“وقعت منذ قليل ضمن مجموعة من زملائي أعضاء مجلس النواب (خمس الأعضاء طبقًا للدستور) على تقديم بعض التعديلات الدستورية إلى السيد رئيس مجلس النواب غدًا بإذن الله تمهيدًا للمضي قدمًا بالإجراءات الدستورية الصحيحة.. والله الموفق والمستعان”، بهذه التغريدة التي نشرها عضو مجلس النواب المصري محمود بدر (رئيس حركة تمرد)، أمس السبت، تدخل معركة تعديل الدستور في مصر مرحلة جديدة تنتقل فيها من حرب الواقع الافتراضي على منصات السوشيال ميديا إلى ميدان المواجهة الفعلية.
وبعد سجال دام عدة سنوات بشأن إجراء بعض التعديلات الدستورية التي تعبد الطريق لبقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في السلطة بين من يراها أمرًا مستبعدًا في ظل تأكيدات السيسي نفسه أكثر من مرة احترامه للدستور ومن يتهم المعارضة بالعزف على هذا الوتر لإحراج النظام الحاليّ شعبيًا ودوليًا، ها هي الأمور تتكشف تباعًا ليحسم هذا الجدل بأسرع مما كان يتخيله البعض.
تحرك ربما يدخل المناخ السياسي المصري غرف الإنعاش بصورة رسمية بعد سنوات من الاحتضار البطيء ويجهض ما تبقى من آمال الدولة المدنية التي لأجلها قامت ثورة يناير 2011، ورغم الاعتراضات، المحلية والإقليمية والدولية، على مسألة تعديل الدساتير لمصلحة شخوص بعينها، فإن النظام في مصر يبدو أن له رأي آخر، ليعيد السيسي استنساخ الدولة المباركية مجددًا، في ظل الحجج الكربونية المعتادة: ظروف البلد تتطلب ذلك!
وقعت منذ قليل ضمن مجموعة من زملائي اعضاء مجلس النواب (خمس الاعضاء طبقا للدستور) علي تقديم بعض التعديلات الدستورية الي السيد رئيس مجلس النواب غدا بإذن الله تمهيدا للمضي قدما بالاجراءات الدستورية الصحيحة .. والله الموفق والمستعان .
— محمود بدر (@ma7mod_badr) February 2, 2019
المدة الرئاسية كلمة السر
بعيدًا عن ساحات السجال الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي فإن المادة (140) من دستور 2014 هي المحور الأول والأخير في مسألة التعديل، تلك المادة التي تنص على أنه “يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة”، وتستكمل المادة: “تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة”.
لكن وحتى لا تصنف تحركات التعديل بأنها صنعت طواعية لأجل الرئيس فكان لزامًا أن تكون هناك إضافات أخرى حتى تكون ظهيرًا يدعم مثل هذه التحركات، ومن ثم كان التحرك العملي بتوقيع 120 نائبًا من ائتلاف “دعم مصر” الداعم للنظام، على وثيقة تقدم اليوم لرئيس البرلمان للبت فيها وطرحها للمناقشة.
تشير بعض المصادر البرلمانية إلى أن وثيقة التعديل ضمت في بنودها لتعديل المادة 140، أن يجوز انتخاب الرئيس عدة مرات بدلًا من مرة واحدة، بالإضافة إلى أطروحة لزيادة مدة تولي الرئيس من 4 سنوات إلى 6، موضحين أن تلك الأطروحة ما زالت في مرحلة الشد والجذب والنقاش الداخلي لإعداد الصيغة النهائية من الوثيقة.
محمود بدر النائب الذي فجر هذا التحرك بتغريدته أمس قال: “التعديلات الدستورية المقترحة، التي سيتم التقدم بطلب بها إلى الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، غدًا تشمل تعديل مدة رئاسة الجمهورية”، مضيفًا خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “الحكاية”، الذي يعرض على فضائية MBC مصر، مساء أمس، “رغبتنا في تعديل مدة رئاسة الجمهورية تأتي في إطار ما لمسناه في الواقع العملي المحيط بنا”، مضيفًا: “أربع سنوات ليست كافية”، على حد قوله.
