أعلن مكتب نتنياهو إقالة وزير الحرب في حكومته يوآف غالانت، ونشر صورة عن خطاب الإقالة المقتضب، والذي نصَّ على أنه “وفقًا للبند 22-ب من قانون الحكومة، قررت عزلك من منصبك بصفتك وزيرًا للدفاع. ستنتهي ولايتك في هذا المنصب في غضون 48 ساعة من تسلمك هذا الكتاب”، خاتمًا كتاب الإقالة بكلمات شكر بروتوكولية.
خطا نتنياهو الخطوة التي يتحيّنها منذ عام ونيف للتخلُّص من وزير حربه، الذي مثّل عنوانًا دائمًا للأزمات في الائتلاف الحكومي، ومظهرًا علنيًا لمعارضة العديد من سياساته قبل الحرب وخلالها أيضًا.
عيّن نتنياهو وزير الخارجية يسرائيل كاتس وزيرًا للحرب، فيما عيّن خصم الأمس حليف اليوم جدعون ساعر وزيرًا للخارجية.
رغم أن نتنياهو عدَّ أي تغيير في هيكل “إسرائيل” القيادي الحالي مضرًّا بالمصلحة العليا وأولويات الحرب، ردًّا على دعوات المعارضة له بالاستقالة وتحمُّل مسؤولية الفشل في السابع من أكتوبر، فإن ما كان محظورًا في أشهر الحرب الأولى أصبح مباحًا بعد أكثر من عام من الحرب، إذ لم يكن المحدد للموقف الأول إلا مصلحة نتنياهو، ولم يكن الدافع في الموقف الثاني إلا تلك المصلحة ذاتها أيضًا.
كانت الخطوة الدراماتيكية التي اتخذها نتنياهو في لحظة حساسة ودقيقة متوقعة من حيث المضمون والجهوزية لاتخاذها، لكنها كانت مفاجئة من حيث التوقيت، إذ استهدفت الرجل الذي مثّل قناة الاتصال الأكثر موثوقية للولايات المتحدة في الائتلاف الحكومي اليميني في ليلة الانتخابات الأمريكية، وكأن نتنياهو انتظر اللحظة التي لا تستطيع فيه الولايات المتحدة أن تمارس ضغطًا يعطّل مثل هذه الخطوة، التي سبق أن تعطّلت في مارس/ آذار 2023 بفعل ضغوط خارجية وداخلية.
أزمة ثقة وفجوات كبيرة
لخّص نتنياهو أسباب إقالته غالانت في سببَين رئيسيَّين: أزمة ثقة، وفجوات كبيرة. كان ذلك ملخّص كلمة نتنياهو التي عقّب فيها على قرار الفصل، عادًّا أن أزمة الثقة التي توسعت تدريجيًا بينه وبين وزير حربه قد أصبحت علنية، وأنها لا تسمح بالاستمرار الصحيح في الحملة الحالية التي تخوضها “إسرائيل” ضد أعدائها، عادًّا أنه قد ترتّب عن هذه الخلافات فوائد كثيرة لصالح أعداء “إسرائيل” بسبب “النقاشات العلنية”.
وقال نتنياهو في كلمة تلفزيونية: “إن التزامي الأقصى بصفتي رئيس وزراء إسرائيل الحفاظ على أمن إسرائيل وإيصالنا إلى انتصار كامل. في خضمّ الحرب، أكثر من أي وقت مضى، يتطلب الأمر ثقة كاملة بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع. لسوء الحظ، رغم أنه في الأشهر الأولى من الحملة كانت تلك الثقة وكان ثمة عمل مثمر للغاية، فقد تصدعت هذه الثقة بيني وبين وزير الدفاع”.
في المقابل، كثّف الوزير المقال أسباب إقالته في 3 قضايا: أما الأولى فقضية التجنيد (أن على كل إسرائيلي في سن التجنيد أن يخدم في الجيش الإسرائيلي)، وقد عدّها غالانت القضية الأكثر مركزية لوجود “إسرائيل” ومستقبلها، مذكرًا حسب وصفه بأن “إسرائيل فقدت مئات الجنود والرجال والنساء في هذه الحرب، وتكبّدت آلاف المعاقين”، وأن “الحرب مستمرة”.
