في السنوات الأخيرة، واجهت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة العديد من التحديات والعقبات التي أثرت على نموها وأرباحها بسبب سياساتها الغذائية، فكثيرًا ما تعرضت للانتقاد بسبب القيمة الغذائية المتدنية وتأثيرها السلبي على صحة المستهلكين، ولذلك تتعرض دومًا وبشكل متكرر إلى تدقيق مكثف من مسؤولي المؤسسات الصحية الذين يلومون أصحاب هذه الصناعة على تفشي معدلات السمنة بين الأطفال تحديدًا، والأمراض القلبية بشكل عام.
يتزامن هذا الضغط والتضييق الشديد على خدماتها، مع ميل جيل الألفية إلى أكل المزيد من الفواكه والخضراوات الطازجة والألبان قليلة الدسم أكثر مما كانت عليه قبل 50 عامًا، وذلك بحسب تقرير وكالة المعايير الغذائية. ما يجعلنا نتساءل عن مستقبل الوجبات السريعة ونصيبها من الأرباح في قطاع المطاعم التجارية.
كيف أجلت مطاعم الوجبات السريعة نهايتها؟
لا شك أننا بشكل أو بآخر أصبحنا نلاحظ الإعلانات والدعايات التي تروج لاستخدام الحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات، وخاصةً على منصات التواصل الاجتماعية التي تحولت جزء من حساباتها إلى متاجر إلكترونية لبيع الأغذية الصحية للمستخدمين بشكل مباشر وبوقت قصير، والجزء الآخر اعتمد على منهجية التوعية بأهمية هذا النظام وعلاقته بالصحة والوزن والشكل الخارجي.
وتبعًا لهذا التركيز التجاري والاجتماعي على الأطعمة الصحية، بدأت الكثير من مطاعم الوجبات السريعة تقديم أطباق صحية ووجبات خالية من المواد الحافظة والمكونات الاصطناعية، ومن أبرزها سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” الأمريكية التي بدأت سياستها الغذائية بالتغير منذ عام 2003 حين تم اتهامها بتفاقم المشاكل الصحية بين الأطفال الذين يعانون من السمنة المفرطة، وذلك بالتزامن مع صدور قانون يدعو إلى فرض رقابة صارمة على إعلانات الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية والموجهة إلى الأطفال.
قررت ماكدونالدز استبعاد شطيرة البرغر بالجبن من قوائم طعام الأطفال وتعهدت بتقديم وجبات متوازنة بشكل أفضل للأطفال بحلول عام 2022
طواعية لهذه القوانين، أضافت ماكدونالدز تفاحًا وعنبًا إلى قائمة طعام الأطفال، كخيار يمكن استبداله بالبطاطا المقلية والذي يمكنه أن يقلل من عدد السعرات الحرارية بنسبة تصل إلى 20%، لكن هذا التغيير لم يُرضي المستهلكين أو المراقبين، فخفضت الشركة من كمية البطاطا المقلية وأضافت الماء والحليب والعصير بدلًا من المشروبات الغازية في وجبات الأطفال.
وعقب وضع حدود عالمية للسعرات الحرارية والصوديوم والدهون المشبعة والسكر المضاف عند التصنيع، قررت ماكدونالدزاستبعاد شطيرة البرغر بالجبن من قوائم طعام الأطفال وتعهدت بتقديم وجبات متوازنة بشكل أفضل للأطفال بحلول عام 2022، إذ تهدف إلى تصنيع وجبات تحتوي على 600 سعر حراري أو أقل، و10% من سعرات الدهون المشبعة، و650 مليغرامًا من الصوديوم، و10% من سعرات السكر المضاف.
علمًا أن هذه التغييرات المتتالية لم تأت فقط نتيجة للضغط الحكومي والقانوني، وإنما مع معاناة ماكدونالدز الربحية، ففي عام 2014 بقيت مبيعاتها تنخفض بشكل ملحوظ بسبب تفضيل المستهلكين للغذاء الصحي، فقد كشفت دراسة استقصائية أن المخاوف الصحية أبعدت جيل الألفية عن الأغذية المنتجة صناعيًا والتي تحتوي على مواد حافظة، وبالتالي أدى هذا التوجه إلى قيام ماكدونالدز بإجراء أكبر تغيير في قائمتها، والانتقال بعيدًا عن الفطائر المجمدة وإدخال الفطائر الطازجة في البرغر.