أيام الطيب ربما تكون معدودة خاصة أن الرجل تحت ضغط كبير، في ظل عدم التجديد لذراعه الأيمن داخل مشيخة الأزهر الدكتور عباس شومان كوكيل للمشيخة عامين جديدين، الذي حاول شيخ الأزهر استمراره في منصبه
وعن مضمون هذا المقترح أشار إلى أنه “ينص على تعديل المدة الخاصة برئاسة الجمهورية، لتكون فترتين رئاسيتين كما هي، مع زيادة كل فترة إلى ست سنوات بدلًا من أربع”، وبسؤاله عما إذا كان هذا التعديل سيتم تطبيقه على الفترتين الرئاسيتين للسيسي، أجاب “سوف يتم مناقشة هذا الأمر، وأعتقد أنه سيستلزم مادة انتقالية”.
أما عن بقية المواد الأخرى المقترح تعديلها أوضح “نريد غرفة تشريعية أخرى، وإلغاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة، وإضافة مهام أخرى للقوات المسلحة مثل الحفاظ على مدنية الدولة، ووجود تمثيل ملائم للأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة في مجلس النواب”.
وتشمل التعديلات المُقترحة عودة مجلس الشورى، باسم مجلس الشيوخ، وتعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وتمثيل المرأة بما لا يقل عن 25% من النواب بانتخابات البرلمان مع تمثيل مناسب للشباب والأقباط، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.
شيخ الأزهر في مرمى التعديلات
من المفاجآت التي تضمنتها التعديلات المقترحة، إعادة النظر في المادة السابعة التي تتضمن تحصين منصب شيخ الأزهر من العزل، حيث تنص على: “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كل شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم.. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء”.
تشير التوقعات إلى أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ربما يتعرض لنفس موقف عام 2003، الذي تنحى فيه عن منصب مفتي الجمهورية إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأصبح قريبًا جدًا من اتخاذ قراره بالتنحي عن المشهد والمنصب برمته، في ضوء التوتر البين في العلاقات بينه وبين النظام، وذلك حسبما نقل موقع “القاهرة 24” عن مصادر خاصة.
“الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط” السيسي
المصادر ذاتها أكدت أن أيام الطيب ربما تكون معدودة خاصة أن الرجل تحت ضغط كبير، في ظل عدم التجديد لذراعه الأيمن داخل مشيخة الأزهر الدكتور عباس شومان كوكيل للمشيخة عامين جديدين، الذي حاول شيخ الأزهر استمراره في منصبه، ثم الضربة الأكبر بوقف ندب المستشار محمد عبد السلام المستشار الخاص بشيخ الأزهر وأهم رجاله داخل المشيخة الذي من المعروف إشرافه على كل الأمور التنظيمية والقانونية داخل المشيخة، بل وإدارة والتخطيط لأغلب هذه المعارك.
يذكر أن معركة تغيير هذه المادة على وجه الخصوص للتخلص من شيخ الأزهر كانت قد اندلعت منذ عامين تقريبًا في أعقاب الخلاف الساخن الذي دار بين ائتلاف دعم مصر واللجنة الدينية بالبرلمان، وذلك حين تقدم النائب محمد أبو حامد بمشروع قانون “تنظيم الأزهر”، الذي يشمل تحديد مدة زمنية للإمام الأكبر بـ8 سنوات، وعدم انفراد هيئة كبار العلماء بإجراءات اختياره، الأمر الذي رفضه أمين سر لجنة الشؤون الدينية الدكتور عمر حمروش، معلنًا مواجهته بقانون آخر لتحصين منصب شيخ الأزهر، ووضع عقوبات لمن يسيء إليه أو إلى مشيخة الأزهر الشريف.
شيخ الأزهر والسيسي
دستور النوايا الحسنة
في سبتمبر/أيلول 2015، قال السيسي: “الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط”، وبعدها بعدة أشهر نقل موقع “مدى مصر” (مستقل) عن ثلاثة مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية وجهاز المخابرات العامة ومجلس النواب، أن اجتماعات شبه يومية تجري حاليًّا بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتم تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء.
