ترجمة وتحرير: نون بوست
أكتب هذا المقال بعد أن تحدثت في عدد لا يحصى ولا يعدّ من الجامعات المرموقة في جميع أنحاء المملكة المتحدة حول عدة مواضيع على غرار الحاجة إلى القضاء على التعذيب ومساءلة الجهات الحكومية وغير الحكومية فيما يتعلق بالعنف المُمارس تحت مسمى “الحرب على الإرهاب” فضلا عن مخاطر برنامج “منع”. وقد تحدثت مرارا حول الحاجة إلى إنهاء هذا البرنامج، وليس مراجعته بصفة مستقلة، بل إلغائه تماما.
من جهتها، تشاورت منظمة “كيج” مع المئات من الأفراد ووثّقت شهاداتهم، وقد وصلنا إلى قناعة مفادها أن برنامج “منع” يركز في جوهره على مسائل على غرار مراقبة الجمهور وإسكات المعارضة. ومن الواضح أن أي سياسة حكومية تقوم على مثل هذه المبادئ، لن تعود بالسلب على بقية المجتمع فقط، خاصة وأنها تضع حجر الأساس لنظام سيطرة قوي تنتهجه الدولة، بل لن تقودنا كذلك نحو حلول بناءة، أو حتى بناء قدر من الثقة التي من شأنها أن تدفعنا لتحقيق هذا الهدف.
جهود مُتوقّعة
ليس من المفاجئ أن يقع إدراج اسمي ضمن قائمة المتحدثين “المتطرفين” في الجامعات من قبل ما يعرف باسم “حقوق الطلاب”، وهو مشروع يتمتع بدعم ضئيل بين الطلاب أنفسهم، ويحظى برعاية وتوجيه مؤسسة هنري جاكسون اليمينية.
بالمناسبة، ولتوضيح إحدى الطرق التي تدعم بها المنظمات التابعة لمجال مكافحة الإرهاب بعضها البعض، قدم مشروع “حقوق الطلاب” جلسات إحاطة إلى وحدة تحليل التطرف بوزارة الداخلية حول ما يسمى “بالمتطرفين” بين الطلاب والموظفين في العديد من الجامعات في المملكة المتحدة.
يعتبر التقرير السنوي الحالي لأبرز الجامعات التي تستضيف المتحدثين “المتطرفين”، بمثابة محاولة لإسكات الأصوات المسلمة القوية في المناقشات التي تغطي القضايا الرئيسية التي تهم بريطانيا اليوم
لذلك، ليس من المستغرب أن يقع إدراج اسمي في القائمة نظرا لأنني أعارض برنامج “منع”. علاوة على ذلك، انتقد المُقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي هذا البرنامج مؤكدا أن هذه السياسة قد تشجع على “التطرف” بدلا من التصدي له. وفي الواقع، حان الوقت للتصدي لمساعي فرض رقابة على أصوات المسلمين الذين ينتقدون الحكومة بطريقة شرعية. وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن إلى حد كبير توقّع مثل هذه المساعي.
ويعتبر التقرير السنوي الحالي لأبرز الجامعات التي تستضيف المتحدثين “المتطرفين”، بمثابة محاولة لإسكات الأصوات المسلمة القوية في المناقشات التي تغطي القضايا الرئيسية التي تهم بريطانيا اليوم.
استمداد القوة
من الواضح أن الأمر لا يتعلق بالقضايا التي تناقش على غرار انتهاكات حق الإجراء العادل وعمليات تفتيش المسلمين والصحفيين في المطارات واستمرار السجن دون محاكمة لمئات من المسلمين والناشطين في جميع أنحاء العالم باسم مكافحة “الإرهاب” وما يعرف في الوقت الراهن “بالتطرف”، بل بحقيقة أن المسلمين هم من ينددون بذلك. لذلك، يمثل هذا الأمر مشكلة بالنسبة لباقي الأطراف. في المقابل، تستمد منظمة “كيج” قوتها من هذا الموقف، وسنستمر في تنظيم فعاليات عامة في الجامعات وأماكن أخرى تتناول القضايا التي تهمنا جميعا.
