّفونها بدلًا من ذلك بنوعٍ من الهلوسات اللمسية حيث يبدأ الدماغ بتخيّل إحساس أو شعور غير موجود بالفعل، معتقدين أنها مجرّد استجابة لعالم التكنولوجيا لا أكثر، بشرط لا تؤثّر على حياة الشخص بطريقة سيّئة.
متلازمة الاهتزاز الوهميّ هي نوعٍ من الهلوسات يتخيل فيها الدماغ إحساسًا برنين الهاتف غير موجود بالفعل
وفي بحثٍ أجرته جامعة جورجيا للتكنولوجيا، أشارت الأرقام إلى أن 90% من الأشخاص يعانون الآن ممّا يمكن أن يطلق عليه مجازًا “متلازمة الاهتزاز الوهمي”، حيث يُخلطون بشكلٍ خاطئ بين التشنجات العضلية الصغيرة وهزّات رنّة الهاتف و إشعارات الرسائل النصية والبريدية الواردة. بحثٌ آخر عملت عليه جامعة بوردو في ولاية إنديانا قد توصّل إلى أنّ 89% من الطلّاب الجامعيين المشاركين فيها قد تعرّضوا بالفعل لمثل هذا النوع من الهلوسات الوهمية لمرّة واحدة كلّ أسبوعين على أقلّ تقدير.
القلق والخوف من فوات الشيء
يعتقد الخبراء أنّ السبب يعود لإمكانية هذه الهواتف على تدريب جسم الإنسان على توقّع المكالمات والإشعارات تمامًا كما تدرّبه على إدراك الأحاسيس في أنحاء جسمه كّلما تلقى مكالمة أو إشعار. كما يعتقدون أنّ هذا الوهم ناشئٌ من قلق الناس الدائم من تفويت أية مكالمة أو رسالة تصلهم.
ومن هنا، ترتبط هذه المتلازمة بشكلٍ أو بآخر مع متلازمة الخوف من فوات الشيء أو كما تُعرف اختصارًا باللغة الإنجليزية “FoMO”، وهو مصطلح صيغ حديثًا ليصف ويصيغ شعور الأشخاص بالقلق الذي يمكن أن ينشأ عن تفكيرهم بأنّ ثمّة احتمالات أكثر إثارة تحدث في أماكن أخرى من حولهم فيخشون تفويتها وضياعها.
ثلاثة أرباع الشباب معرّضون للإصابة بالقلق أو الخوف من فوات الشيء نتيجةً لوسائل ومنصّات التواصل الاجتماعيّ.
وبكلماتٍ أخرى، يُعرّف مصطلح “الخوف من فوات الشيء” بأنه “الشعور غير المستقر والمستهلك أحيانًا من أن تفوّت ما يقوم به زملاؤك أو معارفك من حولك، أو خوفك من عدم معرفة ذلك، أو الخوف من تمتّعهم بشيء ما أفضل مما لديك”. وهو حالة عامة تدفع الشخص إلى الرغبة في أن يكون على اتصال دائم مع من يعرفهم أو مع الذين يحيطون به خوفًا من فوات حدثٍ أو تجربة ما لا يُشاركهم فيها، ووفقًا لإحدى الدراسات فإنّ ثلاثة أرباع الشباب معرّضون للإصابة بهذا النوع من القلق نتيجةً لوسائل ومنصّات التواصل الاجتماعيّ.
ومن هذا الخوف والقلق، ينتج سلوكٌ مهووس أشبه بالإدمان لفحص حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وتفقّد الإشعارات ورسائل البريد الإلكتروني. ما يعني أنّ جزءًا من قلقنا وإجهادنا الذهني والعقليّ أصبح نتيجةً للعالم الإلكتروني الذي يتطوّر بشكلٍ متزايد ومتسارع، وهو ما يظهر بشكلٍ واضحٍ من خلال هوسنا بتفقّد حساباتنا أو بهلوساتنا وأحلامنا الليلية التي أصبحت تلك المواقع جزءًا منها تحضر بين الفينة والأخرى.
هلوساتٌ إلكترونيّة تمتدّ للأحلام
لا يتوقّف القلق الناجم عن مواقع التواصل الاجتماعيّ على الهلوسات الوهمية التي تتخيّل الرنين والإشعارات وحسب، بل أصبحت يمتدّ إلى أحلامنا اللّيلية، ما يعني أنّ تلك المواقع والتطبيقات قد شقّت بالفعل طريقها إلى وعينا بشكلٍ عميقٍ للغاية لدرجة أنها تلاحقنا أثناء نومنا ونفكّر فيها أول ما نفتح عيوننا ونستيقظ صباحًا.
