أعلن الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيترشح للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في 18 من أبريل/نيسان المقبل، رغم عدم تمكنه من تنشيط حملته الانتخابية وتقديم إعلان ترشح جهري مثل باقي المترشحين العاديين بسبب وضعه الصحي الحرج، وذلك مع إعلان أحزاب التحالف الرئاسي تقديم بوتفليقة مرشح عنها للاستحقاق المقبل.
وبعد أشهر من الشد والجذب أصبح ترشح بوتفليقة لولاية خامسة رغم متاعبه الصحية في خانة المؤكد، رغم الأصوات التي جاءت من المعارضة خاصة حركة مواطنة، الداعية لتخليه عن قرار مواصلة المكوث في كرسي الرئاسة لخمس سنوات جديدة، بالنظر إلى تعارض ذلك مع تكريس النظام الديمقراطي وما قد ينتج عنه من تهديدات لمستقبل الدولة الجزائرية.
بداية الزفة
التقى قادة أحزاب التحالف الرئاسي مساء السبت بمقر حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي يرأسه بوتفليقة بحيدرة في أعالي العاصمة الجزائر، وأعلنوا ترشيحهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة.
حمل بيان الترشيح جملاً من المدح لشخص بوتفليقة وكأنها مهربة من قصائد شعراء المدح للملوك في عصر العباسيين أو الأمويين
وضم الاجتماع منسق حزب جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب، والوزير الأول أحمد أويحيى الذي يتولى الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي، وعمار غول رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، وعمارة بن يونس رئيس الحركة الشعبية الجزائرية.
وقالت الأحزاب الأربع في بيان مشترك إنها “ترشح المجاهد عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة، تقديرًا لسداد وحكمة خياراته وتثمينًا للإنجازات الهامة التي حققتها الجزائر بقيادته الرشيدة واستكمالاً لبرنامجه الإصلاحي والتنموي الطموح من أجل جزائر الرفعة والعزة، جزائر موحدة وسيدة وقوية ومتصالحة ومزدهرة”.
وحمل بيان الترشيح جملاً من المدح لشخص بوتفليقة وكأنها مهربة من قصائد شعراء المدح للملوك في عصر العباسيين أو الأمويين منها “الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، رائد الوئام والمصالحة، قائد الإصلاح والتنمية وباعث الأمن والطمأنينة، قائد مسيرة مظفرة”.
وتضمن بيان الأحزاب الأربع تناقضًا بقولها: “الشعب الجزائري يستقبل موعد الانتخابات الرئاسية بتفاؤل كبير ويحدوه الأمل في أن يقترن هذا الاستحقاق السياسي العام بمواصلة تحقيق المزيد من المكاسب في كنف السلم والأمن والاستقرار”، وهو ما يتنافى مع موقف الجزائريين خاصة الشباب الذين طلقوا الانتخابات بدليل العزوف الذي عرفته الاستحقاقات المحلية والتشريعية التي جرت في 2017، وكانت نسب المشاركة فيها أقل من 40% في بعض الحالات رغم تهديد بعض الولاة بحرمان المقاطعين من الاستفادة من السكن.
بسبب مناقضته للواقع، صار خطاب قادة التحالف الرئاسي في كل المناسبات فارغًا من أي جديد، وتكرارًا لأفلام وكأنها تتحدث عن بلد آخر
ولم يخرج بيان أحزاب التحالف الرئاسي عن أسطواناتها القديمة التي تربط بقاء بوتفليقة بالاستقرار والأمن والتصدي للمؤامرات الخارجية، بتشديدهم على “حماية مكتسبات السلم والاستقرار والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية وتعزيز قدرات الشعب الجزائري في مواجهة التحديات والتهديدات المحتملة، والانخراط في مسعى تغليب المصالح العليا للجزائر، حفاظًا على سلامتها وحمايتها من أنواع الحملات المسمومة والدعايات الهدامة والمناورات الخبيثة التي تهدف إلى الإخلال باستقرارها”.
وبسبب مناقضته للواقع، صار خطاب قادة التحالف الرئاسي في كل المناسبات فارغًا من أي جديد، وتكرارًا لأفلام وكأنها تتحدث عن بلد آخر غير ذلك الذي يعيشه الجزائريون الغارقون في تدني القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وتدني مستوى التعليم والخدمات الصحية وضحالة العمل السياسي.
