ترجمة وتحرير: نون بوست
تحقق السلطات الإسرائيلية مع مدني كان يعمل على مدار السنة الماضية في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويُشتبه في حصوله على وثائق سرية وتسريبها لوسائل الإعلام بشكل غير قانوني.
وكانت الوثائق قد دعمت وجهة نظر نتنياهو بشأن إضافة شروط جديدة صارمة لاتفاق وقف إطلاق النار مع حماس خلال الصيف، وسط ضغوطات شعبية مكثفة للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإنهاء الحرب في غزة.
هزت القضية إسرائيل، واتهم المنتقدون نتنياهو بتعطيل الوصول إلى اتفاق لإعادة الرهائن وبإطالة أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية؛ إذ كان أعضاء بارزون في ائتلافه الحكومي قد هددوا بالاستقالة إذا قدم تنازلات لحركة حماس.
يوم الأحد، أصدرت محكمة إسرائيلية الأحد الماضي حكماً برفع حظر النشر جزئياً في قضية تسريب وثائق سرية تورط فيها المشتبه به إليعازر فيلدشتاين، الذي تم تعيينه العام الماضي للعمل كمتحدث باسم مكتب نتنياهو. وحسب المحكمة، هناك ثلاثة مشتبه بهم آخرين في القضية ينتمون للمؤسسة العسكرية والأمنية، ولم يتم الكشف عن أسمائهم.
ووفقًا لتقارير إسرائيلية، ومسؤول إسرائيلي غير مخول بمناقشة معلومات حساسة، تمحورت التحقيقات حول نشر معلومات استخباراتية حقيقية ومزيفة والتلاعب بها في وسائل الإعلام الأجنبية. وكانت صحيفة “ذا جويش كرونيكل” التي تصدر في لندن قد نشرت تقريرًا- ثم سحبته – زعمت فيه أن حماس خططت لتهريب الرهائن الإسرائيليين من غزة إلى مصر. كما زعمت وثيقة سرية تم تسريبها إلى صحيفة “بيلد” الألمانية أن حماس حاولت التلاعب بالرأي العام الإسرائيلي وعملت على إطالة أمد المفاوضات.
تسريبات مكتب نتياهو: كيف بدأت القصة؟
في الأول من سبتمبر/ أيلول، أعلن الجيش الإسرائيلي عن العثور على ستة رهائن إسرائيليين قتلى داخل نفق في غزة بعد أن أطلق عليهم خاطفوهم الرصاص، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات الجماهيرية وموجة من الغضب والحزن في إسرائيل.
ولا يزال حوالي 100 إسرائيلي محتجزين لدى حماس في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأعلنت السلطات الإسرائيلية عن وفاة ثلثهم على الأقل.
وفي 2 سبتمبر/ أيلول، تحدث نتنياهو في مؤتمر صحفي متلفز عن شرط جديد لاتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، وينص على أنه يجب أن تحافظ إسرائيل على وجود دائم في محور فيلادلفيا، وهو شريط يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر.
وقال نتنياهو إنه دون حضور إسرائيلي في المحور، يمكن لحماس تهريب الرهائن عبر الحدود إلى صحراء سيناء المصرية، ومن ثم إلى إيران أو اليمن، حيث يمكن أن يختفوا إلى الأبد، على حد قوله.
كما عرض أيضًا وثيقة مكتوبة بخط اليد باللغة العربية قال إنها من إعداد قيادات رفيعة المستوى في حماس، وقال إن جنودا إسرائيليين عثروا عليها في يناير/ كانون الثاني في موقع قيادة تحت الأرض في غزة.
وتضمنت الوثيقة تعليمات لزيادة الضغط النفسي على إسرائيل من خلال نشر أشرطة فيديو وصور للرهائن والتشكيك في رواية الحكومة الإسرائيلية بأن عمليتها البرية في غزة ستساعد على إطلاق سراح الرهائن. وقال نتنياهو إن تلك الوثيقة أظهرت استراتيجية حماس في زرع الانقسام داخل إسرائيل، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات الشعبية ضد حكومته تصب في مصلحة حماس.
متى حدثت التسريبات؟
في 5 أيلول/ سبتمبر، وبعد وقت قصير من مؤتمر نتنياهو الصحفي، نشرت صحيفة “ذا جويش كرونيكل”، وهي صحيفة اجتماعية بريطانية، تقريرًا أعده الصحفي المستقل إيلون بيري. ادعى بيري أنه حصل على معلومات استخباراتية إسرائيلية تظهر أن زعيم حماس، يحيى السنوار، كان خطط للفرار من غزة إلى إيران عبر محور فيلادلفيا، وأنه كان يعتزم أخذ الرهائن الإسرائيليين معه.
واستشهد التقرير بمعلومات استخباراتية حصلت عليها إسرائيل بعد استجواب مسؤول كبير في حماس، ومن وثائق تم الاستيلاء عليها خلال عملية استعادة جثث الرهائن الستة.
