ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ أن التقوا بإيمانويل ماكرون في القاهرة على هامش زيارته الرسمية لمصر، وجهت لأربعة مدافعين مصريين عن حقوق الإنسان تهم متعلقة “بإهانة الدولة المصرية”، “تهديد أمن الدولة”، فضلا عن “تهديد الأمن القومي ومصالح البلاد”.
في اليوم الذي تلا لقاءهم بالرئيس الفرنسي، الأربعاء، 30 كانون الثاني/يناير، وجه أحد المحامين المقربين من النظام المصري تهما للمصريين الأربعة، تتعلق “بنشر أخبار كاذبة للسلطات الفرنسية”. ويمارس النظام تكتيكا يتمثل في الإساءة والمضايقة الإعلامية والضغط القضائي لإسكات المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهو أمر شائع في مصر خلال عهد عبد الفتاح السيسي، حيث تقبع حاليًا عشرات الآلاف من الأصوات المعارضة في سجون النظام.
عموما، إذ ما أحال المدعي العام الخاص الشكوى إلى النائب العام، فهنالك إمكانية من أن يفتح هذا الأخير تحقيقاً ضد كل من محمد زارع، مدير المكتب المصري لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وجمال عيد، الناشط الحقوقي ومدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، ومحمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، بالإضافة إلى جاسر عبد الرازق المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. ومن المرجح أن تنتهي التحقيقات بسجن الحقوقيين الأربعة باعتبار أنهم “زودوا الرئيس الفرنسي بأنباء كاذبة لإلحاق الضرر بسمعة مصر الدولية والمس من مصلحتها الوطنية”.
على موقع “مدى مصر”، الذي يعد آخر متنفس لحرية الإعلام، ذكر محمد زارع أنه ناقش مع الرئيس الفرنسي حجب النظام لأكثر من 500 موقع، وتوجيه أحكام الإعدام للآلاف من المعارضين، إلى جانب ظروف الاحتجاز المروعة والانتهاكات التي طالت معارضي السيسي خلال الانتخابات الرئاسية
يعد هؤلاء الأشخاص الرؤساء الأربعة لمجموعة من المنظمات غير الحكومية، ورموز حقوق الإنسان في مصر بالإضافة إلى كونهم جزءا من وفد ضم ثمانية ممثلين عن المجتمع المدني استقبلهم إيمانويل ماكرون بعد ظهر يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني/ يناير. وتواصل هذا اللقاء لمدة ساعتين، تناولوا فيها القضايا الأكثر حساسية منذ أن تسلم المشير السيسي السلطة سنة 2013، على غرار سياسة القمع غير المسبوقة التي اتبعها ونية الرئيس المصري في تعديل الدستور لتمديد فترة ولايته الانتخابية لأطول وقت ممكن.
على موقع “مدى مصر”، الذي يعد آخر متنفس لحرية الإعلام، ذكر محمد زارع أنه ناقش مع الرئيس الفرنسي حجب النظام لأكثر من 500 موقع، وتوجيه أحكام الإعدام للآلاف من المعارضين، إلى جانب ظروف الاحتجاز المروعة والانتهاكات التي طالت معارضي السيسي خلال الانتخابات الرئاسية، معتبرا أن النظام يرتكز على الإرهاب والتعذيب. كما تحدث زارع عن حملة الاعتقالات التي شنها النظام، خلال استقبال الدكتاتور المصري لماكرون، في حق نشطاء شاركوا في الاحتفال بمضي ثمانية سنوات عن ثورة 25 يناير في مقر حزب الكرامة في القاهرة.
كان الناشط المعروف والمصور الصحفي، أحمد جمال زيادة، الذي سبق له أن قضى 500 يوما في السجن ونجا من محاولة اغتيال سنة 2015، أحد المشاركين في الاحتفال. والجدير بالذكر أن زيادة اختفى في مطار القاهرة الدولي بعد استجوابه من قبل الأمن الوطني يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني/يناير، بعد وقت قصير من مغادرة إيمانويل ماكرون إلى قبرص.
منذ أن أعلنوا عن اجتماعهم بإيمانويل ماكرون، إما عن طريق إصدار بيان، أو من خلال نشر منشور على فيسبوك من أجل ضمان الشفافية، ونظرا لأن لقاء ممثلين عن منظمات غير حكومية بالرئيس الفرنسي لا يمكن أن يعد بمثابة جرم، تعرض كل من محمد زارع، جمال عيد، محمد لطفي وجاسر عبد الرازق إلى حملة تشويه على شبكات التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المصرية، الخاضعة لسيطرة النظام.
تم إلقاء القبض على زوجة لطفي التي تُدعى أمل فتحي في أيار/مايو الماضي، وحكم عليها بالسجن لمدة عامين بسبب تنديدها في شريط فيديو نُشر على فيسبوك بعدم تصرف السلطات إزاء انتشار التحرش الجنسي فضلا عن أحد الأوبئة في البلاد
في هذا الشأن، صرحت ليزلي بيكمال من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قائلة: “لقد طالتهم العديد من الشتائم وتلقوا العديد من الرسائل على هواتفهم، حتى أن البعض وصفهم “بالخونة وعملاء للخارج”. وتعيش ليزلي بيكمال في بروكسيل، وهي زميلة لمحمد زارع الذي مُنع من مغادرة مصر منذ شهر أيار/مايو من سنة 2016، رفقة ثلاثين من زملائه بعد اتهامهم بتلقي أموال من الخارج للإضرار بالأمن العام وبمصالح البلاد.