أما الثانية فعودة الأسرى لدى المقاومة، إذ يؤكد أنها “واجب أخلاقي” بالإمكان تحقيقها، مذكرًا بأنه “سيكون إهمال المختطفين خطيئة على جبين المجتمع الإسرائيلي ومن يقوده”؛ وأما الثالثة والأخيرة فاستخلاص العبر بعد تحقيق شامل وموضوعي، فقد فصّل، وفقًا له، أيضًا سبب اعتقاده بضرورة إنشاء لجنة تحقيق حكومية لشؤون الحرب.
يوآف غالانت.. الجنرال الدموي والسياسي المتعثر
من حيث البدايات، فإن غالانت صاحب السجلّ العسكري الحافل في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو سجلّ يقع في صلبه إيغال في الدماء والجرائم بحق الشعب الفلسطيني. لم تكن حياته السياسية يسيرة، إذ لاحقته بعض الفضائح والصعوبات، ففي العام 2010، وعلى خلفية دوره الرئيسي في قيادة الحرب على غزة في العام 2008-2009، كان غالانت أحد المرشحين البارزين لتولي منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وهو المنصب الذي رشّحه له وزير الحرب الإسرائيلي في ذلك الوقت إيهود باراك، وهو ترشيح أثار جدلًا كونه جاء معاكسًا لرغبة رئيس الأركان حينذاك، غابي أشكينازي.
في سبتمبر/ أيلول 2010، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان يرأسه بنيامين نتنياهو، على تعيين غالانت. وقال نتنياهو وقتها إن “غالانت أثبت على امتداد 33 سنة في الخدمة العسكرية أنه مقاتل شجاع، وضابط ممتاز، وقائد معارك مسؤول وجادّ”.
لكن سرعان ما ألغى نتنياهو تعيين غالانت في هذا المنصب في فبراير/ شباط 2011، عقب فضيحة أخرى اتهم فيها غالانت بـ”مصادرة أرض ملكية عامة لبناء منزله”، وأسفرت نتائج التحقيق عن صعوبات قانونية كبيرة أمام تعيينه، وفقًا للنائب العام في ذلك الوقت، ما حال دون تعيينه في المنصب، وحسم الموقع لصالح بيني غانتس.
لم يحظَ غالانت بحضور سياسي مؤثر في مسيرة بدأت في العام 2015، عندما وصل إلى الكنيست عن حزب يمين الوسط “كولانو” أو “كلنا”، وأصبح وزيرًا للإسكان، وذلك قبل أن ينتقل إلى حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو في العام 2019، ويتولى وزارة التعليم والهجرة في فترة 2019-2021. ومذاك يعدّ غالانت مقرّبًا من نتنياهو وداعمًا، بل مدافعًا قويًا عن المستوطنات الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
في صفوف الليكود، لم يحظَ غالانت برمزية كبيرة أو حضور مؤثر، وارتبطت مسيرته بدعم نتنياهو له، الذي سلمه وزارة الحرب خلفًا لبيني غانتس، فيما عُدَّ ذلك هجمة مرتدة من نتنياهو وغالانت على الإقصاء السابق لغالانت من موقع رئاسة الأركان لصالح غانتس الذي دعمه أشكنازي حينها.
قدّم نتنياهو غالانت للموقع المهم في تشكيلته الحكومية لعدة أسباب، أهمها حجز هذا الموقع لحليف موثوق له يحمل توجهاته في ائتلاف حكومي يميني يحتاج إلى مقاربات دقيقة مع حلفاء الصهيونية الدينية المندفعين، الذين طالبوا بمقعد وزارة الحرب في مفاوضات الائتلاف.
من جانب آخر، وجد نتنياهو في غالانت ضالته لتحقيق التوازن مع مؤسسة الجيش الذي لم يصل إلى رئاسة أركانها مرشح بيني غانتس، الذي لم يكن نتنياهو يفضّله لهذا الموقع واعترض على تعيينه في فترة تسيير الأعمال للحكومة السابقة، حكومة بينت-لابيد.
في الخلفية، حرص نتنياهو على أن يكون غالانت وزير حربه، لتيقّنه أن غالانت لا يمكن أن يمثل خصمًا صاعدًا داخل الليكود، الذي ينفرد بزعامته منذ عقود صفّى خلالها كل الأسماء الوازنة والمنافسين المحتملين، وأقصى أصحاب الطموح في سبيل بقائه سيد أحزاب اليمين الصهيوني.