وعند سؤاله عن تقرير صحيفة “ذا جويش كرونيكل”، قال الأدميرال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إنه لم يكن على علم بأي معلومات استخباراتية أو خطة من هذا القبيل بشأن السنوار.
لاحقًا، قامت صحيفة “ذا جويش كرونيكل” بسحب التقرير وغيره من المقالات التي كتبها بيري من موقعها الإلكتروني، وأعلنت عن إنهاء ارتباطها به. وقد أثار الحادث تساؤلات حول الصحيفة التي تأسست قبل 180 عاما، ويحيط الغموض بملكيتها.
في 6 سبتمبر/ أيلول، بعد يوم واحد من نشر تقرير صحيفة “ذا جويش كرونيكل”، نشرت صحيفة “بيلد” مقالًا قالت إنه يستند إلى وثيقة لحماس تعرض خطتها للحرب النفسية ضد إسرائيل في قضية الرهائن، مدعية أن حماس ليست في عجلة من أمرها للتوصل إلى اتفاق أو إنهاء الحرب. وكانت بعض الرسائل التي تضمنتها الوثيقة مشابهة للنقاط التي ذكرها نتنياهو في مؤتمره الصحفي.
وأصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا يوم الاثنين قال فيه إنه يبدو أن الوثيقة المذكورة في مقال “بيلد” تم العثور عليها قبل حوالي خمسة أشهر و”كُتبت في شكل توصية من قيادات وسطى في حماس، وليس من قبل السنوار”، كما قد يوحي به عنوان تقرير “بيلد”. وأضاف الجيش الإسرائيلي أن الوثيقة تحتوي على معلومات مشابهة لتلك التي عُثر عليها في وثائق سابقة، معتبرًا أن “تسريب الوثيقة يشكل انتهاكًا خطيرًا”.
ويقول المنتقدون إن كشف المعلومات الاستخباراتية المزعومة بدا وكأنه جزء من حملة تضليل يقودها نتنياهو أو مؤيدوه، تهدف إلى تقويض حملة الإفراج عن الرهائن والتأثير على الرأي العام الإسرائيلي لصالح مواقف رئيس الوزراء التفاوضية.
هل نتنياهو متورط؟
لم يتم استجواب نتنياهو بشأن الاتهامات، وقد نفى مكتبه تسريب المعلومات. ولا تزال الكثير من تفاصيل القضية غامضة بسبب الأمر القضائي بحظر النشر.
وفي إحدى بياناته الأولى حول القضية، قال مكتب نتنياهو يوم الجمعة إنه لم يتم استجواب أو اعتقال أي شخص من مكتبه. ولكن يوم السبت، قدم مكتب رئيس الوزراء رواية مختلفة، حيث قال إن المشتبه به الذي تم تحديد هويته لاحقًا بأنه إليعازر فيلشتاين، لم يشارك أبدًا في المناقشات الأمنية ولم يطلع على أي معلومات سرية ولم يحصل عليها.
كما اتهم مكتب نتنياهو السلطات بإجراء تحقيق انتقائي، بحجة أن العديد من التقارير المستندة إلى معلومات مسربة قد نشرت خلال الحرب دون أي عواقب، ووصف التحقيق بأنه “عدواني ومنحاز”.
كيف كان رد فعل الرأي العام؟
شهدت إسرائيل حالة من الاضطراب على خلفية الفضيحة التي بدأت خيوطها تتكشف خلال عطلة نهاية الأسبوع.
كتب البروفيسور هاغاي ليفين، وهو خبير في الصحة العامة وناشط في حملة إعادة الرهائن، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد أن “فضيحة الرهائن في مكتب نتنياهو تبدو أكثر خطورة من فضيحة ووترغيت التي أدت إلى استقالة الرئيس نيكسون”، واصفًا الفضيحة بأنها “مزيج من التخلي عن المختطفين، وخيانة للأمانة، وتقويض لأمن الدولة”.
ما هي آخر التطورات؟
في أول اعتراف رسمي بالاختراق الأمني المزعوم، رفعت محكمة الصلح في وسط إسرائيل يوم الجمعة أمر حظر النشر جزئيًا عن القضية.
وجاء في قرار المحكمة أنه تم اعتقال عدة أشخاص كجزء من تحقيق مشترك بين جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك” والشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي.
وقال القاضي، مناحيم مزراحي، إنه يُشتبه في قيام هؤلاء الأشخاص بـ”خرق أمني بسبب نقل معلومات سرية بشكل غير قانوني”، بالإضافة إلى تعريض معلومات ومصادر حساسة للخطر، والإضرار بفرص تحقيق أهداف الحرب في غزة.
وفي حكم لاحق صدر يوم الأحد بالسماح بنشر اسم فيلدشتاين، أكد القاضي أن هدف الحرب الذي كان يشير إليه هو استعادة الرهائن.
المصدر: نيويورك تايمز