واصلت نفس الباحثة حديثها قائلة: “اهتزت صورة محمد [زارع] بسبب وسائل الإعلام والمضايقات القضائية التي تعرض لها، كما أنه قلق للغاية بشأن النتائج التي ستُسفر عن تحقيق السلطات فيما يتعلق بالشكوى”. وعلى غرار المطلعين على الوضع في مصر، لا تشك الباحثة مطلقة بحقيقة مفادها أن النظام يقف وراء هذه الشكوى. وتابعت ليزلي حديثها قائلة: “على الرغم من صعوبة إثبات ذلك، إلا أنه من الصعب رفع شكوى بناء على مبادرة من مواطن واحد، ما يعني حدوث تشاور مسبق مع السلطات”.
في الواقع، يعيش كل من محمد زارع، جمال عيد، محمد لطفي وجاسر عبد الرازق تحت الضغط والتخويف والرقابة الذي يسلطه عليهم نظام السيسي. ولعل أبرز مثال على ذلك، محمد لطفي، الفائز سنة 2018 بالجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، والذي يترأس منظمة غير حكومية تندد بالاختفاء القسري، إذ لا يزال يدفع ثمناً باهظاً مقابل نشاطه.
في شأن ذي صلة، تم إلقاء القبض على زوجة لطفي التي تُدعى أمل فتحي في أيار/مايو الماضي، وحكم عليها بالسجن لمدة عامين بسبب تنديدها في شريط فيديو نُشر على فيسبوك بعدم تصرف السلطات إزاء انتشار التحرش الجنسي فضلا عن أحد الأوبئة في البلاد. ومن جانبها، اعتبرت السلطات ذلك بمثابة انتهاك لأمن الدولة.
تم إخلاء سبيل فتحي خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وظلت تحت الإقامة الجبرية، مع عدم خروجها من المنزل باستثناء الذهاب إلى الطبيب نظرا لأنها تعاني من مشاكل صحية. من جهة أخرى، لم يخف إيمانويل ماكرون عن الرئيس السيسي أنه سيلتقي بممثلين عن المجتمع المدني، بينهم مدافعين عن حقوق الإنسان. كما أعاد قول ذلك أمام السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع بينهما والذي عُقد يوم الاثنين 28 كانون الثاني/يناير.
تكشف هذه الإجراءات الانتقامية في حق أربعة من رموز حقوق الإنسان في مصر، والتي اتخذت مباشرة بعد مغادرة الرئيس الفرنسي، عن مدى سخرية نظام السيسي من احترام الحريات وكل من يثير هذا الموضوع.
خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2017، أكد إيمانويل ماكرون أنه “لا يتلقى دروسا”، الأمر الذي أثار جدلا بين صفوف الجمعيات والرأي العام. في المقابل، تحدث ماكرون هذه المرة علنا عن حقوق الإنسان مع السيسي خلال هذه زيارته الرسمية الأولى لمصر. وقد كان من الصعب عليه أن يتجاهل بصفة علنية هذا الموضوع الشائك، خاصة وأن مصر أضحت بمثابة سجن مفتوح يكمم أفواه أية أصوات معارضة ويحجب أي نقد.
في هذا الصدد، صرح الرئيس الفرنسي ماكرون قائلا: “يمكن للمرء أن يقول الأشياء بصراحة […] لكن دون أن يقدم نفسه كشخص يلقي دروسا ومحاضرات، كما لا يجب عليه أن يدعو إلى زعزعة استقرار […]. لم تسر الأمور في الاتجاه الصحيح منذ شهر تشرين الأول /أكتوبر سنة 2017. فقد سُجن المدوّنون والصحفيّون والناشطون. لا أستطيع التصرف كما لو أن شيئا لم يحدث”. وأصر ماكرون على الحديث على “استقرار” البلاد، الذي “يمر عبر ديناميكية المجتمع المدني”. وعلى الرغم من كل ما صرح به، لم يتراجع الرئيس الفرنسي عن بيع الأسلحة إلى مصر، التي يستخدمها النظام لقمع الشعب المصري.
تكشف هذه الإجراءات الانتقامية في حق أربعة من رموز حقوق الإنسان في مصر، والتي اتخذت مباشرة بعد مغادرة الرئيس الفرنسي، عن مدى سخرية نظام السيسي من احترام الحريات وكل من يثير هذا الموضوع. ولكن لسائل أن يسأل، هل ستتفاعل السلطات الفرنسية مع هذه التهم؟ وما هي ردة فعلها على هذه الإجراءات التي تكشف مرة أخرى عن الطابع الاستبدادي والقمعي الذي يميز النظام المصري، نظام تعتبره فرنسا “أفضل حلفاءها” وتريد مزيدا من التعامل معه؟
خلال حديثه مع موقع “ميديابار”، أكد مصدر رسمي من الإليزيه أن الحكومة الفرنسية على “اتصال وثيق”، عبر سفارة فرنسا في القاهرة، مع الناشطين المصريين الأربعة “الذين يقومون بعمل ممتاز”. كما وعد الإليزيه بالبقاء “يقظا إزاء التتبعات التي ستنجر عن الشكوى”.
في الحقيقة، عبّر الرئيس بوضوح عن موقف فرنسا خلال زيارته لمصر، حيث تحدث عن الاستقرار والسلام الدائم باعتبار أنهما يسيران جنبا إلى جنب مع احترام الحريات والكرامة وسيادة القانون”. وأشار المصدر ذاته من الإليزيه إلى أن “فرنسا ستواصل الحوار والعمل على تحقيق نتائج ملموسة في هذا المجال”.
المصدر: ميديابار