يأمل النظام الحاكم في الجزائر، في مواصلة التحكم في البلاد وخيراتها إلى موعد لاحق لا يمكن تحديده ولا وضع حدّ له إلا بإرادتهم، غير أن عليهم اجتياز عقبة الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وإزاحة منافسيهم الذين بدؤوا في الاستعداد لهذه الانتخابات الاستثنائية التي يأمل الشعب الجزائري أن تأتي معها بالتغيير الذي طال انتظاره لعقود. من هؤلاء المنافسين الذين قد يربكون حسابات السلطة نجد الجنرال المتقاعد علي غديري الذي أعلن رسميا ترشحه للانتخابات على أمل تحقيق نتائج مهمة تخدم البلاد وفق أنصاره.
القطيعة مع ممارسات الماضي
في الـ 19 من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الجنرال المتقاعد علي غديري البالغ من العمر 64 عاما، ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرر إجراؤها في 18 أبريل/نيسان المقبل، ليكون أول مرشح في هذا الاقتراع. وقال الجنرال المتقاعد في بيان لوسائل الإعلام الجزائرية: “قررت أن أقبل التحدي والترشح في الانتخابات الرئاسية”، مضيفا: “هذا التحدي الكبير… ينطوي على طرح أسئلة دون أي محظورات على النظام القائم“.
ويشترط قانون الانتخابات الجزائري حصول المرشح للرئاسيات على 60 ألف توقيع لمواطنين عبر محافظات البلاد المختلفة، أو 600 توقيع لمنتخبين محليين في البلديات والولايات (المحافظات) أو في البرلمان بغرفتيه.
وقال غديري، في مؤتمر صحفي عقده بالجزائر العاصمة، الأحد، “لم أتعلم في مساري أن أبني استراتيجيتي على استراتيجية الخصم. بوتفليقة إلى الآن هو الرئيس ولم يعلن بعد ترشحه، وفي حال أعلن الترشح سأواجهه كمواطن مثله“. وشدد غديري على أنه لا تخيفه أي جهة في النظام الحاكم وأن سنده الوحيد هو “المواطن في هذه المعركة السياسية“.
بلغ عدد الراغبين في خوض الانتخابات 179 شخص إلى غاية أمس الخميس
واعتبر غديري، الذي يسمي برنامجه الانتخابي بعنوان “القطيعة مع ممارسات الماضي وإعلان جمهورية ثانية”، وأن مشاكل الجزائر وأزماتها “ليست اقتصادية وإنما سياسية بالأساس وسببها الفساد السياسي“. وأوضح الجنرال الجزائري المتعاقد: “نظرا للتعفن الذي وصلت إليه الأمور وشلل المؤسسات والفساد فالتغيير (تغيير الوجوه) أصبح بلا جدوى“.
وتابع مبينا: “لم يكن بإمكاني الحديث عن هذا لما كنت مستخدما لدى الجيش بسبب واجب التحفظ وأنا أتحدث عن هذا اليوم لأن قوانين الجمهورية والدستور يمنحاني الحق في الكلام“. لكنه نفى مع ذلك أنه جاء “من أجل تصفية الحسابات ومحاسبة المسؤولين السابقين”، متعهدا بأن عمله يتركز على “إعادة المؤسسات للشعب” عبر صناديق الاقتراع.
“المواجهة لا تخيفني”
برز اسم غديري سنة 2016، عبر سلسلة مقالات نشرها في الصحافة المحلية، وضمّنها عدة أفكار عن “ماهية التغيير في الجزائر”، مثل حديثه عن “حاجة هذه الجمهورية إلى إعادة تأسيس شامل وصياغة مؤسساتية ناتجة عن مشروع مجتمع يكون الشعب قد شارك في تعريف فلسفته وتجسيدها”، ودعوته لـ “إعادة صياغة الدولة القومية لترشيد دورها، وجعل سير المؤسسات فيها ديمقراطيًا حقًا”.
وعزز علي غديري صورته العامة بسلسلة مشاركات إعلامية في الأسابيع الأخيرة، إذ انتقد في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الوطن” الشهر الماضي تكهنات حول إمكان تأجيل الانتخابات وتمديد ولاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قائلا إنه يتوقع أن يوقف الجيش خطوة مماثلة.