المصادر أجمعت على أن نجل الرئيس (محمود) الذي يحظى حاليًا بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة، هو مَن يدير بنفسه هذه الاجتماعات، تحت إشراف ومتابعة يومية من مدير الجهاز اللواء عباس كامل الذي شارك أيضًا في بعض هذه الاجتماعات، مختتمة حديثها بالتأكيد على أن هناك رغبة لدى النظام في تمرير هذه التعديلات قبل نهاية الدورة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعتبر النظام وجوده هو الضمانة الأولى لتمرير هذه التعديلات خارجيًا دون أزمات.
“نظام السيسي يسير على نفس خطى مبارك، حيث الرئيس الأوحد الذي تسقط الدولة حال مغادرته منصبه، وأن الظروف والتحديات العصيبة التي تواجهها البلاد تتطلب الإبقاء عليه فوق كرسيه، وعليه لا بد من تعديل الدستور” خالد داوود رئيس حزب الدستور المصري
وتماشيًا مع تلميحات عدم ملاءمة دستور 2014 للمرحلة الحاليّة وهو الوتر الذي يعزف عليه الداعمون لفكرة التعديل، قال أحمد السجيني، أمين عام ائتلاف دعم مصر: “الحديث عن التعديلات الدستورية ليس حديث اليوم أو الأمس، بل هو حديث المجتمع المصري والنخب والنواب وقطاعات كثيرة مهتمة بالشأن السياسي وتنمية الدولة، منذ فترة”، مضيفًا أن “الدستور صدر في وقت عصيب، كنا نعاني فيه من تحديات كثيرة، ولجنة الخمسين اجتهدت للحفاظ على الدولة وإعادة الاستقرار، وقمنا بتفعيل مواد الدستور، لكننا كنواب واجهنا إشكاليات كثيرة، لذلك حان الوقت الآن لمواجهة هذه الإشكاليات”.
وأوضح أن “التعديلات الدستورية التي سيتم عرضها على الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، غدًا ستكون مفخرة لجميع المصريين، لأن هناك ضمانات كثيرة تم طرحها”، على حد قوله، وتابع: “آن الأوان لمواجهة التحديات دون حساسية، وبتعقل شديد، وبالاستماع للرأي والرأي الآخر”.
المادة 226 من الدستور الساري في مصر التي يدبرون للعصف بها لتأبيد الاستبداد
تنص على التالي: «لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات».— Nader FERGANY (@nfergany) January 31, 2019
أما الإعلامي والنائب البرلماني مصطفى بكري، فغرد هو الآخر بضرورة أن يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية، قائلاً عبر حسابه على “تويتر”: “حان الوقت لأن يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية في مصر، وحان الوقت لأن يكون تمثيل المرأة مناسبًا في مصر بعد أن أثبتت أن عطائها للوطن لا يقل عن عطاء الرجال، وحان الوقت لأن يكون لدينا مجلس واحد للإعلام وأن يتوقف الصراع الحاصل بين الهيئات الثلاثة”.
فيما دافع النائب محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب، عن مقترح تعديل الدستور، قائلاً: “الجميع يعلم الظروف التي كُتب فيها هذا الدستور”، وتابع “هذا الدستور يحتاج إلى مراجعة شاملة “، مشيرًا إلى أن التعديلات ستشمل من 15 إلى 17 مادة، وبسؤاله عن ردود الفعل التي تلقاها بعد الإعلان عن مقترح تعديل الدستور، أجاب “هذا الأمر له حساسية في الوجدان الشعبي، لأن كل المرات التي حصل فيها تعديل من قبل لم يتم الترحيب بها لأنها كانت لأهداف غير وطنية، لكن هذه المرة الوضع مختلف، فأنا لمست من دائرتي قبول حذر وتأمل للأمر حتى الآن”.