على المستوى الأكاديمي، تفاعلنا مع التقارير التي نُشرت في السابق وناقشناها بشكل مفصّل، حيث لم نغير مطلقا آراءنا في هذا الشأن. لكن في الوقت الحالي، من الجدير تسليط الضوء على نقطتين مهمتين. أولا، يدعي تقرير هنري جاكسون أنه تم السماح لمنظمة “كيج” والمنظمات الإسلامية الأخرى بالمشاركة في التظاهرات العامة دون وجود أي أصوات معتدلة في صفوفها.
يعتبر مجال مكافحة الإرهاب بمثابة تصور لمجموعة من الأفراد الذين لم يتمكنوا من مواجهة الشعور بالتمييز المُمارس في حقهم ونظرتهم المدفوعة بالخوف تجاه الإسلام والمسلمين
من جهتنا، ندعو مؤسسة هنري جاكسون ومشروع حقوق الطلاب إلى تحديد متحدثين من أجل الخوض في نقاشات معنا. في الأثناء، يمكنهم معالجة مجموعة من المواضيع على غرار الأسباب التي تجعل التعذيب أمرا قائما والتي تجعل الأفراد الذين يغضون الطرف عن العنف الذي يمارس ضد السكان يحظوْن بالحماية من قبل حكومة المملكة المتحدة، بالإضافة إلى الأسباب التي تقف وراء استجواب الأعضاء التابعين لبرنامج “منع” للأطفال الذين يبلغون من العمر أربع سنوات.
ترسيخ الشعور الخوف
ثانيا، يجب مناقشة هذه التقارير، على غرار الوثيقة الأخيرة التي قدمها معهد توني بلير للتغير العالمي والتي عمدت منظمة كيج لدحضها وإثبات زيفها من خلال تقرير شامل وموسع، وذلك بالاعتماد على منطق سليم ورؤية واضحة. ويعتبر هذا الأمر مهما نظرا لأن هذه التقارير تعدّ بمثابة محاولة واضحة للتأثير على سياسة الحكومة، من قبل الأفراد والجماعات على غرار “خليات التفكير” التي على صلة واضحة بدعاة الحرب المعروفين. ومن الواضح أنهم عازمون على تحقيق جملة من الأرباح، على المدى الطويل، من خلال ترسيخ الشعور بالخوف وتعزيز الانقسامات داخل المجتمع.
علاوة على ذلك، يعتبر مجال مكافحة الإرهاب بمثابة تصور لمجموعة من الأفراد الذين لم يتمكنوا من مواجهة الشعور بالتمييز المُمارس في حقهم ونظرتهم المدفوعة بالخوف تجاه الإسلام والمسلمين. ويعد تشكيل “هيئة خبراء” في صلب لجنة مكافحة التطرف، أفضل دليل على ذلك.
يُلمح هذا الأمر إلى وجود قلق أعمق متجذّر تاريخيا داخل قطاع صنع السياسات، الذي تتمثل نتائجه النهائية في تجريد الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم “غرباء” من إنسانيتهم وبالتالي اعتبارهم بمثابة “تهديد”.
حقائق غير مريحة
يتجلى هذا الأمر في رؤية سياسات على غرار “منع” يقع مراجعتها وتنقيحها مرارا وتكرارا على حساب دافعي الضرائب، وحالات لا حصر لها من عدم المساواة في المحاكم، على غرار تلك التي يتم فيها فصل أفراد العائلة عن بعضها البعض.
في الحقيقة، يتطلب معالجة ومعرفة حجم هذا التأثير على حالة المجموعة النفسية والسياسة، تكريس مستوى من التأمل الذاتي والنقد الذي يبدو غائبا في صفوف صناع القرار. وسيظل هذا الأمر على حاله طالما أن أعدادا كبيرة من الأفراد والجماعات تستفيد بشكل كبير، ماديا وسياسيا، من تأييد حالات التمييز بكل أشكاله. ويشمل ذلك تصنيف الأشخاص “المتطرفين” نظرا لأنهم بصدد إثارة حقائق غير مريحة.
المصدر: ميدل إيست آي