يعتبر ملف الصحراء الغربية، القضية المركزية في المملكة المغربية، التي لا يمكن للسلطات في هذا البلد العربي التنازل عنها، ما جعل بعض البلدان تستغل هذا الملف للضغط على الرباط، كما تفعل الرياض مؤخرًا، وفق العديد من المراقبين، حيث عمدت السعودية لاستغلال هذا الملف “المصيري” للتعبير عن عدم رضاها عن المغرب وسياسته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، فضلاً عن الأزمة اليمنية.
قناة العربية على الخط
عمدت قناة “العربية”، وسط الأسبوع المنقضي، إلى تخصيص فقرة تفاعلية عن الصحراء الغربية، تحدثت فيها بنبرة إيجابية عن جبهة البوليساريو الانفصالية وأبرزت وجهة نظرها من القضية على حساب الوجهة التي تتبناها المملكة المغربية.
وأشار مقدم الفقرة إلى اعتراف الكثير من الدول، وفق قوله بـ”الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية” المعلنة من طرف واحد، التي تطالب باستفتاء لتقرير المصير، واعتبار الأمم المتحدة لها كممثل الشرعي بما وصفه بـ”الشعب الصحراوي”.
تعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”
ما أقدمت عليه قناة العربية، جاء بعد أيام قليلة من مقابلة تليفزيونية أجرتها قناة الجزيرة مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكد فيها انسحاب المغرب من الحرب في اليمن وبعض التفاصيل عن عدم استقبال المغرب لولي العهد السعودي في جولته العربية الأخيرة وغياب التنسيق بين الأنظمة الملكية، وهو التنسيق الذي راهنت عليه المملكة كثيرًا لتبدو بمثابة الدولة التي تتزعم الملكيات العربية.
ولا يعتبر إقدام قناة العربية على بث مثل هذه الفقرة التفاعلية والنبرة الإيجابية المساندة لوجهة نظر البوليساريو جديدة، حيث أقدمت نفس القناة في بداية أزمة الخليج وتبني المغرب خيار الحياد الإيجابي، على تخصيص برنامج يصف الصحراء بالأرض المحتلة ويصف جبهة “البوليساريو” بالجمهورية الصحراوية.
“عمل عدواني ضد المغرب”
رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني عبد الرحيم المنار أسليمي، اعتبر الدعايا التي قامت بها قناة العربية السعودية لجبهة البوليساريو “عملاً عدوانيًا ضد المغرب قد تكون وراءه جهة ما داخل المملكة العربية السعودية”.
وقال أسليمي في تصريح لنون بوست: “قناة العربية التي كانت تنقل مباشرة الخطب الملكية في ذكرى المسيرة الخضراء المغربية باتت منذ سنتين تقريبًا تمارس نوعًا من الدعايا العدائية ضد السيادة المغربية”، وأشار إلى وجود طاقم سعودي في قناة العربية يسيء إلى العلاقات المغربية السعودية.
وأوضح رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أن “هذا الطاقم يبدو أنه مدفوع من طرف جهة ما داخل المملكة العربية السعودية لم تعجبها مواقف المملكة المغربية من بعض القضايا العربية كالحصار المضروب على قطر والحرب في اليمن”.
وأكد أن “هذا الطاقم المدفوع من طرف جهة ما في السعودية لم ينتبه إلى معطى تاريخي مفاده أن السعودية شاركت في المسيرة الخضراء سنة 1975 وظلت مساندة للمغرب طيلة هذه المرحلة، نظرًا لعمق العلاقات التاريخية بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية”، وتابع “الذين وجهوا قناة العربية من داخل السعودية للدعايا للبوليساريو، والعداء للسيادة المغربية لم ينتبهوا أنهم يوجدون في نفس صف حزب الله وإيران التي كشف المغرب منذ شهور إنها داعمة لكيان البوليساريو”.
وفي مايو/أيار الماضي، قطعت المملكة المغربية العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب “تورط” حزب الله اللبناني في إرسال أسلحة إلى جبهة البوليساريو الانفصالية عن طريق عنصر في السفارة الإيرانية بالجزائر، حسب قول الخارجية المغربية.