وزيرًا للجيش لدى حكومة نتنياهو
لم يعمل يوآف غالانت وفق المحددات التي أرادها بنيامين نتنياهو، وقد خلقت عاصفة حملة “التعديلات القضائية” التي خاضها الائتلاف الحكومي اليميني في البنية القانونية لدولة الاحتلال، أو “الانقلاب القضائي” وفقًا لتوصيف معارضيه، وما ترتب عنها من حملة مواجهة واسعة من المعارضة الإسرائيلية، والتيار العلماني المسيطر على المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، خاصة الأمن والجيش، أدّت إلى دخول “إسرائيل” في موجة واسعة من الاحتجاجات على التعديلات التي بدأ الائتلاف في تطبيقها، ووجدوا فيها تهديدًا جوهريًا لتركيبة الدول والفصل الدقيق بين السلطات، وحسم آخر قلاع العلمانيين في المؤسسات الإسرائيلية.
للمرة الأولى، عكست الأزمة السياسية نفسها على الجيش الإسرائيلي، وبعض المستويات في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ونشأ عنها ما عُرف بموجة “رفض الخدمة”، في مواجهة التعديلات القضائية للائتلاف الحكومي، والتي سبّبت تخوفًا لدى العديد من مستويات الجيش بأنها ستتحول إلى مادة تعزّز من إمكانية ملاحقتهم جنائيًا في المحاكم الدولية.
توقع نتنياهو من وزيره أن يكون حاسمًا في وجه موجة الاعتراضات داخل جيش الاحتلال، ومنسجمًا مع توجهات الائتلاف الحكومي، وبرنامج التغيير الذي يقوده حزب الليكود، إلا أن موقف غالانت جاء مغايرًا. وبعد محاولة لموازنة موقفه، عبّر غالانت عن موقف رافض لاستمرار برنامج الائتلاف الحكومي علنًا، عادًّا أن الاستمرار فيه سيشكّل تهديدًا أمنيًا مباشرًا على مصالح دولة الاحتلال.
جاء هذا الموقف في ذروة موجة الاعتراضات الشعبية التي قادتها المعارضة، وتجنّد من أجلها غالبية الجنرالات المتقاعدين ورؤساء الأركان السابقين في دولة الاحتلال، ما أدّى إلى إكسابها زخمًا كبيرًا وصل إلى مرحلة انخراط “الهستدروت” وشلّ مؤسسات الدولة بإضراب عمالي واسع.
واجه نتنياهو هذا الموقف من غالانت بقرار إقالته من موقعه في وزارة الحرب في مارس/ آذار 2023، وهو قرار سرعان ما اضطر، آنذاك، إلى التراجع عنه أمام ضغط الشارع وتظاهر مئات آلاف الإسرائيليين، وضغوط كبيرة مارستها الولايات المتحدة، التي وجدت في غالانت حليفًا موثوقًا منحته مساحة واسعة من التأثير، في ضوء علاقة فاترة في حينه بين إدارة بايدن الديمقراطية وحكومة نتنياهو اليمينية.
لم تعد العلاقة بين نتنياهو ووزير حربه غالانت إلى سابق عهدها، وبقي التوتر سيد الموقف، في وقت أدرك فيه الأخير أن التراجع عن إقالته لن يعدو كونه مرحليًا إلى حين تبريد الشارع، بعد أن جمّد الأول خطة التعديلات إلى وقت لاحق بغرض ترتيب أكثر لأوراقه.
تدريجيًا، عدّ نتنياهو غالانت وزيرًا للجيش في الائتلاف الحكومي، لا العكس، فبدلًا من أن يحمل غالانت توجهات الحكومة ويحولها إلى برنامج عمل لجيش الاحتلال، تبنى وزير الحرب مواقف هيئة الأركان بشكل كامل، في مختلف القضايا، وحملها في مواجهة وزراء نتنياهو، خصوصًا قادة الصهيونية الدينية ومواقفهم الجامحة، وهو ما حول المشهد الحكومي إلى مشهد توتر دائم بين غالانت من جانب، وبن غفير وسموتريتش من جانب آخر.
