دخل المغرب رسميًا على خط الأزمة الحاصلة في فنزويلا، باعترافه ضمنيًا برئيس البرلمان الفنزويلي المعارض خوان غوايدو، رئيسًا للبلاد، فما الذي دفع السلطات المغربية للمسارعة بالاعتراف بغوايدو بدلاً من الرئيس نيكولاس مادورو، رغم أن الأوضاع لم تتوضح بعد في فنزويلا؟
أولى الدول العربية
يعتبر المغرب أول دولة عربية تعبر عن دعمها لرئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسًا بالوكالة لفنزويلا، مرحبةً بالتدابير التي اتخذها “من أجل الاستجابة للتطلعات الشرعية للشعب الفنزويلي”، وفق ما جاء في بيان رسمي.
وأجرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الثلاثاء، محادثةً هاتفية مع غوايدو، بطلب من الأخير، بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية، وأعرب بوريطة لغوايدو عن “دعم المملكة لكل التدابير المتخذة من أجل الاستجابة للتطلعات الشرعية للشعب الفنزويلي نحو الديموقراطية والتغيير”، وذلك بحسب البيان الذي لم يذكر ما إذا كانت الرباط قد توقفت عن الاعتراف بالاشتراكي نيكولاس مادورو رئيسًا لفنزويلا.
تعرف العلاقات بين الرباط وكاراكاس توترًا قديمًا بسبب دعم كاراكاس لجبهة البوليساريو التي تدعو إلى انفصال جنوب المغرب
وتشهد فنزويلا الواقعة على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، توترًا متصاعدًا منذ 23 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، إثر ادعاء غوايدو رئيس البرلمان الفنزويلي وزعيم المعارضة، حقه بتولي الرئاسة مؤقتًا إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
وسرعان ما اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بغوايدو رئيسًا انتقاليًا لفنزويلا، وتبعته دول بينها كندا وكولومبيا وبيرو والإكوادور وباراغواي والبرازيل وشيلي وبنما والأرجنتين وكوستاريكا وغواتيمالا وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا وأستراليا، في المقابل، أيدت بلدان بينها روسيا وتركيا والمكسيك وبوليفيا وسوريا شرعية مادورو الذي أدى في يناير/كانون الثاني الحاليّ اليمين الدستورية رئيسًا لفترة جديدة من 6 سنوات.
اعتراف ضمني بغوايدو
الاتصال الذي جرى بين وزير الخارجية المغربي وغوايدو الفنزويلي، يشير وفق رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني في المغرب عبد الرحيم المنار أسليمي، إلى اعتراف مغربي بشرعية غواديو في تولي الحكم بفنزويلا.
ويفسر أسليمي في حديثه لـ”نون بوست”، هذا الموقف المغربي، بمجموعة من الاعتبارات، أولها، “التقييم المغربي لما يجري داخل فنزويلا من داخل قواعد القانون الدولي التي تجعل الشرعية إلى جانب غوايدو، حيث اعترفت به العديد من الدول”.
تعرف فنزويلا أحداثًا سياسية متسارعة خلال الفترة الأخيرة
ثاني هذه الاعتبارات، يقول رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني: “مبادرة الاتصال بالمغرب جاءت من غوايدو الذي يبحث عن دعم دولي اختار فيه المغرب إلى جانب دول أخرى لتكون داعمة له لكونه يعرف جيدًا أن القيادة الفنزويلية السابقة سواء مادورو أم تشافيز أساءت للمغرب لما اعترفت بالبوليساريو ودعمته في مجلس الأمن، لذلك كان المغرب يعتبر أن ما قام به مادورو فيه تهديد للأمن القومي المغربي”.
وثالث هذه الاعتبارات وفق عبد الرحيم المنار أسليمي، أن “المغرب يجد أمامه اليوم فرصة مفتوحة لإقامة علاقة مع صاحب الشرعية غوايدو لأن تقييم الوضع يوضح أن مادورو انتهى ولا يمكنه العودة للسلطة لأنه بات في وضعية مغتصب للسلطة فهو اليوم يواجه المجتمع الدولي”.
توتر متواصل في انتظار مآل الأزمة
وسجل الاتصال، بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وزعيم المعارضة ورئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو، إعلان الأخير رغبته في إعادة العلاقات بين كراكاس والرباط وتعزيزها بشكل أكبر وعلى أسس سليمة وواضحة، ورفع المعيقات التي حالت دون تطورها، وفق نص البيان الصادر عن الخارجية المغربية.
وتعرف العلاقات بين الرباط وكاراكاس توترًا قديمًا بسبب دعم كاراكاس لجبهة البوليساريو التي تدعو إلى انفصال جنوب المغرب، وقرر المغرب خلال يناير/كانون الثاني 2009، إغلاق السفارة المغربية في فنزويلا، وتحويلها إلى جمهورية الدومينيك، بسبب ما أسمته الرباط “العداء المتزايد للسلطات الفنزويلية مع الوحدة الترابية للمملكة ولدعمها البوليساريو”، قبل أن يتم إعادة فتحها مجددًا.
وفي أبريل/نيسان 2017، هاجمت وزارة الخارجية المغربية، جمهورية فنزويلا واتهمت نظام الحكم في جمهورية أمريكا الجنوبية بـ”الأقلية الأوليغارشية في السلطة”، في تطور نوعي وغير مسبوق من طرف المغرب تجاه فنزويلا.
