رغم العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة على سكان قطاع غزة منذ أبريل من العام 2017، وويلات الحصار الإسرائيلي المشدد التي قتلت كل مظاهر الحياة طوال 12عامًا، فإن ذلك كله لم يمنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من التلويح بأخطر وآخر ورقة ضد سكان القطاع.
“إقليم متمرد” بات هذا التهديد هو العامل المشترك في كل التصريحات التي يُطلقها قادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة منذ أسابيع، في خطوة رأى فيها مراقبون ومحللون بأنها حال نُفذت ستنذر بـ”كارثة سياسية واقتصادية ووطنية” سيدفع الفلسطينيون ثمنها الكثير.
إعلان قطاع غزة “إقليم متمرد” يعني وقف دفع الالتزامات المالية من رام الله بخصوص المياه والكهرباء للشركات الإسرائيلية نيابة عن غزة، ووقف جميع المساعدات المالية للقطاع
عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول ملف المصالحة في الحركة، أعلن وبشكل رسمي بأن القيادة متجهة لإعلان قطاع غزة “إقليم متمرد” خلال الفترة القليلة المقبلة، إضافة لفرض عقوبات أخرى أكثر قسوة وتأثيرًا على حياة السكان، الأمر الذي خلق موجة غضب كبيرة في الشارع الفلسطيني، وانتقاد حاد من الفصائل وسط اتهامات للرئيس عباس بتنفيذ المخطط الأخطر بفصل غزة نهائيًا عن باقي الوطن.
إعلان قطاع غزة “إقليم متمرد” يعني وقف دفع الالتزامات المالية من رام الله بخصوص المياه والكهرباء للشركات الإسرائيلية نيابة عن غزة، ووقف جميع المساعدات المالية للقطاع، بالإضافة إلى هذا فإن كل الذين يتقاضون أجورهم من رام الله سيتم وقف رواتبهم حتى يضاعفوا عامل الضغط على حماس، وأيضًا فإن كل المؤسسات الأجنبية سوف تتحمل تبعات كل ما يجرى لهم حال تعرضهم لأي خطر لأن الرئيس لا يملك أي سلطة في غزة، وهذا تخويف لهم ودفعهم لترك غزة وكذلك قطع كل ارتباطاتهم بغزة، وكذلك سيتم الإيعاز للبنوك أن تغلق فروعها في غزة حتى لا يتم تحويل الأموال للقطاع، كل ذلك يعني أن غزة (مهدورة الدم).
مخطط شيطنة غزة
محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وصف كل الخطوات التي يتخذها عباس ضد غزة بأنها تأتي ضمن مخطط فصل القطاع عن باقي الوطن، وإعلانه منطقة “متمردة” وخارجةً عن سيطرة عباس.
الزهار أكد أن خطة عباس الخطيرة تجاه قطاع غزة باتت مكشوفة الآن، وتتمثل في إغراقه بالأزمات والمعاناة وتضييق الخناق على سكانه وتشديد الحصار عليهم، مقابل الحصول على مواقف سياسية تخدم توجهاته في المنطقة.
“عباس يقود الحملة ضد قطاع غزة، وخطوة الخصومات على الرواتب لموظفي السلطة والتهديد بخطوات حاسمة قريبة تؤكد فعليًا مشاركته في حصار سكان غزة، والفصائل لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه كل من يحاصر ويشارك في خنق غزة” يضيف الزهار.
أوضح أبو مرزوق أن “أسلوب التهديد والوعيد مارسه عباس كثيرًا، لكن لم يجن منه أي شيء”
موسى أبو مرزوق القيادي الآخر في حماس أكد أن “تهديد عباس باتخاذ خطوات غير مسبوقة للتعامل مع الانقسام، هو هروب للأمام وعدم رغبة في التعامل مع استحقاقات المصالحة”، وأوضح أبو مرزوق أن “أسلوب التهديد والوعيد مارسه عباس كثيرًا، لكن لم يجن منه أي شيء”، مشيرًا إلى أن سياسة عباس تجاه قطاع غزة هي تعميق الانقسام، وهي سياسة لم تعد تخفى على أحد، والإجراءات الأخيرة بحق موظفي السلطة واقتطاع 50% من رواتبهم خير دليل على ذلك.
فشل كل جولات المصالحة التي رعتها مصر
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، أن إعلان قطاع غزة “إقليم متمرد”، يعني شيطنته وانسحاب كامل لدور السلطة الفلسطينية من مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية والوطنية، معتبرًا أن ذلك مؤشر خطير باعتبار غزة منطقة خارجة عن النظام السياسي الفلسطيني، وهو منافٍ للواقع والحقيقة في ظل فشل جهود المصالحة الفلسطينية.
