ترجمة حفصة جودة
ربما كان مصطلح “النسوية” من أكثر المصطلحات الشائعة في 2018، وفي العامين الماضيين كان هناك وعي عالمي متنامٍ بقضاية المرأة نتيجة لحركة “#MeToo” ومؤخرًا حملة الأمم المتحدة “#HearMeToo” لإنهاء العنف بسبب الجنس عالميًا.
حتى وقت قريب كنت أومن بشدة وإصرار في مصطلح النسوية وكنت أعتقد أنه طالما تدافع النسوية عن حقوق المرأة فإن معارضة النسوية يعني أن المرأة لا تستحق حقوقها، لكن في حوار بناء مع أكاديمي في مجال السياسة والدين بدأت بالتفكير في إشكالية وسياق النسوية كمفهوم وأيدولوجية.
تقول الكاتبة الروائية شيماماندا نغوزي أديشي: “يجب أن نكون جميعًا نسويات”، ثم تبنى هذه العبارة العديد من النساء في حملة الأمم المتحدة، فهل ينبغي حقًا أن نكون جميعًا نسويات؟
لتوضيح السؤال سوف أبدأ بتفكيك المصطلح نفسه، فهو ليس مجرد نظرية أو إيدولوجية أو معتقد، إنه عدة أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، فالنسوية قد تعني عدة أشياء، فهي فكرة كما تقول عنها الكاتبة ماري شير: “المفهوم الأساسي لأن النساء هم بشر”، ومشروع سياسي مثلما توضح بيل هوكس عندما تقول: “إنها حركة لإنهاء التحيز والاستغلال الجنسي والقمع”، أما من ناحية أكاديمية وفكرية فتقول ديبورا كاميرون: “إنها طريقة تحليل وطرح أسئلة والبحث عن إجابات”.
النساء في الشرق الأوسط شاركن بفاعلية في النقاشات ومع حركات المقاومة لتعزيز المساواة بين الجنسين
إذا كانت النسوية حقًا بشأن “المساواة الجنسية” وتعزيز حقوق المرأة كبشر مساوٍ للرجل فيجب أن يظهر هذا المفهوم في حركة منظمة أو إيدولوجية، ويجب أن تتحد النساء على مفهوم أساس كونهن “نساء”، على كل حال فالنساء مجموعة كبيرة متنوعة بطبعها، لذا كيف يمكن توحيدهن ببساطة حول كونهن نساء؟
ينعكس مفهوم التنوع هذا – بأن النساء لسن جماعة واحدة متماثلة – في “النسوية المتداخلة” وقد وصفت كيمبرلي كرينشو “التداخل” بأنه معرفة أن تجارب وخبرات النساء يشكلها السياق وهو ليس فقط على أساس النوع بل على أساس الطبقة الاجتماعية والعرقية.
ورغم أن النسوية التداخلية ذات صلة بالشرق الأوسط والطبقة الاجتماعية والعرق والوضع الاجتماعي وتختلف في تعريفها عن الغرب، فما الذي يعنيه أن تكوني امرأة عربية أو فارسية أو تركية أو كردية؟
إن العرق والهوية معقدان ويتداخلان مع عوامل أخرى ولذا فإن هذا التداخل لا يمكن نقله لمنطقة أخرى دون سياقاته، وفي الشرق الأوسط يظهر سؤال أكبر وهو دور الدين المختلط بالثقافة في تبرير الممارسات الأبوية.
في سياق الشرق الأوسط ورغم عدم وجود خطاب رسمي للنسوية فإن هناك ارتفاعًا مستمرًا في وعي المرأة وتنظيمها ونشاطها، فالنساء في الشرق الأوسط شاركن بفاعلية في النقاشات ومع حركات المقاومة لتعزيز المساواة بين الجنسين، ومن بينهم العديد من الناشطات والعالمات البارزات مثل هدى شعراوي ودينيس كانديوتي وسحر خليفة وأميرة سنبل وزيبا مير حسيني.
مفاهيم مثل الشرف والوصاية والطاعة ما زالت حاضرة بقوة وتتطلب أن يؤدي الرجال والنساء أدوارًا معينة
كانت مصر تاريخيًا الدولة الرائدة بحركات النسوية في الشرق الأوسط، لكن مؤخرًا تشهد السعودية ميلاد العديد من الحركات التي تطالب بحق المرأة في قيادة السيارة والمشاركة السياسية والوصاية، تستهدف المملكة العربية السعودية النشاط النسوي حيث إنها ترى المرأة كأداة للشرعية الدينية والسياسية، فاعتقال ناشطات مثل لجين الهذلول وغيرها يثبت أن السعودية سمحت رسميًا بقيادة المرأة للسيارة من أجل تحسين صورتها أمام العالم.