ترشح صامت
رغم هذه الدعوة التي وجهها قادة الائتلاف الحاكم لبوتفليقة، فإن الأخير لا يزال إلى اليوم لم يعلن ترشحه للاستحقاق الرئاسي، لكن الناظر إلى طريقة دخول بوتفليقة المعترك الرئاسي يعلم أنه سيترك ذلك للأيام الأخيرة، خاصة أن الرجل لن يستفيد شيئًا من إعلانه المبكر بما أنه لن يستطيع التحدث للجزائريين بسبب وضعه الصحي الذي يعيشه منذ أبريل/نيسان 2013 عندما تعرض لجلطة دماغية جعلت ظهوره نادرًا ومحرومًا من مخاطبة شعبه طيلة ولايته الرابعة التي توشك على الاكتمال.
لكن أويحيى قال في ندوة صحفية لحزبه وهو يجيب عن سؤال لصحفي شكك في ترشح بوتفليقة: “هل لديك شك أن الرئيس لن يترشح، قناعتي والعلم لله أن الرئيس مترشح بـ99% ويفصلنا 30 يومًا تقريبًا على إعلان قائمة المترشحين من طرف المجلس الدستوري وبالتالي ليس لنا خطة ب لترشيح آخر باسم الحزب”.
القانون العضوي المتعلق بالانتخابات في الجزائر يشترط على المترشح للرئاسيات أن يقدم شهادة طبية من أطباء محلفين تثبت تمتعه بقواه العقلية والبدنية، وهو ما لا يتوفر حسب خصوم بوتفليقة في الرئيس المترشح
وبسبب وضعه الصحي، يتوقع أويحيى أن بوتفليقة سيعلن ترشحه برسالة مكتوبة، وقال للصحافة: “لا أتكلم مكان مرشحنا لكنه سيوجه رسالة للشعب الجزائري يتحدث فيها عن أشياء معينة ولنا ثقة فيه”، وأضاف أن “الرئيس بوتفليقة ليس بحاجة إلى تنشيط حملة انتخابية، لأن الجزائريين يعرفون إنجازاته، فهو لم ينشط حملة في رئاسيات 2014 لكن الشعب زكاه، لو كان الرئيس في عهدته الأولى لأراد الشعب أن يتعرف على مرشحه لكنه يعرفه ومؤمن به، وسيقدم حصيلة للجزائريين بحالته الصحية الحاليّة”.
وفي انتخابات 2014، نشط الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال الحملة الانتخابية نيابة عن بوتفليقة بمساعدة قادة الأحزاب والمنظمات المساندة لبوتفليقة، وعرفت تلك الحملة بعض الرفض من المواطنين مثلما وقع في ولايتي بجاية وتبسة.
ويستفيد بوتفليقة من عدم تنشيط حملته الانتخابية وعدم إعلان ترشح في خطاب مسموع من عدم تضمن قانون الانتخابات شروطًا تلزم المترشحين بذلك، حيث تكتفي الإجراءات بإيداع وثائق الترشح فقط، لكن القانون العضوي المتعلق بالانتخابات في الجزائر يشترط على المترشح للرئاسيات أن يقدم شهادة طبية من أطباء محلفين تثبت تمتعه بقواه العقلية والبدنية، وهو ما لا يتوافر حسب خصوم بوتفليقة في الرئيس المترشح، لكن يبقى موقفهم لا يحمل القوة القانونية اللازمة بالنظر إلى قانون لا يقدم تفاصيل بشأن الصحة الجيدة.
تشتت
على عكس معسكر الموالاة الذي رمى خلافاته من أجل دعم بوتفليقة في معركة الفوز بولاية خامسة، تظل المعارضة الجزائرية في وضع لا تحسد عليه يتميز بالتشتت وعدم الاتفاق على مرشح موحد بإمكانه هزيمة بوتفليقة.
مع عدم بروز منافس بإمكانه التغلب على بوتفليقة في جميع الظروف، يظل طريق عدم التخلي عن كرسي الرئاسة مفروشة بالورود أمام الرئيس الذي فاق عمره 80 عامًا
وتفرقت أصوات المعارضة بين مقاطع مثل جبهة العدالة والتنمية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، ومشارك مثل حركة مجتمع السلم وطلائع الحريات والمرشح المستقل علي غديري الذي يبدو أنه يمثل طرفًا في السلطة يرفض ترشح بوتفليقة.
ويقوي هذا التشتت من حظوظ الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999 بالفوز بخمس سنوات أخرى رغم الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد منذ 2014، الذي انعكست نتائجه بشكل واضح على المواطنين في ظل عدم تقديم السلطة حلول بديلة بإمكانها أن تبعث بصيص أمل للشباب الذين يقطعون البحر الأبيض المتوسط في ظروف قد تنتهي بالموت، هربًا من غياب الأفق في بلد الموطن.
ومع عدم بروز منافس بإمكانه التغلب على بوتفليقة في جميع الظروف، يظل طريق عدم التخلي عن كرسي الرئاسة مفروشة بالورود أمام الرئيس الذي فاق عمره 80 عامًا.