قرر الاتحاد الأوروبي، قبل 3 أيام، إعادة تجميد حسابات بنكية للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وأقارب لهم ممن تعلقت بهم جرائم فساد واختلاس للمال العام حتى 31 من يناير/كانون الثاني 2020، كما يفعل كل سنة، إلا أن قائمة هذه السنة لم تتضمن اسم صهر بن علي “مروان المبروك” الذي استثني من هذا القرار نتيجة تدخلات من رئيس الحكومة يوسف الشاهد لرفع التجميد عن ممتلكاته، وفق منظمة تونسية.
الشاهد يتدخل شخصيًا
في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد لاستعادة أموالها المنهوبة بالخارج بهدف دفع مشروعات التنمية وتوفير فرص العمل في المناطق الفقيرة والمهمشة، سارع رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، وفق منظمة أنا يقظ (منظمة رقابية تونسية مستقلة)، إلى التدخل لفائدة رجل الأعمال مروان المبروك الملاحق من القضاء التونسي “لاقتنائه ممتلكات منقولة وغير منقولة وفتحه حسابات مصرفية واحتفاظه بأصول مالية في العديد من البلدان في إطار عمليات تبييض أموال”، لرفع التجميد المفروض على ممتلكاته.
وجاء تدخل الشاهد لصالح المبروك، بعد رفض الاتحاد الأوروبي الدعوى التي تقدم بها مروان المبروك ضد الدولة التونسية لرفع التجميد عن أملاكه في ثلاث مرات سابقة – آخرها يوم 15 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي – نظرًا لعدم انتهاء الأبحاث في القطب القضائي الاقتصادي والمالي والمتعلقة بشبهة اختلاس الأموال واستغلال النفوذ والإضرار بالإدارة، وفق ما صرح به مدير المشاريع بمنظمة أنا يقظ يوسف بلقاسم لنون بوست.
ويقول يوسف بلقاسم في حديثه لنون بوست إن رفض الاتحاد الأوروبي الدعوى التي تقدم بها المبروك، جعلت رئيس الحكومة التونسية يتدخل شخصيًا لمراسلة الاتحاد الأوروبي بتاريخ 21 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لطلب رفع التجميد عن أموال مروان المبروك.
ما قام به يوسف الشاهد، اعتبره العديد من التونسيين، تعبيرًا صادقًا عن سياسات الحكومة ورئيسها “المحابية للفساد”
ويضيف، أن حكومة الشاهد لم تكتف بتلك المراسلة فقط، بل قامت بمراسلة ثانية في اليوم الموالي للمراسلة الأولى، حيث راسل وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي الاتحاد الأوروبي لمتابعة طلب الحكومة التونسية لرفع التجميد عن المبروك، ويعتبر رجل الأعمال التونسي مروان المبروك أحد مالكي مجموعة المبروك (إحدى أكبر الشركات التونسية) وهو أيضًا الزوج السابق لسيرين بن علي، واحدة من بنات الرئيس الأسبق بن علي من زواجه الأول.
وفي شهر فبراير/شباط2011، أنشأت السلطات التونسية بمساعدة مبادرة استرداد الأموال المنهوبة “ستار” (وهي شراكة بين البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة) لجنة خاصة لاسترجاع الأموال المنهوبة لوضع تخطيط وقيادة وتعاون إستراتيجي على المستويين المحلي والدولي.
عقب ذلك، صممت اللجنة إستراتيجية شاملة تجمع بين مختلف أدوات التحقيق والأدوات القانونية، بما في ذلك الملاحقة القضائية المحلية، والتعاون الدولي غير الرسمي، وطلبات المساعدة القانونية المتبادلة، فضلاً عن التدخل كطرف مدني في الإجراءات الجنائية في فرنسا وسويسرا، ووجهت السلطات القضائية في تونس حينها، 57 إنابة عدلية منها 26 إنابة أصلية و31 إنابة تكميلية لطلب تجميد الأموال والأملاك المنهوبة من الرئيس المخلوع وأقاربه، إلا أنها لم تتمكن من استرجاع إلا بعض الملايين فقط.
مقاضاة يوسف الشاهد
تدخل يوسف الشاهد لصالح مروان المبروك، دفع منظمة “أنا يقظ” التي تنشط في مجال مقاومة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية، إلى تقديم شكاية لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ضده وضد كل من سيكشف عنه البحث من أجل استغلال صفته لاستخلاص فائدة لغيره دون وجه حق، تحت طائلة الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية الذي يعاقب بموجبه كل من أسند منفعة لغيره بمقتضى وظيفة.
ويقول مدير المشاريع بمنظمة “أنا يقظ” يوسف بلقاسم لنون بوست: “هذه الأعمال التي قام بها الشاهد وعدم امتثاله لواجب النزاهة، من خلال استغلال نفوذه وصلاحياته لتحقيق منفعة للغير والقيام بتصرفات مخالفة للقانون والتراتيب الجاري بها العمل، من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة وتعتبر فسادًا، حسب أحكام القانون عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 07 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين”.
مروان مبروك وزوجته سيرين بن علي
يؤكد يوسف بلقاسم في كلامه أن هذه الأعمال، إلى جانب مخالفتها للتراتيب الإدارية، فإنها دون أدنى شك تحقق منفعة لشخص ذي نفوذ ولها نتائج وخيمة على الدولة التونسية اقتصاديًا وحتى دبلوماسيًا، وفق بلاغ صادر عنها.