وأوضح أن تصريحات الأحمد تأتي في سياق الحملة التحريضية المتواصلة والإجراءات التي تنوي السلطة الفلسطينية فرضها على قطاع غزة، مضيفًا “قطاع غزة جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، والمرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تتطلب الوحدة الوطنية”.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أن السلطة الفلسطينية، وعلى لسان الأحمد، بات من الواضح أنها تريد تهيئة الرأي العام للوصول لتلك اللحظة في ظل فشل جهود المصالحة الفلسطينية، ويعتبر أن الخيار الأمثل لكل الأطراف، الاستمرار والإصرار وعدم اليأس من فشل جهود المصالحة، وتقديم مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل المصالح الأخرى، والالتزام الدقيق والأمين بتنفيذ اتفاقي القاهرة عامي 2011 و2017.
واستبعد الغريب، إعلان غزة “إقليم متمرد” في الوقت القريب، لافتًا إلى أن الأمر غير مرتبط بقرار السلطة الفلسطينية فقط، وإنما هناك عوامل خارجية وأطراف، سترفض هذا المقترح وستعمل على خوض جولات ومحاولات جديدة من أجل إحداث اختراق حقيقي في ملف المصالحة.
استبعد الخبير في القانون الدولي عبد الكريم شبير، انتزاع هذا القرار من المجتمع الدولي، وذلك بسبب عدم سيادة الدولة الفلسطينية ووقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي
وأشار الغريب، إلى أن أول هذه الأطراف التي ستمنع الخطوة، جمهورية مصر العربية التي تصر على تحقيق الوحدة الفلسطينية، وتطرح ذلك في كل جولة أو زيارة تتم لقطاع غزة أو الضفة الغربية عبر وفد جهاز المخابرات المصرية.
وفيما يتعلق بخيارات حماس، قال الغريب: “حال الإعلان بشكل رسمي وإقدام السلطة على ذلك، فإن ذلك يعتبر لحظة الانفصال التام عن الضفة الغربية، وهذا قد يدفع قطاع غزة لسلوك خيارات هو في غنى عنها، كتشكيل هيئة وطنية لإدارة شؤون غزة أو تشكيل حكومة “تكنوقراط ” تدير شؤون وحياة المواطن الفلسطيني”.
ماذا يعني “إقليم متمرد”؟
ومن الناحية القانونية بشأن توجه الرئيس عباس لإعلان قطاع غزة “إقليم متمرد”، استبعد الخبير في القانون الدولي عبد الكريم شبير، انتزاع هذا القرار من المجتمع الدولي؛ وذلك بسبب عدم سيادة الدولة الفلسطينية ووقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يتنافى والمواثيق الدولية لقرار إعلان منطقة “إقليم متمرد”، التي من أول شروطها أن تكون المنطقة واقعة تحت سيادة الجهة الداعية.
لكن شبير أوضح أن هذا القرار يمكن أن يتم عبر طرق التفافية عربية للإطاحة بالنظام القائم في غزة، أو عن طريق خطوات فردية من السلطة كقطعها رواتب الموظفين الذين يتبعون لها في قطاع غزة، لتشكيل حالة من الاحتقان ضد النظام القائم وعدم دفع مستحقات القطاع للشركات الإسرائيلية (كهرباء وضرائب)”.
وأوضح الخبير بالقانون الدولي أنه في حال الحصول على قرار دولي أو عربي بإعلان القطاع “إقليم متمرد” فستبدأ خطوات فعلية جادة لحصار القطاع من ناحية سياسية، وهو عدم التعامل مع النظام القائم تحت أي تسميات ودون أي استثناءات، بالإضافة إلى تشديد الحصار على معابر قطاع غزة من جميع الاتجاهات، وتجميد أي أموال للحكومة بغزة أو حركة حماس، أو أرصدة مشتبه أنها تدعم الحكم في غزة، علاوة على قطع المساعدات الإنسانية الداخلة للقطاع.
يبقى قطاع غزة رغم ويلات الحصار وأزمات الرواتب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة والبطالة التي تنهش في جسد الفلسطينيين من كل جانب دون رحمة، يواجه أخطر الخطوات التي باتت بيد الرئيس عباس
ويختم حديثه: “عزل القطاع والكيد ضده جريمة وطنية لا مبرر لها، ويستهدف الكل الفلسطيني، ويؤثر على منحى القضية الفلسطينية بل ويهدد استقرار النظام السياسي الفلسطيني، ويعطي غطاءً ومبررًا واضحًا لقوات الاحتلال لشن حروب جديدة قاسية ضد قطاع غزة والمنطقة العربية”.
ويبقى قطاع غزة رغم ويلات الحصار وأزمات الرواتب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة والبطالة التي تنهش في جسد الفلسطينيين من كل جانب دون رحمة، يواجه أخطر الخطوات التي باتت بيد الرئيس عباس، ويترقب بحذر وقلق مصيره المجهول مع ناقوس الخطر الذي يقترب منه كل يوم.