وجاء هذا التصعيد المغربي تجاه فنزويلا في أعقاب مداخلة لممثل كراكاس في الأمم المتحدة، الذي قارن بين فلسطين المحتلة والصحراء الغربية، واعتبرهما خاضعتين “للاحتلال”، وتعد فنزويلا من أكثر الدول الداعية لانفصال الصحراء عن المغرب والداعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية.
ترتبط إمكانية استئناف العلاقة بشكلها الطبيعي بين فنزويلا والمغرب بموقف فنزويلا من قضية الصحراء المصيرية وغير القابلة للمساومة بالنسبة للمملكة المغربية
كثيرًا ما استدعت السلطات المغربية، القائم بالأعمال الفنزويلية بالرباط بهدف التعبير عن الاحتجاج على المواقف الفنزويلية تجاه قضية الصحراء الغربية التي يصنفها المغرب، ضمن المعادية للمصالح العليا للمملكة.
ويعرف عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تبنيه التوجه الاشتراكي، وقربه من دوائر الجزائر وجنوب إفريقيا، وهو ما يؤثر في موقف بلاده من قضية الصحراء”، وسبق أن فشل الاتحاد الاشتراكي في المغرب والأحزاب الاشتراكية الأوروبية في إطار منظمة الأممية الاشتراكية، في ثني مادورو عن هذا الموقف الذي يعتبره المغرب معاديًا لها.
ويسيطر المغرب على قسم كبير من منطقة الصحراء الشاسعة التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، مستندًا إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، فيما تطالب البوليساريو المدعومة من الجزائر، التي أعلنت قيام جمهورية عربية ديمقراطية، باستفتاء لتقرير المصير، ومنذ 2007، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
الصحراء الغربية.. المحدد لطبيعة العلاقات
إسراع المغرب إلى تأكيد دعمه للتدابير التي اتخذها رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غوايدو، يفسر وفق العديد من المراقبين رغبة المغرب في طي صفحة الماضي مع النظام الفنزويلي.
ويقول رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني في المغرب عبد الرحيم المنار اسليمي في هذا الشأن: “من الواضح أن السياسة الخارجية المغربية تقرأ جيدًا ما يجري في الساحة الدولية وتتابع كل مناطق العالم التي يهمها ما يجري داخلها من تحولات وذلك من منظور حماية مصالح المغرب”.
وتابع “يبدو أن وصول غوايدو للسلطة سيغير جذريًا علاقات المغرب بفنزويلا وهي الالتزامات التي جاءت في التواصل بين وزير الخارجية المغربي وغوايدو، لذلك فالموقف المغربي تشرحه الشرعية الدولية والمعاملة بالمثل والمصالح المغربية”.
وأكد أسليمي في ختام حديثه لنون بوست “بمجرد تغير السلطة في فنزويلا من المتوقع أن يتغير موقف هذه الدولة في نزاع الصحراء لأنه لن تكون هناك سلطة أخرى شبيهة بتشافيز أو مادورو، بمعنى أن المغرب يتوقع تغييرًا في موقف فنزويلا بعد تغير النظام الحاليّ المتمثل في مادورو حليف الجزائر والبوليساريو”.
تعتبر قضية الصحراء الغربية، القضية المركزية في المغرب
ترتبط إمكانية استئناف العلاقة بشكلها الطبيعي بين فنزويلا والمغرب بموقف فنزويلا من قضية الصحراء المصيرية وغير القابلة للمساومة بالنسبة للمملكة المغربية، لا سيما أن مواقفها من هذه القضية ذات الأبعاد الدولية تُعتبر، قياسًا بعدد كبير من جمهوريات أمريكا اللاتينية، راديكالية، حيث تعتبر فنزويلا، خلافًا للقرارات الأممية، المغرب “قوة استعمارية” و”قوة مُحتلة للصحراء” و”سلطة غير شرعية بالصحراء”، وتنادي صراحة باستقلال الصحراء عن المغرب.
وما فتئ المغرب، يراقب الأوضاع في فنزويلا بدقة ويرصد تطوراتها، وما إن أحس أن الظروف قد تحسنت قليلاً، حتى بدأ ببعث إشارة ذات دلالات إلى فنزويلا، قد يتم استثمارها إيجابًا، إذا تم استبعاد نيكولاس مادورو عن الحكم، ويأمل المغرب، في أن تتبنى فنزويلا موقفًا محايدًا من الصحراء الغربية، موقفًا يتسم بالاعتدال ويتلاءم مع الشرعية الدولية وينسجم مع الأسرة الدولية.
ويعتبر ملف الصحراء الغربية، القضية المركزية في المغرب، حيث تصر المملكة على أحقيتها في إقليم الصحراء، إذ أكد العاهل المغربي في أكثر من مناسبة، على مبدأ الوحدة الترابية للمملكة مع تمكين “سكان الصحراء من حقهم في التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية”، مؤكدًا أيضًا دور الصحراء الغربية “التاريخي كصلة وصل رائدة بين المغرب وعمقه الجغرافي والتاريخي الإفريقي”.
بهذا الاعتراف، تسعى السلطات المغربية، إلى كسب صداقة إحدى الدول التي مثلت لوقت طويل أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو الانفصالية، ما يعتبر إن تحقق، انتصارًا كبيرًا للدبلوماسية المغربية التي تعمل منذ عودة البلاد للاتحاد الإفريقي في يناير/كانون الثاني 2017، إلى استئناف اتصالاتها مع الدول التي تعترف بالبوليساريو في مسعى لإقناعها بقطع صلاتها مع الحركة.