ترجمة وتحرير: نون بوست
تسعى قطر إلى العودة إلى الساحة الإقليمية مجددا من خلال إثبات نفوذها المالي وإطلاق نشاط دبلوماسي، بعد مرور نحو 18 شهرا على فرض السعودية حصارا عليها بهدف عزل هذه الدولة الغنية بالغاز. وفي ظل تجدد الثقة التي تدعمها البترو-دولارات، رحبت الدوحة هذا الشهر بزعيمين أجنبيين كانا يائسين للحصول على دعم مالي، وعرضت على لبنان الواقع في مأزق مبلغا ماليا قدره 500 مليون دولار، كما استضافت محادثات بين طالبان والولايات المتحدة.
حيال هذا الشأن، قال الخبير في شؤون دول الخليج في معهد تشاتام هاوس نيل كويليام إن “قطر بدأت في العودة مجددا إلى الساحة الدولية، وعلى الرغم من وجود خطوط حمراء تمنعها من التقدم إلا أن تجاوزها لعاصفة الحصار أكسبها الثقة”. لقد قادها إصرارها إلى ميادين كانت الرياض منذ سنوات المهيمنة عليها، وتأتي هذه المرحلة في وقت تواجه فيه السعودية غضباً دولياً على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وتشير هذه الحركة الدبلوماسية إلى أن قطر بدأت تشعر بأنها تجاوزت أسوأ مرحلة من التأثير المالي للحصار الذي فرضته عليها السعودية، الذي بدأ في شهر حزيران/ يونيو من سنة 2017.
خلال السنة الأولى من الحصار، حاولت قطر التي نفت جميع الادعاءات الموجهة ضدها البقاء بعيدة عن الأنظار، حيث ركزت أكثر على إنهاء الأزمة الاقتصادية
عندما قطعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، فضلا عن إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية أمامها، اتهموها برعاية نشاطات الجماعات الإسلامية والإرهاب. لكن هذه الخطوة كانت محاولة جادة من هذه الدول لوضع حد لما يعتبرونه تدخلا شنيعا من قبل قطر في سياسة المنطقة وإضعاف علاقاتها مع إيران.
خلال السنة الأولى من الحصار، حاولت قطر التي نفت جميع الادعاءات الموجهة ضدها البقاء بعيدة عن الأنظار، حيث ركزت أكثر على إنهاء الأزمة الاقتصادية. وقد استرجعت الدوحة أكثر من 30 مليار دولار من الخارج بفضل جهاز قطر للاستثمار لتحقيق الاستقرار في النظام المالي، وبحثت عن شركاء تجاريين جدد، وأنفقت مبالغ ضخمة على جماعات الضغط في واشنطن.
في الوقت الحالي، تعمل قطر على استعراض عضلاتها المالية لإنشاء علاقات جديدة. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت قطر عن أنها تعتزم شراء 500 مليون دولار من السندات الحكومية اللبنانية في الوقت الذي يواجه فيه هذا البلد أزمة مالية. وبهذه الطريقة، تمكنت قطر من دخول ميدان كانت المملكة العربية السعودية منذ سنوات هي المهيمن الرئيسي عليه من دول الخليج؛ حيث كانت تسعى لمواجهة نفوذ حزب الله، الحركة الشيعية المتحالفة مع إيران التي تملك جناحين أحدهما سياسي والآخر عسكري.
من جهتها، توقفت السعودية عن تقديم خطط لإنقاذ لبنان، حيث تتصارع الجماعات المتنافسة بما في ذلك حزب الله على تشكيل حكومة جديدة بينما تتفاقم الأزمة المالية. لكن إعلان قطر غير المتوقع لقي استجابة سريعة من قبل المملكة العربية السعودية، التي وعدت بتقديم الدعم للبنان. وفي نفس اليوم، وصل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى الدوحة وحصل على تعهد برفع حظر الاستيراد المفروض على الأرز الباكستاني والترحيب بنحو 100 ألف عامل آخرين من دولة باكستان الواقعة في جنوب آسيا. أما الزعيم الثاني فقد كان الرئيس السوداني اليائس عمر البشير، الذي اختار زيارة قطر لتكون أول رحلة خارجية له بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت الشهر الماضي ضد حكمه الاستبدادي.
