لم تكد موجة الجدل تنحسر عقب اعتقال السلطات التركية رئيس بلدية إسنيورت في إسطنبول، أحمد أوزر، بتهمة ارتباطه بـ”منظمة إرهابية”، وما خلفه من أزمة جديدة بين الحكومة والمعارضة، حتى عاد الجدل في الأوساط السياسية مجددًا، بعد إقالة رؤساء 3 بلديات في جنوب شرق البلاد بتُهم مشابهة.
في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، نشرت “وكالة الأناضول للأنباء” صورًا لعملية اعتقال رئيس بلدية إسنيورت أحمد أوزر، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، من مكتبه، ضمن نطاق التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام في إسطنبول، بجريمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني”.
وحسب التحقيقات الأولية فإن رئيس البلدية كان على اتصال مع أعضاء “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيًا في تركيا، أحدهم مدرج في النشرة الحمراء للمطلوبين.
الاعتقال أدى إلى نشوب خلاف بين الحكومة والمعارضة وأثار موجة تنديد من قبل حزب الشعب الجمهوري، الذي نفى زعيمه أوزغور أوزيل، صحة الاتهامات الموجهة لعضو حزبه، ووصف خطوة الحكومة بأنه “مؤامرة قبيحة” مؤكدًا في حديثه للحكومة “لن نستسلم لكم”.
كما جمع الحزب أنصاره للتظاهر أمام البلدية التي تعدّ من أكبر بلديات إسطنبول، بحضور رئيس الحزب أوزغور أوزيل وعدد من النواب ورؤساء البلديات التابعة له.
واعتبر أوزيل أن عملية الاعتقال “كانت غير قانونية وغير منتظمة على الإطلاق”، مشيرا إلى وجود “كل علامات المؤامرة” فيها، أما رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو اعتبر أن اعتقال أوزر محاولة إلى استهداف إرادة الناخبين، واتهم الحكومة بالسعي إلى “الضغط على الشعب من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة”.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن حكومته لن تتراجع عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات لمجرد أن حزب الشعب الجمهوري “منزعج” منها، قائلًا “لا يوجد شكل عادل للحكم في مكان يسوده الفوضى. عليك أن تتعلم هذه”، في إشارة إلى أوزيل.
أزمة جديدة
ولم تمض أيام على أزمة اعتقال رئيس بلدية أسنيورت، حتى أعلنت الحكومة التركية عزل ثلاثة رؤساء بلديات من أحزاب المعارضة، وحسب وزارة الداخلية على منصة إكس، حُكم على رئيس بلدية ماردين الكبرى أحمد تورك، بالسجن مدة 10 سنوات؛ وعلى رئيس بلدية باتمان جولستان سونوك، بالسجن 6 سنوات و3 أشهر، بسبب ارتكابهما “جريمة الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة”.
وهي التهمة نفسها التي حُكم بموجبها على رئيس بلدية منطقة هليفتي في ولاية شانلي أورفا محمد كارايلان، بالسجن مدة 6 سنوات و3 أشهر و15 يومًا، مع العلم أن تلك الأحكام قابلة للاستئناف والطعن وليست قطعية.
وقالت وزارة الداخلية إنه جرى تعيين مسؤولين حكوميين بدلًا من رؤساء البلديات المعتقلين، والذين يجمع بينهم انتماؤهم إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، المتهم بأنه “امتداد سياسي” لحزب العمال الكردستاني، المصنَّف في قوائم الإرهاب التركية والأمريكية والأوروبية.
وكان لافتًا أن إقالة رؤساء البلديات الثلاثة جاءت بعد حملة اعتقالات واسعة شنّتها قوى الأمن في أكثر من 30 ولاية، وشملت عشرات المشتبه بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، عقب هجوم استهدف شركة توساش لصناعات الطيران والفضاء في العاصمة التركية أنقرة، تبنّاه لاحقًا حزب العمال.