يعتقد المختصون أن سلاسل الغذاء الصحي التي تقدم الغذاء العضوي والخضراوات الطازجة قد تفقد قدرتها على المنافسة إذا لم تنجح في خفض أسعارها
يضاف إلى المخاوف الصحية، تحسن الظروف الاقتصادية التي شجعت العديد من المستهلكين على دفع مبالغ إضافية للحصول على أغذية عالية الجودة، ومع ذلك توقعت دراسة بحثية أن يصل سوق المطاعم السريعة التي تقدم الطعام الصحي إلى 67 مليار دولار بحلول عام 2020، وذلك على الرغم من صعوبة تقديم الطعام الطازج إلا أن القوائم الصحية هي الخيار الوحيد لإطالة عمر هذه الشركات.
فلا شك أن هذه المطاعم تسعى لزيادة نمو مبيعاتها التي انخفضت مع توجه العالم إلى نمط الحياة الصحي، فوفقًا لمجلة Nutrition Business Journal، فقد بلغ إجمالي مبيعات الأغذية الصحية في عام 2017 نحو 36% من حصة السوق، ومن المرجح أن تزيد النسبة في السنوات المقبلة، ومع ذلك يعتقد المختصون أن سلاسل الغذاء الصحي التي تقدم الغذاء العضوي والخضراوات الطازجة قد تفقد قدرتها على المنافسة إذا لم تنجح في خفض أسعارها، ولذلك، تكتشف هذه السلاسل طرقًا لخفض الأسعار إلى أقل حد ممكن، مثل تقليل تكاليف التشغيل وتخفيض عدد أماكن الجلوس الداخلية والاستهلاك الكهربائي وغيرها من العوامل التي قد تزيد من أسعار الوجبات.
هل تنقذ هذه التعديلات مطاعم الوجبات السريعة؟
في استطلاع حديث أجرته شركة Deloitte، أفاد أن أكثر من 75٪ من المشاركين يتبعون عادات غذائية صحية، وقال 83٪ منهم أن قائمة الوجبات السريعة التقليدية لا تقدم خيارات صحية كافية، ومع سيطرة مطاعم الوجبات السريعة على 50% من قطاع المطاعم بأكمله وتحقيقه نحو 570 مليار دولار، يرى خبراء التغذية أنها ستفشل في تلبية التفضيلات والمتطلبات الاستهلاكية المتغيرة.
من المتوقع أن يصل حجم سوق الأغذية العضوية إلى 70.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، نتيجة لزيادة الطلب من المستهلكين الذين أصبحوا على وعي متزايد باستخدام المواد الكيميائية ومبيدات الآفات في صناعة الأغذية
إذ يعتقد البعض أن المطاعم المعتمدة في قوائمها على النباتات والخضراوات ستكون هي المسيطرة ومن الصعب على العلامات التجارية القديمة أن تغير مشروعها بالكامل وتقنع المستهلك بحلتها الجديدة، فعلى سبيل المثال، بالرغم من أن ماكدونالدز حاولت إضافة بعض الخيارات الصحية إلى لوائحها إلا أن عام 2017 شهد العالم على إغلاق فروع لها أكثر مما افتتحت في السنوات السابقة.
بشكل عام، من المتوقع أن يصل حجم سوق الأغذية العضوية إلى 70.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، أما فيما يخص الأغذية والمشروبات الطبيعية فقد بلغت قيمتها السوقية نحو 79.137 مليون دولار في عام 2016 وفي الجهة الأخرى من المرجح أن تصل إلى 191.973 مليون دولار بحلول عام 2023 نتيجة لزيادة الطلب من جانب المستهلكين الذين أصبحوا على وعي متزايد باستخدام المواد الكيميائية ومبيدات الآفات في صناعة الأغذية والتي يمكن أن تسبب أمراض مزمنة مثل السرطان والعيوب الخلقية.