وأثارت هذه التصريحات حفيظة وزارة الدفاع التي توعدت باللجوء إلى القضاء إذا تم خرق القواعد المتعلقة بسلوك العسكريين المتقاعدين. وتنتهي في 28 نيسان/أبريل المقبل الولاية الرابعة لبوتفليقة، الذي يستخدم كرسيا متحركا منذ إصابته بجلطة دماغية في العام 2013. وهو يحكم البلاد منذ أبريل/نيسان 1999.
وكان غديري الذي ظلّ يردّد في مقالاته عبارة “المواجهة لا تخيفني”، قد قال في رسالة مطوّلة ردّ على المشككين فيه، “ذنب هؤلاء الجنرالات الوحيد هو رفضهم الانضمام إلى أوركسترا التطبيل والتصفيق في رقصة إرضاء غرور الحكام، ذنبهم هو أنهم لا يحسنون ضبط آلاتهم في كل مرة على النوتات التي يريد سماعها أصحاب القصر، والجنرالات المتقاعدين لم يعودوا مواطنين كاملي الحقوق، أنا ممنوع من إبداء رأيي منذ سنّ قانون واجب التحفظ، لكني لست جبانًا، ولم أتخلّف دومًا عن أداء واجباتي.”
وفي 18 يناير/كانون الثاني الماضي، انطلق في الجزائر سباق الرئاسة، وبلغ عدد الراغبين في خوض الانتخابات 179 شخص إلى غاية أمس الخميس، منهم 14 رؤساء أحزاب، فيما البقية وهم 165 فمترشحين أحرار، وفقا لوزارة الداخلية الجزائرية.
مرشّح “المخابرات القديمة”؟
يعتبر علي غديري، وفق عدد من الجزائريين، أحد مرشحي ما يعرف في الجزائر بـ”شبكة المخابرات القديمة” التي يقودها مدير جهاز المخابرات السابق الفريق محمد مدين، والذي أحاله الرئيس بوتفليقة بشكل مفاجئ إلى التقاعد في 13 سبتمبر/أيلول 2015.
ويعوّل “غديري”، كثيرا على الدعم الذي يحظى به من قبل قطاع كبير من العسكريين والأمنيين السابقين في الجيش والمخابرات الذين أبعدهم الرئيس بوتفليقة من مناصبهم في الفترة الأخيرة، على رأسهم قائد المخابرات السابق.
ومنذ يونيو/حزيران الماضي، أجرى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تغييرات غير مسبوقة في قيادة الجيش، شملت قادة نواحي، وقائدي الشرطة والدرك الوطني، ومدير أمن الجيش (أقوى جهاز مخابرات في البلاد) بناء على اقتراحات من الفريق أحمد قايد صالح، نائب رئيس أركان الجيش، ونائب وزير الدفاع الوطني.
وفسّرت جزائريون تلك التغييرات على أنها محاولة من قبل الرئيس بوتفليقة والمحيطين به لتمهيد الطريق أمام مرشحهم للانتخابات، سواء كان بوتفليقة أو أي شخص أخر، المهم ان يكون تابعا لتوجهات القائمين على الحكم حاليا، ولا يخالف لهم أمرا.
ترشّح علي غديري، يؤكّد الصراع الحاصل بين أجهزة السلطة في الجزائر، فهذه الأجهزة لم تتفق على مرشح بعينه لرئاسة البلاد في الفترة القادمة. وتعتبر المنظومة العسكرية والأمنية، تعتبر صاحبة القرار الحقيقي في المحطات الكبرى، بمعنى أن أي خليفة لبوتفليقة في العام 2019، سيكون أحد التابعين لها إن لم يرشح بوتفليقة نفسه من جديد.
يخشى “غديري”، أن يتم اسقاط ترشّحه للرئاسة بسبب “قانون الصمت” الصادر في أغسطس/آب 2016
ويعرف العديد من الجزائريين، العداوة التي كانت بين علي غديري وقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، كما لم تكن علاقة غديري بالضباط المقرّبين من قائد الجيش جيدة، وكان هذا التوتر وراء تسريع إحالة غديري على التقاعد في 27 أيلول/سبتمبر 2015.