أكد عبد الرحيم المنار أسليمي أن “المغرب يرفض الاصطفاف وراء أي دولة ما في الأزمات العربية العربية، لأن المغرب طور سياسة محايدة ويرفض الإملاءات مهما كان شكل الإغراءات أو الضغوط، فالموقف المغربي من الأزمة الخليجية واضح، إذ إن المغرب الذي ألقى ملكه خطابًا تاريخيًا في الرياض أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجي ينبه فيه إلى المخاطر المحيطة بالعالم العربي لا يمكنه أن يشارك في حصار قطر، بل إنه يعمل على القيام بوساطة تنهي هذا الصراع الذي ستكون تكلفته باهظة على الخليج والعالم العربي برمته”.
وفي خصوص موقف المملكة من الأزمة اليمنية، أوضح أسليمي أن وزير الخارجية المغربي كان واضحًا، فمشاركة المغرب في البداية كانت لرد الخطر عن أراضي المملكة العربية السعودية، لكن الحرب في اليمن خرجت عن الإطار الذي رسم لها في البداية وباتت مشكلة دولية كبيرة، فكان من الطبيعي أن ينسحب المغرب من قوات التحالف العربي.
أما بخصوص المسألة الثالثة التي أثارت قلق جهات سعودية (لم يسمها)، في حوار ناصر برويطة، وهي رفض استقبال الرباط لولي العهد السعودي محمد بن سالم خلال جولته العربية الأخيرة، فقال أسليمي: “وزير الخارجية المغربي كان واضحًا في هذه القضية، فزيارات القادة الخليجيين مرحب بها، ولكن وفق أجندة متفق عليها من حيث المضمون والزمان”.
ارتباك قناة العربية
الهزيمة التاريخية التي تلقتها قناة العربية أمام قناة الجزيرة، وعدم قدرتها على مجاراة الخبرة المهنية التي أدارت بها قناة الجزيرة الحصار على قطر وباقي التداعيات التي حدثت فيما بعد، وفق أسليمي، جعلت طاقم “العربية” المهزوم يوجه إعلامه نحو المغرب بتوجيه من جهة سعودية ما.
وأضاف “يبدو أن قناة العربية والذين يقفون وراءها في السعودية باتوا يعيشون ارتباكًا يدفعهم لارتكاب أخطاء تسيء للعلاقات المغربية السعودية”، مؤكدًا أن ما بثته قناة العربية “لعبة قديمة وغير مبررة وتفتقد إلى النضج الكافي، ومن شأن استمرارها أن يسيء للعلاقات التاريخية المغربية السعودية”.
وتساءل: “كيف لقناة العربية والذين يقفون وراءها أن يطلقوا النار على أرجلهم بارتكاب خطأ خطير مفاده قولهم إن الأمم المتحدة تعترف بالبوليساريو؟”، وتابع “هل معنى ذلك أن الأمم المتحدة وهي ترعى مفاوضات بحضور الحوثيين في اليمن على ظهر سفينة أممية في البحر الأحمر أنها تعترف بالحوثيين؟”.
وسيلة ضغط
لجوء السعودية لقضية الصحراء الغربية في أكثر من مرة يؤكد “اعتبار الرياض لهذه القضية وسيلة الضغط الأقوى ضد المغرب لإملاء رؤيتها الأحادية عن المنطقة وشكل التعاون”، وفق الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية المغربي عمر مروك.
وقال مروك في حديثه لنون بوست: “هذه التدخلات السياسية لم تعد مقبولة من لدن السلطات المغربية التي كانت تتعامل مع دول الخليج وفق منطق الشركاء والأشقاء، إلا أن الحياد الإيجابي للمغرب تجاه القضية القطرية لم تستسغه الرؤية القاصرة للسياسة الخارجية للرياض التي ترى الأمور وفق منطق معي أو ضدي لا غير”.
وخلال الأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو/حزيران 2017 بحصار قطر، دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة، وهو ما لم تستسغه السعودية.
تعتبر السعودية من أبرز الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية، حيث ما فتئت الرياض تؤكد دعمها لسياسة الرباط في هذا الشأن
وأكد عمر المروك “مثل تلك الخرجات الرعناء تضعف موقف الخليج لا غير في محاربة الإرهاب ، في الوقت الذي تثار عن السعودية والإمارات ملفات حقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية للغير، وبالتالي فشرعية السعودية والإمارات هي التي باتت في المحك”.
واعتبر الباحث الغربي أن “عدم دعم المغرب في قضية الصحراء ليس له أثر كبير، لأن المغرب يسير في اتجاه تنويع الشركاء والحلفاء والملف يسير تجاه الحل وفق رؤية المغرب ووفق إطار الحكم الذاتي والقانون الدولي”، وتابع “الأحرى على دول الخليج اليوم أن تعيد النظر في إستراتيجيتها الاندفاعية التي أججت موجات السخط الدولي حولها وبالخصوص ملف حقوق الإنسان والأسلحة وإشعال فتيل النزاعات الداخلية بالمنطقة، ملفات تستدعي ضبط النفس وإعادة التفكير في سبل إرجاع حبل الود مع المغرب وغيره، لكون الخليج محتاج لدعم المغرب أكثر وليس العكس.