أوضح أحد المحللين الخليجيين الذي كان على دراية بخطط الدول المنافسة لقطر، أن “هذه الدولة أصبحت أكثر نشاطاً لكنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتكون قوة حقيقية مستدامة”.
في الحقيقة، تلقت كل من باكستان والسودان مساعدات مالية من الرياض وأبوظبي، في حين نشرت الخرطوم قواتها في اليمن لدعم التحالف الذي تقوده السعودية التي تقاتل المتمردين الحوثيين. وتعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول العربية نفوذاً، إذ تفتخر بامتلاكها أقوى الاقتصادات في المنطقة وأكثر العلاقات السياسات صلابة وأقوى العلاقات الخارجية مع إدارة ترامب.
لكن حسب مايكل ستيفانز، رئيس برنامج قطر للخدمات في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، “لقد أصبحت المنطقة أكثر انفتاحا على قطر في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي”. وأضاف ستيفانز أن “السعودية لم تعد قوية مثلما كانت في السابق، لذلك في حال كنت قائدًا سياسيًا ذكيًا في هذه المنطقة وكنت ترغب في تعزيز أرصدتك المصرفية، فيمكنك أن تستغل هذه الدول ضد بعضها البعض”.
في هذا السياق، أوضح أحد المحللين الخليجيين الذي كان على دراية بخطط الدول المنافسة لقطر، أن “هذه الدولة أصبحت أكثر نشاطاً لكنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتكون قوة حقيقية مستدامة”. وأضاف هذا المحلل أن “العنصر المشترك في كل هذا هو الدولار، وليس هناك نفوذ سياسي أو تدخل حقيقي؛ فالسعودية والإمارات تهتمان فقط بعلاقات الدوحة مع إيران وتركيا. وقد ساعد النزاع الذي تسبب في وقوف حلفاء الولايات المتحدة ضد بعضهم البعض وإحباط الولايات المتحدة، في تمتين العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تعتبره السعودية والإمارات العربية عدوا آخر إلى جانب إيران، التي تعتمد قطر على مجالها الجوي في ظل الحصار.
لطالما كانت الدول الكبرى المجاورة تظن أن قطر تطمح إلى القيام بأمور تفوق قدرتها، لكن العلاقات تغيرت لا سيما بعد ثورات سنة 2011 التي هزت العالم العربي.
أعادت قطر فرض نفوذها في غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس. وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت قطر أنها ستقدم 150 مليون دولار على مدى ستة أشهر لدفع أجور موظفي الخدمة المدنية في قطاع غزة. وفي هذا الإطار، بين الملحق الإعلامي لقطر في المملكة المتحدة ثامر آل ثاني أن “قطر تلعب دورا مهما في الوساطة لأننا نعتقد أن الدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة للتصدي للتحديات الأمنية في المنطقة، كما أن استقرار قطر واستقرار المنطقة مترابطان”.
مع ذلك، يقول المحللون إن قطر تعلمت من أخطائها ومن المرجح أن تتصرف بحذر تام. ولطالما كانت الدول الكبرى المجاورة تظن أن قطر تطمح إلى القيام بأمور تفوق قدرتها، لكن العلاقات تغيرت لا سيما بعد ثورات سنة 2011 التي هزت العالم العربي.
ردا على ذلك، تدخلت دول الخليج أكثر في شؤون مصر وليبيا وسوريا واليمن، وخاصة مع قطر فيما يتعلق بمشاكلها مع كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبالنسبة لستيفانز: “لقد ارتكبوا خطأ عند دخولهم في هذه اللعبة السياسية، حيث عادوا إلى ضخ الغاز وجني الأموال ومحاولة تحسين علاقاتهم مع الجميع. وتساورني الشكوك بشأن تطلعهم للتدخل بشكل واضح في سياسة الدول الأخرى في القريب العاجل”.
المصدر: فايننشال تايمز