أما خالد داوود رئيس حزب الدستور، فكان قد أشار في تصريحات متلفزة له قبل فترة أن نظام السيسي يسير على نفس خطى مبارك، حيث الرئيس الأوحد الذي تسقط الدولة حال مغادرته منصبه، وأن الظروف والتحديات العصيبة التي تواجهها البلاد تتطلب الإبقاء عليه فوق كرسيه، وعليه لا بد من تعديل الدستور بما يتواءم مع متطلبات المرحلة بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار على حد قوله.
جدال بين صحفي مصري ومحلل سياسي حول فرضية تعديل #الدستور المصري من أجل تمديد ولاية الرئيس عبد الفتاح #السيسي pic.twitter.com/s87LRB1VY8
— DW عربية (@dw_arabic) January 25, 2019
الجدول الزمني للتعديل
التحرك لإجراء بعض التعديلات على الدستور يستند إلى المادة “226” من الدستور الحاليّ التي تُعطي الحق لرئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب، لطلب تعديل أي من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسباب التعديل، ثم يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال 30 يومًا من تاريخ تسلمه.
وبحسب الدكتور صلاح فوزي، عضو لجنة العشرة التي وضعت المسودة الأولى لدستور 2014، فإن رئيس البرلمان يعرض هذه التعديلات المقترحة على الأعضاء في اللجنة العامة للمجلس، التي بدورها تبحث في مدى توافقها مع المادة “226” من الدستور، والمادة “133” من اللائحة الداخلية للمجلس، وإن كانت متوافقة تُعرض هذه التعديلات على المجلس في جلسته العامة.
في حال سير الأمور على هذه الشاكلة في ظل إجماع الأغلبية البرلمانية الداعمة للنظام على المضي قدمًا في هذا الملف رغم الأصوات القليلة المعارضة داخل المجلس من المتوقع أن تطرح تلك التعديلات المقترحة على الاستفتاء الشعبي خلال النصف الأول من العام الحاليّ
وإذا قرر المجلس أو قررت اللجنة العامة توافر الشروط الدستورية والإجرائية في طلب التعديل المقدم من الأعضاء، تعد اللجنة العامة تقريرًا برأيها في مبدأ التعديل خلال 7 أيام لعرضه على المجلس، حسب المادة 142 من اللائحة الداخلية، وفي جلسته العامة يوافق المجلس من حيث المبدأ على هذه التعديلات، لكن الموافقة تحتاج أغلبية مطلقة أي ما يزيد على نصف الأعضاء شريطة أن يكون الاقتراع مناداة بالاسم.
مجلس نواب يحمل في تاريخه .. إقرار معاهدة تيران وصنافير .. ثم إقرار تعديل للدستور لإبقاء السيسي للأبد وإنهاء الحياة المدنية في مصر .. هو بالتآكيد لا يمثلني ولا يمثل أي مصري حر …. #لا_لتعديل_الدستور
— Dr. Yasser Hassan (@Yasser1703) February 2, 2019
وفي حال الموافقة على طلب التعديل يتم مناقشة النصوص المراد تعديلها بعد 60 يومًا من تاريخ الموافقة، ثم تُحال التعديلات إلى اللجنة الدستورية والتشريعية لمناقشتها وإعداد الصياغة القانونية للمواد المُستحدثة، ثم تُعيد مشروع التعديلات للعرض على الجلسة العامة مرة أخرى.
فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال 30 يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة التي تستوجب “أغلبية خاصة” أي موافقة ثلثي أعضاء المجلس، ويكون التصويت منادة بالاسم، ومن المقرر أن تتولى الهيئة الوطنية للانتخابات الإشراف على عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
وفي حال سير الأمور على هذه الشاكلة في ظل إجماع الأغلبية البرلمانية الداعمة للنظام على المضي قدمًا في هذا الملف رغم الأصوات القليلة المعارضة داخل المجلس من المتوقع أن تطرح تلك التعديلات المقترحة على الاستفتاء الشعبي خلال النصف الأول من العام الحاليّ حسبما توقعت مصادر داخل ائتلاف “دعم مصر”.