“المغرب فعال وليس مفعول به”
الخبير السياسي المغربي رشيد لزرق سلط الضوء أيضًا في حديثه لنون بوست على الدور الذي تلعبه بعض الجهات في المملكة السعودية لضرب التعاون بين البلدين، وقال: “عدم الاستقرار في العلاقات المغربية السعودية، يعتبر نتيجة سوء فهم كبير لدى جناح في المملكة العربية السعودية بشأن العلاقة التي تجمع الدولتين”.
وأضاف “ما تقوم به قناة العربية هو تعبير عن جناح في السعودية لا يستوعب بعد طبيعة ما يجمع المملكتين، إذ يظن المغرب بلدًا تابعًا والحال أن المغرب بلد حليف، أي نعم، لكنه غير خاضع لرغبات وغضبات حكام السعودية، كما اعتاد السعوديون من دول أخرى”.
وأوضح لزرق أن “المغرب، كبلد ذي سيادة، فعال وليس مفعول به، ينتهج سياسة متوازنة بين الدعم والتضامن الأخوي بما تستوجب قناعته، وذلك نابع من مواقفه المعتادة على مر السنين، مع استحضار القيم الكونية والمبادئ الدولية، وهو ما جعله يقف بجانب قطر في حصارها من دول الخليج، دون خوف أو وجل من غضب السعودية أو غيرها كما أبدت دول عدة”.
وأكد في كلامه أن “المغرب بلد يملك قراره، وحكام السعودية يعرفون هذا الأمر جيدًا، كما يعرفون أن المغرب التزم الحياد إزاء الأزمة الخليجية لكنه حياد إيجابي ينتصر للأخوة ولملمة الشمل بدل الإمعان في خلق التفرقة، كما يروم سعوديون دغمائيون ومن يوالونهم”، وتابع “هؤلاء الدغمائيون يمثلون جناحًا في المملكة الخليجية لم يفطن بعد لموازين العلاقة بينها والمغرب، فيعمد كلما سنحت له الفرصة إلى محاولة النيل من المملكة المغربية ظنًا من هذا الجناح أنها تابعة وخاضعة والحال أنها في حل من كل شيء إلا من واجب الأخوة”.
مواقف ثابتة؟
يساند أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط المغربي عبد الحفيظ أدمنو، رشيد لزرق فيما ذهب إليه من رغبة بعض الجهات السعودية في توتير العلاقات بين البلدين، حيث قال: “بعض الأطراف في النظام السعودي خاصة بعض الشخصيات المقربة من ولي العهد تخرج ببعض التصريحات كما حدث بشأن ترشيح المغرب أو توظيف بعض المنابر الإعلامية في الضغط على المغرب”.
وأوضح أدمنو في تصريح لنون بوست، أن هذه الخرجات المتتالية التي تعبر عن عدم الرضا على بعض مواقف المغرب من بعض الأطراف في النظام السعودي، تؤكد عدم وجود تطابق وجهات النظر في بعض القضايا بين الطرفين، وفي مقدمتها موقف المغرب من الأزمة الخليجية.
يعتبر المغرب الصحراء الغربية قضيته المركزية
غير أن أدمنو يرى أن الموقف الرسمي السعودي من قضية الصحراء الغربية لم يتغير، فـ”الخلاف بين المغرب والسعودية وإن توافر فهو لا يصل إلى تغير في المواقف، فالمواقف الرسمية سواء الصادرة عن الدولة السعودية أم القمة الخليجية الأخيرة لم تغير في مواقف هذه الدول ومن بينها السعودية”.
وتعتبر السعودية من أبرز الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية، حيث ما فتئت الرياض تؤكد دعمها لسياسة الرباط في هذا الشأن، وتعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، حيث يسيطر المغرب على 80% منها ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
هذا التغيير الحاصل في طريقة تناول إعلام السعودية قضية الصحراء الغربية، جاء بعد سنوات من تأكيد الرياض دعمها للرباط في هذه القضية المركزية، ورفض العاهل السعودي الملك سلمان أي مساس بمصالح المغرب العليا، غير أن الواضح أن هذا الموقف في طريقه للتغيير.