وفقًا لنظرية الاستمرارية في تفسير الأحلام، فإننا نحلم بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لأننا نميل إلى أنْ نحلم بالأشخاص والقضايا والأفكار التي تشغل أنفسنا خلال اليقظة
الكثير من الأبحاث والدراسات حاولت العثور على إجاباتٍ محدّدة لكيفية تأثير الهواتف الذكية ومواقع الشبكات الاجتماعية على عاداتنا وعلاقاتنا وأدمغتنا، وهناك أيضًا الكثير منها توثّق وتؤكّد على أنّ الاستخدام المفرط لهذه التقنيات الجديدة قد يؤدي إلى آثار سلبية فورية أو على الأمد الطويل على كلٍّ من الصحة النفسية والعقلية، بما في ذلك الصداع والإجهاد واضطرابات النوم، لكنْ ثمّة القليل منها ممّا يبحث في أثرها الملموس على أحلامنا وجودتها والأثر النفسيّ والعقليّ المتعلّق بها.
ربما يرجع السبب أساسًا إلى إلى حقيقة أنّ دراسة ظاهرة الأحلام لا تزال صعبة ومعقّدة للغاية؛ إذ يضطّر الباحثون دائمًا إلى الاعتماد على ما يتذكره الناس حول أحلامهم بدلاً من الاعتماد على بياناتٍ ومعلوماتٍ مباشرة. لكنْ ليس بعيدًا أنّك قد حلمت بشيءٍ من هذا القبيل مرّةً واحدة على الأقل. صديقتي أخبرتني الأسبوع الماضي عن حلمٍ لها وجدت نفسها فيه حبيسة صورة في انستغرام على سبيل المثال.
إذا كانت منشورات فيسبوك أو صور انستغرام أو بريدك الإلكترونيّ تستحوذ على اهتمامك وتفكيرك خلال اليوم، فليس من المستغرب أبدًا أنْ تحضر في حلمك
لكنْ بشكلٍ عام، يمكننا القول أنّ التكنولوجيا الحديثة تؤثّر بشكلٍ أو بآخر على أحلامنا. ففي إحدى الدراسات المنشورة في مجلة الوعي والإدراك في عام 2008، أفاد المشاركون الأكبر سنًا من الذين نشؤوا وهم يشاهدون التلفزيون باللونين الأسود والأبيض بأنّ أحلامهم عادةً ما تكون رمادية اللون أكثر من أولئك الذين عرفوا التلفزيون الملوّن منذ البداية. وهذا يوحي بالطبع بأنّ استخدام أدوات ووسائل التكنولوجيا قد يكون له نوع من التأثير الفعليّ على أحلامنا.
ويدعم العديد من الباحثين الأمر استنادًا إلى فرضية الاستمرارية في تفسير الأحلام، والتي تعتقد أنّنا نميل إلى أنْ نحلم بالأشخاص والقضايا والأفكار التي تشغل أنفسنا خلال اليقظة، أي أنها تكون حول نفس الأشخاص والقضايا التي تهمنا عندما نكون مستيقظين، وليست حول الأفكار والرغبات غير الواعية كما اعتقد كلٌّ من فرويد ويونغ.
فإذا كانت منشورات فيسبوك أو صور انستغرام أو الرسائل الواردة في بريدك الإلكترونيّ تستحوذ على اهتمامك وتفكيرك خلال اليوم، فليس من المستغرب أبدًا أنْ تحضر في حلمك، الأمر شبيهٌ بالحلم الذي تراه أثناء نومك بعد مشاهدتك لفيلم رعب أو فيلم مُنهك ومثير للقلق والتعب.
ومع ذلك، ثمة الكثير من الباحثين والخبراء ممّن لا يعتقدون أنّ أحلامنا عبارة عن إعادة تصوير للأحداث اليومية التي نراها، وإنما تنطوي على ما هو أبعد وأعمق من ذلك. لكنّ هذا لا يمنعنا من الاعتراف بأنّ مواقع التواصل الاجتماعي تؤثّر بشكلٍ سلبيّ وحقيقيّ على الكثير من نواحي حياتنا، ولعلّ الأحلام إحدى تلك النواحي.