يذكر أن مروان المبروك، يقيم حاليًّا في تونس حيث يشارك بإدارة مجموعة مبروك، المسيطرة على أبرز المتاجر الغذائية الكبرى مثل مونوبري وجيان، بالإضافة إلى استحواذها على بنك تونس العربي الدولي، وبعد الثورة، نقلت أصول المبروك إلى اعتمادات شركة الكرامة القابضة التي تدير كل الأصول غير المبررة لمحيط بن علي.
وشملت أصول المبروك، شركة إنفستك المالكة لـ50.99% من شركة أورانج، بالإضافة إلى شركة أم تي آش الحاملة لأسهم في شركة غات للتأمين، وكانت شركة أورانج تونس أول مشغل للاتصالات يحوز إجازة لتشغيل شبكة 3 جي للإنترنت وأطلقت قبل عام من الثورة ضد بن علي في عام 2011.
سقوط لستارة القول بمحاربة الفساد
ما قام به يوسف الشاهد، اعتبره العديد من التونسيين، تعبيرًا صادقًا عن سياسات الحكومة ورئيسها “المحابية للفساد”، في هذا الشأن تقول الصحفية والناشطة الحقوقية التونسية أمل مكي: “لم أكن يومًا من المعتقدين بما سمي الحرب على الفساد وجديتها، حيث أثبتت قيامها على الانتقائية وعدم الشفافية وغياب معايير واضحة منذ البداية”.
وتضيف مكي في تصريحها لنون بوست “ما حصل مع رفع تجميد ممتلكات المبروك ليس انتكاسة برأيي، بل هو سقوط لستارة القول بمحاربة الفساد ووضوح تهافتها وتبيان المغالطات والانتهاكات التي رافقتها”، وتتابع “يعتقد الشاهد أنه بشطحاته الاتصالية قد أمن لنفسه ولحزبه الهجين الوليد قاعدة انتخابية لا سيما لدى فئة من الشباب المنبهرين والكهول الناقمين على غلاء المعيشة، غير أن الجولات الاتصالية الناجحة، نسبيًا، وحدها لم ولن تكفي لإقامة ثقة بين الحكومة والشعب الذي تتوالى عليه الصفعات من كل حدب وصوب”.
ربط بعض التونسيين، قرار الاتحاد الأوروبي، ببحث الشاهد ومن حوله عن مصادر تمويل لحزبهم ولحملته الانتخابية القادمة
تؤكد الناشطة الحقوقية التونسية، أن “ما حدث في قضية المبروك هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير ومن المؤكد أن ما سيخسره رئيس الحكومة أكثر مما ظن أنه سيربحه، فالتونسي لا ينسى وإن كانت ذاكرته في بعض الأحيان تسقط من جنباتها أحداثًا وصفعات لتقوى على المقاومة”.
وما فتئت الحكومة التونسية، تؤكد في الفترة الأخيرة عزمها المضي في حربها على الفساد، على حد تعبير رئيسها وباقي أعضائها، حيث قال يوسف الشاهد في الـ24 من شهر مايو/أيار 2017 في تصريح مقتضب: “أنا ككل التونسيين في الحرب على الفساد ولا خيار لي إما الدولة وتونس أو الفساد وأنا أخترت تونس”.
“الفساد يمولنا”
قرار رفض تجميد ممتلكات رجل الأعمال مروان المبروك، جاء بالتزامن مع إعلان العشرات من نواب البرلمان التونسي والوزراء، الأحد، تشكيل حزب جديد يحمل اسم “تحيا تونس” من المتوقع أن يتزعمه رئيس الوزراء الحاليّ يوسف الشاهد، في حادثة هي الأولى في البلاد، فلم يسبق لرئيس حكومة تونسي أن أسس حزبًا وهو بمنصبه.
وربط بعض التونسيين، قرار الاتحاد الأوروبي، ببحث الشاهد ومن حوله عن مصادر تمويل لحزبهم ولحملته الانتخابية القادمة، فمن المنتظر أن يشارك هذا الحزب الوليد في المحطات الانتخابية المرتقبة في خريف هذه السنة، وفي حديثها لنون بوست، اقترحت أمل مكي على القائمين على حزب الشاهد شعار “الفساد يمولنا” لحملة انتخابية مبكرة.
يسعى حزب الشاهد الجديد لأخذ مكان نداء تونس
وأوضحت مكي أن “الحزب الجديد ولد ميتًا لأنه حمل في دفتر ولادته تفاصيلاً وشخوصًا ميتة بالفعل”، وأضافت “الشاهد لم يدق فقط مسمارًا أخيرًا في نعشه أمام التونسيين بل جعل الاتحاد الأوروبي والعالم بأسره يدرك كم أن رئاسة الحكومة التونسية غير جديرة بما منحتها إياه ثورة 14 يناير، فالعالم ما زال ينظر نظرة إكبار وإجلال لتونس وشعبها الذي أنجز ثورة فارقة، لكن هذا الشعب اليوم مطالب بأن يهب مجددًا لإنقاذ ثورته وثرواته واسترداد كرامته”.
يسعى يوسف الشاهد الذي تقلد منصب رئاسة الحكومة التونسية في شهر أغسطس/آب 2016 إلى ضمان مكان له، في منظومة الحكم التي ستفرزها انتخابات 2019، الأمر الذي يفسر سعيه المتنامي إلى كسب ثقة رجال الأعمال لتمويل حملته الانتخابية، دون مراعاة حقوق الشعب التونسي ومطالبه المتراكمة.