وبانتقال التركيز إلى دول الخليج فإن الأكاديميات المعاصرات في الخليج مثل مضاوي الرشيد والعنود الشارخ وأمل المالكي أنتجن سردية جديدة لحقوق المرأة تجمع بين المفاهيم الغربية مع نتاج المعرفة المحلية، ومن خلال ذلك نكتشف تباين النسوية في المنطقة بما في ذلك النسوية السياسية والإسلامية.
للمشاركة في حوار بناء بشأن قضايا المرأة ودورها في المجتمع الخليجي فإننا بحاجة أيضًا لمعالجة قضايا الرجل في تلك المجتمعات التقليدية، فمفاهيم مثل الشرف والوصاية والطاعة ما زالت حاضرة بقوة وتتطلب أن يؤدي الرجال والنساء أدوارًا معينة، الأكثر من ذلك أن المجتمع يواصل تطبيع العنف الجنسي بتعزيز صفات معينة للذكورة التي يقبلها الكثير من النساء كصفات مميزة للرجل.
هذا التطبيع يرجع إلى نقص السياسات المتعلقة بمنع العنف الجنسي والمرتبط بالممارسات القبلية والأسرية والسياسية، ورغم أن الرجال يحصلن على امتيازات أعلى فإنهم يعانون من ضغط مجتمعي لأداء دور معين يتعلق بكونهم “رجال”، فعلى سبيل المثال عندما تتزوج المرأة من غير مواطني بلدها فإنها لا تستطيع أن تمنح جنسيتها لأطفالها، وحتى الرجال يحتاجون لإذن من مؤسسات الدولة قبل الزواج من غير المواطنات.
مصطلح النسوية يثير رد فعل سلبي ودفاعي في المجتمع المحافظ الذي تفقد فيه المرأة قوتها كما أن الجهود التي تسعى للنهوض بحقوق المرأة تأتي بنتائج عكسية
كما أن الثقافة التي تعزز من دور المرأة الأساسي في المنزل كمربية هي نفسها التي تعزز من دور الرجل الأساسي كعائل، وكلاهما يعملان بدرجات متفاوتة على الحد من حرياتهم الشخصية.
تركز نقاشات حقوق المرأة في الخليج مؤخرًا بشكل ضيق على مفهوم النسوية دون الوضع في الاعتبار سياقات المفهوم، هل يمكننا حقًا أن نتحدث عن حقوق المرأة في مجتمع محافظ يسعى نحو الأداء الجمعي ويتجاهل الفردية؟ والفردية التي أعنيها هي حق الفرد في اتخاذ خيارات حياته دون إكراه مجتمعي منظم.
ففي الشرق الأوسط يعد النساء والرجال أدوات لتأسيس الأسرة ولا يمكن لأي منهم أن يناقش أو يغير التوقعات المتعلقة بالنوع، لذا فالأسرة كمؤسسة في المنطقة تحتاج لإعادة النظر فيها بطريقة لا تنتهك فيها قيم المجتمع الحريات الفردية.
لكن ذلك ليس مبررًا أبدًا لنقص حقوق المرأة، بل هو إشارة لسؤال أكبر: ما الذي نسعى إليه حقًا؟ قبل أن نركز كثيرًا على مفهوم النسوية، يجب أن نشارك بشكل أكبر وأكثر تعقيدًا في نقاشات عن النظام العقائدي للمجتمعات المحلية، فالأمر لا يتعلق بافتقار النساء لصوت أو وكالة، بل كيفية ترجمة تلك الوكالة في السياق الأكبر للمجتمع الخليجي وهذا ما نحتاج لدراسته.
إن العديد ممن يطلقن على أنفسهن نسويات في دول الخليج يطالبن بحقوق المرأة من خلال أطر سياسية ومجتمعية، تسعى النسويات إلى الاستقلال الكامل بحياتهن ويطالبن بأن لا يتم تعريف ذلك والتحكم به من خلال الحديث المستمر عن التقاليد مقابل الحداثة، ببساطة تطالب النساء بمعاملتهن كبشر.
ومع ذلك فمصطلح النسوية يثير رد فعل سلبي ودفاعي في المجتمع المحافظ الذي تفقد فيه المرأة قوتها كما أن الجهود التي تسعى للنهوض بحقوق المرأة تأتي بنتائج عكسية، وهكذا يتم فقدان الكثير دفاعًا عن المصطلح أكثر من دلالته، ربما لا تتفق المجتمعات الخليجية على تعريف عام للنسوية – إذا اتفقوا على المفهوم في المطلق – لكنهم بحاجة للاتفاق على حاجة المرأة للحصول على حقوقها، لذا هل نحن بحاجة للنقاش عن كوننا نسويات أما لا؟ وهل تخدم النسوية المرأة حقًا – حتى في الشرق الأوسط – أما أنها في الحقيقة تعمل ضدها؟
المصدر: ميدل إيست مونيتور