بعد الفشل الذريع لكل مستويات القيادة الاسرائيلية في السابع من أكتوبر، وشنّ دولة الاحتلال حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، ورغم الدموية والفاشية الكبرى التي عبّر عنها يوآف غالانت في قيادته لوزارة الحرب، فإنه لم ينسجم مع طريقة بنيامين نتنياهو في إدارة الحرب، ولا في تحديد أهداف وأولويات الحرب، وشكّل انحيازًا مع خصوم الأمس حلفاء مجلس الحرب، بيني غانتس وغادي أيزنكوت، في وجه نتنياهو وائتلافه الحكومي.
عبّر غالانت، في مواضع متعددة، عن معارضة علنية لسياسات نتنياهو في الحرب، وشكّلت تصريحاته عامل ضغط كبير على الأخير، خصوصًا في ملفات مفاوضات التبادل، وسيناريوهات اليوم التالي للحرب، إضافة إلى توسيع الحرب إلى شمال فلسطين المحتلة.
شكّلت مواقف غالانت -وفي الخلفية منها موقف مؤسسة الجيش- عامل ضغط كبير على نتنياهو، ومحفزًا للمزيد من تحركات المعارضة والضغط الشعبي عليه، وهو ما وجد فيه نتنياهو إصرارًا من غالانت على تحدي سلطته وقيادته، ومضيًا في تأزيم العلاقة المتشنجة أصلًا.
تحيّن بنيامين نتنياهو الفرصة ليضرب ضربته، وهيَّأ الظرف الأنسب، خصوصًا بعد حلّ مجلس الحرب، وإعادة ترتيب العلاقة مع خصمه السابق في الليكود ومعارضه جدعون ساعر، الذي سرعان ما انفك عن تحالفه مع بيني غانتس، وعاد إلى ترتيب علاقته مع بنيامين نتنياهو وانضم إلى ائتلافه الحكومي طامعًا في وزارة الحرب.
مثّل ملف “تجنيد الحريديم” القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى نتنياهو، إذ أصرَّ غالانت على المضي قدمًا في إرسال طلبات التجنيد لليهود المتدينين “الحريديم”، من منطلق ما عدّه متعلقًا بالحرب والتحديات التي توضّح حاجة الجيش الإسرائيلي إلى مزيد من الجنود، بوصفها حاجة عملياتية حقيقية تتطلب “تعبئة واسعة من كافة شرائح المجتمع”.
هدد موقف غالانت التحالف التاريخي بين نتنياهو وأحزاب الحريديم، وعبره شكّل تهديدًا لمستقبل الائتلاف الحكومي، الذي وعد فيه نتنياهو حزبي “شاس” (حزب الشرقيين المحافظين على التوراة) و”يهودات هتوراه” (حزب التوراة اليهودي المتحد) بإقرار قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية، ما يعني أن المضي قدمًا في قرار غالانت والموافقة على أوامر تجنيد جديدة تشمل 7 آلاف من اليهود المتدينين، سيمثل انهيارًا حتميًا للائتلاف الذي بذل نتنياهو كل جهده للحفاظ على تماسكه.
لم يكن بإمكان نتنياهو إلا أن يخطو خطوته ويقصي غالانت من الائتلاف الحكومي، في خطوة اجتمعت كل مسبّباتها وتزول تدريجيًا كل موانعها مع يوم الانتخابات الأمريكية، وكان سيمثل تأجيلها ذروة المخاطرة الجدية بانهيار الائتلاف.
يسرائيل كاتس: وزير باهت سياسيًا، فاشي المواقف
في كلمته عقب إقالة يوآف غالانت، أعلن بنيامين نتنياهو أنه قرر تعيين الوزير يسرائيل كاتس في هذا المنصب، مضيفًا أن الأخير “أثبت بالفعل قدراته ومساهمته في الأمن الوطني بصفته وزيرًا للخارجية، ووزيرًا للمالية، ووزيرًا للمخابرات لمدة 5 سنوات، وما لا يقل أهمية عن ذلك، بصفته عضوًا في المجلس السياسي الدفاعي لسنوات عديدة”.