وتمّت إدانة رؤساء البلديات الثلاثة على خلفية ما يُعرف في تركيا بـ”قضية كوباني“، التي أصدرت فيها المحكمة الجنائية العليا الـ 22 في أنقرة عقوبات مشددة، وذلك في 16 مايو/ أيار الماضي، أبرزها الحكم بالسجن لمدة 42 عامًا على صلاح الدين دميرتاش، ولمدة 30 عامًا على فيغين يوكسكداغ، الرئيسَين المشاركَين السابقَين لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي كان ممثلًا لأكراد في البرلمان خلال انتخابات 2018.
“إجراء دستوري”
وفي أول تعليق على إقالة رؤساء البلديات الثلاثة، قال نائب رئيس مجموعة حزب العدالة والتنمية بالبرلمان، عبد الله غولر، إن إجراء الإقالة والاستبدال تمّ بموجب المادة 127 من دستور البلاد، وإن منصب رئيس البلدية لا يجعله بمنأى عن المحاسبة، مضيفًا: “الإجراءات القانونية مستمرة”.
بينما جاء تعليق حزب الشعب الجمهوري على لسان رئيسه أوزغو أوزيل، الذي وصف الإجراء بأنه “انقلاب ضد إرادة الأمة”، وأنه “نهاية الحوار مع الحكومة”، مؤكدًا: “سأذهب إلى ماردين بالطائرة الأولى، وسأكون مع أحمد تورك”.
وتطرّق أوزيل إلى انتخابات البلديات الأخيرة التي أُجريت في 31 مارس/ آذار الماضي، والتي حصد فيها حزب الشعب الجمهوري فوزًا وُصف بـ”التاريخي”، بعد أكثر من عقدَين على استئثار حزب العدالة والتنمية الحاكم بغالبية البلديات في الولايات التركية الـ 81.
وقال أوزيل “إنهم (حزب العدالة والتنمية) لم يعودوا الحزب الأول. إن كونهم الحزب الثاني (في حكم البلديات) يدل على أن حزب الشعب الجمهوري حقق نجاحًا وسيفوز في الانتخابات الرئاسية ويوفّر الأغلبية في البرلمان، وعندما رأوا ذلك، لجأوا إلى كل الوسائل لتغيير المسار”.
وفي تجمع أمام مبنى بلدية ماردين الكبرى، قال رئيس البلدية المقال أحمد تورك، إن إجراء الإقالة “يُظهر بوضوح أن الحكومة ليس لديها أي نيّة لحلّ المشكلة الكردية”، بحسب ما نقل موقع “سي أن أن تورك”، في إشارة إلى المبادرة التاريخية التي أطلقها حليف الرئيس التركي زعيم القوميين دولت بهشتلي، الشهر الماضي، فيما يتعلق بدعوة زعيم حزب العمال المسجون عبد الله أوجلان إلى البرلمان، وإعلانه حلّ تنظيمه المسلح لتحقيق السلام في البلاد، مقابل إمكانية منحه “حق الأمل”.
ومساء الاثنين، نشرت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من بلدية إسنيورت، تظهر مجموعة من الشبان يقومون بأعمال شغب وتخريب، بسبب ما قيل إنه احتجاج على إقالة رئيس البلدية أحمد أوزر.
فيما قالت “وكالة الأناضول للأنباء” إنه تم اعتقال 75 شخصًا قاوموا الشرطة وحاولوا اقتحام مبنى بلدية باتمان، احتجاجًا على إيقاف واعتقال رئيس البلدية السابق جولستان سونوك، بالتزامن مع قرار تُمنع بموجبه المظاهرات والتجمعات الاحتجاجية لمدة 10 أيام في ولايتَي ماردين وباتمان.
وذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اجتماع مجموعة حزب العدالة والتنمية، عقب اعتقال رئيس بلدية إسنيورت، ما سمّاها “اللعبة القبيحة والمؤامرة الكبيرة”، ردًّا على تصريح لزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، قال فيه: “لن نكون جزءًا من ذلك، ولن نستسلم”، وقال أردوغان: “بينما يقوم أعضاء منظمة الإرهاب (حزب العمال الكردستاني) بزعزعة إسنيورت، لن نتراجع عن الخطوات التي اتخذناها بسبب انزعاج شخصكم”، وأضاف: “لا يوجد عدالة حيث لا يوجد القانون.. يجب أن تتعلم ذلك”.