ويحسب علي غديري منذ سنوات صعوده الأولى في الجيش الجزائري، على الكوكبة الضيّقة للفريق محمد مدين المكنى الجنرال توفيق” القائد السابق للاستخبارات العسكرية، وهذا الأخير يقف وراء الترقيات السريعة لغديري الذي شغل لفترة طويلة منصب المدير العام للموارد البشرية بوزارة الدفاع.
تمت ترقية غديري إلى رتبة عقيد بتاريخ 27 أغسطس/آب 2000، قبل أن يحظى في الرابع من تموز/يوليو 2010، برتبة لواء، وأصبح بعد 5 سنوات أمينًا عامًا لوزارة الدفاع، لكن إنهاء مهام محمد مدين، من قمة هرم جهاز الاستخبارات في 13 أيلول/سبتمبر 2015، أطاح بغديري الذي أعفي من مهامه بعد أسبوعين فحسب من تلك الإقالة، في مرحلة كان فيها غديري يتطلع لتبوؤ مناصب أخرى أرفع.
وعود كثيرة
في إطار حملته الانتخابية المبكرة، عرض الجنرال الجزائري المتقاعد علي غديري، نقاط عريضة لما سيتضمنه برنامجه الانتخابي ومنها، “القطيعة مع النزعة التسلطية ومع نظام الريع و المحاباة الذي ترعاه جماعات المصالح والأليغارشيات، وإقامة جمهورية ثانية حقيقة ديمقراطية وعصرية و بناء دولة القانون التي ترتكز على الحريات الفردية و القيم الوطنية المشتركة، حيث يكون المواطن المحدد الرئيس في المعادلة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية.“
كما تضمن أيضا، “العمل على استعادة هيبة الدولة وذلك بتوطيد اسس ارضية ديمقراطية عبر تشكيل مؤسسات وطنية ديمقراطية منتخبة وفق قواعد الاقتراع العام حيث يطبق مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ويكون ذلك حقيقة ملموسة.“
وتطرّق أيضا غديري إلى قطاع الطاقة الذي يمثّل عماد اقتصاد البلاد ويعرض في هذا الشأن ” القطيعة مع اقتصاد الريع والتبعية لقطاع المحروقات وذلك من خلال ترقية اقتصاد قائم على الإنتاج وإعادة الاعتبار للعمل وبذل الجهد وهذا ما سيسمح بتحقيق اقتصاد المعرفة في أكثر من مجال.“
وبدأ علي غديري، في الفترة الأخيرة في استقطاب وحشد التأييد والمساندة من قبل شخصيات سياسية ومدنية وصحافيين، كما استطاع ضمان تأييد عدد هام رجال أعمال بارزين ووسائل إعلام مقربة من مجموعة “المخابرات القديمة” التي تدعمه.
هل يكون مصيره السجن؟
يخشى “غديري”، أن يتم اسقاط ترشّحه للرئاسة بسبب “قانون الصمت” الصادر في أغسطس/آب 2016، والذي يفرض على العسكريين المتقاعدين حديثاً من مناصبهم التزام واجب التحفظ، وعدم المساس بسير مؤسسات الدولة.
كما يخشى أيضا أن يكون مصيره السجن كما حصل للجنرال حسين بن حديد الذي أودع السجن في خريف 2015، بتهمة “إهانة هيئة نظامية” وخرق واجب التحفظ بالنسبة للعسكريين، وقضى بن حديد حينها 10 أشهر في سجن الحراش، قبل أن يتم إطلاق سراحه لأسباب صحية في يوليو 2016. وقد تمت إدانته في مارس 2018 بسنة حبس موقوفة التنفيذ.
لا يعتبر علي غديري، المرشح الجدي الوحيد لمنافسة مرشح السلطة، فيوجد عديد المرشحين الجديين غيره، إلا أنه الوحيد الذي بدأ حملته بقوة ضدّ النظام الحاكم، فهل يكتب له خوض هذه الانتخابات أم أن السجن والملاحقة القضائية سيكون مصيره؟