احتاج نتنياهو في اختياره البديل إلى شخصية تحقق رغبته: وزير للحكومة على الجيش، يحمل مواقف الائتلاف الحكومي، ويعيد النصاب إلى طبيعة العلاقة بشأن كون الحكومة من تحدد أجندة الجيش، لا العكس. وفي الوقت ذاته، إنه يحتاج إلى وزير يعيش في جلبابه، لا يحمل طموحًا متمردًا، ولا يرى في نفسه بديلًا محتملًا، أو مغردًا خارج السرب.
على عكس التوقعات، جاء اختيار يسرائيل كاتس في الوقت الذي كان يطمح جدعون ساعر بأن يكون حامل حقيبة وزارة الجيش القادم، إضافة إلى قائمة قصيرة من الطامحين داخل الليكود إلى الموقع ذاته. فضّل نتنياهو أن يكون اختياره دقيقًا يلائم حاجته المذكورة سلفًا، بمعايير انطبقت بامتياز على كاتس.
مَنْ هو يسرائيل كاتس الذي سرعان ما تعهّد بـ”هزيمة” أعداء بلاده مغرّدًا على حسابه في منصة إكس: “سنعمل معًا لقيادة المؤسسة الدفاعية إلى النصر على أعدائنا وتحقيق أهداف الحرب: إعادة جميع الرهائن… تدمير حماس في غزة، وهزيمة حزب الله في لبنان، واحتواء العدوان الإيراني، والعودة الآمنة لسكان الشمال والجنوب إلى منازلهم”؟
وُلد كاتس في العام 1955 في مدينة عسقلان جنوبي فلسطين المحتلة، وهو حاصل على درجة البكالوريوس من الجامعة العبرية في القدس حيث تابع دراساته العليا أيضًا. يقيم الآن في مستوطنة موشاف كفار أحيم، وعمل في الزراعة.
أصبح كاتس عضوًا في الكنيست عام 1988، وكان عضوًا في لجانه المالية والداخلية، إضافة إلى لجان القانون والدستور والعدل والشؤون الداخلية والبيئة، والشؤون الخارجية والدفاع، كما كان عضوًا في لجنة الالتماسات العامة واللجنة المشتركة لميزانية الدفاع، واللجنة الخدمية الأمنية في الكنيست، وشغل منصب رئيس مؤتمر حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو منذ العام 2005.
كان كاتس أحد الوزراء الذين غادروا حكومة شارون في يناير/ كانون الثاني 2006 بعد انقسام الليكود (انشق عنه حزب كاديما)، احتجاجًا على خطة الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وأُعيد انتخابه ضمن قائمة الليكود في انتخابات 2006.
في مارس/ آذار 2007، أوصت الشرطة الإسرائيلية بتوجيه الاتهام إلى كاتس بتهم الاحتيال وخيانة الأمانة، إذ أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.
تولى كاتس حقائب وزارية عديدة منذ دخوله عالم السياسة حتى تعيينه اليوم وزيرًا للدفاع، منها وزارة الزراعة وتطوير الريف، ووزارة النقل والسلامة على الطرق، والاستخبارات، والطاقة الذرية، أما منصبه قبل الأخير وزيرًا للخارجية فقد شغله منذ العام 2019.
ويُعرف وزير الدفاع الجديد بمواقفه المتشددة تجاه الفلسطينيين ومسألة التوسع الاستيطاني والحرب في قطاع غزة، ويتبنى وجهة نظر تؤيّد ضمّ الضفة الغربية وتوسيع السيادة الكاملة عليها، ويدعم استمرار بناء المستوطنات فيها.
كما يدعو إلى قطع جميع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، ويعارض حلّ الدولتَين وإنشاء دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال، ويفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنيًا وسياسيًا بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويعارض أي انسحاب من مرتفعات الجولان، ويعدّها جزءًا لا يتجزأ من “إسرائيل”.
اقترح كاتس استخدام إسرائيل عمليات التصفية المدنية المستهدفة، أو “الاغتيالات” ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل”، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة اختصارًا بـ BDS.
يعدّ كاتس صاحب المبادرة المثيرة للجدل، التي ترمي إلى إقامة جزيرة اصطناعية قبالة سواحل غزة، لنقل السكان إليها، تتضمن ميناءً وأبراجًا سكنية ومطارًا مدنيًا، وهو مشروع قديم حديث سعى كاتس إلى تمريره منذ 10 سنوات، وقد عاد إلى طرح الفكرة من جديد بعد عملية “طوفان الأقصى” خلال اجتماع له مع نظرائه الأوروبيين.
