في الـ4 من فبراير/شباط من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للسرطان، في محاولة لإظهار الدعم والمساندة للمصابين بهذا المرض واتخاذ إجراءات شخصية والضغط على الجهات المعنية لفعل المزيد من أجلهم لتخفيف العبء والمعاناة وصولاً إلى مرحلة التشافي الكاملة.
وتحت عنوان “أنا قادر وسوف أفعل” (I am and I will) اتخذت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة شعارها للاحتفال بهذا اليوم العام الحاليّ 2019، داعية إلى التوحد تحت راية مكافحة السرطان علاجًا ووقاية بطريقة إيجابية وملهمة، تقضي عليه في أسرع وقت رغم التحديات الموجودة.
الإحصاءات التي أوردتها منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن 17 مريضًا حول العالم يموت كل ثانية بسبب السرطان، وأن18.1 مليون حالة إصابة جديدة تظهر سنويًا في العالم، كما أنه يعد ثاني سبب رئيسي للوفاة في العالم، وقد حصد في عام 2015 أرواح 8.8 ملايين شخص، وتعزى إليه وفاة واحدة تقريبًا من أصل كل 6 وفيات في العالم، فيما تسجل البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة نسبة 70% تقريبًا من الوفيات الناجمة عن هذا المرض.
ورغم النجاحات التي تحققت في هذا المضمار تبقى معدلات الإصابة في العالم العربي مقلقة، ورغم أن مستوياتها أقل مقارنة بنظيراتها في بعض دول العالم، فإن هناك حزمة من التحديات تهدد المصابين بهذا المرض، ما يتطلب تضافر كل الجهود للوصول إلى معدلات آمنة وسبل علاج ناجعة تخفف من تأثير هذا الداء اللعين.
أرقام مفزعة
السرطان مصطلح عام يشمل مجموعة كبيرة من الأمراض التي يمكنها أن تصيب كل أجزاء الجسم، ويشار إلى تلك الأمراض أيضًا بالأورام الخبيثة، وقد كشفت الإحصاءات الرسمية عن نجاح نسبي لدى دول الغرب في تحجيم انتشار المرض في ظل عدد من الاكتشافات الطبية التي أثبتت قدرتها على القضاء نهائيًا عليه وأنه لم يعد المرض القاتل كما كان في السابق.
يأتي في المرتبة الأولى – وفق التقارير – سرطان الرئة، بمعدل إصابة 1.824.701 مصاب، يليه سرطان الثدي، 1.671.149 مصابة، ثم سرطان القولون 1.360.602 مصاب، فيما جاء سرطان البروستاتا في المرتبة الرابعة بنسبة إصابة 1.094.906 حالة، بينما تذيل سرطان المعدة بمعدل 951.954 مصاب.
في السنوات العشرة الأخيرة على وجه التحديد، نجحت الحملات الدولية في تحجيم انتشار المرض بصورة معقولة، حيث أظهرت الإحصاءات تحسنًا ملحوظًا في نسب العلاج لا سيما في الدول الغربية
وتحتل فرنسا الموقع الأول في عدد الإصابات بين الرجال بـ385 حالة لكل 100 ألف رجل، بينما تحتل الدنمارك الموقع الأول في عدد الإصابات بين النساء بـ328 لكل 100 ألف، فيما جاء لبنان في المرتبة الأولى عربيًا بمعدل إصابة تقدر بمئتي حالة.
نجم عن معدلات الإصابة بالمرض ملايين الوفيات، حيث أسفر سرطان الرئة عن وفاة 1.69 مليون وفاة، فيما تسبب سرطان الكبد في وفاة 78.000 مليون مريض، مقارنة بـ774.000 وفاة لمرضى سرطان القولون والمستقيم، أما سرطان المعدة فأسفر عن 754.000 حالة وفاة، وسرطان الثدي قرابة 571.000 وفاة.
تقدم ملموس في علاج السرطان بدول الغرب
تحسن نسبي
في السنوات العشرة الأخيرة على وجه التحديد، نجحت الحملات الدولية في تحجيم انتشار المرض بصورة معقولة، حيث أظهرت الإحصاءات تحسنًا ملحوظًا في نسب العلاج لا سيما في الدول الغربية، ورغم أن هذا لا يعني أن المرض قُضي عليه تمامًا فإنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة تشير الأرقام إلى تحسن سواء في العمر المتوقع أو في حالات الوفيات.
العديد من الشواهد على هذا التحسن كشفتها منظمة الصحة في تقرير مفصل لها، حيث انخفضت نسبة الموت بسبب الأمراض السرطانية بما قدره 23%، الذروة كانت في العالم 1991، إذ كان معدل الموت 215 حالة من أصل 10 آلاف مصاب، ومنذ ذلك الحين ومعدلات الوفاة تنخفض بشكل ثابت وعليه خلال العقدين الأخيرين تم تفادي موت 1.7 مليون شخص من خلال الكشف المبكر عن المرض وتحسين نوعية الحياة.