قضية تعديل الدستور المعركة الأهم والأكبر خلال الفترة القادمة، وستكون آلية موضوعية للفرز والاستقطاب بين القوى السياسية، سواء الساعية لإقامة دولة مدنية أم الداعمة لجعل مصر حبيسة نظام فرعوني أزلي
جدل وترقب
رغم الأصوات الداعمة لإجراء تلك التعديلات فإن آخرين حذروا من المساس بالدستور لحساب أنظمة بعينها، فعلى لسانه قال الدكتور عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين التي أعدت الدستور: “متلعبوش في الدستور.. الدستور هو أبو القوانين وهو رمز الاستقرار وأساسه في أي مجتمع.. ليس معناه أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه .. لكن لا بد أن تتعامل مع الدستور باحترام”.
موسى وفي لقاء متلفز له في ديسمبر 2017 أضاف: “الرئيس نفسه قال مؤخرًا أنا هحترم الدستور.. تعديل الدستور ممكن ولكن يأخد فترة لاستقراره أولاً ثم تصدر القوانين المكملة له، ثم القوانين المنفذة له، كل هذا يجب أن يتم قبل أن يعدل الدستور”، وتابع: “أهم التعديلات في رأيي أن يعاد إنشاء مجلس الشيوخ، ولا يجب المساس بمدة الرئاسة في الدستور، كما قال الرئيس، وأنا أؤيد ما قاله تمامًا”، مشيرًا إلى أن مادة تعديل مدة الرئيس: “غير قابلة للتعديل”.
أما عصام الإسلامبولي الفقيه الدستوري، فقال إن الدستور بالقطع لا يسمح بتعديل مدة الرئاسة، مشيرًا إلى أن عبارة “إلا بمزيد من الضمانات”، تعني تأقيت سلطة رئيس الجمهورية، وهي من المبادئ المهمة التي أرساها الدستور”، مضيفًا: “المشرع وضع حظرًا على إجراء تعديل في هذه الجزئية.. ربطها بالمزيد من الضمانات.. والضمانات هي تداول السلطة وتأقيت السلطة ووضع ضوابط وقواعد فيما يتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية.. حتى يمكن مساءلته ومحاسبته.. وليس فتح المدد على الإطلاق”.
وتابع “يمكن اللجوء للقضاء الإداري لوقف تعديل الدستور أو وقف إجراء أي استفتاء لتعديله، لأن هذا فيه مخالفة صارخة للدستور، وكذا يمكن اللجوء للمحكمة الدستورية”، مردفًا: “هذا الحظر وضع في مصر لأسباب مهمة وهي أننا مررنا بتجارب تعديل في أعوام “71 و80 و2005″، وكلها للالتفاف والتحايل على مدة الرئيس”.
فيما توقع الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تصبح قضية تعديل الدستور المعركة الأهم والأكبر خلال الفترة القادمة، وأنها ستكون آلية موضوعية للفرز والاستقطاب بين القوى السياسية، سواء الساعية لإقامة دولة مدنية أم الداعمة لجعل مصر حبيسة نظام فرعوني أزلي، محكوم عليه – وفق وصفه – بالجمود والفشل.
أتوقع أن تصبح قضية تعديل الدستور هي المعركة السياسية الكبرى والأهم خلال المرحلة المقبلة, وأن تتحول تدريجيا إلى آلية للفرز والاستقطاب بين القوى الساعية لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة والقوى المصرة على بقاء مصر حبيسة نظامها الفرعوني الأزلي المحكوم عليه مسبقا بالجمود والفشل.
— Hassan Nafaa (@hassanafaa) January 20, 2019
يبدو أن المشهد المصري خلال الأيام القليلة القادمة سيكون على موعد مع حراك من نوع جديد، ما بين داعم للتعديلات الدستورية التي ربما تضع السيسي رئيسًا لمصر مدى الحياة، ورافض يدافع عن احترام الدستور وتداول السلطة سلميًا وتجنب تكرار سيناريو مبارك مرة أخرى، معركة قد تكون فاصلة في تاريخ مصر، وربما يكون هناك ضحايا لها، لكنها ستعيد رسم الخريطة السياسية للدولة التي كان يأمل شعبها قبل 8 سنوات في أن تكون دولة مدنية ديمقراطية.