وفي أواخر أغسطس/ آب المنصرم دعا كاتس إلى إخلاء الضفة، كما يحدث في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة المستمرة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. قال كاتس في حينه على حسابه في إكس: “يجب التعامل مع التهديد في الضفة مثل غزة، وتنفيذ إخلاء للسكان. إنها حرب على كل شيء”.
ترتيبات استقرار الائتلاف الحكومي
فعليًا، وجدَ رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، اللحظة التاريخية المواتية لإقالة وزير حربه يوآف غالانت، في ليلة الانتخابات الأمريكية. صحيح أن جوهر هذا القرار يرتبط ارتباطًا مباشرًا بقضية تجنيد اليهود الحريديم، القضية التي كانت كفيلة بتفجير الائتلاف الحكومي، إلا أن التخلص من عبء الضغط الأمريكي شكّل بوابة مهمة لخطو هذه الخطوة التي تأخرت كثيرًا بالنسبة إلى نتنياهو.
يرى نتنياهو في الائتلاف اليميني الحالي الائتلاف الأمثل لتمرير كل ما حلم به، في إطار استمرار عملية التغيير الشامل في “إسرائيل”، وإعادة صياغتها وفق برامج اليمين الصهيوني، وفي الخلفية وفق طموحات نتنياهو الشخصية، بما فيها الحصانة اللازمة لعدم ملاحقته قانونيًا، وضمان استمراره في موقعه في رئاسة الوزراء لأطول مدة ممكنة.
سيسهم قرار إقالة غالانت في إضافة بُعد جديد يحفّز التحركات الجماهيرية المعارضة في “إسرائيل”، إلا أنه لن يصل إلى مرحلة تشكّل ضغطًا حقيقيًا على نتنياهو وحكومته، التي نجحت على مدار عام في حصر تأثير ومفاعيل هذه التحركات وتجاهلها.
احتاج نتنياهو، الذي أعاد ترتيب حضوره الجماهيري وحظوته الانتخابية عبر المراهنة على إطالة أمد الحرب وعكس نتائجها استراتيجيًا، إلى إتمام ترتيب ائتلافه الحكومي بما يضمن انعدام تأثير أي معطى جديد على مستقبل هذا الائتلاف وخططه الاستراتيجية داخليًا وخارجيًا، كما على خطط “حسم الصراع” مع الشعب الفلسطيني التي بات يشترك فيها مع حلفائه من الصهيونية الدينية.
على صعيد العدوان على الشعب الفلسطيني والتصعيد في المنطقة، لن يحدث هذا التغيير تحولًا جوهريًا، ففي المحصلة كان نتنياهو الممسك الرئيسي بزمام الأمور وقيادة الحرب، ولن يضيف كاتس أية مساهمة نوعية، إلا في إطار المزيد من الضغط على جيش الاحتلال للالتزام بمحددات العمل التي وضعها نتنياهو.
وأيضًا للجم التصريحات والسلوك العلني للجيش للضغط على نتنياهو لاتخاذ خطوات ميدانية أو سياسية لا تتلاءم مع توجهاته الحالية، سواء في الجوانب العملياتية ومستقبل البقاء العسكري في قطاع غزة، أو الجوانب السياسية وملف صفقة تبادل الأسرى، وما بينها من تفاصيل مرتبطة برفض الجيش تولي مسؤولية مباشرة في العمل مع الفلسطينيين في قطاع غزة، سواء في المساعدات أو بناء نظام حكم موالٍ للاحتلال.
يعدُّ بنيامين نتنياهو إعدادًا جيدًا للمرحلة القادمة، بحيث يمضي في خوض مسار الحسم الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ويزيل كل المسبّبات والموانع التي يمكن أن تحول بينه وبين تدشين برنامج عمل مشترك مع الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترمب، الذي يتشجع إلى درجة كبيرة للعمل المشترك مع رئيس وزراء “إسرائيل”، ويتبنى أطروحات تصفية القضية الفلسطينية والإجهاز على عوامل صمودها وتماسكها.