كما أن أكثر من 30% من الأمراض السرطانية تم تفادي الإصابة بها من خلال نظام صحي وممارسة التمارين الرياضية والإقلاع عن التدخين، فيما انخفض معدل موت الأطفال جراء هذا المرض بنسبة 2% كل عام، مقارنة بـ1.8% للرجال، و1.4% للنساء.
أما معدل البقاء على قيد الحياة للذين يعانون من الأمراض السرطانية فقد ارتفع بنسبة 69%، فيما تزايد معدل البقاء على قيد الحياة بسبب الكشف المبكر عن المرض بنسبة 100%، رغم أن الأمر هذا ينطبق على كل الدول وعلى رأسها الدول العربية، بينما ارتفع معدل البقاء على قيد الحياة للأطفال المصابين بالسرطان أكثر من 80%.
يأتي التأخر في التشخيص المبكر للمرض في معظم الدول العربية في المرتبة الثانية بقائمة التحديات التي تجعل وضع الدول العربية مقلقًا
واقع عربي مؤلم
رغم عدم وجود توثيق رسمي لحالات الإصابة بالسرطان في العالم العربي، فإن منظمة الصحة حذرت من كارثة قادمة لدول الشرق الأوسط، كاشفة عن تضاعف عدد حالات الإصابة خلال العقدين المقبلين ما لم تقم السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة لكبح جماح القطار السريع للمرض.
المنظمة كشفت عن تشخيص 555.318 حالة جديدة من المرض، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 961098 حالة في العام 2030، مع توقعات زيادة نسبة الإصابة بسرطان القولون والمستقيم والمعدة والكبد عند الذكور بشكل خاص، بالإضافة إلى حالات الإصابة بسرطان البلعوم والمريء، أما نسبة سرطان الرئة التي تشهد ارتفاعًا في الوقت الحالي فمن المتوقع لها أن تزيد بنسبة 13% بسبب التلوث.
وتتفاوت معدلات الإصابة بالمرض بين الدول العربية، ففي لبنان الذي يحتل المرتبة الأولى سجل 200 حالة سرطانية لكل 100 ألف نسمة، تبعته مصر 15204 حالة، ثم سوريا 14591، ثم العراق 13527، الأردن 1554، فلسطين 14573، الكويت 10212 حالة، الإمارات 9252، السعودية 9106، عمان 8205 ، السودان 911، اليمن 8036، ليبيا 12412، 12349، المغرب 11784، تونس 11057 حالة.
المعهد القومي للأورام في مصر
تحديات ثلاث
قد تكون معدلات الإصابة في العالم العربي أقل نسبيًا من مناطق أخرى حول العالم ولكن هناك ثلاثة تحديات رئيسية تجعل من الاهتمام بمنظومة علاج السرطان ضرورة حيوية تتطلب تضافر الجهود كافة، الحكومية والشعبية، للحيلولة دون اتساع رقعة انتشار المرض.
التحدي الأول يتعلق بعدم وجود بيانات كافية عن السرطان تمكن الجهات المعنية من القيام بتحليل دقيق عن وضع السرطان في المنطقة، إذ إن معظم التقارير الواردة تأتي من منظمة الصحة الدولية وهي رغم أهميتها لا يمكنها أن تحقق مستوى الدقة المطلوب، هذا في الوقت الذي تسير فيه معدلات الإصابة في خط تصاعدي مقارنة بدول العالم.
مرضى السرطان في الدول النامية محرومون من المسكنات الأساسية للألم، والسبب في ذلك غالبًا هو الخوف المفرط من إدمان المواد الأفيونية
فيما يأتي التأخر في التشخيص المبكر للمرض في معظم الدول العربية في المرتبة الثانية بقائمة التحديات التي تجعل وضع الدول العربية مقلقًا كما هو الحال مثلاً في مصر، فرغم أن الأرقام وفق المعدل الطبيعي لنسبة الإصابات ولكن الكشف المتأخر عن المرض يؤدي إلى نسبة وفيات أعلى.
أما التحدي الثالث فيتعلق بارتفاع أسعار الأدوية المعالجة لشتى أنواع السرطانات، ما يجعل الغالبية العظمى من المرضى يلجأون للعلاج على نفقة الدولة والأجهزة الحكومية، وهو السبيل الذي يعاني من ضغوط شديدة جراء الإقبال الكبير عليه مقارنة بما لديه من إمكانات ما يزيد من معدلات الوفاة بسبب المرض في ظل عدم القدرة على علاجه أو تشخيصه في الوقت المناسب.
أزمة أخرى ربما تعزز من وضعية المرض دوليًا، حيث قالت منظمة الصحة في تقرير لها إن مرضى السرطان في الدول النامية محرومون من المسكنات الأساسية للألم، والسبب في ذلك غالبًا هو الخوف المفرط من إدمان المواد الأفيونية، وبحسب الخبير في المنظمة تشريان فارجيز فإن أكثر من نصف الصيدليات في ثلثي الدول الصناعية لديها مورفين يتم تناوله عن طريق الفم، وهو مسكن يستخدم على نطاق واسع لتخفيف الألم الحاد، مقابل 6% فقط من الصيدليات بالدول الفقيرة.